هل نجح الرقيب العسكري في إخفاء تكاليف الحرب عن الشارع الإسرائيلي؟
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
منذ بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حدثت قفزة بمقدار 4 إلى 5 أضعاف في عدد المنشورات التي تخضع للرقابة العسكرية الإسرائيلية، وقد أشرف الرقيب العسكري على مئات الآلاف من المنشورات المتعلقة بالحرب وفق القناة الـ12.
وبينما يدافع الرقيب العسكري عن دوره المتعاظم زمن الحرب في الموازنة بين حرية الرأي من جهة وأمن إسرائيل من جهة أخرى يرى آخرون أن دوره -الذي بات محصورا في توجيه الإعلام نحو السردية المطلوب الترويج لها- لم يعد مبررا في ظل وجود منصات التواصل الاجتماعي.
وفي تقرير للجزيرة سلط إلياس كرام الضوء على مؤسسة الرقيب العسكري ودورها، والأسلوب الذي تتبعه في حجب المعلومات عن الإسرائيليين، وكيف اضطرت بسبب مقاطع فيديو المقاومة إلى رفع الحظر عن عدد من خسائر المعارك في غزة.
وبموازاة حربها في غزة تخوض إسرائيل حربا إعلامية شرسة مَثّل المتحدث العسكري دانيال هاغاري المايسترو المدير لإيقاعها، حيث بنى سردية الحرب على 3 أسس هي التأكيد على أن إسرائيل ضحية، والترويج لانتصارات أغلبها وهمي، والتستر على أي معلومة من شأنها الإضرار بالمعنويات.
مقص الرقيبولتحقيق ذلك يحضر مقص الرقيب العسكري للاحتلال الإسرائيلي في وضع جملة من المحدادت والمحظورات على الإعلام، وتضمنت قائمته محددات صارمة اشتملت على أمور عسكرية وسياسية على حد سواء.
ومنذ بداية العملية البرية مارس جيش الاحتلال التعتيم على أعداد جنوده الجرحى، لكن صحيفة "يديعوت أحرونوت" نشرت تقريرا كشف أن عدد جرحى الجيش وصل إلى 5 آلاف، لكن وبعد ساعات أبدل هذا العدد بالرقم ألفين، وهو عدد الجنود المعاقين من إجمالي الجرحى آنذاك.
ويرافق الرقيب العسكري إسرائيل مذ تأسيسها، فهو كاتم أسرارها العسكرية وحارس أمن معلوماتها والمتستر على جرائمها الممتدة من مجازر النكبة وما بعدها، وهو يتبع شعبة الاستخبارات العسكرية وطال مقصه كل نواحي الحياة.
وتراجع دور الرقيب العسكري في بداية تسعينيات القرن الماضي مع تطور الإعلام وظهور الإنترنت، لكنه احتفظ بسطوته، ولا سيما في أوقات الحرب والأزمات، وتجندت الصحافة الإسرائيلية في خدمة السردية الصهيونية، خاصة خلال السنوات الأولى لقيام الدولة.
لكن هذا التعتيم الذي حاول الرقيب العسكري فرضه لم يكن ممكنا في ضوء ما تنشره المقاومة ومنصات التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو أجبرت جيش الاحتلال الاسرائيلي على الاعتراف بما كان يفضل التستر عليه، ومن ذلك الاعتراف بمقتل الأسير ساهر باروخ في عملية فاشلة لتحريره.
كما حجب الإعلام الاسرائيلي عن مشاهديه النصف الآخر للقصة ولم يظهر شيئا عن أوضاع الفلسطينيين، وبدا أداؤه شعبويا منحصرا في إرضاء دافع الانتقام لدى المجتمع الاسرائيلي بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولعل السعي وراء صورة نصر هو ما يفسر جزءا من سلوك الإعلام الإسرائيلي.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
وزير الإعلام المصري الأسبق لـعربي21: الكاميرا يجب أن ترافق البندقية.. والبعض خان فلسطين (شاهد)
أعادت حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة خلال العامين الماضيين تشكيل وعي الشعوب العربية والإسلامية، وخلقت تحولا غير مسبوق في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، بعدما كشفت مشاهد الإبادة والدمار حجم الجرائم المرتكبة بحق المدنيين.
وفي الوقت نفسه، وضعت هذه الحرب الإعلام العربي والدولي أمام اختبار تاريخي، فبرزت مؤسسات وطاقات إعلامية أدت دورا محوريا في فضح الرواية الإسرائيلية وكشف الزيف، فيما اختارت جهات أخرى الصمت أو الانحياز، لتصبح المعركة الإعلامية جزءا أصيلا من معركة الوجود على أرض فلسطين.
في لقاء خاص مع "عربي21"، قدم وزير الإعلام المصري الأسبق صلاح عبد المقصود قراءة معمقة لدور الإعلام في حرب غزة، وتحليلا لتأثيرها الواسع على وعي الشعوب العربية والعالمية، مؤكدا أن هذه الحرب أعادت تثبيت أن قضية فلسطين ليست مجرد ملف سياسي، بل قضية إنسانية ووجودية تحرك الضمير الحر في كل مكان.
وقال عبد المقصود إن ما جرى في غزة خلال الحرب الأخيرة كشف بوضوح حجم الانقسام داخل المنظومة الإعلامية العربية والدولية، مشيرا إلى أن "جزءا من الإعلام العربي، ومعه مراسلون دوليون أصحاب ضمائر حية، لعبوا دورا حاسما في كشف الحقيقة وفضح الزيف الصهيوني، خاصة الادعاءات التي روجها الاحتلال عن أن المجاهدين قتلوا الأطفال أو اعتقلوا النساء والشيوخ".
وأوضح بعد المقصود أن "الرواية الصهيونية سقطت لأن الإعلام الصادق فضحها بالصورة والحقائق"، مشددا على أن هذا الدور لم يكن بشكل عام، بل كان نتاج جزء من الإعلام العربي "بينما كان هناك أيضا إعلام عربي منبطح، موال للعدو، يطعن الفلسطينيين والمقاومين في ظهورهم ويبرر جرائم الاحتلال".
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
وتحدث الوزير السابق بتأثر عن الدور الذي أداه الصحفيون في غزة خلال الحرب، قائلا: "أشدّ على أيدي زملائي الإعلاميين، وأترحم على زملاء الصحفيين والمصورين وأطقم العمل الذين ارتقت أرواحهم في غزة وهم يجاهدون بالكاميرا"، مؤكداً أن معركتهم لم تكن أقل قيمة من معركة المقاتلين في الميدان.
وأضاف عبد المقصود أن العديد من المؤسسات الإعلامية "أدت دورها الكامل، ولولاها لما عرف العالم حقيقة ما يجري في فلسطين"، وأضاف: "الحمد لله، هناك كتائب إعلامية أدت دورها، ودورها لا يقل عن المجاهدين في الميدان".
وأكد أن المعركة الإعلامية أصبحت جزءا أصيلا من معركة المقاومة نفسها، قائلا: "لا بد للكاميرا أن ترافق البندقية، ولا بد للقنوات التلفزيونية أن ترافق الخنادق والأنفاق، وإلا فلن نستطيع التغلب على هذا العدو الفاجر الذي يستخدم كل الوسائل ليقضي على مقاومتنا وعلى أهلنا في غزة والضفة والقدس".
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
ودعا عبد المقصود إلى تكامل الجهود بين الإعلاميين والمثقفين والفنانين والكتّاب في دعم القضية، قائلا: "هذا واجبنا اليوم، ولا ينبغي أن نتأخر عنه، وإلا لحقنا العار في حياتنا وبعد موتنا".
قضية فلسطين تعيد الأمل وتفضح أوهام التسوية
وفي حديثه عن تأثير الحرب على وعي الشعوب، أكد الوزير الأسبق أن القضية الفلسطينية أثبتت أنها قضية كل عربي ومسلم، وكل إنسان يؤمن بالحرية والعدالة، لافتا إلى أن مشاهد غزة "حركت ضمير العالم".
وقال: "إذا كانت آلمتنا في بلادنا العربية والإسلامية، فقد آلمت أيضا أحرار العالم، وجدنا المظاهرات تتحرك في أوروبا وأمريكا، وتمنع من الخروج للأسف في بعض البلاد العربية".
وأشار إلى أن الحرب الأخيرة أعادت الأمل للشعوب بأن التحرير ممكن، قائلا: "طوفان الأقصى أذل العدو وأظهر أنه نمر من ورق، أثبت أن المقاومة هي الحل ولا يفل الحديد إلا الحديد. هذا عدو لا يعرف إلا لغة القوة".
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
فشل المفاوضات ومأزق التطبيع
وفي تقييمه لمسار التسويات السياسية الممتد منذ عقود، قال عبد المقصود إن التجارب أثبتت بلا شك أن هذا الطريق لم يقدم أي نتيجة، مضيفا: "المفاوضات منذ زيارة السادات للقدس عام سبعة وسبعين، ثم كامب ديفيد، ثم مسار التطبيع، ثم الاتفاق الإبراهيمي… كل هذا لم يحقق إلا مزيداً من التوسع الصهيوني، والهيمنة على أرض فلسطين، وتهويد الحجر والشجر والمقدسات".
وختم قائلاً: "لا جدوى من وراء هذه المسارات هذا عدو لا يعرف إلا لغة القوة، ولا حل معه إلا بالمقاومة".