مجلس الأمن الدولي ينظر في الغارات الأميركية على العراق وسوريا
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
يجتمع مجلس الامن الدولي الاثنين بناء لطلب روسيا بعد الضربات الأميركية في العراق وسوريا ردا على الهجوم الدامي على قاعدة أميركية في الاردن نسبته واشنطن إلى جماعات موالية لايران.
وأعلن نائب السفير الروسي لدى الامم المتحدة دميتري بوليانسكي السبت على منصة أكس أنه طلب عقد هذا الاجتماع الطارئ المقرر عند الساعة 21:00 ت غ.
ودانت الخارجية الروسية الضربات الأميركية ووصفتها بأنها “عمل عدواني صارخ جديد” ضد دول ذات سيادة واتهمت واشنطن ب”نشر الفوضى والدمار” في الشرق الأوسط.
ونفذت الولايات المتحدة ضربات على 85 هدفا في أربعة مواقع في سوريا وثلاثة في العراق، مستهدفة الحرس الثوري الإيراني والجماعات المسلحة الموالية لإيران، بحسب واشنطن.
وتوعدت بمزيد من الضربات ردا على الهجوم الذي وقع في 28 كانون الثاني/يناير على قاعدة أميركية في الأردن قرب الحدود السورية العراقية وقتل خلاله ثلاثة جنود أميركيين.
ونددت سوريا والعراق وكذلك إيران العدو اللدود للولايات المتحدة، بالغارات الأميركية التي خلفت ما لا يقل عن 45 قتيلا.
في رسالة الى مجلس الأمن الدولي نشرت الاثنين نفى السفير الإيراني في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني “نفيا قاطعا” الاتهامات الأميركية “التي لا أساس لها”.
وأعلن “لا توجد مجموعة تابعة للقوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية سواء في العراق أو سوريا أو أي مكان آخر، تنشط بشكل مباشر أو غير مباشر تحت سيطرتها أو نيابة عنها”.
وأضاف “بالتالي لا يمكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تكون مسؤولة عن تصرفات أي جماعة أو فرد في المنطقة”.
وتدعم إيران جماعات مسلحة تتهمها واشنطن بالوقوف وراء تزايد الهجمات ضد قواتها في الشرق الأوسط في ضوء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الاثنين إن سبعة مقاتلين من القوات التي يقودها الأكراد في سوريا قتلوا في هجوم بطائرة مسيرة استهدف قاعدة أميركية في شرق البلاد.
وأعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق” التي تضم مجموعة من الفصائل الموالية لإيران، مسؤوليتها عن الهجوم.
المصدر أ ف ب الوسومالعراق الولايات المتحدة سوريا مجلس الأمنالمصدر: كويت نيوز
كلمات دلالية: العراق الولايات المتحدة سوريا مجلس الأمن فی العراق
إقرأ أيضاً:
بين الجَغِم والبلّ: خرائط الموت التي ترسمها الجبهة الإسلامية على أجسادنا
إبراهيم برسي
في بلادٍ تكسّرت فيها البوصلات، ولم يتبقَّ للناس سوى البكاء على ما لا يُبكى عليه، وجدنا أنفسنا في زمنٍ تُحكمه مفردتان فقط: “الجَغِم والبلّ”. ليستا مجازًا، بل تقنية للقتل الشعبي، تُمارَس في وضح النهار، ويباركها العقل المغسول تحت إيقاع أناشيد الحرب.
“الجَغِم” لم يعد فعلاً بدائيًا لشخص يبتلع ما ليس له، بل تحوّل إلى ماكينة مؤسسية تلتهم الذهب، والنفط، والموتى، وتُنتج بلاغات وفتاوى.
أما “البلّ”، فقد صار طقسًا شعبيًا لإضفاء الشرعية على هذا الجشع. كلمة تُقال بصوت خافت، لكنها تحمل في طيّاتها استسلامًا جماعيًا. كأنك تقول: دع الأمر للقدر، فالعدو دائمًا هو الآخر، والحرب دائمًا هي الحل.
تقول عالمة النفس الفرنسية ماري فرانس هيريجوين:
“الأنظمة السلطوية لا تحتاج لإقناعك، بل فقط لإرباكك، لتخلق مساحة ذهنية تُمكِّنها من غرس أفكارها كحقائق.”
وهذا بالضبط ما فعلته الجبهة الإسلامية حين تسلّلت إلى المؤسسة العسكرية، لا كضيف، بل كمضيفٍ أعاد تعريف معنى الوطن، والعدو، والموت.
في بورتسودان، تُدار الدولة من ثكنة عسكرية، ويُحكم البلد عبر فتاوى القهاوي.
في نيالا، يُدفن الموتى دون أسماء.
في الفاشر، صارت المقابر أكبر من المدارس.
في أم درمان، تُخفي العائلات أبناءها لا من العدو، بل من الجيش.
ولفهم ما نحن فيه، لا بد أن نتذكّر ما حدث في رواندا عام 1994.
حينها، لم يكن السلاح هو المشكلة، بل الكلمة. في راديو “ميل كولين”، كانت الأغاني الشعبية تُغنّى، ثم تتبعها دعوة صريحة:
“اقطعوا التوتسي كالأنشاب.”
هكذا تبدأ المجازر: بمصطلحات تبدو عفوية، بعبارات يُردّدها الناس دون إدراك، ثم ينفجر العنف.
“بلّ بس”، اليوم، تُشبه تمامًا تلك العبارات. تُفتح بها أبواب الجحيم، وتُشرعن بها مجازر لا تُشبه المجازر، بل تُشبه النشيد الوطني بصيغة جنائزية.
يقول أنطونيو غرامشي:
“الهيمنة لا تتحقق بالعنف وحده، بل بالموافقة الصامتة للمقهورين.”
وهذه الموافقة هي ما تفعله الجبهة الإسلامية كل يوم، حين تحوّل المواطن إلى “متلقٍ”، ثم إلى “مُبرِّر”، ثم إلى “جلّاد”، باسم الدولة أو الدين أو القبيلة.
أما الذين يجغمون بالفعل، فهم ليسوا على الجبهات، بل في البنوك، في دبي، في أنقرة، في الدوحة، وفي القاهرة.
يجغمون العقود، والشركات، والذهب، والمستقبل.
يحرقون البلاد، ثم يتهمون المواطن بأنه لم “يبلّ بما فيه الكفاية”.
هل هذا وطنٌ أم مسرح عمليات؟
هل هذه حربٌ أم إعادة تموضع للجبهة تحت رايات جديدة؟
هل ما زلنا بشرًا، أم مجرّد وقود بين “الجَغِم والبلّ”؟
لكننا نعرف.
نعرف أن الجبهة لا تحارب لتنتصر، بل لتحكم.
وأن المواطن لا يموت فقط، بل يُعاد إنتاجه كأداة للقتل.
نعرف أن “الجَغِم” صار مصيرًا، و ”البلّ” صار عقيدة.
لكننا، رغم كل شيء، نعرف.
ومن يعرف، لا ينجو بالمعرفة… بل يُساق بها إلى النفي.
أشد أنواع الغسيل دموية، ليس ذاك الذي يُبيّض القميص، بل الذي يُغطّي الجريمة بلون الراية.
وحين تتدفق الأكاذيب من الشاشات إلى الدماغ، يتحوّل المواطن إلى جندي دون أن يرتدي الزي العسكري.
يضحّي بابنه، ويصفّق لمن نهب راتبه، ويقولها دون تفكير:
“بلّ بس… نحنا في معركة وجود وكرامة.”
تستعيد ذاكرتنا نموذج سيراليون، حيث تحوّل الأطفال إلى قتلة باسم “الوطن”.
تقول الباحثة الكندية نومي كلاين:
“حين يُعاد تعريف العنف كضرورة أخلاقية، تنهار البنية النفسية للإنسان، ويصبح القتل فعلَ طمأنينة.”
وهذا ما نراه:
مواطنون يتعاملون مع الحرب كأنها زواج مقدّس، ومع الموت كأنه استثمار مضمون في سوق الوطنية.
في “الخوي والنهود”، لم يعد الناس يتساءلون عمّن هو على حق، بل عمّن لا يزال على قيد الحياة.
في “دنقلا وكسلا”، لا يُسأل الأب عن حلم ابنه، بل عن موقعه على الخارطة:
في الجيش؟ في الدعم؟ أم في المقابر؟
السودان اليوم ليس بلدًا، بل سجن مفتوح يدور فيه الحارس والضحية في حلقة “بلّ وجَغِم”، بين رصاصتين، ورايتين، وبيانين.
نحن الذين كُتب علينا أن نعيش بين “الجَغِم والبلّ”، لا نملك حتى ترف الصمت.
لأن الصمت نفسه صار مشاركة في الجريمة.
لأن “البلّ” اليوم يعني أنك قبلت أن تُمحى،
و ”الجَغِم” يعني أنك صرت جزءًا من ماكينة المحو.
وحدهم الذين لا يبلّون ولا يجغمون، من يكتبون بأجسادهم معنى الوطن.
أما الباقون، فقد اختاروا شكلهم في الجنازة: بين قاتلٍ يبتسم، ومبرّرٍ يبرّر، وجثةٍ تصفّق في الغياب.