لماذا تفرض كازاخستان ذات الأغلبية المسلمة حظراً على حجاب الطالبات؟
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
سرايا - تعد كازاخستان من بين الدول القليلة ذات الأغلبية المسلمة التي فرضت حظرا على ارتداء طالبات المدارس الحجاب.
وفرض حظر الحجاب في عام 2016، لكنه لا يزال موضع جدل حتى الآن، إذ يحاول بعض الآباء المتدينين الدفاع عن حق أطفالهم الدستوري في التعليم.
ويعكس هذا الجدل مسألة البحث عن الهوية في كازاخستان: فرغم أن قيادات البلاد تظهر التزامها بالإسلام، فإنها لا تزال غير راغبة في تخفيف الضوابط المفروضة على الدين، التي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفييتي.
حققت أنيليا، وهي طالبة في الصف السابع تبلغ 13 عاما من كاراجاندا، حلمها بعد أن حصلت على مكان في مدرسة نزارباييف الفكرية المرموقة، التي سميت على اسم رئيس كازاخستان السابق، نور سلطان نزارباييف، وكانت خطة أنيليا أن تسير على خطاه، وتصبح أول رئيسة للبلاد.
وكان أداء أنيليا، وهي فتاة طويلة ونحيفة، جيدا في المسابقات الأكاديمية المحلية والوطنية، وحصلت على المركز الـ 16، وهذه أفضل نتيجة من بين 800 متقدم تقريبا. ورأت في تلك المدرسة فرصة للتعمق أكثر في المواد التي تفضلها.
والتحقت أنيليا في أغسطس/آب بالصفوف التحضيرية، لكن والديها تلقيا في اليوم الأول من الدراسة مكالمة هاتفية للحضور إلى المدرسة- وقيل لهما إن ابنتهما لن تتمكن من الدراسة هنا.
وكان السبب هو حجابها الذي بدأت ترتديه منذ أن كانت في الـ 13 من عمرها، إذ يتطلب التقليد الإسلامي من الفتيات تغطية رؤوسهن في سن البلوغ.
وتقول أنيليا: "عندما ارتديت حجابي في المدرسة، لم أشعر بأنني مختلفة عن الآخري - إنه مجرد قطعة ملابس، أو إكسسوار. وليس له أي تأثير على دراستي أو علاقاتي مع الطلبة الآخرين. كان زملائي في الصف راضين عنه".
يقطن كازاخستان أغلبية سكانية مسلمة إذ إن 69 في المئة منهم يعدون أنفسهم مسلمين، بحسب تعداد عام 2022، على الرغم من أن دراسات أخرى تفيد بأن أقل من ثلث الكازاخ المتدينين يعتبرون أنفسهم ملتزمين بشدة.
ويعرب الرئيس قاسم جومارت توكاييف صراحة عن التزامه بالإسلام: إذ إنه أدى فريضة الحج في مكة في عام 2022، واستضاف بعض المسؤولين والشخصيات العامة على الإفطار في رمضان في مقر إقامته في الربيع الماضي. لكن كازاخستان من الناحية الدستورية تعد دولة علمانية.
وقد واجه العشرات من الطالبات مثل أنيليا مشاكل مماثلة في كاراجاندا، وهي مدينة صناعية ذات أغلبية سكانية ناطقة بالروسية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، كشف النقاب عن أن آباء 47 طالبة هناك يواجهون دعاوى مدنية لإغفالهم مسؤولياتهم "على النحو المنصوص عليه في القوانين المتعلقة بالتعليم في جمهورية كازاخستان".
وفي عام 2016، أصدرت وزارة التعليم توجيها ينص على "ألا يسمح بإدراج عناصر الزي الديني من أي طائفة في الزي المدرسي".
"كان حلمي أن أرتدي ما أشاء" 28 سبتمبر/ أيلول 2023 وبالنسبة للآباء والمدافعين عن حقوق الإنسان، فمن غير المقبول أن يعطي مسؤولو المدارس الأولوية للتوجيهات الوزارية فوق الدستور الكازاخستاني، الذي يضمن للمواطنين الحق في التعليم المجاني في المؤسسات العامة.
وطلب والد أنيليا توضيحا من مكتب المدعي العام ووزارة التعليم، لكنه لم يحصل على أي رد.
مثل هذه الحالات، التي يُعاقب فيها الآباء على ارتداء بناتهم للحجاب، ترجع إلى سنوات مضت وتغطي البلاد بأكملها.
ففي عام 2018، غرم بعض الآباء في منطقة أكتوبي بسبب "عدم الالتزام بمتطلبات الزي المدرسي"، وشكلت في منطقة أكمولا لجنة في إدارة المنطقة لمعالجة قضية مماثلة في نفس العام.
ويقول زهاسولان أيتماغامبيتوف، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان يساعد الأسر المتدينة في مثل هذه الحالات: "هناك حالات كثيرة تخلت فيها الفتيات عن حجابهن تحت ضغط من سلطات المدرسة. القليل منهن يقاوم، لكنهن يتوقفن عن حضور الفصول الدراسية. والضغط هو وسيلة لتقليل عدد المتدينين في المدارس".
وتؤكد حكومة كازاخستان على الطبيعة العلمانية للدولة- التي يكفلها الدستور أيضا - عند معالجة مسألة الحجاب في المدارس.
وصرح الرئيس توكاييف في أكتوبر/تشرين الأول "علينا أن نتذكر دائما أن المدرسة هي في المقام الأول مؤسسة تعليمية يأتي إليها الأطفال لاكتساب المعرفة. أعتقد أنه من الأفضل للأطفال أن يتخذوا خياراتهم بمجرد أن يكبروا ويصبح لديهم رؤيتهم الخاصة للعالم".
ويشير أسيلتاي تاسبولات، الباحث في الدراسات الدينية في ألماتي إلى أنه "لا يوجد تعريف واضح وملموس لمعنى (الدولة العلمانية)، سواء بين السلطات أو بين الخبراء".
ويضيف أن "مجتمعنا لم ينضج بعد، وكل طرف من أطراف النقاش يفسر (العلمانية) بطريقته الخاصة. بعض المواطنين يفهمون العلمانية على أنها إلحاد".
فرضت عدة دول قيودا على ارتداء أنواع معينة من ملابس النساء المسلمات في الأماكن العامة. وعادة ما ينطبق ذلك على النقاب الذي يغطي الوجه، ولا تشمل الحجاب الذي يغطي الرأس. ومن النادر أن تفرض الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل هذا الحظر، ومن هذه الدول جيران كازاخستان، دولتا الاتحاد السوفييتي السابق، أوزبكستان وطاجيكستان.
واستمرت ممارسة سيطرة الدولة على الدين في كازاخستان منذ حقبة الاتحاد السوفييتي. وكانت جمهوريات آسيا الوسطى الخمس، في ذلك الوقت، تخضع لإشراف الإدارة الروحية لمسلمي آسيا الوسطى (سادوم)، التي تأسست في عام 1943، وأنشئت خصيصا لقمع الحركات الدينية.
وبعد الاستقلال، توقفت السلطات الكازاخستانية عن اضطهاد المتدينين. وازدهرت الجمعيات الدينية، وبدأ بناء المساجد، فبعد أن كان عددها بضع عشرات في العهد السوفييتي، أصبحت الآن تقارب 3000 مسجد.
لكن تلك الإدارة الروحية (سادوم) اختفت وحلت محلها الإدارة الروحية لمسلمي كازاخستان- وهي هيئة تدعمها الدولة ومهمتها الترويج لنسخة تقليدية من الإسلام تتماشى مع الثقافة الكازاخستانية ومبادئ الدولة العلمانية.
وتعد السيطرة على الدين، بالنسبة إلى الحكومة الكازاخستانية، مسألة تتعلق بالأمن القومي. ويشير باحثون إلى أنه منذ عام 2005، وتحت تأثير الحركات الإسلامية في شمال القوقاز ومنطقة أفغانستان وباكستان، وكذلك سوريا والعراق، تزايدت حوادث العنف من قبل المتطرفين الدينيين في البلاد.
وفي عام 2011، شهدت كازاخستان أول تفجير انتحاري يحدث فيها، وفي عام 2016، قُتل 25 شخصا في هجمات مسلحة على متاجر أسلحة وقاعدة عسكرية. وأعلن الرئيس نور سلطان نزارباييف أن المهاجمين من أتباع المذهب السلفي الأصولي.
وفي السنوات التالية، نفذت الحكومة قيودا مختلفة في المجال الديني، بما في ذلك الالتزام القانوني بتسجيل الطوائف الدينية لدى الدولة وحظر إقامة الخدمات الدينية في المنازل الخاصة.
وبينما تبرر الحكومة مثل هذه التدابير بحماية البلاد من الأفكار الدينية "المتطرفة"، فإن نشطاء حقوق الإنسان يقولون إن القوانين تحد من حقوق المتدينين- وتسمح للدولة بالسيطرة الصارمة على الجمعيات الدينية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت الحكومة أنها تعتزم إصدار قانون لمكافحة الترويج للإرهاب والتطرف الديني. وسيحظر القانون، بحسب ما قالته عايدة بالاييفا، وزيرة الثقافة والإعلام، ارتداء النقاب وأغطية الوجه الأخرى في الأماكن العامة، من أجل ضمان إمكانية التعرف على الأفراد. لكنها قالت إنه لا توجد نية لحظر الحجاب.
أما أنيليا، فبعد أن تلقت عدة توبيخات لارتدائها غطاء رأس ديني، طردت بالفعل من المدرسة.
ويعتقد والدها، بولات موسين، أن طرد ابنته مخالف للقانون، ورفع دعاوى قضائية تطالب بإلغاء التوجيهات الداخلية للمدرسة التي تحظر ارتداء رموز العقيدة الدينية، وإعادة ابنته إلى دراستها والتعويض عن الأضرار الأخلاقية التي لحقت بها.
ويقول: "ظلت السلطات ترسل بنا من هيئة بيروقراطية إلى أخرى، وكان يجب أن تقول لنا فقط أن نخلع الحجاب. نحن بحاجة إلى إجابة واضحة من الدولة. أعطونا إرشادات بشأن ما يجب علينا، بوصفنا أفرادا متدينين، أن نفعله. لا تتركونا مع هذا الخيار: "اتركوا دينكم، إذا كنتم تريدون العيش في مجتمعنا".
ورفضت سلطات مدرسة أنيليا في كاراجاندا التعليق على طردها. وحتى وقت نشر الموضوع، لم تكن وزارة التعليم قد استجابت لطلبات بي بي سي للتعليق.
وعبرت الوزارة عن نفسها بحذر، ولم تنتقد بشكل مباشر المحظورات التي تفرضها الحكومة، لكنها أشارت إلى أن الشريعة تلزم الفتيات بارتداء الحجاب بمجرد وصولهن إلى سن البلوغ. وأعربت عن أملها في أن تأخذ الحكومة آراءهم بعين الاعتبار.
ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان زهاسلان أيتماغامبيتوف إن الأسر المتدينة في كاراجاندا ليس لديها خيار لتعليم فتياتها.
وفي أجزاء أخرى من البلاد، توجد مدارس خاصة للفتيات، لكن تكلفتها تصل إلى 700 ألف تنغي سنويا، أي أكثر من 1500 دولار. ويوجد في كازاخستان أيضا تسع مدارس- مراكز تعليمية إسلامية - ولكن لا تقبل جميعها الإناث.
ويقول أيتماغامبيتوف: "لقد أثرنا هذه القضية مرارا هذا العام والعام الماضي. إنهم يتحدثون عن حظر الحجاب، لكنهم لا يقدمون وسيلة بديلة للتعليم".
وجد والدا أنيليا، بعد طردها من المدرسة مدرسا يتحدث الروسية عبر الإنترنت. ولكن إذا قررت أنيليا إزالة حجابها من أجل العودة إلى المدرسة، فإن الأسرة ستدعمها، بحسب ما قاله والدها.
وتقول أنيليا: "قال لي كثير من الأشخاص الذين أعرفهم: اخلعي الحجاب، ما المشكلة في ذلك؟ عودي إلى المدرسة، خاصة لأنها جيدة. لكن ذلك لم يخطر ببالي قط. الحجاب هو ببساطة جزء مني".
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: حقوق الإنسان فی عام
إقرأ أيضاً:
جامعة الإسكندرية تنظّم فعاليات مميزة ضمن دورة "الهوية الدينية وقضايا الشباب" بكلية التمريض
شهدت جامعة الإسكندرية يومًا مميزًا ضمن فعاليات دورة "الهوية الدينية وقضايا الشباب" التي نظمها إتحاد طلاب الجامعة بالتعاون مع دار الإفتاء المصرية، وذلك بكلية التمريض.
شارك فى الفعالية الدكتورة حنان الشربيني عميد كلية التمريض، والشيخ أحمد علي مدير فرع دار الإفتاء المصرية بالإسكندرية، والدكتور عمرو الورداني أمين الفتوى وعضو اللجنة الاستشارية العليا بدار الإفتاء المصرية.
ذلك فى إطار حرص جامعة الإسكندرية على دعم وعى الشباب وتعزيز إدراكهم للتحديات الفكرية والنفسية المعاصرة، وتحت رعاية الدكتور عبد العزيز قنصوه، رئيس جامعة الإسكندرية، وإشراف وتوجيه الدكتور أحمد عادل عبد الحكيم نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب
تناولت الدورة مجموعة من الموضوعات التي تمس واقع الشباب، منها الإلحاد وسبل تحصين الفكر الديني، والإدمان الخفي والسلوكيات الضارة، وخطورة التدخين على الشباب، وضوابط علاقات الصداقة بين الشباب والفتيات، والتطرف الديني وطرق الوقاية منه، بالإضافة إلى قضايا التوازن النفسي واستعادة الاستقرار بعد الانهيار.
وقدم الدكتور عمرو الورداني، جلسة تفاعلية مع الطلاب، وحوار ثرى تناول أسئلة جوهرية تتعلق بالهوية الدينية والشكوك الفكرية والضغوط النفسية والعلاقات الإنسانية، حيث قدّم الورداني إجابات اتسمت بالوضوح والعمق، مستندة إلى منهج يجمع بين المعرفة الشرعية والرؤية التربوية، مؤكدًا أن الدين يمثل مساحة آمنة للفهم والاتزان بعيدًا عن الخوف أو الانغلاق، وأن الحوار الواعي هو الأساس في دعم الشباب وتحصينهم فكريًا ونفسيًا.
من جانب اخر فى إطار التعاون بين جامعة الإسكندرية وقوات الدفاع الشعبي والعسكرى لتعزيز قيم الانتماء لدى الطلاب، وتحت رعاية الدكتور عبد العزيز قنصوة رئيس جامعة الإسكندرية، نظّمت قوات الدفاع الشعبى والعسكرى، محاضرة تثقيفية موسعة حول تحديات الأمن القومي المصري ومواجهة الشائعات، وذلك بكلية العلوم.
ألقى المحاضرة اللواء الدكتور أركان حرب محمد أنور الهمشرى مستشار مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة، وشارك بالحضور قيادات الكلية، ومسئولى إدارة التربية العسكرية بالجامعة.
وقدّم اللواء الهمشرى خلال المحاضرة رؤية تحليلية شاملة حول التحديات الإقليمية وقدرة الدولة المصرية على صون استقرارها وحماية حدودها، واستعرض مفهوم الأمن القومي المصري في ظل بيئة إقليمية مليئة بالتوترات، مشددًا على جاهزية القوات المسلحة ومؤسسات الدولة في حماية حدود الوطن ومواجهة التحديات الأمنية المعقدة. وتناول جهود الدولة في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود الغربية والجنوبية والشرقية، مؤكدًا أن وعي المواطن يمثل عنصرًا محوريًا في حماية الأمن القومي، وأن الشائعات قد تشكّل تهديدًا لا يقل خطورة عن التحديات العسكرية المباشرة.
وأشار العقيد محمد ماهر، مدير إدارة التربية العسكرية، أن هذه اللقاءات تستهدف تحصين الشباب من الشائعات والأفكار المضللة، وإكسابهم القدرة على التحليل والتمييز، مشيرًا إلى استمرار جهود التربية العسكرية في دعم الطلاب وتعزيز دورهم في حماية أمن الوطن.
واختُتمت الندوة بحوار مفتوح بين الطلاب والمحاضر، تضمن أسئلة ونقاشات حول دور الشباب في دعم استقرار الدولة، وآليات التحقق من المعلومات وتمييز الأخبار الموثوقة عن الشائعات على منصات التواصل الاجتماعي.