سباق الشرائح الدماغية.. حدود المنافسة على احتلال العقل البشري
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
وكالات:
في فيلم الخيال العلمي “ذي تيرمنال مان” (The Terminal Man) الذي أنتج عام 1974، أجرى البطل هاري بنسون (جورج سيغال) عملية زراعة دماغية على أمل علاج نوبات الصرع العنيفة التي تؤدي به إلى فقدان الوعي. إنه عالِم حاسوب متخصص في الذكاء الاصطناعي توقع أن أجهزة الحاسوب سوف تغزو البشرية، ولكن هناك بعض المضاعفات غير المتوقعة.
وفي المجال الكوميدي، من منا لا يتذكر “اللمبي 8 غيغا”؟، الفيلم المصري الذي أُنتج عام 2010 ويدور حول شخص فقير ومحدود الذكاء يتعرض لحادث يتسبب باضطراب في إشارات المخ، ليساعده طبيب في زرع شريحة صغيرة كانت مصدرا لذكاء خارق.
وأيضا مسلسل “بلاك ميرور” (Black Mirror) أو “المرآة السوداء” الذي أُنتج عام 2011، وتدور أحداثه حول شريحة في المخ تُمكّن أي شخص من استرجاع أي ذكرى مر بها.
وفي فيلم “أب غراد” (Upgrade) أو “التحديث” الذي عُرض في عام 2018، ويظهر فيه البطل لوغان مارشال مصابا بشلل رباعي بعد قطع حبله الشوكي، فيوافق على طلب لزرع شريحة إلكترونية تساعده ليس فقط على استرجاع قدراته، بل على تعزيزها بشكل كبير للغاية جسديا وعقليا.
واليوم يبدو أن هذه الأفكار الخيالية القديمة الجديدة في الأفلام وفي الأحلام، بدأت تتحول من الخيال إلى الواقع بعد خضوع أول مريض من البشر لزراعة شريحة دماغية من الشرائح التي أنتجتها شركة “نيورالينك” الناشئة للملياردير إيلون ماسك.
المريض الذي زرعت في دماغه الشريحة بدأ يتعافى بشكل جيد بحسب تصريحات ماسك التي نشرها موقع “ذي بيزنس إنسايدرز”. وتشير النتائج الأولية إلى رصد زيادة الخلايا العصبية على نحو واعد، ومع ذلك فإن زرع الشريحة الدماغية هو مجرد بداية لتجربة سريرية تمتد لعقود من الزمن ويحيط بها المنافسون والعقبات المالية والمآزق الأخلاقية.
“نيورالينك”.. سنوات من الادعاءات الخيالية
يشتهر إيلون ماسك بشركاته التكنولوجية رفيعة المستوى مثل تسلا وسبيس إكس، لكن الملياردير لديه أيضا مجموعة من المشاريع غير العادية، و”نيورالينك” واحدة منها، وهي شركة تكنولوجيا الواجهات العصبية التي تعمل على تطوير جهاز يمكن دمجه في دماغ الشخص، حيث يسجل نشاط الدماغ ويحتمل أن يحفزه.
أسس ماسك شركة نيورالينك في عام 2016، وأصبحت معروفة علنا لأول مرة في عام 2017 عندما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرا عنها، ولم يُكشف عنها للجمهور حتى عام 2019 عندما استعرض ماسك وأعضاء آخرون في الفريق التنفيذي للشركة تقنياتهم في عرض تقديمي بُث مباشرة.
وفي يوليو/تموز من هذا العام (2019)، قدم ماسك لمجموعة من المهندسين والمستهلكين الفضوليين اختراعا يبدو من قبيل الخيال العلمي من صنع شركته الناشئة في مجال التكنولوجيا العصبية “نيورالينك”؛ إنها “شريحة دماغية في حجم العملة المعدنية تقريبا قابلة للزرع في جمجمة الشخص من شأنها دمج الذكاء البيولوجي مع الذكاء الآلي”.
ووفقا لوصف ماسك، سيتم تثبيت هذه الشريحة في دماغ الشخص عن طريق حفر ثقب يبلغ قطره 2 ملم في الجمجمة، مع توصيل أقطاب كهربائية إلى دماغه، ومن خلالها تنطلق مجموعة من الأسلاك الصغيرة -كل منها أرق من شعرة الإنسان بنحو 20 مرة- إلى دماغ المريض، وأكد أن “واجهة الشريحة لاسلكية، لذلك لا توجد أسلاك تخرج من رأسك”، وهي قادرة على مراقبة نشاط الدماغ، ونقل البيانات لاسلكيا عبر الشريحة إلى أجهزة الحاسوب، حيث يمكن للباحثين دراستها.
وجادل ماسك بأن مثل هذه الأجهزة ستساعد البشر على التعامل مع ما يسمى هيمنة الذكاء الاصطناعي، وهو السيناريو الذي يصبح فيه الذكاء الاصطناعي الشكل السائد للذكاء على الأرض -مثل برامج الحاسوب أو الروبوتات- بشكل فعال على الكوكب بعيدا عن الجنس البشري.
المصدر: شمسان بوست
إقرأ أيضاً:
حرب السودان تخرج عن السيطرة
يبدو السودان اليوم كأنه يقف عند مفترق طرق خطير بعد التطورات التى شهدتها مدينة الفاشر هذا الأسبوع، فاستيلاء ميليشيا الدعم السريع على عاصمة شمال دارفور لم يكن مجرد انتصار ميدانى، بل تحول إلى مؤشر صادم على دخول البلاد مرحلة جديدة، تعيد إلى الأذهان السيناريو الليبى الذى تجمد سياسياً وعسكرياً طوال خمسة أعوام، وهكذا يجد السودان نفسه منقسماً فعلياً إلى كيانين، شرق يحتفظ بالمدن التاريخية الكبرى تحت سيطرة الجيش، وغرب واسع يضم دارفور وكردفان ويقع بالكامل تحت قبضة ميليشيا باتت تتحكم فى معظم إنتاج الذهب وما تبقى من النفط.
سقوط الفاشر المدينة التى كان يقطنها نحو مليون ونصف المليون إنسان، جاء بعد حصار تجاوز الـ500 يوم، وبسقوطها انتهى وجود الدولة السودانية عملياً فى دارفور، المدينة تعرضت خلال تلك الفترة لعزلة خانقة، منظمات الإغاثة منعت من دخول مخيمات النازحين مثل نيفاشا وزمزم تركت لمصيرها وشهدت الأحياء عمليات قتل وإعدامات ميدانية ودفناً جماعياً، كما طالت الاعتداءات المستشفيات وبيوت العبادة فى مشاهد وثقتها مجموعات تابعة للميليشيا نفسها.
هذه الانتهاكات لم تكن مجرد فوضى حرب بل عكست طبيعة مشروع عسكرى يتوسع بثبات ويستند إلى دعم إقليمى واضح، فسيطرة الميليشيا على غرب السودان لا تقتصر على الجغرافيا بل تمتد إلى ثروات حيوية من معادن وبترول، وتشمل إقليما يلتقى مع حدود جنوب السودان وإفريقيا الوسطى وليبيا وتشاد، وهى مناطق تجرى فيها صراعات نفوذ معقدة، وتشير المعطيات إلى أن تشاد باتت منصة لاستقبال الدعم العسكرى الخارجى، بينما وفرت إحدى الدول الإقليمية أسلحة متقدمة ومقاتلين أجانب لتعزيز قدرات هذه الميليشيا وجاء إعلان قائد الدعم السريع فى أبريل الماضى عن تشكيل حكومة موازية بعد مشاورات استضافتها كينيا ليضيف بعداً سياسياً صريحاً لما يجرى، فالحديث لم يعد عن ميليشيا تتحرك داخل حدود الدولة بل عن كيان يسعى لبناء سلطة موازية تمتلك السلاح والموارد والعلاقات الإقليمية، فى ظروف تعجز فيها الدولة المركزية عن استعادة زمام المبادرة.
وفى ظل هذا المشهد تبدو فرص الحسم العسكرى ضئيلة، وهو ما يدفع البلاد نحو حالة شبيهة بالوضع الليبى، واقع منقسم، وحدود رخوة وهدوء مضطرب يستند إلى موازين قوى وليس إلى حل سياسى، غير أن ما يزيد الصورة تعقيداً هو الطموح الأثيوبى فى استغلال هشاشة السودان بحثاً عن منفذ له على البحر الأحمر، وهو ما قد يجر أطرافاً إقليمية إضافية إلى الصراع، ويحول الوضع السودانى من حرب داخلية إلى مواجهة تتجاوز حدود الدولة.
خلاصة المشهد أن السودان يعيش لحظة إعادة هيكلة، ليس فى الخريطة فحسب بل فى توازنات القوى وعلاقات الإقليم، وبينما تتقدم الميليشيات وتتراجع الدولة يبقى المواطن السودانى هو الطرف الأكثر خسارة، يدفع ثمن حرب تدار فوق أرضه ومن حوله بينما يغيب أفق الحل وتتعاظم المخاطر يوماً بعد يوم.
اللهم احفظ مصر والسودان وليبيا