وكالات:

في فيلم الخيال العلمي “ذي تيرمنال مان” (The Terminal Man) الذي أنتج عام 1974، أجرى البطل هاري بنسون (جورج سيغال) عملية زراعة دماغية على أمل علاج نوبات الصرع العنيفة التي تؤدي به إلى فقدان الوعي. إنه عالِم حاسوب متخصص في الذكاء الاصطناعي توقع أن أجهزة الحاسوب سوف تغزو البشرية، ولكن هناك بعض المضاعفات غير المتوقعة.



وفي المجال الكوميدي، من منا لا يتذكر “اللمبي 8 غيغا”؟، الفيلم المصري الذي أُنتج عام 2010 ويدور حول شخص فقير ومحدود الذكاء يتعرض لحادث يتسبب باضطراب في إشارات المخ، ليساعده طبيب في زرع شريحة صغيرة كانت مصدرا لذكاء خارق.

وأيضا مسلسل “بلاك ميرور” (Black Mirror) أو “المرآة السوداء” الذي أُنتج عام 2011، وتدور أحداثه حول شريحة في المخ تُمكّن أي شخص من استرجاع أي ذكرى مر بها.

وفي فيلم “أب غراد” (Upgrade) أو “التحديث” الذي عُرض في عام 2018، ويظهر فيه البطل لوغان مارشال مصابا بشلل رباعي بعد قطع حبله الشوكي، فيوافق على طلب لزرع شريحة إلكترونية تساعده ليس فقط على استرجاع قدراته، بل على تعزيزها بشكل كبير للغاية جسديا وعقليا.

واليوم يبدو أن هذه الأفكار الخيالية القديمة الجديدة في الأفلام وفي الأحلام، بدأت تتحول من الخيال إلى الواقع بعد خضوع أول مريض من البشر لزراعة شريحة دماغية من الشرائح التي أنتجتها شركة “نيورالينك” الناشئة للملياردير إيلون ماسك.

المريض الذي زرعت في دماغه الشريحة بدأ يتعافى بشكل جيد بحسب تصريحات ماسك التي نشرها موقع “ذي بيزنس إنسايدرز”. وتشير النتائج الأولية إلى رصد زيادة الخلايا العصبية على نحو واعد، ومع ذلك فإن زرع الشريحة الدماغية هو مجرد بداية لتجربة سريرية تمتد لعقود من الزمن ويحيط بها المنافسون والعقبات المالية والمآزق الأخلاقية.

“نيورالينك”.. سنوات من الادعاءات الخيالية
يشتهر إيلون ماسك بشركاته التكنولوجية رفيعة المستوى مثل تسلا وسبيس إكس، لكن الملياردير لديه أيضا مجموعة من المشاريع غير العادية، و”نيورالينك” واحدة منها، وهي شركة تكنولوجيا الواجهات العصبية التي تعمل على تطوير جهاز يمكن دمجه في دماغ الشخص، حيث يسجل نشاط الدماغ ويحتمل أن يحفزه.

أسس ماسك شركة نيورالينك في عام 2016، وأصبحت معروفة علنا لأول مرة في عام 2017 عندما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرا عنها، ولم يُكشف عنها للجمهور حتى عام 2019 عندما استعرض ماسك وأعضاء آخرون في الفريق التنفيذي للشركة تقنياتهم في عرض تقديمي بُث مباشرة.


وفي يوليو/تموز من هذا العام (2019)، قدم ماسك لمجموعة من المهندسين والمستهلكين الفضوليين اختراعا يبدو من قبيل الخيال العلمي من صنع شركته الناشئة في مجال التكنولوجيا العصبية “نيورالينك”؛ إنها “شريحة دماغية في حجم العملة المعدنية تقريبا قابلة للزرع في جمجمة الشخص من شأنها دمج الذكاء البيولوجي مع الذكاء الآلي”.

ووفقا لوصف ماسك، سيتم تثبيت هذه الشريحة في دماغ الشخص عن طريق حفر ثقب يبلغ قطره 2 ملم في الجمجمة، مع توصيل أقطاب كهربائية إلى دماغه، ومن خلالها تنطلق مجموعة من الأسلاك الصغيرة -كل منها أرق من شعرة الإنسان بنحو 20 مرة- إلى دماغ المريض، وأكد أن “واجهة الشريحة لاسلكية، لذلك لا توجد أسلاك تخرج من رأسك”، وهي  قادرة على مراقبة نشاط الدماغ، ونقل البيانات لاسلكيا عبر الشريحة إلى أجهزة الحاسوب، حيث يمكن للباحثين دراستها.

وجادل ماسك بأن مثل هذه الأجهزة ستساعد البشر على التعامل مع ما يسمى هيمنة الذكاء الاصطناعي، وهو السيناريو الذي يصبح فيه الذكاء الاصطناعي الشكل السائد للذكاء على الأرض -مثل برامج الحاسوب أو الروبوتات- بشكل فعال على الكوكب بعيدا عن الجنس البشري.

المصدر: شمسان بوست

إقرأ أيضاً:

«عين غزال».. شاهد على التاريخ البشري

أبوظبي (الاتحاد)

في عصور سابقة، قبل اختراع الكتابة، كان الفن هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن مشاعر البشر وأفكارهم. وفي متحف اللوفر أبوظبي، يقف تمثال «عين غزال» الأردني كدليل حي على النهضة الفنية والروحية التي عاشها أسلافنا قبل حوالي 9000 عام. ومنذ لحظة دخولهم معرض «القرى الأولى»، تبدأ رحلة الزوار في متحف اللوفر أبوظبي، ليأسر أنظارهم تمثال عين الغزال، وهو من أقدم التماثيل البشرية الضخمة، تم اكتشافه في موقع عين غزال الأثري قرب عمّان في الأردن. تم نحت هذا العمل الفني الفريد بين الألفية الثامنة والسابعة قبل الميلاد، في فترة شهدت نشوء المجتمعات الأولى وابتكار رموز تعبر عن هويتها.
وتسلط آمنة الزعابي، مساعدة أمين المتحف في اللوفر أبوظبي، الضوء على دور التمثال في السرد العالمي للمتحف، خاصة وأنه تم اكتشافه في منطقة تُعتبر مهد الحضارات. وتوضح قائلة: «يُعتبر تمثال عين غزال استثنائياً، ليس فقط بسبب عمره، بل لما يمثله من تحول. إنه شاهد على ظهور مجتمعات مستقرة، وهياكل اجتماعية متطورة، وقدرة أصحابها على التعبير الفني وابتكار تقنيات جديدة».
ويُشارك المتحف في سرد الرواية الأوسع للمنطقة الثقافية في السعديات، التي تضم سبع مؤسسات ثقافية، وتأخذ الزوار في رحلة عبر تاريخ عالمنا والثقافات المشتركة التي تجمعنا، كل ذلك يُعرض لأول مرة من منظور أبوظبي. وفي هذا السياق، يروي متحف اللوفر أبوظبي قصصاً من الإبداع البشري، من خلال تنسيق مقتنياته بعناية حول لحظات محورية تتجاوز الحضارات والجغرافيا والأزمنة.
إن تمثال عين غزال يقف على أعتاب هذه الرحلة، مُجسّداً الانتقال من الحياة البدوية إلى الاستقرار في المجتمعات الزراعية. وتقول الزعابي: «شهدت هذه الفترة ظهور رموز اجتماعية جديدة. ويُقدّم لنا التمثال لمحة عن الطريقة التي ربما نظر بها البشر الأوائل إلى القيادة، أو النسب». مع ذلك، تُقرّ الزعابي بأن لا يوجد أحد يعرف الغرض الدقيق للتمثال، إذ كان ذلك في فترة سبقت الكتابة بكثير، لذا يضطر علماء الآثار إلى الاعتماد على استخدام الأدلة التي خلقها الزمن في الرمال لتكوين وصياغة نظرياتهم.
 وتمثال عين غزال هو واحد من أكثر من 30 تمثالاً من الجص، عُثر عليها مدفونة بعناية وتبجيل في حفرتين منفصلتين تحت مساكن مهجورة في قرية عين غزال التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، وهو موقع سُمي نسبةً إلى نبع ماء قريب. وتُشير هذه الطريقة الدقيقة في الدفن إلى دلالة طقسية أو شعائرية مهمة. وفي هذا الشأن توضح الزعابي: «لم تُرم هذه التماثيل ببساطة أو تُدفن مع رفات بشرية فحسب، بل وُضعت بعناية تحت أرضيات منازل مهجورة، مما يُشير إلى أنها كانت تحمل معنى عميقاً لدى صانعيها. ولا يزال الجدل قائماً حول ما إذا كانت تُمثل أسلافاً، أم قادة أوائل».

أخبار ذات صلة برعاية منصور بن زايد.. «ليوا للرطب» ينطلق غداً بمشاركة مجتمعية واسعة الإمارات تتوّج اليوم أبطال أولمبياد الكيمياء الدولي


أهمية فنية ورمزية

كشفت الزعابي أيضاً عن أن آثار الطلاء الموجودة على بعض التماثيل، إلى جانب وجود تجويف فوق الجبهة يُرجَّح أنه كان مخصصاً لوضع شعر مستعار أو غطاء للرأس، كما وتُشير إلى أن هذه التماثيل ربما كانت مزينة ومغطاة بألوان زاهية. ومع ذلك، لا يستطيع علماء الآثار والمتخصصون تفسير هذه التفاصيل إلا بالاعتماد على الأدلة المتوفرة، مما يُضفي على وجود التمثال في متحف اللوفر أبوظبي طابعاً غامضاً يثير الفضول.
وإلى جانب أهميته الفنية والرمزية، يُعدّ تمثال عين غزال دليلاً على التقدم التكنولوجي المبكر الذي صمد عبر آلاف السنين. وتوضح الزعابي: «كانت تقنية الجص الكلسي ابتكاراً رئيسياً في ذلك الوقت. فقد استُخدمت في كل شيء، من الأرضيات وأغطية الجدران إلى الحلي والأعمال النحتية مثل هذا التمثال». ومع ذلك، فقد ترك عامل الزمن بصمته الحتمية على القطع الأثرية، وتوضح الزعابي: «في الأصل، صُنعت التماثيل باستخدام هيكل داخلي من حزم القصب والكُحل المستخلص من مادة القار لعمل حدقة العين، ولكن عندما اكتشفها علماء الآثار عامي 1983 و1985، كانت هشة، وقد تضررت بنيتها الهيكلية بشكل كبير». وقد تولى خبراء من مؤسسة سميثسونيان في واشنطن العاصمة والمتحف البريطاني في لندن مهمة الترميم الدقيقة والشاقة، حيث قاموا بتثبيت التماثيل وترميمها بعناية فائقة، وهي عملية استغرقت قرابة عقد من الزمن.
ووفقاً للزعابي، فعلى الرغم من إنجازاتها الفنية والتكنولوجية، واجهت مجتمعات العصر الحجري الحديث التي صنعت تماثيل عين غزال تحديات بيئية. «مع نهاية الألفية السابعة قبل الميلاد، نشهد أدلة على انتشار إزالة الغابات واستنزاف الموارد. وربما أجبر هذا الأمر المجتمعات على هجر مستوطناتها والبحث عن مناطق جديدة لإعادة التشكُل والبناء». إنها حقيقة تكشف أن حتى أقدم الحضارات كانت مضطرة للتعامل مع تغيّر المناخ وتبعات التأثير البيئي الناتج عن الإفراط في استغلال الموارد. وتُشكل معاناتهم انعكاساً واقعياً يُثير التأمل في قضايا الاستدامة التي نواجهها اليوم.

جسور ثقافية
منذ عرضه في عام 2017، يُعد تمثال عين غزال من أبرز القطع في مجموعة متحف اللوفر أبوظبي. وقد أُعير التمثال من متحف الأردن في عمّان، ليُجسّد التزام المتحف بتعزيز الشراكات الدولية. وفي عام 2022، سافرت الزعابي إلى الأردن للمشاركة في المؤتمر الدولي «تاريخ وآثار الأردن» في جامعة اليرموك، حيث تحدثت عن أهمية التمثال ومكانته ضمن السرد العالمي الذي يقدّمه المتحف. قائلة: «كانت أيضاً فرصة لتعريف الجمهور الأردني بأهمية التمثال ضمن قصة اللوفر أبوظبي، وكيف يُسهم في ترسيخ العلاقات القوية القائمة بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الإمارات العربية المتحدة».
 إن القطع الأثرية، مثل تمثال عين غزال، تُشكّل جسوراً ثقافية تربط بين الحضارات القديمة والجمهور المعاصر. فعندما يقف الزوار أمام عينيه الأخّاذتين، المُكحلتين، يُذكّرهم ذلك بأن التاريخ ليس مجرد سلسلة من الأحداث البعيدة، بل هو قصة مستمرة لا تزال تُشكّل فهمنا لهويتنا. وتختتم الزعابي بقولها: «إنه لشرفٌ لنا أن نُشارك هذه القصص. هذا التمثال ليس مجرد أثرٍ، بل هو رابط حي مع التجربة الإنسانية المشتركة»،  وهو يُجسد التزام متحف اللوفر أبوظبي بعرض مثل هذه القطع الفنية، حرصه على أن يبقى إرث تمثال عين غزال وصانعوه حاضراً، من خلال حوار خالد بين الماضي والحاضر.

مقالات مشابهة

  • جوجل تدخل سباق الاستحواذ على مهندسي الذكاء الاصطناعي وتضم قادة Windsurf في صفوفها
  • «عين غزال».. شاهد على التاريخ البشري
  • حين يغيب العقل.. يتحدث الجسد
  • العمل الأهلي الفلسطيني: الاحتلال وأمريكا يراهنان على استنزاف الفلسطينيين للرمق الأخير
  • الذكاء الاصطناعي يتفوق على الذكاء البشري في التعليم
  • الاتحاد يستقطب عدنان البشري من الأهلي
  • في ذكرى رحيله.. عمر الشريف النجم الذي عبر حدود السينما إلى قلوب العالم (تقرير)
  • تدمير المعنى: السلام أنموذجا
  • طريقة عمل شيبسي مقرمش ولذيذ
  • غوغل تقرأ رسائل واتساب تلقائياً.. وماسك يشعل المنافسة في عالم «الذكاء الاصطناعي»