صحيفة الاتحاد:
2025-07-13@02:42:12 GMT

«عين غزال».. شاهد على التاريخ البشري

تاريخ النشر: 13th, July 2025 GMT

أبوظبي (الاتحاد)

في عصور سابقة، قبل اختراع الكتابة، كان الفن هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن مشاعر البشر وأفكارهم. وفي متحف اللوفر أبوظبي، يقف تمثال «عين غزال» الأردني كدليل حي على النهضة الفنية والروحية التي عاشها أسلافنا قبل حوالي 9000 عام. ومنذ لحظة دخولهم معرض «القرى الأولى»، تبدأ رحلة الزوار في متحف اللوفر أبوظبي، ليأسر أنظارهم تمثال عين الغزال، وهو من أقدم التماثيل البشرية الضخمة، تم اكتشافه في موقع عين غزال الأثري قرب عمّان في الأردن.

تم نحت هذا العمل الفني الفريد بين الألفية الثامنة والسابعة قبل الميلاد، في فترة شهدت نشوء المجتمعات الأولى وابتكار رموز تعبر عن هويتها.
وتسلط آمنة الزعابي، مساعدة أمين المتحف في اللوفر أبوظبي، الضوء على دور التمثال في السرد العالمي للمتحف، خاصة وأنه تم اكتشافه في منطقة تُعتبر مهد الحضارات. وتوضح قائلة: «يُعتبر تمثال عين غزال استثنائياً، ليس فقط بسبب عمره، بل لما يمثله من تحول. إنه شاهد على ظهور مجتمعات مستقرة، وهياكل اجتماعية متطورة، وقدرة أصحابها على التعبير الفني وابتكار تقنيات جديدة».
ويُشارك المتحف في سرد الرواية الأوسع للمنطقة الثقافية في السعديات، التي تضم سبع مؤسسات ثقافية، وتأخذ الزوار في رحلة عبر تاريخ عالمنا والثقافات المشتركة التي تجمعنا، كل ذلك يُعرض لأول مرة من منظور أبوظبي. وفي هذا السياق، يروي متحف اللوفر أبوظبي قصصاً من الإبداع البشري، من خلال تنسيق مقتنياته بعناية حول لحظات محورية تتجاوز الحضارات والجغرافيا والأزمنة.
إن تمثال عين غزال يقف على أعتاب هذه الرحلة، مُجسّداً الانتقال من الحياة البدوية إلى الاستقرار في المجتمعات الزراعية. وتقول الزعابي: «شهدت هذه الفترة ظهور رموز اجتماعية جديدة. ويُقدّم لنا التمثال لمحة عن الطريقة التي ربما نظر بها البشر الأوائل إلى القيادة، أو النسب». مع ذلك، تُقرّ الزعابي بأن لا يوجد أحد يعرف الغرض الدقيق للتمثال، إذ كان ذلك في فترة سبقت الكتابة بكثير، لذا يضطر علماء الآثار إلى الاعتماد على استخدام الأدلة التي خلقها الزمن في الرمال لتكوين وصياغة نظرياتهم.
 وتمثال عين غزال هو واحد من أكثر من 30 تمثالاً من الجص، عُثر عليها مدفونة بعناية وتبجيل في حفرتين منفصلتين تحت مساكن مهجورة في قرية عين غزال التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، وهو موقع سُمي نسبةً إلى نبع ماء قريب. وتُشير هذه الطريقة الدقيقة في الدفن إلى دلالة طقسية أو شعائرية مهمة. وفي هذا الشأن توضح الزعابي: «لم تُرم هذه التماثيل ببساطة أو تُدفن مع رفات بشرية فحسب، بل وُضعت بعناية تحت أرضيات منازل مهجورة، مما يُشير إلى أنها كانت تحمل معنى عميقاً لدى صانعيها. ولا يزال الجدل قائماً حول ما إذا كانت تُمثل أسلافاً، أم قادة أوائل».

أخبار ذات صلة برعاية منصور بن زايد.. «ليوا للرطب» ينطلق غداً بمشاركة مجتمعية واسعة الإمارات تتوّج اليوم أبطال أولمبياد الكيمياء الدولي


أهمية فنية ورمزية

كشفت الزعابي أيضاً عن أن آثار الطلاء الموجودة على بعض التماثيل، إلى جانب وجود تجويف فوق الجبهة يُرجَّح أنه كان مخصصاً لوضع شعر مستعار أو غطاء للرأس، كما وتُشير إلى أن هذه التماثيل ربما كانت مزينة ومغطاة بألوان زاهية. ومع ذلك، لا يستطيع علماء الآثار والمتخصصون تفسير هذه التفاصيل إلا بالاعتماد على الأدلة المتوفرة، مما يُضفي على وجود التمثال في متحف اللوفر أبوظبي طابعاً غامضاً يثير الفضول.
وإلى جانب أهميته الفنية والرمزية، يُعدّ تمثال عين غزال دليلاً على التقدم التكنولوجي المبكر الذي صمد عبر آلاف السنين. وتوضح الزعابي: «كانت تقنية الجص الكلسي ابتكاراً رئيسياً في ذلك الوقت. فقد استُخدمت في كل شيء، من الأرضيات وأغطية الجدران إلى الحلي والأعمال النحتية مثل هذا التمثال». ومع ذلك، فقد ترك عامل الزمن بصمته الحتمية على القطع الأثرية، وتوضح الزعابي: «في الأصل، صُنعت التماثيل باستخدام هيكل داخلي من حزم القصب والكُحل المستخلص من مادة القار لعمل حدقة العين، ولكن عندما اكتشفها علماء الآثار عامي 1983 و1985، كانت هشة، وقد تضررت بنيتها الهيكلية بشكل كبير». وقد تولى خبراء من مؤسسة سميثسونيان في واشنطن العاصمة والمتحف البريطاني في لندن مهمة الترميم الدقيقة والشاقة، حيث قاموا بتثبيت التماثيل وترميمها بعناية فائقة، وهي عملية استغرقت قرابة عقد من الزمن.
ووفقاً للزعابي، فعلى الرغم من إنجازاتها الفنية والتكنولوجية، واجهت مجتمعات العصر الحجري الحديث التي صنعت تماثيل عين غزال تحديات بيئية. «مع نهاية الألفية السابعة قبل الميلاد، نشهد أدلة على انتشار إزالة الغابات واستنزاف الموارد. وربما أجبر هذا الأمر المجتمعات على هجر مستوطناتها والبحث عن مناطق جديدة لإعادة التشكُل والبناء». إنها حقيقة تكشف أن حتى أقدم الحضارات كانت مضطرة للتعامل مع تغيّر المناخ وتبعات التأثير البيئي الناتج عن الإفراط في استغلال الموارد. وتُشكل معاناتهم انعكاساً واقعياً يُثير التأمل في قضايا الاستدامة التي نواجهها اليوم.

جسور ثقافية
منذ عرضه في عام 2017، يُعد تمثال عين غزال من أبرز القطع في مجموعة متحف اللوفر أبوظبي. وقد أُعير التمثال من متحف الأردن في عمّان، ليُجسّد التزام المتحف بتعزيز الشراكات الدولية. وفي عام 2022، سافرت الزعابي إلى الأردن للمشاركة في المؤتمر الدولي «تاريخ وآثار الأردن» في جامعة اليرموك، حيث تحدثت عن أهمية التمثال ومكانته ضمن السرد العالمي الذي يقدّمه المتحف. قائلة: «كانت أيضاً فرصة لتعريف الجمهور الأردني بأهمية التمثال ضمن قصة اللوفر أبوظبي، وكيف يُسهم في ترسيخ العلاقات القوية القائمة بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الإمارات العربية المتحدة».
 إن القطع الأثرية، مثل تمثال عين غزال، تُشكّل جسوراً ثقافية تربط بين الحضارات القديمة والجمهور المعاصر. فعندما يقف الزوار أمام عينيه الأخّاذتين، المُكحلتين، يُذكّرهم ذلك بأن التاريخ ليس مجرد سلسلة من الأحداث البعيدة، بل هو قصة مستمرة لا تزال تُشكّل فهمنا لهويتنا. وتختتم الزعابي بقولها: «إنه لشرفٌ لنا أن نُشارك هذه القصص. هذا التمثال ليس مجرد أثرٍ، بل هو رابط حي مع التجربة الإنسانية المشتركة»،  وهو يُجسد التزام متحف اللوفر أبوظبي بعرض مثل هذه القطع الفنية، حرصه على أن يبقى إرث تمثال عين غزال وصانعوه حاضراً، من خلال حوار خالد بين الماضي والحاضر.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: أبوظبي السعديات الزراعة متحف اللوفر أبوظبي الفن متحف اللوفر أبوظبی

إقرأ أيضاً:

نزع السلاح يبدأ رسميًا... هل يكتب التاريخ نهاية الصراع بين أنقرة والكرد؟

بدأ مقاتلون من حزب العمال الكردستاني، اليوم الجمعة، تسليم أسلحتهم رسميًا في مراسم رمزية جرت قرب مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، في خطوة وُصفت بأنها تحول مفصلي في مسار الصراع الممتد منذ عقود بين الحزب والسلطات التركية.

وتأتي هذه الخطوة ضمن إعلان سابق للحزب في 12 مايو/أيار الماضي عن حل نفسه وإنهاء العمل المسلح، استجابة لنداء زعيمه عبد الله أوجلان، المعتقل في سجن جزيرة إيمرالي قبالة إسطنبول منذ عام 1999، والذي دعا في 27 فبراير/شباط إلى وقف الصراع والانتقال إلى العمل السياسي السلمي.

وفي الأول من مارس/آذار، أعلن الحزب – المصنف كتنظيم "إرهابي" من قبل أنقرة وعدد من الدول الغربية – وقف إطلاق النار من طرف واحد، ما مهّد الطريق لمفاوضات غير مباشرة ترعاها الحكومة التركية.

وقال مسؤول في حزب العمال الكردستاني مطلع الشهر الجاري، إن حوالي 30 مقاتلاً ممن شاركوا في القتال خلال السنوات الماضية ضد القوات التركية، سيقومون بتدمير أسلحتهم كعلامة على حسن النية، قبل أن يعودوا إلى المناطق الجبلية في شمال العراق.

وشارك في مراسم اليوم عدد من نواب حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، والذي لعب دور الوسيط بين أنقرة وأوجلان خلال المحادثات الجارية منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كما حضر المراسم عدد من الصحفيين المحليين والدوليين.

وفي مقطع فيديو مؤرخ في 19 يونيو/حزيران وبُث يوم الأربعاء، شدد أوجلان (76 عامًا) على أهمية "الانتقال الطوعي إلى المرحلة القانونية والسياسة الديمقراطية"، داعيًا إلى إنشاء آلية رسمية لإلقاء السلاح وإنهاء الصراع المسلح.

وقد خلّف النزاع بين الطرفين منذ اندلاعه عام 1984 أكثر من 40 ألف قتيل، وأدى إلى توترات سياسية وأمنية داخل تركيا ومع دول الجوار، خاصة مع وجود قواعد عسكرية تركية في شمال العراق منذ أكثر من 25 عامًا لمحاربة عناصر الحزب.

وفي أول رد رسمي، قال مسؤول تركي لوكالة رويترز إن الخطوة تمثل "نقطة تحول لا رجعة عنها وفرصة لبناء مستقبل خالٍ من الإرهاب". كما أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أمله في تسريع عملية السلام، قائلاً للصحفيين السبت الماضي: "ستتسارع جهودنا عندما تبدأ المنظمة تنفيذ قرارها بإلقاء السلاح".

وأضاف خلال اجتماع لحزبه الأربعاء: "ندخل مرحلة جديدة نأمل أن نحصد خلالها أخبارًا إيجابية في الأيام المقبلة"، مؤكدًا أن أنقرة تتطلع إلى إنهاء العملية بنجاح "دون عراقيل أو محاولات تخريب".

من جانبه، قال مصدر أمني عراقي إن عملية نزع السلاح يُتوقع أن تمتد حتى عام 2026، وتشمل إعادة تنظيم الحزب ليشكّل كيانًا سياسيًا جديدًا داخل تركيا.


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

سيف الزعبي

قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.

الأحدثترند نزع السلاح يبدأ رسميًا... هل يكتب التاريخ نهاية الصراع بين أنقرة والكرد؟ 20 مليون دولار أو الاعتذار..محمود خليل يلاحق ترامب قضائيًا الضفة تواجه الحصار: الاحتلال يصعد عدوانه ضد الفلسطينيين حدث أمني كبير يهز الاحتلال شمالي غزة وتفاصيل جديدة حول خسائره هدنة قريبة في غزة؟ نتنياهو يتحدث عن اتفاق محتمل لمدة 60 يومًا Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • العصابة الأحطّ والأقذر في التاريخ
  • ما دلالة حرق حزب العمال الكردستاني للسلاح بدلا من تسليمه.. التاريخ يجيب (شاهد)
  • الذكاء الاصطناعي يتفوق على الذكاء البشري في التعليم
  • الاتحاد يستقطب عدنان البشري من الأهلي
  • نزع السلاح يبدأ رسميًا... هل يكتب التاريخ نهاية الصراع بين أنقرة والكرد؟
  • الزعابي: الإمارات تبني منظومة وطنية مستدامة تتجاوز الخروج من القوائم
  • شنقريحة: التكوين الجيّد لموردنا البشري هو حجر الزاوية لبناء جيش قوي
  • وزير الثقافة يشهد احتفال ترميم تمثال رمسيس ويكرم اسم النحات أحمد عثمان
  • ميسي يكتب التاريخ في أميركا!