صحيفة صدى:
2025-12-02@06:40:54 GMT

حين يغيب العقل.. يتحدث الجسد

تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT

حين يغيب العقل.. يتحدث الجسد

حين يُنهك العقل من كثرة التفسير، حين تتراكم الأسئلة دون أجوبة، وحين لا يبقى للكلمات معنى…

يتنحّى العقل، ويُطفئ الضوء.

وحينها، يتقدّم الجسد.

الجسد لا يُجيد البلاغة، ولا يتقن البيان.
لكنه حين يتكلم… لا يكذب.
هو لا يراوغ، لا يُجامل، لا يساوم.

يرتجف حين نخاف، يضطرب حين نُقصي ذواتنا عن المشهد، ينكمش حين تُغلق الأبواب في وجه أرواحنا، وينطق — بطريقته — عندما يُمنع علينا البوح.

في بدايات شبابي، كنت أكتب على الصفحة الأولى من كل كتاب عبارة لا أعرف من أين جاءت، لكنها كانت تشبهني:

“عندما يغيب العقل يتحدث الجسم”
واليوم فقط فهمت ما كنت أكتبه.

ليس العقل هو القائد دائمًا، وليس المنطق هو الحَكم.
فكم مرة غصّ حلقي أمام جمعٍ من الناس دون أن أكون مريضًا؟
وكم مرة ارتعشت يدي وأنا أمدّها لسلام، كأنني أرتكب خطيئة؟
كنت أختبئ خلف ابتسامة وادعة، لكن جسدي كان يصرخ في الداخل:
“أرجوك، لا ترني لهذا الضوء، لا تسلّطني في هذا المشهد، لا تجعلني هدفًا للعيون…”

لم يكن رهابًا، بل كان جسدي يتكلم بدلاً من عقلي، لأن عقلي خذلني، وانشغل بإحصاء احتمالات الإحراج والفشل.

ثم قرأت نصًا، كأنّه كُتب عني… لكنه كان أوسع.

لم يكن عن كلية مزروعة، بل عن الرفض ذاته، حين يُزَرع في بيئة لا تعرف كيف تحتضن المختلف.

كتبت د. ظافرة عن الرفض حين يُنتزع من مكانه، ويُلقى في مجتمع لا يُشبهه.

كل من حوله يرفضه:

الأطفال لا يمدّون له أيديهم،
الكبار لا ينظرون إليه،
والمكان الجديد يضيق به، بلا ماء، بلا رحمة.

لم يكن الرفض مذنبًا…
لكنه كان غريبًا.

والغريب، في منطق بعض المجتمعات، لا يستحق إلا أن يُقصى، حتى وإن كان يحمل الخير.

أفكّر أحيانًا:
كم منّا خُلع من مكانه، وزُرع في بيئة لا تُشبهه؟
كم منّا رفضه المحيط لأنه لم يُشبههم؟
كم منّا صرخ من الداخل: “أنا لا أنتمي هنا”… لكن صوته لم يخرج من حنجرته، فاضطر أن يُخرجه من عضلة، من رعشة، من مرض؟

الجسد لا يكذب.
والألم الحقيقي… لا يختبئ إلى الأبد.

حين يغيب العقل، يتحدث الجسد.
فإمّا أن نُصغي باكرًا… أو ننتظر الصراخ المتأخر من مكانٍ لا يُسمع فيه شيء.

المصدر: صحيفة صدى

إقرأ أيضاً:

وصفي التل… ذاكرة رجلٍ لا يغيب في ذكرى رحيله

ابراهيم مصطفى خريسات

في الذكرى التي تحضر فيها سيرة وصفي التل، لا يعود الحديث مجرّد استرجاعٍ لحدثٍ سياسي أو واقعة اغتيال، بل استدعاءٌ لشخصية ظلّت – رغم مرور العقود – إحدى أكثر الشخصيات الأردنية حضورًا في الوعي العام، لما تركته من أثر مركّب يجمع بين الصرامة والدولة والقيم والخيال الوطني.

وصفي التل… مزيج نادر من الصلابة والرؤية
ولد وصفي في بيئةٍ ريفية قاسية شكّلت مبكرًا حِسَّه تجاه العمل، والانضباط، وارتباط الإنسان بالأرض. هذه الخشونة الأولى سترافقه لاحقًا في كل موقعٍ تسلّمه، ليظهر كرجل دولة لا يعرف المساومة على ما اعتبره مبادئ أساسية: سيادة الدولة، نزاهة الإدارة، وحقّ الناس في الأمن والطمأنينة.
لم يكن التل صاحب خطابات مطوّلة بقدر ما كان صاحب مشروع، ولا صاحب وعود بقدر ما كان صاحب نتائج. لذلك بقي حضوره في الذاكرة مرتبطًا بفكرة “رجل المرحلة الصعبة” الذي كان يرى في الوظيفة العامّة تكليفًا لا ترفًا سياسيًا.

بين السياسة والهوية… علاقة معقّدة وصريحة
شكّلت سنوات ما بعد 1967 تحديًا قاسيًا للأردن، سياسيًا وأمنيًا واجتماعيًا. وفي قلب هذا التوتر ظهر وصفي التل بموقفٍ واضح: دولةٌ يجب أن تبقى متماسكة مهما بلغ الثمن، ومجتمع يجب ألا يُترك رهينةً للفوضى. لذلك نُظر إليه من البعض كمصلحٍ صلب، ورآه آخرون كرجل لا يتردد في اتخاذ قرارات صادمة.
لكن ما يجمع عليه أغلب من تناول تجربته أنّ الرجل كان يرى الهوية العربية، والقضية الفلسطينية تحديدا، جزءًا من البنية الأخلاقية للدولة الأردنية وليس ملفًا سياسيًا يعالج بالخطابات. كانت رؤيته صارمة، ومن هنا جاء الجدل حوله، ومن هنا أيضًا جاء احترام غير قليلين له.

مقالات ذات صلة خبراء الفرشات !!!؟؟ 2025/11/27

اغتياله لم ينهِ الحكاية
في تلك اللحظة الدامية من نوفمبر 1971، كان الهدف بالنسبة لخصومه إيقاف الرجل، لكن ما حدث عمليًا كان أقرب لولادة رمز. اغتيال وصفي لم يقطع أسئلته التي ظلّت مفتوحة:
كيف تُحمى الدولة الصغيرة في محيط مضطرب؟
كيف تُدار السلطة بنزاهة دون أن تُخدع بالمظاهر؟
وكيف يمكن لرجل واحد أن يترك هذا القدر من الأثر من دون أن يسعى لصورة أو مجد؟

هذه الأسئلة ما تزال تُطرح حتى اليوم، وتُعيد وصفي التل من الماضي إلى الحاضر في كل ذكرى رحيله، وكأن التاريخ يلوّح لنا بأن بعض الشخصيات لا تُطوى بالغياب.

إرثٌ يتجاوز السياسة
لم يبقَ من وصفي التل فقط أنه كان رئيسًا للوزراء، بل بقيت صورة الأردني الذي لم يفصل حياته الخاصة عن مسؤوليته العامة؛ الرجل الذي كان يمشي بين الناس ويعرف تفاصيل القرى والدروب، ويؤمن أنّ الدولة تبدأ من احترام تعب الناس ولقمة عيشهم.
وبقي أيضًا أثره في الذاكرة الثقافية الأردنية: ومفكّرٌ انشغل بالفلاحين والبادية، وكاتبٌ يرى الوطنية فعلًا يوميًا قبل أن تكون شعارًا.

في ذكرى رحيل وصفي التل، لا نرثي رجلًا مضى فحسب، بل نستحضر نموذجًا صعب التكرار: رجل دولةٍ آمن بأن كرامة البلاد ليست مادة للتفاوض، وأن النزاهة ليست فضيلة ثانوية، وأن على المسؤول أن يكون صلبًا بقدر ما يكون حقيقيًا.
وربما لهذا السبب بالتحديد، يظلّ اسمه حاضرًا، لا في السياسة وحدها، بل في ذاكرة الناس، في حديثهم العابر، وفي حنين لا يخلو من سؤال:
هل يمكن أن يتكرر مثل هذا النوع من الرجال؟

مقالات مشابهة

  • محمد رمضان: عرضت علي معلول العمل في الاهلي.. لكنه رفض وقرر الرحيل
  • هل يقلق الملك؟ نعم يقلق… لكنه لا يخاف إلا الله
  • حين يغيب المبدأ
  • أحمد السقا يغيب عن دراما موسم رمضان القادم
  • «جسد خارج الجسد».. لشهد الشمري المسكوت عنه أدبيا في الإعاقة والمرض
  • Galaxy Z TriFold قد يكون أرخص من المتوقع… لكنه سيظل أغلى من iPhone Fold
  • وصفي التل… ذاكرة رجلٍ لا يغيب في ذكرى رحيله
  • بالفيديو.. البابا يجذب الزائرين إلى لبنان
  • مشيخة العقل تنفي دعوتها لمؤتمر الأقليات في جنيف
  • شيخ العقل رعى جولة لوزير الاشغال في المتن.. وشدد على تعزيز أمل الناس