بوابة الفجر:
2025-07-31@06:47:29 GMT

د. رشا سمير تكتب: الشغف هو الأمل

تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT

لعل مصر لا تمتلك ثلث آثار العالم مثلما تعلمنا في كتب التاريخ ونحن صغار، لكنها دون جدال تمتلك السحر وعبق التاريخ في كل زاوية وكل جدار، فمصر هي تلك الخطوات والمسارات والأصوات التي كتبها التاريخ على مدار عقود طويلة..

مصر هي مسار العائلة المقدسة..هي صوت صهيل الخيول في معارك طيبة..ومذاق الزيتون في بساتين سيناء.

.هي ضوء المشاعل في طريق الكباش..وشعاع القمر الذي يخطو بخفة فوق جدران معابد الأقصر وأسوان..

هذه هي مصر التي علمتني أن أرتاد شوارعها وأحبو بين صفحات تاريخها لتسكن جوانحي ووجداني..مصر التي تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن حبها هو العنوان، وعشقها هو الملاذ والمآوى..

قادتني قدماي إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بدعوة كريمة من الدكتور أحمد غنيم الرئيس التنفيذي للمتحف..المكان الذي يختلف في شكله ومضمونه عن أي مكان آخر في مصر، فهو بحق وجهة حضارية عظيمة..

إصطحبتني فتاة أنيقة ومتحدثة لبقة إلى جولة بين أروقة المتحف، مع إصرار الدكتور غنيم بدخولي مراكز ومعامل الترميم داخل المتحف، إنصعت إليه ولم أكن متحمسة في البداية، إلا أن حالة الإنبهار والفخر التي تسللت إلى مسامي أثناء الجولة كانت كفيلة لمعرفة سبب إصراره..

فقد أيقنت أن هذا المركز هو أهم ما في المتحف، بعد أن إستمعت إلى شرح القائمين على المركز في مختلف القطاعات، من ترميم المخطوطات والجلود والخزف والأحجار والمومياوات، 

في رحلة طويلة مُنظمة تبدأ من إستلام القطعة الأثرية بعد خروجها من باطن الأرض إلى إعادتها ببراعة وفهم إلى هيئتها الأولى بعد جهد جهيد لتُعرض في المتحف..

تحدثت طويلا مع المسئولين عن عملية الترميم وسألتهم عن تفاصيل عملهم والصعوبات التي تواجههم، ولماذا دون غيرها إلتحقوا بقسم الترميم، ففوجئت أن الإجابة ببساطة تتلخص في كلمة واحدة هي: 

"الشغف"

تعجبت من الكلمة.. وعدت أسألهم من جديد: "هل كان مجموع الثانوية العامة هو السبب؟"

كانت إجابة الجميع واحدة برغم إختلاف الوجوه..إجابة مُفادها: "الآثار هي العشق الأول..سكنتنا التفاصيل وأصبح التحدي الحقيقي أمامنا هو جمع القطع المبعثرة المكسورة وترميمها لإعادتها إلى هيئتها الأولى هي مسئوليتنا تجاه وطننا".

خرجت من هناك وكلي فخر وسعادة، ليصبح يقيني أن هناك مصريون يذوبون عشقا في تراب هذا البلد..وأن الحل الحقيقي لكل المشاكل التي تجابهنا في الوقت الحالي هو البحث عمن لديهم شغف تجاه هذا البلد لنوليهم المسئولية، ولسوف يتحملون المسئولية بدافع حب..

وما أكثر هؤلاء..

الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع عقب الثورة لينظفون الأرصفة ويعيدون طلائها يمتلكون الشغف..

المصريون الذين خرجوا إلى الجبانات والشوارع في محاولة جادة لتوثيق المقابر القديمة والأماكن الأثرية التي تعرضت للإزالة يمتلكون الشغف..

الشاب الذي يمد يده في منطقة أثرية لمساعده سائح لا يعرفه بمعلومة أو شربة ماء..يمتلك الشغف..

خريجي الفنون الجميلة الذين يرسمون الجرافيتي على جدران العشوائيات المتهدمة والبيوت القديمة لإعطائها من روحهم أمل وحياة يمتلكون الشغف.. 

جمعيات المجتمع المدني والشباب الذين يجوبون النجوع والكفور لتوصيل المياه إلى بيوت غير القادرين وتسقيف منازلهم يمتلكون الشغف..

هؤلاء هم أبناء مصر القادرين على تحمل المسئولية من واقع حب..أما من يجلسون في موقع المسئولية ولا يمتلكون تجاه الوطن أي مشاعر تدفعهم لتنحية مصالحهم وإعلاء المصلحة العامة، فهؤلاء سيظلون أبدا منتفعين من مناصبهم دون أن يقدموا شئ وستبقى الدولة عالقة مثل الدين في رقابهم إلى يوم الدين..

لازال قلبي يئن وأنا في زياراتي المتكررة للمساجد والأبنية التي تم ترميمها دون وعي أو دراية، لتصبح مثل عروس متعجلة لتشطيب شقة الزوجية!..الحجر الذي فاق عمره عمر الزمان وتم طلائه باللون الأصفر تحت مسمى الترميم يحتاج إلى إعادة نظر لأنه قبيح..والقبح لم يليق أبدا أن يكون عنوان مصر الجميلة!.

نحن نمتلك المقومات التي تجعل مصر أهم دولة سياحية في المنطقة بل وفي العالم كله، ونمتلك السواعد التي تعي جيدا كيف تُدير وتطور وترمم لإعادة رونق الأشياء دون المساس بجوهرها وقيمتها..فلماذا لا يتم الإستعانة بهؤلاء؟

إننا في مرحلة تحدي حقيقي ولم يبقى أمامنا سوى الإتكال على من يعشقون هذه الأرض الطيبة  علهم يزرعون وفاء وحب ليحصدون الأمل..

فهل من مُجيب؟!.

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

د. منال إمام تكتب: الدبلوماسية الثقافية.. أداة إستراتيجية لحماية الأمن القومي المصري

في المقال السابق، سلطتُ الضوء على الدبلوماسية الثقافية بوصفها إحدى أنبل أدوات القوة الناعمة، وتشمل الفنون والتعليم والدين، لتقيم جسورًا من التفاهم والتقارب بين الشعوب، وتعزز من صورة الدولة في الوجدان العالمي، وتخدم مصالحها بعيداً عن صخب السياسة. واستجابةً لما وردني من اقتراحاتٍ من قراءٍ أعزاء وأصدقاء كرام، أضع بين أيديكم اليوم رؤية عملية تتضمن خطوات واقعية لتعظيم دور الدبلوماسية الناعمة، وتفعيل أثرها في خدمة الأمن القومي المصري.
أولًا: تحويل المقومات الثقافية المصرية إلى أدوات استراتيجية
(أ) مواجهة الفكر المتطرف بالفكر المستنير، الجهات المسؤولة: (الأزهر، وزارة الأوقاف، وزارة الخارجية) الخطوات العملية:
•    زيادة عدد المبعوثين الأزهريين إلى الدول الإفريقية والآسيوية ذات القابلية للتطرف.
•    إنشاء منصات إلكترونية متعددة اللغات لنشر الفكر الوسطي الأزهري.
•    تنظيم مؤتمرات دولية للحوار الديني تستضيفها مصر وتُبث عالميًا.
•    تخصيص منح دراسية لطلاب من مناطق متأثرة بالتطرف لدراسة العلوم الإسلامية والإنسانية في مصر.
ثانيًا: تعميق العلاقات الثقافية مع إفريقيا والعالم العربي، الجهات المسؤولة:( وزارة الثقافة، وزارة الخارجية، الهيئة العامة للاستعلامات)
الخطوات العملية:
•    فتح مراكز ثقافية مصرية جديدة في 10 عواصم إفريقية وعربية خلال 3 سنوات.
•    تنظيم أسابيع ثقافية متنقلة (فنية، تراثية، موسيقية) في الدول المستهدفة.
•    دعم مشاركة الفنانين المصريين في مهرجانات دولية تحمل البعد الإفريقي والعربي.
•    إنتاج أفلام وثائقية عن الروابط التاريخية والثقافية بين مصر وإفريقيا تُترجم وتُعرض محليًا في تلك الدول.
ثالثًا: تعزيز الدبلوماسية التعليمية – صناعة حلفاء المستقبل، الجهات المسؤولة: (وزارة التعليم العالي، الجامعات المصرية، وزارة الهجرة)
الخطوات العملية:
•    توسيع برنامج المنح الدراسية الموجهة للطلاب من إفريقيا والدول العربية.
•    إنشاء مكتب "رعاية الخريجين الأجانب" للتواصل المستمر معهم بعد العودة لبلدانهم.
•    تنظيم "الملتقى السنوي لخريجي الجامعات المصرية" بالتعاون مع السفارات المصرية بالخارج.
•    إدخال مواد عن "الهوية والثقافة المصرية" ضمن البرامج الموجهة للطلبة الأجانب.
رابعًا: ربط الجاليات المصرية بالخارج بالهوية الوطنية، (الجهات المسؤولة وزارة الهجرة، وزارة الثقافة، الهيئة الوطنية للإعلام)
الخطوات العملية:
•    تنظيم مهرجانات ثقافية سنوية للجاليات المصرية (بداية في 5 دول ذات كثافة عالية).
•    تطوير تطبيق رقمي يضم محتوى ثقافي وتراثي باللغة العربية واللغات الأجنبية موجه لأبناء الجيل الثاني والثالث.
•    إنتاج برامج إعلامية خاصة بالجاليات تبث على المنصات الرقمية.
•    إقامة معسكرات ثقافية صيفية للشباب المصري بالخارج داخل مصر لتعزيز الارتباط بالوطن.
خامسًا: استخدام السينما والفنون كرسائل موجهة للعالم، الجهات المسؤولة: (وزارة الثقافة، وزارة الإعلام، نقابة المهن السينمائية)
الخطوات العملية:
•    إطلاق صندوق دعم الأفلام التي تقدم صورة مصر المتنوعة والمعتدلة (بشراكة حكومية-خاصة).
•    ترجمة المسلسلات والأفلام المصرية الناجحة للغات الأفريقية والآسيوية وتوزيعها في تلك الأسواق.
•    إرسال وفود فنية تمثل مصر في المعارض والمهرجانات الدولية بشكل دوري.
•    دمج البعد الثقافي والدبلوماسي في أعمال درامية تُبث خلال مواسم رمضانية وسينمائية رئيسية.
سادسًا: التنسيق بين مؤسسات الدولة: خطة وطنية شاملة ومطلوب تشكيل لجنة وطنية عليا للدبلوماسية الثقافية تضم ممثلين عن:
•    وزارات: الثقافة، التعليم، الأوقاف، الإعلام، الخارجية، الهجرة
•    الأزهر الشريف
•    الهيئات الإعلامية والجامعات
مهامها:
•    إعداد استراتيجية وطنية للقوة الناعمة المصرية خلال 5 سنوات.
•    تقييم البرامج الثقافية الحالية وتطويرها وفق أهداف الأمن القومي.
•    متابعة التنفيذ ورفع تقارير دورية لمجلس الوزراء والرئاسة.
وفي النهاية: الدبلوماسية الثقافية لم تعد ترفًا، بل ضرورة لحماية الأمن القومي في بيئة إقليمية معقدة. إن ما تملكه مصر من رصيد حضاري وديني وثقافي يجب ألا يبقى فقط في المتاحف والكتب، بل يتحول إلى أدوات نشطة للتأثير الإقليمي والدولي. حين تُدار الثقافة بوعي، تصبح خط الدفاع الأول عن الوطن.

طباعة شارك الدبلوماسية الثقافية الوجدان العالمي الأمن القومي المصري

مقالات مشابهة

  • في فيلم عبر الجدران.. الفقراء الذين لا يستحقون الستر
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: ما وراء البريق الخادع للشهرة السريعة
  • د. منال إمام تكتب: الدبلوماسية الثقافية.. أداة إستراتيجية لحماية الأمن القومي المصري
  • هند عصام تكتب.. الملك أمنمحات الثالث
  • مُفتي عُمان: نحيي أبطال اليمن المغاوير الأفذاذ الذين حطموا كل أسطورة
  • مفتي عمان ..نحيي أبطال اليمن المغاوير الأفذاذ الذين حطموا كل اسطورة
  • ناشئ قطار المنيا.. قصة كفاح تكتب فصلاً جديداً في ملحمة الحلم الكروي
  • الكتابة من تحت الأنقاض.. يوسف القدرة: في الشعر لغة فرط صوتية ضد عار العالم
  • اشتباك دموي في كشمير: من هم القتلى الثلاثة الذين أربكوا الهند؟
  • باحث: درجات الثانوية ليست شرطًا للنجاح.. الشغف هو الطريق