صدى البلد:
2025-07-31@15:40:31 GMT

أحمد ياسر يكتب: مصر.. التاريخ والعنوان

تاريخ النشر: 30th, July 2025 GMT

في خضمّ التعليقات الصاخبة المحيطة بالحرب المدمرة في غزة، ترسخت رواية ساخرة ومُستمرة.. رواية تسعى إلى تصوير مصر كطرف سلبي، أو حتى متواطئ، في معاناة الشعب الفلسطيني.

هذه الإدعاءات الخبيثة، التي تنتشر بسرعة التضليل الإعلامي، ليست تشويهًا عميقًا للحقيقة فحسب، بل هي إهانة لأمة تحملت، تاريخيًا وحاضرًا، أثقل أعباء القضية الفلسطينية… إن المراجعة الموضوعية للحقائق ليست ضرورية فحسب، بل تُعدّ أيضًا دحضًا قاطعًا لهذه الحملة من التضليل الإعلامي.

(أولا)يتمحور أكثر هذه الادعاءات خبثًا حول معبر رفح الحدودي، الذي يُصوّر بشكل غير نزيه على أنه دليل على "حصار" مصري، هذه الإدعاء مُفلس فكريًا… فمعبر رفح هو حدود دولية بين دولتين ذات سيادة، (مصر وفلسطين) ، تحكمها اتفاقيات دولية واعتبارات أمنية وطنية عميقة، لا سيما في ظلّ معركة مصر الطويلة والمكلفة مع الإرهاب في سيناء.

فهو ليس نقطة تفتيش داخلية متعددة؛  بالنسبة لغزة، فهي البوابة الوحيدة إلى العالم التي لا تسيطر عليها إسرائيل.. إن مساواة إدارة مصر المنظمة لحدودها السيادية بالحصار العسكري والاقتصادي الشامل الذي تفرضه إسرائيل - الذي يسيطر على المجال الجوي والساحل والمعابر التجارية لغزة - هو تحريف متعمد وخبيث للمسؤولية.

والحقيقة هي أنه منذ بداية هذه الأزمة، لم يكن معبر رفح حاجزًا، بل الشريان الرئيسي للمساعدات المنقذة للحياة، وهو شهادة على الالتزام المصري، وليس رمزًا للعرقلة.

(ثانيا) هذا يقود إلى الزيف الثاني: فكرة أن الدعم الإنساني المصري كان غائبًا… يتلاشى هذا الادعاء أمام الأدلة الدامغة، منذ اليوم الأول، نسقت مصر عملية لوجستية واسعة النطاق ومتواصلة، وقد سهلت الدولة المصرية، بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري وجهات وطنية أخرى، دخول الغالبية العظمى من جميع المساعدات الدولية المقدمة إلى غزة.

نحن لا نتحدث عن لفتات رمزية، بل عن آلاف الشاحنات المحملة بالغذاء والماء والوقود والإمدادات الطبية الأساسية.  نتحدث هنا عن مستشفيات ميدانية مصرية أُقيمت على الحدود، وعن آلاف الجرحى الفلسطينيين والأجانب الذين دخلوا لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية.

لقد تكبدت الخزينة المصرية ثمنًا باهظًا جراء هذا الجهد الضخم، وأثقل كاهل بنيتنا التحتية اللوجستية والأمنية إلى أقصى حد، وبينما قدّم آخرون كلماتهم، قدّمت مصر شريان حياة، مُقاسًا بالعدد وبالأرواح التي أُنقذت.

وأخيرًا، يكشف نقد الجهود الدبلوماسية المصرية عن سوء فهم جوهري لواقع الوساطة الإقليمية القاسي. . إن اتهام مصر بالتقصير الدبلوماسي يتجاهل حقيقة أن القاهرة من العواصم القليلة جدًا في العالم التي يُؤتمن على التحدث مع جميع الأطراف.

هذا ليس تواطؤًا؛ بل هو العمل الأساسي والمضني لصنع السلام…تعمل  الأجهزة الأمنية المصرية  والقنوات الدبلوماسية بلا كلل للتوسط في وقف إطلاق النار، والتفاوض على إطلاق سراح الرهائن والسجناء، ومنع اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقًا.

علاوة على ذلك، ترتكز الدبلوماسية المصرية على مبادئ راسخة… لقد كان الرئيس عبد الفتاح السيسي واضحًا لا لبس فيه في التعبير عن خطين أحمرين أساسيين لمصر:

١-  الرفض القاطع لأي تهجير قسري أو طوعي للفلسطينيين من أرضهم.

2- المطالبة الثابتة بحل الدولتين على أساس حدود عام 1967…هذه ليست مواقف سلبية؛ بل هي مبادئ أمنية وطنية راسخة وفعّالة وجهت أفعال مصر، ووضعتها أحيانًا في خلاف مع مخططات جهات فاعلة عالمية أقوى.

سيكون التاريخ هو الحكم النهائي، وسيُظهر سجله أنه بينما انغمس الآخرون في الغضب الاستعراضي والتظاهر السياسي، كانت مصر على الأرض، تُدير الحدود، وتُسلم المساعدات، وتُعالج الجرحى، وتُشارك في دبلوماسية حل النزاعات الجائرة والمرهقة…

و تتلاشى الادعاءات الخبيثة عند مواجهة وطأة أفعال مصر. ونقول للجميع أن التزامنا ليس محل نقاش؛ إنه مسألة مُسجلة تاريخيا..

طباعة شارك غزة التضليل الإعلامي القضية الفلسطينية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة التضليل الإعلامي القضية الفلسطينية

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: (يوم في حياة كاتب)

والعنوان مأخوذ من رواية سولزنستين “يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش”، وإيفان مسجون في سيبيريا أيام الشيوعية… وبعد مضي العام الأول وهو في السجن، إيفان يرقد في فراشه وهو يقول لنفسه:
هانت يا إيفان… لم يبقَ لك هنا إلا خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وستون يوماً فقط.
وقالوا إن جاره يسمعه ويتمتم بشيء كأنه يتنهد. وإيفان يسأله:
• كم يوماً لك هنا؟
قال: ألف ويومان.
قال: وكم بقى لك؟
قال: ثلاثة آلاف وأربعة عشر.
قال إيفان: إذن فأنت مثلي… منتبه للرقم.
قال الرجل ساخراً:
• بالطبع، فأنا من عشر سنوات أقول لنفسي إنه لم يبقَ لها إلا ثلاثة آلاف وأربعة عشر…
الإجابة هي اليأس المطلق وتعني أنه يعلم أنه لن يخرج أبداً…
………
ونحن نمشي في الطريق ننظر إلى تراب الطريق السياسي. ونستعيد قصة صغيرة قال كاتبها المسكين:
كنت أمشي في الطريق ووجدت جنيهاً ذهبياً،
ومن يومها وأنا أمشي وعيناي على تراب الطريق،
حتى الآن ما حصلت عليه هو:
أربع قطع عملة… خمس دبابيس شعر… ثلاثة أقلام… قطع فلين… وظهر منحني ونظر قصير… وحياة بائسة جافة…
ونحن نمشي في طريق السياسة والإعلام، وبعد أربعين سنة ما نحصل عليه أقل قليلاً مما وجده صاحب الحكاية في الطريق…
ونمر بدار للإسلاميين ونستعيد إنشاد ونشيج حافظ إبراهيم وهو يودع محمد عبده:
سلام على الإسلام بعد محمد
سلام على أيامه النضرات
سلام على الدين والدنيا…
على العلم والحِجى… على الخطرات
لقد كنت أخشى عادي الموت قبله
والآن أخشى أن تطول حياتي
اللهم إن سوداناً من أهله فلان وفلان هو سودان لا نريده.
ونسمع شاعرة تتحدث عن العرب،
وسوداني لعله يحمل في صدره ما نحمل يجاري الشاعرة – التي تبكي من الذل العربي – يقول عن المتعاونين مع الجنجا:
أبيع خائن على السكين
أبيعو.. أبيع ولو بالدين
أبيع اتنين… جنيه واحد
وأيدك لو تدور اتنين
أبيع خاين.. تجره يمين.. تجره شمال
يبيع أمه عشان المال
………
لنجد – ونحن نمشي في درب الإعلام – من يقول:
الجوع، هل هو الغريزة الأعظم؟… لا
الجنس… الخوف… الطمع… الـ… الـ؟ لا
قال:
من يبيع أمه عشان المال هو شخص ما يفعل شيئاً مقابل شيء… بينما المتعاون له غريزة هي الذل دون مقابل…
نحن، بعض من السودانيين، يبلغون الكشف عن غريزة لا تخطر بالبال.
ومن يقرأ السطور هذه يقول لنا:
ابنة عمدة في جبال النوبة أيام الإنجليز تقود عصابة وتصعد الجبل تقاتل الإنجليز بعد أن شنقوا والدها… وحتى بعد أن استشهد جميع من معها ظلت تقاتل.
وفي التاريخ، في العالم من يفخرون يصرخون بـ (جيش من رجل واحد)،
بينما نحن في السودان نصرخ بـ (جيش من امرأة واحدة… وضد الجيش الإنجليزي).
في السطور الأولى للحديث هذا نتجه إلى أن نقول إننا سئمنا الحياة في بلد فيه من يبيع أمه ودينه، ونشتهي الموت.
ثم يأتينا من أخبار عمليات كردفان الآن ما يملأ الصدر… من دعاش العزة

إسحق أحمد فضل الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: والحرب الحقيقية تبدأ الآن
  • السيد القصير: الدولة المصرية تضع القضية الفلسطينية عبر التاريخ فى أولوياتها
  • حكايات المحاصصة التي حوّلت الدبلوماسية إلى دار مزاد حزبي مغلق وفاسد
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (رصف الدخان)
  • أشرف صبحي: ثقة العالم في المهندس ياسر إدريس دليل على كفاءة الرياضة المصرية
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (يوم في حياة كاتب)
  • أحمد الأشعل يكتب: لماذا مصر؟ ولماذا الآن؟
  • الفظائع التي لن ينساها التاريخ
  • معيط: الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة المصرية