لجريدة عمان:
2025-05-16@18:31:14 GMT

القوة الناعمة وأثرها في العلاقات الدولية

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

ظهر مصطلح القوة الناعمة قبل عقود في مقابل القوة الصلبة، والتي كانت مهيمنة على العلاقات الدولية لقرون، وخاصة منذ العهد الاستعماري البريطاني والبرتغالي والفرنسي وحتى الإيطالي، حيث أدت القوة العسكرية والنفوذ التجاري والاقتصادي والهيمنة على مقدّرات الشعوب دورا محوريا في فلسفة الاستعمار الحديث في الشرق العربي وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وعلى ضوء تلك القوة الصلبة التي كانت فلسفة الاستعمار وإخضاع الشعوب بالقوة العسكرية لقرون وخاصة الاستعمارَيْن البريطاني والفرنسي بدأت ملامح فلسفة المقاومة وعدم الرضوخ لتلك القوة الاستعمارية الغاشمة، التي عبرت البحار والمحيطات لاستغلال ثروات ومقدّرات تلك البلدان. ومن هنا وخلال قرن من الزمن تغلبت مقاومة الشعوب وإرادتها الحرة على تلك القوة الصلبة، والتي تجردت من الإنسانية وسجل التاريخ مجازر كبيرة ارتكبها المحتل الأجنبي في قارة أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والمنطقة العربية وخاصة في فلسطين المحتلة بعد قيام الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨ وهو عام النكبة، والذي يتكرر الآن في قطاع غزة، حيث العدوان الصهيوني الهمجي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين منذ أكثر من أربعة أشهر واستشهاد أكثر من ثلاثين ألف نسمة معظمهم من الأطفال والنساء في إطار إبادة جماعية لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، ورغم ذلك تلقى جيش الكيان الصهيوني هزيمة منكرة تاريخية يوم السابع من أكتوبر الماضي على أيدي المقاومة الفلسطينية سوف تغير من مسار الأحداث في منطقة الشرق الأوسط من خلال إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

عودة إلى مسألة القوة الناعمة التي برزت كمفهوم في العقود الأخيرة ولعل النموذج الصيني هو الأبرز على صعيد استخدام هذه الأدوات الناعمة، وهي في الوقت نفسه أكثر تأثيرا حتى من القوة الصلبة على الصعيدَين الاستراتيجي والاقتصادي وحتى الإنساني.

فالصين اختطت لنفسها طريق العلاقات الدولية من خلال فلسفة تقوم على تطويع قوتها الناعمة على صعيد علاقاتها الدولية من خلال التجارة والاستثمار، ولها في ذلك تاريخ طويل حيث طريق الحرير الذي تريد إحياءه مجددا. كما أن فلسفة الصين وربما تأثرا بفلاسفتها وفي مقدمتهم كونفوشيوس لا تحبذ القوة الصلبة أو الدخول في حروب أو صراعات، بل إن التاريخ القريب للصين يقول إنها احتُلت من قبل الجيش الياباني. ومن هنا فإن الاستخدام الذكي للقوة الناعمة أصبح منهجا إيجابيا في إطار العلاقات الدولية، وأصبحت الصين -وهي عملاق العالم الاقتصادي- النموذج الأبرز على صعيد استثمار قوتها الناعمة خاصة في القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى المنطقة العربية، وهي القارات التي رزحت لقرون تحت هيمنة القوة الاستعمارية الصلبة حيث القوة العسكرية واضطهاد الشعوب وسرقة مواردها. ولعل الاستعمار الفرنسي في أفريقيا يعد نموذجا صارخا في استغلال موارد القارة الأفريقية وتحويل شعوبها إلى شعوب فقيرة حتى بدأت انتفاضة تلك الشعوب مؤخرا في النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغيرها من الدول الأفريقية. كذلك الاستعمار البريطاني الذي يعد الاستعمار الأبرز في العصر الحديث ولعل استغلال الهند ومواردها يعد مثالا صارخا، وكذلك على صعيد المنطقة العربية.

ومن هنا فإن القوة الصلبة العسكرية سجلت فشلا ذريعا خاصة مع المستعمر الأكثر نفوذا الآن وهو الولايات المتحدة الأمريكية والتي شنت العدد الأكبر من الحروب منذ عهد استقلالها حيث بلغت تلك الحروب في القارات الثلاث أكثر من ٨٠ حربا مسلحة قُتل خلالها ملايين المدنيين الأبرياء خاصة في دول جنوب شرق آسيا كفيتنام ولاوس والفلبين وكوريا -قبل التقسيم- وأخيرا اليابان حيث ضرب مدن هيروشيما ونجازاكي بالقنابل النووية وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء. علاوة على احتلال القوات الأمريكية العراق وأفغانستان وعمل عشرات الانقلابات في دول أمريكا اللاتينية وحتى في عدد من الدول العربية والأفريقية والإسلامية. ولعل الانقلاب على حكومة رئيس وزراء إيران محمد مصدق في عقد الخمسينيات من القرن الماضي هو أبرز تلك الانقلابات غير الشرعية. وعلى ضوء ذلك فإن القوة الصلبة سجلت على مدى قرون فشلا كبيرا ونتجت عنها كراهية متواصلة للأنظمة الغربية. ومن هنا برزت الصين وحتى دول جنوب شرق آسيا من خلال القوة الناعمة حيث التجارة والدبلوماسية والإعلام والفنون والآثار.

وعلى ضوء ذلك فإن النموذج لبلادنا سلطنة عمان يؤهلها لأن تؤدي دورا حضاريا وإنسانيا من خلال قوتها الناعمة والتي تستند إلى مقومات حقيقية حيث التاريخ الضارب في القِدم والانفتاح على الحضارات والشعوب باعتبارها إحدى الحضارات الإنسانية الكبيرة التي أدت دورا مؤثرا في مناطق عديدة في العالم خاصة شرق أفريقيا وشبه القارة الهندية وأواصر التواصل مع دول جنوب شرق آسيا خاصة الصين والهند وسنغافورة. ومن هنا فإن الدبلوماسية العمانية والأدوات الحضارية على صعيد الإعلام والفنون والتراث كلها أدوات ناعمة يمكنها أن تشكل المزيد من التأثير الإيجابي على صعيد العلاقات الدولية. ولعل مشاركة سلطنة عمان في افتتاح بورصة برلين للسياحة باعتبارها الضيف الرسمي وسط حضور دولي كبير يعطي دلالة كبيرة على أهمية هذا الوجود العماني على صعيد قطاع السياحة كإحدى أدوات القوة الناعمة الأكثر تأثيرا حيث زحف ملايين السياح عبر الجغرافيا، خاصة أن بلادنا سلطنة عمان لديها مقومات كبيرة ومفردات متميزة على صعيد صناعة السياحة. كما أن الدبلوماسية العمانية وعلى مدى أكثر من نصف قرن أدت دور القوة الناعمة الناجحة في حل عدد من الملفات المعقدة خاصة في منطقة الخليج والجزيرة العربية. كما أن دورها الحضاري بارز على صعيد منظمات الأمم المتحدة حيث اليونسكو وكراسي السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- في عدد من الجامعات الدولية وهناك الشواهد الأثرية في كل بقاع سلطنة عمان. كما أن الفنون والإرث الثقافي العماني يعدان من أدوات القوة الناعمة التي لا بد من إيجاد آليات للدفع بها في إطار الاستخدام الأمثل لقوة سلطنة عمان الناعمة. علاوة على قضايا حيوية في إطار خطط سلطنة عمان في مجال التنويع الاقتصادي والموقع الاستراتيجي المميز لبلادنا سلطنة عمان وتسجيل مؤشرات إيجابية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والإعلامي حيث سجل الإعلام العماني مؤشرا جيدا من خلال إحدى المنظمات المتخصصة، وهذا شيء جيد يبنى عليه لمزيد من العطاء والتطوير.

ومن هنا فإن الاستراتيجية التي ينبغي أن تدعم تلك القوة الناعمة هو تأهيل المزيد من الكوادر في تلك القطاعات على ضوء رؤية عمان ٢٠٤٠ ومن خلال الدفع بتلك الأدوات الناعمة التي تبرز المزيد من أدوار بلادنا سلطنة عمان والتي تعيش مرحلة فارقة في تاريخها الحديث وفي إطار النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- خاصة على صعيد الملف الاقتصادي والاجتماعي والسير بملف التنويع الاقتصادي إلى الأمام، وعدم الاعتماد على مصدر النفط. ومن هنا نرى القطاعات غير النفطية تسجل أرقام نمو جيدة، كما أن المناطق الاقتصادية في محافظات سلطنة عمان تؤدي دورا متناميا، وعلى المحافظين أن يبذلوا الكثير من الجهود لتنمية المحافظات في ظل قانون المحافظات واستقلالية القرار الإداري ووجود الموازنات المالية، حيث نرى خلال سنوات قليلة قادمة كل محافظات سلطنة عمان وهي مدن كبيرة تعج بالمشروعات التي توفر المزيد من فرص العمل للشباب العماني.

إن القوة الناعمة أصبحت جزءا مؤثرا في المشهد السياسي العالمي ولها تأثير كبير يفوق القوة الصلبة، وبلادنا سلطنة عمان لديها من الممكنات والأدوات الحضارية ما يمكنها أن تؤدي دورا كبيرا وإيجابيا قياسا إلى سمعتها الإقليمية والدولية الممتازة وذات المصداقية على صعيد السلوك السياسي الذي يتميز بالصدق ونصرة القضايا الإنسانية وفي مقدمتها قضية فلسطين العادلة.

عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العلاقات الدولیة القوة الناعمة سلطنة عمان تلک القوة المزید من على صعید أکثر من فی إطار من خلال على ضوء خاصة فی کما أن

إقرأ أيضاً:

رواد عمان.. تكريم خريجي البرنامج الإثرائي وابتعاث 45 طالبا للدراسة الدولية

احتفلت شركة تكاتف عُمان بتكريم 155 طالبًا وطالبة من خريجي البرنامج الإثرائي لرواد عُمان للعام 2024م، الذي امتد على مدى 14 شهرًا بدءًا من الصيف الماضي، مرورًا بمراحل عديدة، بما في ذلك البرنامج الصيفي الداخلي، ومرحلة التعلم الذاتي، والحلقة الشتوية.

كما تم اختيار 45 طالبًا وطالبة منهم للحصول على بعثة دراسية دولية تمتد إلى 6 سنوات؛ بدءًا من سنتين في مدرسة داخلية و4 سنوات في إحدى الجامعات العالمية.

رعى حفل التخريج معالي سلطان بن سالم الحبسي وزير المالية. ويهدف برنامج رواد عُمان، الذي بدأ عام 2012، إلى إعداد الشباب العُماني لأدوار قيادية ومهنية في كل من القطاعين العام والخاص في سلطنة عُمان، وإعدادهم للإسهام الفاعل في تحقيق "رؤية عُمان 2040" من خلال ابتعاثهم إلى أرقى المؤسسات التعليمية العالمية وبرامج التدريب في المؤسسات الكبرى العالمية.

وشهد حفل التخرج تقديم عرض مرئي حول الحلقة الشتوية، حيث تحدّث الطلبة عن تجربتهم في البرنامج الإثرائي، بالإضافة إلى التركيز على آراء أولياء أمور الطلبة بالتجربة ومدى أثرها على أبنائهم.

كما تم عرض خبرات بعض الخريجين من الدفعات السابقة لبرنامج رواد عُمان ورسالتهم لدفعة 2024. وبدورها، ألقت الطالبة زينب بنت خالد المعمرية كلمة الرواد نيابة عن دفعة 2024، مؤكدة فيها على مدى أهمية البرنامج في بناء شخصية كل طالب وطالبة.

وقالت: إن البرنامج يسهم في تعزيز الكفاءات العُمانية ودمجها في مشروعات اقتصادية كبرى داخل وخارج سلطنة عُمان، مشيرة إلى أن البرنامج يحرص على تطوير مهارات الطلبة في مختلف المجالات، بما في ذلك مهارات القيادة، والتفكير المجرد، وإيجاد الحلول، والخطابة والكتابة، والبحث العلمي، وتقنية المعلومات والاتصالات، والعمل الجماعي، والمواطنة العالمية، والتعلم الذاتي، مؤكدة أن البرنامج يتميز بدمجه بين التفوق الأكاديمي والخبرات العملية، إذ يلتزم المبتعثون بفترات تدريب عملية خلال فصل الصيف، مما يمنحهم تجربة مهنية حقيقية في مجالات دراستهم.

وقال سعادة محمود بن عبدالله العويني، أمين عام وزارة المالية: إن البرنامج الإثرائي لرواد عُمان ليس مجرد خطوة أكاديمية، بل هو استثمار في الإنسان الذي يُعد الركيزة الأساسية للتنمية المستدامة لتحقيق أهداف "رؤية عُمان 2040".

وأوضح سعادته، أن الطلبة أثبتوا قدرتهم على تجاوز التحديات عبر مراحل البرنامج المختلفة، وهو ما يؤكد على أنهم قادرون على حمل راية التميز في أرقى الجامعات العالمية، والعودة لإثراء الوطن بخبراتهم وتجاربهم.

وأضاف سعادته: إن مستقبل سلطنة عُمان يُصنع بأيدي أبنائها، وبرامج مثل "رواد عُمان" تمثل ركيزة لتحقيق ذلك، وهم يعودون بعلوم حديثة، ومهارات قيادية، ورؤى مبتكرة تُسهم في ازدهار الاقتصاد الوطني، مؤكدًا دعم الحكومة لكل المبادرات التي تصقل طاقات الشباب وتمكّنهم للمستقبل.

وقال زيد بن تقي، أحد خريجي برنامج رواد عُمان: بدأت الرحلة من خلال البرنامج الصيفي الإثرائي، واجهت تحديات في أول ثلاثة أيام، كانت الأصعب بالنسبة لي كوني أعيش في دبي، ولم أكن أعرف أحدًا من المشاركين. لكن طاقم السكن وفريق تكاتف قدموا لي دعمًا كبيرًا، وبمرور الأيام أصبحت علاقتي بزملائي قوية جدًا.

أشار زيد إلى أن البرنامج الصيفي شكّل نقلة نوعية في حياته، حيث تلقى التعليم من مدرسين من مختلف الجنسيات مثل أمريكا ودول أخرى، بعضهم من جامعات مرموقة ولديهم خبرة واسعة في البحث والتفكير النقدي. ومن أبرز المهارات التي اكتسبها في البرنامج مهارة تنظيم الوقت، خاصة أن البرنامج يتطلب العمل على عدة مشاريع في آنٍ واحد. كما طوّر ثقته في التحدث أمام الجمهور، وتم اختياره لإلقاء كلمة في الحفل الختامي، وكانت لحظة فخر كبيرة بالنسبة له. وعن خططه المستقبلية قال: بعد التخرج، أطمح للعودة إلى بلدي والمساهمة في تنميتها. هذا هو جوهر برنامج رواد عُمان – إعداد شباب قادرين على إحداث فرق حقيقي في وطنهم.

ومن جانبها، قالت الطالبة زينب خالد عبدالله المعمرية: برنامج "رواد عُمان" لم يكن مجرد ورش أكاديمية أو محاضرات تطويرية، بل كان بيئة متكاملة تهدف إلى تطوير الإنسان قبل الطالب، مع التركيز على الجوانب النفسية، والجسدية، والروحية.

لقد كان البرنامج اختبارًا حقيقيًا لي في الاستقلالية واتخاذ القرار، فعشت لأول مرة بعيدًا عن عائلتي، وبدأت أتعلم كيف أنظم وقتي، وكيف أحقق التوازن بين الدراسة والأنشطة المختلفة. صحيح أنني واجهت تحديات عدة مثل التكيف مع بيئة جديدة، وتنظيم الوقت في ظل الجدول اليومي المنظم بالدقيقة، لكنني اكتشفت من خلال البرنامج كيف أتعامل مع تلك التحديات وأحولها إلى فرص للتعلم والنمو.

وأضافت: لقد منحني البرنامج فرصة لاكتشاف مواهبي، وتحفيز شغفي بالبحث العلمي. تعلّمت كيف تكون الثقة بالنفس هي المفتاح لتجاوز العقبات، وكيف أن البيئة الإثرائية يمكن أن تسهم في اكتشاف الذات وصقل الشخصية. كما أنني استلهمت من تجربتي الشخصية تجارب الآخرين الذين سبقوني في البرنامج، مثل أخي وبنت خالتي، اللذين كان لهما تأثير كبير في اتخاذ قرار المشاركة. فبرنامج "تكاتف" عزز لدي حب الاستكشاف وحل المشكلات، وسأستمر في تطوير مهاراتي العلمية لتقديم الحلول التي تفيد عُمان وخليجنا العربي.

مقالات مشابهة

  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب
  • طلبة سلطنة عمان الرابع في مسابقة الروبوت بأمريكا
  • المنتجات العُمانية تجذب زوّار معرض "سعودي فود شو"
  • الطاولة المستديرة لمنظمة التجارة العالمية تبرز مكانة سلطنة عمان في دعم النظام التجاري متعدد الأطراف
  • وفد مجلس نواب الشعب الصيني يختتم زيارته لسلطنة عمان
  • رواد عمان.. تكريم خريجي البرنامج الإثرائي وابتعاث 45 طالبا للدراسة الدولية
  • خبراء يناقشون واقع إدارة نفايات البناء والهدم في سلطنة عمان
  • الممثل الخاص لسلطان عمان يصل الرياض لحضور القمة الخليجية - الأمريكية
  • سلطنة عمان ترحب برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا
  • الاقتصاد العماني أمام اختبار التحول.. «عمان» تحاور الدكتور عبد الملك الهنائي حول طموحات التنمية والتحولات الدولية