تطبيع أنظمة أم شعوب؟
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
د. أحمد بن علي العمري
بعد مضي أكثر من 5 أشهر من الحرب المدمرة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، التي أحرق فيها البشر والشجر والحجر بلا هوادة ولا رحمة أمام مرأى ومسمع من العالم، ما زلنا نندهش من الصمت الدولي المُخزي تجاه ما يحدث من مذابح بحق أشقائنا في دولة فلسطين.
لقد دكت إسرائيل كل سبل الحياة في غزة، وهدموا البيوت على رؤوس ساكنيها من أبرياء مسالمين وهاجموا الجامعات والمدارس والمساجد والمعابد والمستشفيات ونبشوا القبور وقصفوا المقابر؛ بل استهدفوا الأبرياء الذين يلوذون بالمستشفيات لطلب المساعدات حماية لهم من الجوع المُمِيت وصوبوا عليهم أسلحتهم المباشرة وقصفتهم طائراتهم في إبادة جماعية واضحة وصريحة؛ بل وصرح وزراؤهم أنه لا كرامة ولا احترام ولا تقدير للشعب الفلسطيني العربي المسلم!
بعد كل هذا يجب أن نقف ونتساءل، هل بقي الجيش الإسرائيلي هو الجيش الذي لا يقهر؟! وهل التطبيع مع الكيان ظاهرة إيجابيه أم سلبية؟!
للإجابة على هذه الأسئلة، نقول إن الجيش الإسرائيلي لم يعد الجيش الذي لا يُقهر بعدما صمد المقاومون أمامه في غزة وقبلها تجرع مر الهزيمة في عملية 7 أكتوبر المباركة.
لم يبق لإسرائيل المجرمة سوى قتل الأبرياء والنساء والأطفال، بينما لم تتمكن بكل تقنياتها ومساعدة حلفائها أن يصلوا إلى المقاومين.
أما السؤال الثاني عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فقد ردت على ذلك جماعة أنصار الله في اليمن، وأثبتت أن القوة الخارقة ليست في امتلاك الأسلحة والذخائر والتقنية والتسليح الحديث، وإنما في المبادئ والمواقف والإيمان التام بالحقائق والمنطق والواقع. لقد وجّه الأمريكان والبريطانيون ضرباتهم في اليمن إلى معسكرات فارغة ووهمية ولا يوجد بها أي إنسان ونسوا أن أنصار الله يلوذون بالكهوف ويخزنون أسلحتهم فيها ويحتمون بها.
السؤال الثالث وهو محور موضوعنا هنا، فإننا نقول إن الأنظمة الرسمية هي المسؤولة عن التطبيع، وليس الشعوب، والأدلة واضحة؛ إذ لم يقبل الشعب المصري حتى الآن معاهدة كامب ديفيد. وهنا أنا أُحيي بلادي التي وقفت مع مصر واعتبرت ذلك شأنًا داخليًا لمصر في اتخاذ قراراتها بنفسها، ومع من تريد، في الوقت الذي قاطع فيه العرب مصر؛ بل ونقلوا جامعة الدول العربية إلى تونس.
كذلك لم يوافق الشعب الأردني على اتفاقية وادي عربة، لتأتي دول أخرى وتهرع إلى التطبيع بدون أي مقابل، وبدون حتى ما تعترف إسرائيل أو تقبل بالمبادرة العربية، فلماذا هذه الهرولة باتجاه إسرائيل ولماذا هذا الاستعجال؟
وأخيرًا.. تأكدوا أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، وأن أمريكا لم تعد كما كانت، فاتجهوا إلى التنين الصيني لأنه قادم بقوة وتعاملوا مع الدب الروسي لأنه لن يتزحزح.
حفظ الله عمان وسلطانها وشعبها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الشعور بالقوة الذي منحه ترامب للخليج.. هل يصمد أمام اختبار وقف العدوان الإسرائيلي؟
في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية٬ رأت الكاتبة نسرين مالك أن مظاهر الاحترام التي يُبديها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحلفائه في الشرق الأوسط تظل جوفاء، ما لم يكن لهؤلاء الحلفاء تأثير حقيقي على ما يجري في ساحاتهم الخلفية.
ووصفت مالك زيارة ترامب الأخيرة للمنطقة بأنها كانت "تمريناً في التضليل"، سواء على مستوى إعادة تشكيل العلاقة بين الولايات المتحدة والمنطقة، أو في تلاعبه بالتصورات من خلال المجاملات والرمزيات.
وأشارت إلى أن ترامب بدا في قمة انسجامه مع ذاته وهو يتجول بين القصور الفاخرة، ويتودد إلى مظاهر البذخ المعماري، كما حصل حين عبّر عن إعجابه برخام أحد القصور القطرية قائلاً: "كمطور عقارات، هذا رخام مثالي".
ولفتت إلى المفارقة في أن الرئيس نفسه الذي حظر دخول مواطني دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، كان يطوف بين المساجد دون اكتراث بمسارات التطرف التي أوصلت بعض الزعماء إلى السلطة، في إشارة إلى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.
ورأت مالك أن ترامب، بخلاف الإدارات الأمريكية السابقة التي كثيراً ما قدّمت محاضرات عن القانون الدولي وحقوق الإنسان دون التزام فعلي به، تخلّى تماماً حتى عن التظاهر بالتمسك بهذه المعايير، مما جعله يعقد صفقات مباشرة مع حكومات المنطقة على أساس الندية والمصلحة الاقتصادية والسياسية، بعيداً عن أي اعتبارات أخلاقية أو سياسية تقليدية.
وأوضحت أن دول الخليج الثلاث التي زارها ترامب – السعودية، والإمارات، وقطر – شعرت بالاعتراف بوزنها السياسي والاقتصادي في المشهد الدولي، ليس فقط كدول ثرية، بل كقوى صاعدة تطوّع السياسة لمشاريعها الوطنية.
لكن مالك حذّرت من أن هذا الاعتراف لا يكتسب قيمته الحقيقية ما لم يتحوّل إلى تأثير ملموس في القضايا المصيرية، وفي مقدمتها ما يجري في غزة، حيث يمارس الاحتلال الإسرائيلي حرباً تدميرية دون رادع.
وأضافت أن السؤال الجوهري الذي ظل معلقاً هو: ما حدود هذه القوة الخليجية المتعاظمة؟ هل ستُستخدم فقط لعقد صفقات وتحقيق مكاسب اقتصادية؟ أم ستكون أداة حقيقية لتشكيل مستقبل سياسي أكثر عدلاً في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟ وختمت بالقول إن المشاهد الفارهة التي رافقت زيارة ترامب، مقابل الحصار المطبق على غزة، تُبرز المفارقة المؤلمة: ما جدوى الاحترام الأمريكي إن لم يترافق مع قدرة هذه الدول على إنقاذ شعوبها وشعوب جيرانها من الجوع، والنزوح، والانهيار؟