عربي21:
2024-06-16@09:13:47 GMT

استعادة «صوت السودان»

تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT

لم يكن غريباً أن تخرج مظاهرات شعبية عفوية في أمدرمان أو بورتسودان للاحتفال باستعادة الجيش لمقر الإذاعة والتلفزيون الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع 11 شهراً، فأسكتت صوت السودان الذي كان ينطلق من هناك عبر إذاعة أمدرمان وشاشة التلفزيون القومي. استعادة السيطرة على هذا المعلم المهم لم تكن مجرد استعادة مساحة من بضعة آلاف من الأمتار، ومبان ومعدات وأجهزة إرسال، بل كانت نصراً ذا دلالة رمزية كبيرة للغاية لما يمثله مبنى الإذاعة والتلفزيون في وجدان السودانيين وذاكرتهم.



كل من شاهد مقطع الفيديو القصير الذي جرى تداوله على نطاق واسع بين السودانيين، أول من أمس، ويصور مبنى مكتبة أرشيف الإذاعة والتلفزيون الذي لم تصبه أضرار تذكر، أعرب عن فرحة كبيرة ممزوجة بالارتياح بسبب القلق والمخاوف على ذاكرة السودانيين المخزونة في الكم الهائل من الأشرطة المسموعة والمرئية، والتراث الهائل، في هذا الأرشيف. والحديث هنا ليس فقط عن تسجيلات الأغاني، بل أيضاً عن مختلف البرامج والمقابلات على تنوعها، والتوثيق لأحداث ومحطات مهمة في حياة البلد والناس.

معركة استعادة مقر الإذاعة والتلفزيون لم تكن سهلة بأي مقياس، بل كثيرة التعقيدات. فلو أن الجيش استخدم القصف بالطيران والمدفعية الثقيلة لكان قد اتهم بتدمير المبنى بكل ما يحتويه من أرشيف يصعب تعويضه. كذلك كان هناك كلام لم يؤكد رسمياً عن أن قوات الدعم السريع احتفظت بعدد من المعتقلين من الفنيين والعاملين وغيرهم داخل المبنى بوصفهم رهائن، ومحاولة إنقاذهم أحياء لابد أن تكون هماً وهاجساً وعاملاً يؤخذ في الحسبان في أي هجوم على المبنى لتحريره. لهذا اعتمد الجيش سياسة النفس الطويل والحصار للمنطقة تدريجياً خوفاً من خسائر لا يريدها، وهي السياسة التي حققت نجاحاً مشهوداً عندما أجبرت قوات الدعم السريع المتحصنة بالمبنى على محاولة الهرب، فسهلت اصطيادها في كمين محكم أوقع فيها خسائر كبيرة للغاية وثقتها مقاطع الفيديو المنتشرة عن العملية.

خصوم الجيش حاولوا التقليل من أهمية هذا الانتصار بكل السبل، بل وسخروا منه من خلال ترديد كلام من شاكلة إن جيشاً عمره مائة عام يحتفل بتحرير بيت وشارع عرضه 40 متراً، أو بأسئلة من نوع: هل تعادل استعادة مقر الإذاعة والتلفزيون خسارة ولاية كاملة مثل الجزيرة؟

الحقيقة أن هؤلاء يديرون معركة سياسية وحرباً نفسية ولديهم أجندتهم وحساباتهم، وسيواصلون التقليل من أي تقدم يحققه الجيش، بل إنهم يتمنون هزيمته، وإن تظاهروا بغير ذلك.
الجيش كان عليه أن يقاتل لاستعادة مقر الإذاعة والتلفزيون، بينما قوات الدعم السريع لم تستول عليه بمعركة أو حتى بأدنى مستويات القتال. فهي أصلاً كانت موجودة في حراسة المبنى، وفي صبيحة الخامس عشر من أبريل (نيسان) الماضي غيرت فقط من طبيعة وجودها فيه من قوة حراسة إلى قوة احتلال للموقع، وهو ما حدث في العديد من المواقع والمنشآت الحيوية في العاصمة صبيحة ذلك اليوم.

معركة استعادة الإذاعة كانت معركة طويلة، مرت بمراحل مختلفة تطلبت أن يستعيد الجيش خلالها أحياء أمدرمان القديمة، ويؤمن طريق الوصول إلى مقر سلاح المهندسين الذي ظل محاصراً عدة أشهر. وعندما تحققت هذه الأهداف بدأت الخطوة الأخيرة لإحكام الطوق حول مبنى الإذاعة والتلفزيون تمهيداً لاقتحامه، أو إجبار المتحصنين داخله على الخروج منه. الغريب أن بعض الناس حاول الانتقاص من العملية العسكرية بقوله إن الجيش لم يستعد المبنى بالقتال المباشر، وإنما بالاعتماد أساساً على المسيّرات، وكأنما المسيّرات ليست جزءاً أساسياً في استراتيجيات الحروب الحديثة!

ماذا بعد؟
عملية استعادة الإذاعة والتلفزيون على أهميتها لا تشكل سوى خطوة في طريق طويلة من المعارك لاستكمال القليل المتبقي من تحرير أمدرمان، ثم الانطلاق لاستعادة السيطرة على مدينتي الخرطوم وبحري اللتين تدور فيهما معارك يتوقع أن تشتد وتتوسع في قابل الأيام، بالتوازي مع معركة منتظرة أيضاً في إقليم الجزيرة الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومن يومها يشهد انتهاكات واسعة أقضت مضاجع السودانيين.

من المنظور العسكري فإن استعادة الإذاعة تعني إكمال سيطرة الجيش على المنطقة من قاعدة وادي سيدنا إلى سلاح المهندسين مروراً بأحياء أمدرمان القديمة ومحلية كرري وتأمين الطريق الممتدة على الشريط المتاخم لنهر النيل، ما يسهل حركة القوات ويؤمن طرق الإمداد. فمقر الإذاعة والتلفزيون كان يمثل قاعدة عسكرية مهمة لقوات الدعم السريع، ومستودعاً مهماً للأسلحة والعتاد، ومنه كانت تشن عمليات القصف المدفعي لكثير من أحياء أمدرمان، وبخسارته تكون قد فقدت شرياناً مهماً لعملياتها، وباتت الطريق مفتوحة أمام الجيش لكي ينطلق بهجمات عبر جسري النيل الأبيض والفتيحاب نحو الخرطوم التي ستكون الهدف المقبل مع مدينة بحري. فكل التصريحات والاستعدادات والتحركات تنبئ بأن هذه المعركة باتت وشيكة، وكذلك معركة ولاية الجزيرة.

استعادة مباني الإذاعة والتلفزيون التي تضم أيضاً المسرح القومي، إلى جانب رمزيتها في وجدان السودانيين فإنها تكمل أيضاً خطوات استعادة الحياة في منطقة أمدرمان التي شهدت أخيراً حملة لتنظيف سوقها القديمة وإصلاح خطوط الكهرباء تهيئة لعودة أهلها إليها. فعودة الناس إلى بيوتهم وأحيائهم هي المعنى الحقيقي لعودة الحياة إلى المدينة وإزالة الحزن الذي غلفها وكان بادياً في صمت كثير من الشوارع المهجورة، والبيوت المفتوحة على مصاريعها بعد أن استبيحت ونهبت. ومع هذه العودة سيعود أيضاً «صوت السودان» لينطلق مرة أخرى من مقره أو «الحوش» كما يحلو لمن عملوا فيه تسميته.

(الشرق الأوسط اللندنية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجيش الإذاعة والتلفزيون الدعم السريع السودان السودان الجيش الإذاعة والتلفزيون الدعم السريع سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مقر الإذاعة والتلفزیون قوات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

السودان.. اشتباكات بين الجيش والدعم السريع بأم درمان

أفاد مراسل الجزيرة باندلاع اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع غربي مدينة أم درمان. في حين أعلنت الفصائل المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني في دارفور أنها ألحقت هزيمة بقوات الدعم السريع شمال الفاشر.

وأضافت الفصائل المتحالفة مع الجيش أنها استولت على37 سيارة قتالية، ودمرت 23 سيارة أخرى، فضلا عن أسر عشرات الجنود من الدعم السريع وقتل وفرار آخرين.

من جهته، وصف حاكم إقليم دارفور أركو مناوي المعارك التي تدور بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بـ"المصيرية لتحرير باقي دارفور"، واتهم مناوي في كلمة بمناسبة عيد الاضحى، قوات الدعم السريع بالعنصرية وبقتل الأطفال وأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة.

جدير بالذكر أن الفاشر هي مركز إقليم دارفور المكون من 5 ولايات، وهي أكبر مدنه والوحيدة بين عواصم ولايات الإقليم الأخرى التي لم تسيطر عليها قوات الدعم السريع شبه العسكرية.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وحوالي 8.5 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.

في غضون ذلك، قالت مصادر محلية إن قوات الجيش والفصائل المسلحة المتحالفة معه تصدت لهجوم من عناصر الدعم السريع على دفاعات الجيش بمنطقة الخياري الفاصلة بين ولايتي الجزيرة والقضارف شرقي السودان.

من جانبها، قالت قوات الدعم السريع إنها أطلقت سراح مئات الأسرى من منتسبي الجيش السوداني والشرطة والحركات المسلحة بولاية الجزيرة وسط البلاد. وأضافت في بيان على منصة "إكس" أن هذه الخطوة جاءت استجابة لمبادرة من أحد شيوخ الطرق الدينية بولاية الجزيرة.

قلق وأمل

على صعيد المواقف الدولية، أعرب توم بيريلو المبعوث الأميركي الخاص للسودان في تغريدة على منصة "إكس" عن أمله "أن تلهم هذه الأيام المباركة أطراف الصراع في السودان لوقف إطلاق النار والانخراط في مفاوضات سلمية من أجل مستقبل الشعب السوداني".

وأعلن بيريلو أن الولايات المتحدة ستقدم 315 مليون دولار مساعدات إنسانية حيوية، لدعم نحو 18 مليون لاجئ في السودان والدول المجاورة المتضررة من الصراع الذي وصفه بالمأساوي.

في سياق متصل، قال فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إن أنطونيو غوتيريش "لا يزال يشعر بقلق عميق إزاء القتال في الفاشر وما حولها وفي جميع أنحاء السودان". وشدد حق على ضرورة وقف إطلاق النار لمنع الفظائع وتخفيف معاناة المدنيين.

مقالات مشابهة

  • السودان.. اشتباكات بين الجيش والدعم السريع بأم درمان
  • السودان: مصدر هندسي يكشف تعرض الوحدة الرئيسية بالمصفاة لقصف مدفعي لأول مرة
  • بعد مقتله في معارك السودان.. من هو علي يعقوب جبريل؟
  • الجيش السوداني يعلن عن مقتل قائد قوات الدعم السريع في معركة “الفاشر”
  • ضربة كبيرة.. من هو علي يعقوب جبريل الذي أعلن الجيش السوداني مقتله؟
  • الجيش السوداني يعلن مقتل قائد قوات الدعم السريع في معركة الفاشر
  • الجيش السوداني يعلن مقتل قائد بالدعم السريع في معركة الفاشر
  • وقف على التقنيات المستخدمة ومستوى الاستعدادات.. وزير الإعلام يتفقد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة
  • مقتل 20 شخصا في قصف لقوات الدعم السريع على قرية وسط السودان
  • القوة المشتركة تكشف تفاصيل معركة ضد قوات الدعم السريع وتحرير فتيات”رهائن”.. سقوط قتلى وتدمير مركبات وبيان من حركة مناوي “فيديو”