محمود درويش.. شاعر فلسطين الذي سجل تراجيديا الأرض والإنسان
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
تحل ذكرى ميلاد الشاعر الفلسطيني محمود درويش (1941-2008)، في 13 من مارس/آذار كل عام، في حين يواصل الراحل حضوره في الغياب منذ رحيله في التاسع من أغسطس/آب 2008، إذ يحضر في كل حين من خلال شعره الخالد الذي ما زال يقرأ ويُستشهد به للتعبير عن حياة الشعب والإنسان الفلسطيني، وعن معاناته التراجيدية التي نشأت بسبب تسلط الاحتلال الإسرائيلي على الأرض والإنسان.
ربط درويش ميلاده وحياته بالوجود الفلسطيني، وتوقّف في كثير من قصائده عند آذار شهر الميلاد وشهر الأرض، ففي قصيدته الشهيرة (الأرض) دمج بين سيرته الذاتية وسيرة فلسطين منذ وقوعها تحت الانتداب الإنجليزي، ثم ما تبع ذلك عام 1948 فيما يقع ضمن مسمى النكبة في التاريخ الفلسطيني الحديث:
وفي شهر آذار، قبل ثلاثين عاماً وخمس حروب،
وُلدتُ على كومة من حشيش القبور المضيء.
أبي كان في قبضة الإنجليز. وأمي تربّي جديلتها
وامتدادي على العشب. كنتُ أُحبُّ "جراح
الحبيب" و أجمعها في جيوبي، فتذبلُ عند الظهيرة،
مَرّ الرصاصُ على قمري الليلكيِّ فلم ينكسرْ،
غير أنّ الزمان يَمرّ على قَمَري الليلكيِّ فيسقطُ سهواً…
وفي شهر آذار نمتدُّ في الأرضِ
في شهر آذار تنتشرُ الأرضُ فينا
مواعيدَ غامضةً
واحتفالاً بسيطاً
ونكتشف البحرَ تحت النوافذ
والقمرَ الليلكيَّ على السرو
في شهر آذار ندخلُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حُبٍّ
وتنهمرُ الذكرياتُ على قريةً في السياج
وُلدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجلِ
كيف تفرّين من سُبُلي يا ظلال السفرجل؟
في شهر آذار ندخلُ أوّل حُبٍّ
وندخلُ أوّل سجنٍ
وتنبلجُ الذكرياتُ عشاءً من اللغة العربية
ومن الناحية الشعرية تعد تجربة الشاعر الراحل محمود درويش تجربة كبرى في سياق تطور الشعر العربي بأسره، وقد امتد عطاؤه نحو نصف قرن من الشعر، ذلك أنه بدأ مبكرا، ونشر ديوانه الأول "عصافير بلا أجنحة" متعجلا الإعلان عن نفسه عام 1960 قبل أن تنضج هذه التجربة، ولذلك حذف الشاعر هذا الديوان من سيرته لأسباب فنية.
ولكنه مع ذلك ديوان ذو دلالة على التوجه القوي إلى الشعر والإيمان بقيمته، كما أن قصائده المبكرة تكشف دون تورية عن قراءاته وعن موارده المبكرة.
وقد جاء في مقدمته قول الشاعر الشاب آنذاك: "هذه القصائد تقدّس الحرية، وتقبّل الشهداء، وتغنّي على شباك حبيبتي، وتبكي مع شريد ضائع…". ويكتب عن جملة العنوان: "وعصافير بلا أجنحة خلقت لتطير وتحلق..وتدوّخ اللحظات في تحليقها.. شاء لها القدر أن تقص أجنحتها وتنزف دمها على شوك الألم والحرمان هدرا وبلا نهاية.. لهذه العصافير أغني وأتألم وأثور، ولأجلها أصرخ في وجه الشمس كي تحيك من خيوط أشعتها ريشا لها لتنطلق غدا من جديد. ولغد هذه العصافير أقدم قصائدي". (محمود درويش، حيفا، 1960).
وعندما نقرأ درويش وندقق في مسيرته، نشعر أنه ولد ليكون شاعرا، بموهبة فطرية لا حدود لها، ونزداد تقديرا لموهبته عندما نتبين أنه لا ينتمي إلى أسرة أدبية، ولا إلى محيط أسري فيه شعراء وكتّاب، فوالداه فلاحان بسيطان، ولاجئان في وطنهما، من عموم الشعب الفلسطيني، لا ينتميان للنخبة الفلسطينية قبل النكبة.
وقد توقف تعليمه الرسمي عند حدود المرحلة الثانوية، وتفرغ بعدها للشعر وللعمل المبكر في الصحافة والسياسة، لكنه حقق باجتهاده وعصاميته ما لا تستطيع المدارس والجامعات منحه، وهو ما يتمثل في شعره بصفة أولى، وفي سائر كتاباته وإسهاماته الثقافية على وجه العموم. ومعنى ذلك أنه علّم نفسه بنفسه معتمدا على ضرب من التربية الجمالية والسياسية الخاصة، حَريّة بأن تُدرس وأن تقرأ ضمن مسيرته الطويلة.
وربط ذلك كله بتطور شعره وبمراحله التي اجتازها بموهبة فائقة، صقلتها الثقافة والصنعة الواعية، واحترام الشعر والوعي بمثيراته، ومطالبه الفنية والإيقاعية واللغوية، في إطار من المعرفة الدقيقة بتاريخ الشعر العربي والعالمي، قديما وحديثا. وانتمى درويش إلى الشعر وإلى فلسطين معا انتماء أصيلا لا يعرف التلعثم أو التردد، وبلغ مستوى رفيعا من الثقافة والمعرفة على مختلف الأصعدة التي عرف أيضا كيف يوظفها في شعره ونثره.
ورغم انغماس درويش في الحركة الوطنية والسياسية الفلسطينية طوال عمره، داخل الوطن المحتل، وفي مرحلة الخروج والمنفى، فإنه ظلّ محافظًا على أصالة شعره وعلى تجدّده، وتنبّه إلى حصار الهمّ السياسي وخطر الوظيفة الوطنية التي ألقيت على شعره، فبذل جهدًا غير خفيّ لتحقيق التوازن بين الوظيفة الجمالية ومتطلبات اللحظة السياسية والوطنية، وعبّر شعره تعبيرًا عميقًا عن مشاغل الهويّة الفلسطينية وإشكالاتها، في ظل التهديد الذي تعرّضت له، وغدا أداة من أدوات المقاومة ضدّ المحو وضدّ العدوان على وجود الإنسان وعلى لغته.
جمالية الشعر والنضالقَبِل درويش التحدّي وناء أحيانًا تحت ثقله، كيف تكون شاعرًا متميزًا بمعايير الجمال والشعر واللغة، وفي الوقت نفسه تفي بمتطلبات قضيتك الوطنية؟ في مختلف مراحله بدءًا من الأرض المحتلة احتلّ هذا السؤال مركز وعيه، ومقالته أو صيحته المبكّرة المنشورة في مجلة الجديد (حيفا، 1969) بعنوان "أنقذونا من هذا الحبّ القاسي" خير دليل على ذلك، إذ أدانت الإطراء الزائد الذي استُقبل به شعر المقاومة، وطالبت النقد العربي بأن يتحرّر من وهم التمجيد والإطراء والعطف، وألا يتردّد في نقد الرداءة الفنية.
تميزت مسيرته بالتحولات والانتقالات والتطورات، فلم تكن لونا واحدا، من ناحية تجلياتها الشعرية، وبالتأكيد ظل الشاعر أثناءها يتطور ويتغير، وهذا هو الأمر الطبيعي، وغير الطبيعي أن يظل على هيئة واحدة جامدة متكررة، فيدخل في التنميط والاعتياد. وهو يعي هذه التحولات ويراها ولادات متجددة لتجربته الممتدة: "قليلون هم الشعراء الذين يولدون شعريا دفعة واحدة، أما أنا فقد ولدت تدريجيا وعلى دفعات متباعدة وما زلت أتعلم المشي العسير على الطريق الطويل إلى قصيدتي التي لم أكتبها بعد".
وهو يشير في موطن آخر إلى حرصه على مراجعة قصيدته وتنقيحها كأنه شاعر من شعراء الصنعة أو الحوليات: "أنا من أولئك الذين يكتبون النص مرتين، في المرة الأولى تقودني سليقتي الشعرية ولا وعيي، وفي المرة الثانية يقودهما إدراكي لمتطلبات بناء القصيدة وغالبا ما لا تشبه الكتابة الثانية صورة الكتابة الأولى، لا تشبهها أبدا". فهو شاعر كبير بفنه وتفننه، وحرصه على التطور وعدم التوقف عند مرحلة أو قصيدة واحدة، وربما لهذا السبب لم يرد أن يحبسه الجمهور في قصائده الأولى، وأشهرها "بطاقة هوية" التي عرف بها أول ما اشتهر: "عرفت الناس عليّ، ولكن هذا لا يعني أن أبقى أو يبقى شعري أسيرَها".
ودرويش شاعر واع منظّر يمتلك وعيا ناضجا بالقصيدة وبالتجربة الشعرية، تجد هذا الوعي في حواراته وفي كتاباته النثرية، مما يقفنا على حقيقة مهمة تربط الشعر بالوعي النقدي، وأن الشاعر المتمكن والجيد لا بد له من نظرية أو شبه نظرية تربط الجمالي بالفكري والسياسي.
ومن لمحاته النظرية التي تفسر بعض وعيه قوله: "أنا المسمى شاعرا فلسطينيا أو شاعر فلسطين مطالب مني ومن شرطي التاريخي بتثبيت المكان في اللغة، وبحماية واقعي من الأسطورة وبامتلاكهما معا لأكون جزءا من التاريخ وشاهدا على ما فعله التاريخ بي في آن واحد، لذا يتطلب حقي في الغد تمردا على الحاضر، ودفاعا عن شرعية وجودي في الماضي الذي زج به في المناظرة، حيث تصبح القصيدة دليلا على وجود أو عدم، أما سكان القصيدة فلا يكترث بهم مؤرخو الشعر".
طوّع درويش الشعر بمهارة نادرة، مستعملا حزمة واسعة من الأدوات والأساليب والمهارات في التعامل مع اللغة والإيقاع والصورة، بروح شعرية معاصرة تدمج الغنائي بالملحمي والسردي، وتصل الشعر بالنثر، وتربط المعاني المجردة بتفاصيل الحياة والواقع، وتربط التراث العربي بالثقافة العالمية، في سبيل التعبير عن دقائق التجربة الذاتية والعامة، أي تجربة الشاعر وتجربة الجماعة الفلسطينية التي ينتمي إليها. ورغم جماهيريته الواسعة فإنه لم يستسلم للجمهور ولمطالبه، بل كان ينقاد إلى ما يتطلبه الوعي الجمالي وتدابير الشعر والشاعرية.
ولقد أثمرت مسيرته الإبداعية عن نحو 25 مجموعة شعرية، و10 مؤلفات نثرية، وعدد كبير من الحوارات الأدبية والفكرية والسياسية. وهي مفتوحة على القراءة والتأويل والتفسير والمتعة، أي أن كل قارئ محب للشعر قد يجد فيها شيئا يفيده أو يمتعه.
وحسبنا في هذا المقام الموجز أن نشير إلى بعض ما يحسن النهوض به لخدمة هذه التجربة الكبيرة:
أولا: لم يُنشر جميع شعره في دواوين أو كتب، ذلك لأنه كان شديد المراجعة والدقة في بناء دواوينه ومجموعاته، ولذلك فله أشعار منشورة في الصحف والدوريات داخل فلسطين وخارجها ولم تشتمل عليه أعماله الشعرية المنشورة، لأسباب وملابسات متعددة. اليوم لا بد من جمع كل أشعاره بوصفها جزءا من "تركة" الشاعر الثمينة، وتصنيفها وحفظها ونشرها بما يليق بمكانته وشاعريته.
ثانيا: هناك أيضا "تراث" نثري لمحمود درويش، لم ينشر في كتب إلا القليل منه، أي أن "تركته" الكتابية أوسع بكثير مما نشر في كتب يعرفها الناس حتى اليوم، فلقد داوم على الكتابة النثرية بسبب عمله المباشر في الصحافة والثقافة والسياسة، وله مئات المقالات والكتابات والحوارات التي لم تُجمع في كتاب. والشعوب الحية تعنى بكل تراث شعرائها، بما في ذلك ما لا يعده الشاعر نفسه مهما، فهذا التراث ضرب من "التاريخ" وهو مهم بكل تفاصيله، يترك تقرير أمره والإفادة منه بعد جمعه وتصنيفه للدارسين والمهتمين والقراء، مما يقتضي جمع مقالاته من مواردها ومظانها المتفرقة، ومقارنتها بما جمع في كتب ونشر ما لم ينشر مؤرخا ومصنفا بدقة ووضوح.
ثالثا: شعر درويش محتاج لا إلى دراسات نقدية فحسب، وإنما إلى توسيع الدراسات الدرويشية لتشمل ألوانا من الموسوعات والمعاجم والكتب الشارحة، التي توضحه وتضعه في سياقه التاريخي، وتفسّر بعض غوامضه من ناحية الإحالات المكانية (معجم الأماكن الدرويشية)، وكذلك في شعره مئات الشخصيات الواقعية والتاريخية والرمزية المحتاجة إلى إيضاح يلقي أضواء كاشفة عن شعره، فنحن محتاجون إلى (معجم الشخصيات الدرويشية) على سبيل المثال، على شاكلة ما قام به دارس فلسطيني نابه هو د.حسين حمزة عندما وضع "معجم الموتيفات المركزية في شعر محمود درويش" فكان عملا كبيرا يدل القارئ على جانب من العناصر المتكررة مع مواضع ورودها في أعماله ليمكن مقارنتها ومقاربتها في الدراسات أو حتى القراءات المدققة في هذا الشعر الثري الغني.
وسأذكر مثالا واحدا على ما قد تضيفه مثل هذه التعريفات من فائدة: قصيدة "جندي يحلم بالزنابق البيضاء" قصيدة مهمة وإشكالية في مسيرة، تتعلق بنظرته إلى الآخر، وتستضيف جنديا إسرائيليا غير مسمى في القصيدة، لكن بعد عدة عقود يكشف الجندي السابق عن نفسه فإذا به المؤرخ "شلومو ساند" أحد المؤرخين الجدد مؤلف الكتاب المعروف "اختراع الشعب اليهودي" وهو يشرح صلة القصيدة به ومعرفته بدرويش شرحا وافيا في توطئة كتابه المترجم إلى العربية.
رابعا: لم يكتب درويش سيرته الشعرية، وإنما استبدل بها قصائد وكتابات نثرية ذات طابع سيري، وما زالت سيرته الكاملة المفصلة غير مكتوبة، وكتابتها ليست أمرا هينا، ولكنها ليست صعبة في ضوء تطور أساليب كتابة السيرة الغيرية، ووجود مصادر كافية لها. وضع مثل هذه السيرة المرجعية إضافة نوعية إلى ما يخدم هذه التجربة، فالشعوب الحية جميعها تضع سيرا لا سيرة واحدة لمبدعيها.
خامسا: تشجيع المتخصصين بالأدب المقارن والآداب الأجنبية على إجراء دراسات مقارنة، تضع درويش في سياق الشعر العالمي، خصوصا في ضوء تجارب بعض الشعراء الذين أعجب بشعرهم، من إليوت ولوركا وناظم حكمت وكافافي وريتسوس وصولا إلى أكتافيو باث وشيموس هني وديريك والكوت وغينسبرغ وغيرهم.
سادسا: ديوان درويش الأخير "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي" الذي صدر عام 2009، يثير الحنق والألم، وهو في أقل تقدير محتاج إلى تحقيق علمي ونشر جديد على أسس صحيحة، فالعمل المنشور فيه أخطاء لا يصح تركها والسكوت عليها، فدرويش ملك لشعب بل لأمة بأسرها، ولا يقبل أن يصدر ديوانه بأخطائه العروضية والإملائية والنحوية والطباعية، وهو المعروف عنه تحري الدقة والصحة قبل الجمال والبلاغة.
ببلوغرافيا محمود درويشدواوين شعرية:
"عصافير بلا أجنحة"، (1960)، حيفا. "أوراق الزيتون"، (1964)، حيفا. "عاشق من فلسطين"، (1966)، الناصرة. "آخر الليل"، (1967)، عكا. "العصافير تموت في الجليل"، (1969)، بيروت. "حبيبتي تنهض من نومها"، (1970)، بيروت. "أحبك أو لا أحبك"، (1972)، بيروت. "محاولة رقم 7″، (1973)، بيروت. "تلك صورتها وهذا انتحار العاشق"، (1975)، بيروت. "أعراس"، (1977)، بيروت. "مديح الظل العالي"، (1983)، بيروت. "حصار لمدائح البحر"، (1984)، بيروت. "هي أغنية.. هي أغنية"، (1986)، بيروت. "ورد أقلّ"، (1986)، بيروت. "أرى ما أريد"، (1990)، بيروت. "أحد عشر كوكبا"، (1992)، بيروت. "لماذا تركت الحصان وحيدا؟"، (1995)، بيروت. "سرير الغريبة"، (1999)، بيروت. "جدارية"، (2000)، بيروت. "حالة حصار"، (2002)، بيروت. "لا تعتذر عما فعلت"، (2004)، بيروت. "كزهر اللوز أو أبعد"، (2005)، بيروت. "أثر الفراشة"، (2008)، بيروت. "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي"، (2009). "خطب الدكتاتور الموزونة"، (2013)، حيفا. (نشر في مجلة اليوم السابع، وفي مجلة شعر المصرية، ولم ينشره درويش في كتاب أثناء حياته).
الأعمال النثرية:
"شيء عن الوطن"، (1971). "يوميات الحزن العادي"، (1973). "وداعا أيتها الحرب وداعا أيها السلام"، (1974). "ذاكرة للنسيان"، (1987). "في وصف حالتنا"، (1987). "في انتظار البرابرة"، (1987). "الرسائل (محمود درويش وسميح القاسم)"، (1999). "في حضرة الغياب"، (2006). "حيرة العائد"، (2007).
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات محمود درویش فی شهر آذار فی شعر شاعر ا
إقرأ أيضاً:
موقف حزب الله من الانتخابات البلدية في بيروت...هل هي البداية؟
توقّف كثيرون من أهل السياسة عند موقف "حزب الله" من الانتخابات البلدية في بيروت، خصوصًا أنها المرّة الأولى، التي يتحالف فيها مع حزب "القوات اللبنانية" بهذا الشكل العلني، وذلك بهدف تأمين المناصفة العادلة في مجلسها البلدي الجديد، وإن شاب هذه المناصفة خرق لا تُقاس أهميته بما تمّ إنجازه في هذا المجال، والذي حافظت فيه العاصمة على تمثيلها الصحيح. وبغض النظر عن الأسباب الموضعية المحلية، التي دفعت بـ "حزب الله" إلى خيار التحالف مع "القوات اللبنانية" وغيرها من الأحزاب في انتخابات بيروت، فإن هذه الخطوة، وإن كانت دوافعها محصورة بانتخابات اختلطت فيها العوامل السياسية بالعوامل التي لها طابع محلي بحت، تأتي في سياق ما بدأ "الحزب" يتحضّر له لخطوات متقدمة سياسيًا بعد الانتكاسة العسكرية التي تعرّض لها على أثر الضربات الإسرائيلية المعادية، والتي لا يزال يتعرّض لها يوميًا، وإن في شكل متقطّع. فهذه الخطوات المتوقعّة له تضعها جهات سياسية مراقبة في خانة المسار الجديد المطالب "حزب الله" بأن يتخذه في المرحلة الجديدة، التي يُعمل عليها بين دوائر القصر الجمهوري و"حارة حريك" بعيدًا عن الأضواء بهدف أن تؤتى ثمارها المرجوة، والتي يُنتظر أن تتبلور في المرحلة المقبلة، وفي ضوء ما يمكن أن تسفر عنه زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس من خطوات عملية بالنسبة إلى تسليم السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات وخارجها إلى الدولة اللبنانية، من ضمن مخطّط بدأت معالمه تتبلور من خلال التوصية التي رفعها مجلس الدفاع الأعلى إلى الحكومة اللبنانية بالنسبة إلى وقف أي عمل من شأنه أن يزعزع الاستقرار اللبناني الداخلي، وبالأخصّ انطلاقًا من الجنوب اللبناني. فتسليم السلاح الفلسطيني هو المقدمة، التي لا بدّ منها للمراحل المتقدمة اللاحقة التي ستلي ما يمكن أن يتم التوافق عليه بين الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، مع الإشارة إلى أن الوضع غير الطبيعي داخل المخيمات شديد التعقيد ويحتاج التعاطي معه إلى الكثير من الوعي والمسؤولية وعدم سلق المراحل وحرق المراكب، وإن كان لبنان الرسمي والشعبي يتطلع إلى تحقيق ما يسرّع عملية استعادته لعافيته كخطوات مكمّلة لما تمّ إنجازه حتى الآن. فزيارة الرئيس الفلسطيني للبنان، وما تمّ الاتفاق عليه بينه وبين الرئيس عون على ضرورة حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية، ما هو سوى بداية تأسيسية لما يمكن أن يليها من خطوات ستصبّ حتمًا في خانة تعزيز قدرات السلطة اللبنانية، خصوصًا لجهة البدء التنفيذي لتسليم "حزب الله" لسلاحه المنتشر على كامل الأراضي اللبنانية، وهو شرط يضعه المجتمع الدولي لإعطاء إشارة الانطلاق لورشة إعادة الاعمار، ومدّ لبنان بكل ما يحتاج إليه من مساعدات لكي يستطيع البدء في مسيرة استعادة عافيته الطبيعية، التي تتطلب المزيد من الاستقرار والالتزام بالمواثيق الدولية، وما يتبع ذلك من إقدام الحكومة ومجلس النواب على اتخاذ إجراءات إصلاحية طال انتظارها، وذلك لكي تتكامل حلقات وضع لبنان على سكّة التطّور والحداثة في سعي حثيث لكي يعّوض ما فاته من هذه الدينامية، التي تشهدها أكثر من دولة عربية. فالحوار المتوقع بين الرئاسة اللبنانية وقيادة "حزب الله" يتطلب الكثير من الحكمة والوعي. وهذا ما يدركه الرئيس عون، الذي يتعاطى مع هذا الملف بمسؤولية وطنية، ولكن من دون أن يعني ذلك التساهل مع أي عمل من شأنه زعزعة الاستقرار الداخلي. وهذا ما تعيه "حارة حريك"، التي تحتاج، كما تقول أوساط سياسية، إلى الوقت الكافي لكي تقتنع بأن دور السلاح خارج سلطة الدولة لم يعد له دور كما كانت عليه الحال قبل الحرب الإسرائيلية وأثناءها وبعدها. وفي تقدير هذه الأوساط أن الخطوة التي أقدم عليها "حزب الله" في الانتخابات البلدية في بيروت يمكن التأسيس عليها باعتبارها خطوة أولى لا بدّ من أن تتبعها خطوات مماثلة لاحقة لكي ينتقل "الحزب" من الحال العسكرية إلى الحال المدنية والسياسية. فسلاح "حزب الله"، كما السلاح الفلسطيني، يجب أن يوضع على طاولة الحوار الثنائي البعيد عن أي خلفية تناقض أي قناعة لا تتوافق مع مبدأ مسؤولية الدولة وحدها دون سواها في حماية مواطنيها من أي اعتداء قد يتعرّضون له من الخارج أو من الداخل على حدّ سواء. المصدر: خاص "لبنان 24" مواضيع ذات صلة الانتخابات البلدية بين "حزب الله وأمل": الأولوية للتزكية Lebanon 24 الانتخابات البلدية بين "حزب الله وأمل": الأولوية للتزكية 23/05/2025 09:05:45 23/05/2025 09:05:45 Lebanon 24 Lebanon 24 هل يستفيد "حزب الله" من الانتخابات؟ Lebanon 24 هل يستفيد "حزب الله" من الانتخابات؟
23/05/2025 09:05:45 23/05/2025 09:05:45 Lebanon 24 Lebanon 24 "لقاء سيدة الجبل": لتعديل قانون الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت حصرا Lebanon 24 "لقاء سيدة الجبل": لتعديل قانون الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت حصرا
23/05/2025 09:05:45 23/05/2025 09:05:45 Lebanon 24 Lebanon 24 أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم في كلمة عن الانتخابات البلدية: يجب أن نستثمر هذه الانتخابات في بناء الدولة Lebanon 24 أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم في كلمة عن الانتخابات البلدية: يجب أن نستثمر هذه الانتخابات في بناء الدولة
23/05/2025 09:05:45 23/05/2025 09:05:45 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان خاص بلديات 2025 مقالات لبنان24 قد يعجبك أيضاً
في صور.. 31 بلدية فازت بالتزكية وبدء تسلم صناديق الاقتراع
Lebanon 24 في صور.. 31 بلدية فازت بالتزكية وبدء تسلم صناديق الاقتراع
01:55 | 2025-05-23 23/05/2025 01:55:23 Lebanon 24 Lebanon 24 غارات انتخابية؟
Lebanon 24 غارات انتخابية؟
01:45 | 2025-05-23 23/05/2025 01:45:00 Lebanon 24 Lebanon 24 اتصال بينه وبين الرئيس الفلسطيني... جعجع ثمّن موقف عباس من حصر السلاح
Lebanon 24 اتصال بينه وبين الرئيس الفلسطيني... جعجع ثمّن موقف عباس من حصر السلاح
01:44 | 2025-05-23 23/05/2025 01:44:43 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الداخلية يؤكد: الإنتخابات البلدية والإختيارية في الجنوب قائمة في موعدها
Lebanon 24 وزير الداخلية يؤكد: الإنتخابات البلدية والإختيارية في الجنوب قائمة في موعدها
01:43 | 2025-05-23 23/05/2025 01:43:21 Lebanon 24 Lebanon 24 دورة تدريبية لمباريات وظائف الفئة الثالثة في السلك الخارجي
Lebanon 24 دورة تدريبية لمباريات وظائف الفئة الثالثة في السلك الخارجي
01:40 | 2025-05-23 23/05/2025 01:40:48 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة
بعد أنباء عن زواجه للمرة الثانية.. خطوة غير متوقعة من وائل كفوري بحق أنجيلا بشارة (صورة)
Lebanon 24 بعد أنباء عن زواجه للمرة الثانية.. خطوة غير متوقعة من وائل كفوري بحق أنجيلا بشارة (صورة)
03:43 | 2025-05-22 22/05/2025 03:43:49 Lebanon 24 Lebanon 24 مذكرة بإقفال المؤسسات العامة والمدارس والجامعات
Lebanon 24 مذكرة بإقفال المؤسسات العامة والمدارس والجامعات
09:43 | 2025-05-22 22/05/2025 09:43:27 Lebanon 24 Lebanon 24 مفاجأة بعد غياب... شاهدوا بالفيديو إطلالة ماريتا الحلاني
Lebanon 24 مفاجأة بعد غياب... شاهدوا بالفيديو إطلالة ماريتا الحلاني
10:45 | 2025-05-22 22/05/2025 10:45:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تعرّض نائب لبنانيّ لوعكة صحيّة مباشرة على الهواء
Lebanon 24 تعرّض نائب لبنانيّ لوعكة صحيّة مباشرة على الهواء
08:56 | 2025-05-22 22/05/2025 08:56:13 Lebanon 24 Lebanon 24 تعرّض لوعكة صحيّة مفاجئة... فنان لن يُحيي حفله غداً
Lebanon 24 تعرّض لوعكة صحيّة مفاجئة... فنان لن يُحيي حفله غداً
09:18 | 2025-05-22 22/05/2025 09:18:43 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب
اندريه قصاص Andre Kassas أيضاً في لبنان
01:55 | 2025-05-23 في صور.. 31 بلدية فازت بالتزكية وبدء تسلم صناديق الاقتراع 01:45 | 2025-05-23 غارات انتخابية؟ 01:44 | 2025-05-23 اتصال بينه وبين الرئيس الفلسطيني... جعجع ثمّن موقف عباس من حصر السلاح 01:43 | 2025-05-23 وزير الداخلية يؤكد: الإنتخابات البلدية والإختيارية في الجنوب قائمة في موعدها 01:40 | 2025-05-23 دورة تدريبية لمباريات وظائف الفئة الثالثة في السلك الخارجي 01:37 | 2025-05-23 وسط إجراءات أمنية... رؤساء الأقلام والكتبة تسلموا صناديق الاقتراع في سرايا النبطية فيديو الحقيقة كاملة.. مفاجآت وأسرار تُكشف عن خلاف أحمد السقا مع طليقته مها الصغير (فيديو)
Lebanon 24 الحقيقة كاملة.. مفاجآت وأسرار تُكشف عن خلاف أحمد السقا مع طليقته مها الصغير (فيديو)
02:00 | 2025-05-23 23/05/2025 09:05:45 Lebanon 24 Lebanon 24 "كانو يفكرونا متزوجين".. ممثل لبناني يتغزل على الهواء بستيفاني صليبا (فيديو)
Lebanon 24 "كانو يفكرونا متزوجين".. ممثل لبناني يتغزل على الهواء بستيفاني صليبا (فيديو)
03:08 | 2025-05-22 23/05/2025 09:05:45 Lebanon 24 Lebanon 24 سيارة فاخرة وذهب.. حسين الديك يتلقى هدية خيالية من معجب وهذا ما قاله عن سوريا (فيديو)
Lebanon 24 سيارة فاخرة وذهب.. حسين الديك يتلقى هدية خيالية من معجب وهذا ما قاله عن سوريا (فيديو)
04:03 | 2025-05-21 23/05/2025 09:05:45 Lebanon 24 Lebanon 24
Download our application
مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة
Download our application
Follow Us
Download our application
بريد إلكتروني غير صالح Softimpact
Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24