موقع النيلين:
2025-10-14@03:58:04 GMT

عشنا الحرب وغاب المعنى (1-2)

تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT


تواترت الدعوات لإشراك الطبقة السياسة المدنية في مفاوضات إنهاء الحرب القائمة في السودان والترتيبات لما بعدها، وآخرها ما جاء عند توماس بيرييلو، المبعوث الأميركي للسودان. وربما طرأ السؤال هنا، إن كان ثمة جدوى من هذا الإشراك لهذه الطبقة التي اعتزلت الحرب نفسها بتحويلها إلى فتنة مأثورة بين يمينها ويسارها.

فلم تعد الحرب في خطابهما هي الحرب المشاهدة بين القوات المسلحة وقوات “الدعم السريع” بل هي حربهما “البسوسية” من عهد الطلب في الجامعات والمدارس بطريق آخر. ويغني هنا عن قول نفصّله في المقال إن كل من يمين ويسار الطبقة السياسية يتهم الآخر بأنه من أشعل الحرب، وكأن الجيش و”الدعم” مجرد بيادق على طاولة نزاعهما التاريخي. وهكذا وجبت الخشية أن يفوت درس هذه الحرب البليغ على هذه الطبقة كفوت دروس أقل خطراً وأعمق دلالة مرت بهما عفواً حتى صح فيهم قول “ت س إليوت”: “عشنا التجربة وغاب المعنى”.

فلن تجد في خطاب هذه الطبقة عن الحرب نظراً لفقه الحرب، من حيث مشروعية شنها والقوانين التي تحكم الأداء فيها. فسؤال الحرب العادلة وشروطها مستترة في هذا الخطاب. فتواثقت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” على أنها حرب “لعينة” أو “عبثية” بما يعفي المرء من التحقيق في عدلها من عدمه. وتجدها مع ذلك، خصّت قوات “الدعم السريع” بعدالة حربها في إجابتها على السؤال عمن بدأ الحرب. فاتُفق لها أن الجيش هو من أطلق الرصاصة الأولى على “الدعم” يوم 15 أبريل 2023 في المدينة الرياضية بالخرطوم. وسوغت للدعم بذلك الدفاع عن النفس. وهو دفاع يكفله قانون الحرب في حالة الدول واشترط لذلك شروطاً. وهي أن تشن الحرب العادلة، سلطة شرعية بعد استنفادها كل سبيل آخر للتصدي لمظلمة ارتُكبت بحقها أم بطريقها أن تُرتكب. والدعم السريع ليس قوة شرعية حتى في نظر “تقدم” نفسها وإلا لماذا أرادت دمجها في الجيش ضمن مشروعها للإصلاح العسكري. كما أن “تقدم” لم تتحقق، أو تحقق، في ما إذا كانت قوات “الدعم” قد أُكرهت على الحرب بعد استنفادها سبل رد العدوان بوسائل أخرى. ولا يخفى أننا نطبق على حرب وطنية قانوناً جرى تشريعه للدول. ولكننا تجاوزنا مجال تطبيقه إلى معاني العدالة فيه بإطلاق. ووجدنا أنه بين الأميركيين من احتكم إلى قانون الحرب العادلة ليخلص إلى أن حربهم الأهلية (1861-1865) لم تكن حرباً عادلة بذريعة أن أبراهام لنكولن، الرئيس الأميركي الذي اندلعت الحرب الأهلية في زمنه، لم يستنفد الأسباب قبل شن الحرب. ولا بد أن “تقدم” عملت هنا بمبدأ “سدة بسدة والبادي أظلم”، لا قانون الحرب، حين جعلت إطلاق الرصاصة الأولى مسوغها لترخص لـ”الدعم السريع” أحقية المواجهة دفاعاً عن النفس. وبدا مع ذلك أنه ساور “تقدم” مؤخراً شك حول الجهة التي بدأت الحرب إذ كان من بين قرارات مؤتمرها الأخير في أديس أبابا (1 يناير/ كانون الثاني 2024) قراراً بتشكيل لجنة وطنية دولية ذات مصداقية للتحقيق حول من أشعل الحرب. وهذا جس بعد ذبح.

أما أكبر أبواب “تقدم” للترخيص بالحرب العادلة لـ”الدعم السريع” فهو إجماع أطرافها، كما لم تجتمع أبداً من قبل، على أن الإسلاميين من أنصار “نظام الإنقاذ” المباد، أي “الكيزان” أو “الفلول”، هم من أشعل الحرب الدائرة بل وفرضوها على الجيش نفسه فرضاً. وأراد الكيزان، وفق “تقدم”، من الحرب استعادة نظامهم الذي أطاحت به ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018. ومعروف أن “تقدم” كانت في قيادة الثورة وفي حكومتها الانتقالية. ومن دون عودة “الإنقاذ” للحكم، في عزيمة “تقدم”، خرط القتاد. ولم تكف أقلام تقدم منذ الحرب عن اجترار تاريخ معاناة طوائفها من “دولة الإنقاذ” بالتفاصيل المملة. ووقع تنصيب “تقدم” للفلول خصماً محارباً لاستعادة دولته لـ”الدعم السريع” على جرح. فراحت تذيع أن الحرب في حقيقتها حرب “الكيزان” وتكرر الدعوة لـ”أحرار الجيش” أن ينفضوا يدهم عنها.

أما أكبر وجوه استدبار “تقدم” لفقه الحرب فهو في محاسبتها أطراف الحرب على انتهاكاتهم. فإذا كانت قد سوغت لـ”الدعم السريع” خوض الحرب دفاعاً عن نفسه، كما رأينا، إلا أنها تعثرت كثيراً في أخذه بالشدة على انتهاكاته بحق المدنيين، إن لم تجزها عليه. فضربت بالحائط مبدأ التمييز في الحرب الذي يقصر الاستهداف في الحرب على العسكريين. فالمبدأ يقضي على المحارب التأكد من أن الهدف الذي اختاره عسكري لا مدنياً والامتناع عن ضرب الأخير بالكلية إلا بضوابط غاية في التعقيد.

ولم يكن بوسع حرب “الدعم السريع” إلا أن تكون حرباً ضد المدنيين بقدر ما هي حرب ضد العسكريين طالما استهدفت سياسياً، بل وجهوياً أو عرقياً، جماعات مدنية بعينها مثل الجماعات السودانية الشمالية النيلية من وراء دولة 56، أي تلك التي استأثرت بخيرات دولة الاستقلال دونهم في الهامش. وكانت أكبر مظاهر خروق “الدعم السريع” هي احتلال أحياء صفوتهم وغير صفوتهم، ونهب أموالهم وسياراتهم، وإكراههم على إخلائها بالعنف المباشر أو ترويعاً. ولم تجد الأقلام المنسوبة لـ “تقدم” في هذه الانتهاكات مخالفة لقانون التمييز.
ونواصل

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: لـ الدعم السریع الحرب العادلة

إقرأ أيضاً:

عشرات القتلى في قصف لمسيرات الدعم السريع على مراكز إيواء بالفاشر

دعت التنسيقية المجتمع الدولي إلى التحرّك العاجل لحماية المدنيين ووقف القصف المتواصل، مؤكدةً أنّ “صمت العالم يشجع على استمرار الجرائم”..

التغيير: الخرطوم

قالت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر إنّ مسيّرات تابعة لقوات الدعم السريع نفّذت، يومي الجمعة والسبت، هجمات على مركز إيواء دار الأرقم وجامعة أم درمان الإسلامية بمدينة الفاشر، ما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين بينهم أطفال ونساء وكبار سن، واحتراق عدد من الضحايا داخل كرفانات الإيواء.

وأكدت التنسيقية في بيان السبت أن “القصف استهدف المدنيين العزّل بشكل مباشر، وتسبّب في انهيار مبانٍ واحتجاز جثث تحت الأنقاض”.

وأشارت إلى أنّ “الهجوم جرى بمسيّرات استراتيجية وبأسلوب انتقامي متعمّد من قبل قوات الدعم السريع، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى داخل الأحياء السكنية نتيجة التدوين والقصف الجوي المتكرر”.

وأضاف البيان أنّ الوضع في المدينة “فاق حدّ الكارثة الإنسانية، وبات أقرب إلى الإبادة الجماعية”، مشيرًا إلى أنّ سكان الفاشر “يموتون يوميًا إما بالقصف أو الجوع أو المرض”، وأن المدينة “تفقد أكثر من ثلاثين روحًا بريئة يوميًا”.

ودعت التنسيقية المجتمع الدولي إلى التحرّك العاجل لحماية المدنيين ووقف القصف المتواصل، مؤكدةً أنّ “صمت العالم يشجع على استمرار الجرائم”.

وتحاصر قوات الدعم السريع عاصمة ولاية شمال دارفور، مدينة الفاشر، منذ مايو 2024، ما تسبب في تدهور الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، وانقطاع الإمدادات الغذائية والطبية، وتفاقم معاناة السكان المدنيين في ظل استمرار القتال داخل الأحياء السكنية.

ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربًا بين الجيش وقوات الدعم السريع، تسببت في دمار واسع ونزوح الملايين، وتحوّلت مدينة الفاشر –عاصمة شمال دارفور– إلى ساحة قتال مستمرّ، حيث تُحاصرها قوات الدعم السريع منذ مايو الماضي وسط تدهور حاد في الوضع الإنساني ونقصٍ حاد في الغذاء والدواء.

الوسومإنهاء حصار الفاشر الفاشر حرب الجيش والدعم السريع حماية المدنيين مسيرات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • (السيادة السوداني): نستنكر الصمت الدولي على جرائم (الدعم السريع)
  • السودان يدين الصمت الدولي تجاه هجمات «الدعم السريع» في الفاشر
  • السيادة السوداني يستنكر الصمت الدولي على جرائم الدعم السريع
  • سقوط قذائف داخل أحياء الدلنج إثر قصف لقوات الدعم السريع أمس
  • حكومة السودان تُطالب بمُساندة دولية للقضاء على الدعم السريع
  • قوات الدعم السريع تنفي استهداف ملجأً للنازحين بالفاشر
  • مئات القتلى والجرحى بسبب هجمات الدعم السريع على الفاشر
  • مقتل 30 سودانيا إثر قصف الدعم السريع مركز إيواء للنازحين في مدينة الفاشر
  • 30 قتيلا بقصف للدعم السريع على الفاشر
  • عشرات القتلى في قصف لمسيرات الدعم السريع على مراكز إيواء بالفاشر