أنشيلوتي: نيمار لا يزال جزءًا من البرازيل .. لكن اللياقة هي المفتاح
تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT
أكد الإيطالي كارلو أنشيلوتي، المدير الفني لمنتخب البرازيل، أن النجم نيمار دا سيلفا لا يزال ضمن خططه المستقبلية مع "السيليساو"، لكنه شدد على ضرورة استعادة اللاعب لياقته البدنية قبل التفكير في العودة إلى التشكيلة الأساسية.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في العاصمة اليابانية طوكيو، قبل مواجهة اليابان الودية المقررة غدًا الثلاثاء، قال أنشيلوتي إن نيمار يظل أحد أبرز المواهب في كرة القدم العالمية، لكن الإصابات التي لاحقته مؤخرًا جعلته بعيدًا عن المستوى المطلوب.
وأضاف المدرب الإيطالي: "نيمار يملك موهبة استثنائية، ولا شك في أنه قادر على العطاء في أعلى المستويات، سواء مع البرازيل أو أي نادٍ آخر، شرط أن يكون في كامل جاهزيته البدنية."
إصابات متكررة تعرقل المسيرةولم يشارك نيمار (33 عامًا) مع المنتخب البرازيلي منذ عامين تقريبًا، إذ كانت آخر مباراة له في أكتوبر 2023 عندما تعرض لإصابة قوية في أربطة الركبة، خلال إحدى المواجهات الدولية، وهو ما عطّل مسيرته لفترة طويلة.
ومنذ عودته إلى نادي سانتوس العام الماضي بعد تجربة قصيرة مع الهلال السعودي، لم يتمكن المهاجم المخضرم من استعادة إيقاعه المعهود بسبب الإصابات المتكررة.
ويأمل الجهاز الفني الجديد بقيادة أنشيلوتي أن يتمكن اللاعب من تجاوز مشاكله البدنية قريبًا، خصوصًا مع اقتراب تصفيات مونديال 2026 من مراحلها الحاسمة.
تحسن ملحوظ في أداء البرازيلمنذ تولي أنشيلوتي القيادة الفنية في مايو الماضي، شهد أداء المنتخب البرازيلي تحسنًا واضحًا على المستويين الدفاعي والتنظيمي، حيث خاض الفريق خمس مباريات رسمية وودية، حقق خلالها ثلاثة انتصارات وتعادلاً واحدًا وخسارة وحيدة.
وسجلت البرازيل تسعة أهداف، بينما تلقت شباكها هدفًا واحدًا فقط من ركلة جزاء أمام بوليفيا، ما يعكس التوازن الجديد الذي يحاول المدرب المخضرم فرضه على الفريق.
بعد الفوز العريض على كوريا الجنوبية بخماسية نظيفة الجمعة الماضية، أعرب أنشيلوتي عن سعادته بالأداء الجماعي، مشددًا على أن الجمال في كرة القدم لا يقتصر على المهارات الفردية فحسب، بل يشمل الالتزام التكتيكي.
وقال: "كرة القدم الجميلة ليست فقط بالمراوغات أو التمريرات، بل في الانضباط والقدرة على الدفاع والهجوم بتناغم. يجب أن نلعب بشكل رائع بالكرة وبدونها."
تصريحات أنشيلوتي تعكس فلسفته الواقعية التي يسعى من خلالها إلى إعادة البرازيل إلى مكانتها العالمية دون الاعتماد المفرط على النجوم، بل عبر العمل الجماعي والمرونة التكتيكية، فيما ينتظر الجميع لحظة عودة نيمار ليثبت أنه ما زال قادراً على قيادة الجيل الجديد من "السامبا".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كرة القدم على كوريا الجنوبية أنشيلوتي البرازيل طوكيو السيليساو
إقرأ أيضاً:
المنتخب الوطني كـ"مشروع دولة"
معاذ الصالحي
ما شأن باحث في علم النفس والمجتمع بتحليل مباراة كرة قدم؟ ولماذا أخوضُ اليوم في مساحة مخصصة عادةً للمحللين الفنيين ونقاد الرياضة؟
الإجابة نلتمسها في التحول الجذري لهوية اللعبة؛ فكرة القدم غادرت مربع التنافس الرياضي البحت منذ عقود، لتستقر في صلب "العلوم الاجتماعية". لقد أصبحت كرة القدم اليوم هي أكبر "مختبر حي" لدراسة سلوك الشعوب، وانفعالات الجماهير، وتشكُّل الهوية الوطنية.
ومن داخل هذا المختبر، حين تأملت المشهد الأخير، استوقفني ذلك السكون الثقيل الذي خيّم على منصات التواصل والمجالس، معلنًا عن وصول الجماهير إلى مرحلة من الزهد التام في إبداء أي رد فعل. هذه المرة، بدا وكأنَّ الجمهور قد فقد شهية الكلام، وانسحب إلى حالة من الهدوء اليائس. لم نرَ تلك الحشود الغاضبة، ولا ذلك النقد اللاذع، بل رأينا جمهورًا يتعامل مع الخسارة وكأنها "تحصيل حاصل". وهذا "التبلد الشعوري" هو المؤشر الأكثر فزعًا؛ فهو يعني أنَّ الرابط العاطفي بين المشجع والمنتخب قد بدأ يتآكل، وأن الأمل قد حلَّ محله التسليم بالواقع.
ولكي ندرك فداحة هذا الانسحاب النفسي، علينا أن نفهم أولًا ماذا يمثل المنتخب في الوعي الجمعي؟ فبالنسبة للمواطن العُماني، لم تكن الـ90 دقيقة يومًا مجرد نزال رياضي ينتهي بصافرة الحكم، بل هي امتدادٌ للهوية، وتجسيدٌ للثقافة، واستدعاءٌ حي لذكريات الطفولة البريئة. حين يقف اللاعبون لترديد النشيد، يرى المشجع فيهم "الوطن" بكل ثقله وتاريخه؛ يرى انتصارهم انتصارًا لقيمه، ويرى في انكسارهم خدشًا لصورة "الذات الوطنية" التي يريدها دائمًا في القمة.
هذا التلاحم الوجداني يعيدنا إلى نظرية عالم الاجتماع بنيديكت أندرسون حول "المجتمعات المتخيَّلة"؛ فالوطن في الأوقات العادية قد يكون مفهومًا مجردًا، لكن "الملعب" هو المكان الذي تتحول فيه هذه الصورة الذهنية إلى واقع ملموس.
في عُمان، نحن نسيج غني من مناطق وقبائل وثقافات متعددة؛ ولكن في اللحظة التي تهتز فيها الشباك بهدف للمنتخب، تتلاشى كل هذه الفوارق؛ حيث يذوب الظفاري، والباطني، والشرقي، والداخلي، والمسندمي تحت مظلة شعورية واحدة، ليتحول ملايين العُمانيين إلى "جسد واحد" بذاكرة جمعية مشتركة، محققين بذلك أقصى درجات الاصطفاف الوطني التي تعجز المناسبات الأخرى غالبًا عن صناعتها.
وعلميًا، يمثل ما يحدث تطبيقًا دقيقًا لما يعرف بتأثير "الالتفاف حول العلم" (Rally Round the Flag). تاريخيًا، كانت الأمم تحتاج إلى تهديد خارجي أو حرب لتوحيد صفوفها الداخلية، لكن كرة القدم قدمت للبشرية بديلًا سلميًا يُحقق نفس النتيجة.
فقد كشفت دراسة تحليلية دقيقة (نُشرت في NBER) شملت بيانات من عدة دول أفريقية، أن الـ90 دقيقة قادرة على إعادة هندسة الولاءات. فقد وجد الباحثون أن انتصار المنتخب يقلل بشكل ملموس من احتمالية حدوث النزاعات العرقية والقبلية خلال الأشهر التي تلي المباراة، عندها ينجح الفوز في توسيع أفق الانتماء لدى المواطن، لينتقل من ضيق الحيز القبلي أو المناطقي إلى رحابة الفضاء الوطني، في عملية توحيد طوعية مذهلة، تحركها نشوة الإنجاز.
وإذا اتجهنا شمالًا، سنجد أن الكرة أعادت هندسة الهوية الألمانية بشكل مذهل. فبعد عقود من "الخجل الوطني" ومحاولة تواري العلم الألماني خجلًا من إرث الحرب العالمية الثانية، جاءت استضافة كأس العالم 2006 لتكسر هذا الطوق.
ورغم أن المنتخب لم يحقق اللقب حينها واكتفى بالمركز الثالث، إلّا أن أداءه البطولي كان كافيًا لإحداث التحول الجذري. وفي هذا السياق، تصف الباحثة كيرستين واغنر ما حدث بظاهرة "الوطنية الاحتفالية"؛ حيث نجح المنتخب في ترميم الكبرياء المجروح، وتحول التشجيع في المدرجات إلى فعل من أفعال 'التصالح مع الذات'، ليعود العلم الألماني للرفرفة بفخر في الشوارع.
ولا داعي للذهاب بعيدًا بحثًا عن الإلهام، ففي محيطنا العربي كان الدرس أكثر وضوحًا. ولعلنا نتذكر جميعًا ما فعله "أسود الأطلس" في مونديال 2022؛ إذ تشير دراسات المركز العربي في واشنطن (ACW) إلى أن ذلك الإنجاز تجاوز حدود الرياضة ليصبح أعظم حملة "قوة ناعمة" للثقافة العربية. لقد نجح المغرب في تصدير "القيم العائلية" ومشاهد بِر الوالدين للعالم، معززًا شعور "الندية" الحضارية مع الغرب، ومرممًا العلاقة بين المهاجرين ووطنهم الأم.
وفي المقابل، قدم لنا العراق في 2007 درسًا في الترميم الداخلي. ففي ذروة الاقتتال الطائفي، وحين عجزت السياسة عن رتق الفتوق الاجتماعية، كان المنتخب هو المؤسسة الوحيدة الفعالة في دولة منهكة. لقد كان الفوز بكأس آسيا حينها لحظة "تعافٍ جماعي"؛ توحدت الطوائف المتناحرة تحت راية واحدة، وتوقفت أصوات الرصاص في الشوارع لتعلو أصوات الاحتفال، مثبتة أن الكرة قادرة على فرض السلم الأهلي حين تفشل البنادق.
أمام هذه النماذج الملهمة، نجد أنفسنا في عُمان أمام مفارقة مؤلمة تستدعي المكاشفة؛ فنحن نملك "المادة الخام" للنجاح؛ لدينا تاريخ عريق، وشغف جماهيري متأصل، ومواهب فطرية تنبت في الحواري. ولكننا، وللأسف، ندير هذه الثروة الوطنية بعقلية 'الهواية' في زمن تحولت فيه الرياضة إلى "صناعة" ثقيلة ومعقدة.
تصريح المدرب الأخير حول الفوارق في البنية الأساسية بيننا وبين دول أخرى، كان تشخيصًا طبيًا دقيقًا لجسدٍ رياضي متهالك. نحن نحاول مناطحة "مشاريع دول" و"صناعات مليارية" بجهود فردية واجتهادات تعتمد على "البركة". إننا باختصار، كمن يدخل سباق "الفورمولا 1" بسيارة دفع رباعي قديمة؛ قد نملك شجاعة السائق، لكننا حتمًا سنخسر السباق أمام التكنولوجيا والتخطيط.
وهنا، نضع الورقة الأخيرة على الطاولة أمام المعنيين بالتخطيط الاستراتيجي. ففي صلب رؤية "عُمان 2040"، وتحديدًا في أولوية "المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية"، نجد تركيزًا شديدًا على خلق جيل معتز بهويته ومسؤول عن وطنه.
والمفارقة الكبرى تكمن هنا: قد تُنفق المؤسسات الملايين على إقامة ندوات ومحاضرات نظرية لتعزيز هذه الهوية، بينما يثبت الواقع والعلم أن مباراة واحدة لمنتخب وطني قوي ومنافس، قادرة على غرس قيم الولاء والفخر في نفوس المواطنين، بفاعلية وعمق يتجاوزان تأثير 1000 محاضرة.
إنَّ الاستثمار في تحويل كرة القدم العُمانية من "هواية" إلى "صناعة محترفة" عبر الخصخصة الحقيقية وتطوير البنية التحتية، ليس ترفًا، ولا هدرًا للمال العام. إنه استثمار مباشر في الإنسان العُماني، واختصار ذكي للطريق نحو تحقيق أهداف الرؤية في بناء مجتمع متماسك ومعتز بذاته.