الطيب: نصيب العبد من اسم الله «العظيم» أن يعرف أن كل عظيم هو حقير إلى جنب الله
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
أوضح فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن اسم "العظيم" له معان ثلاثة، أولها عظيم الشأن، والثاني يعني "الضخامة" ومنها أن يقال "رجل عظيم" أي ضخم البنيان، والمعنى الثالث هو كثير العدد، ولا ينسحب من تلك المعاني الثلاث على الذات الإلهية إلا المعنى الأول وهو "عظيم الشأن"، بمعنى العظم والعلو لله تعالى، ومن ذلك قوله تعالى "وهو العلي العظيم" وقوله " إنه كان لا يؤمن بالله العظيم"، ووصف العظيم فيهما متجه للذات العلية، موضحا أن سبب ذلك أن المعنيين الآخرين "الضخامة" و"كثرة العدد"، لا تليق بالذات الإلهية، لأنه تعالى لا يمكن وصفه بأنه "عظيم الجسم"، لأن الجسم مركب من أجزاء، وأذا كان كذلك، فسيحتاج إلى من يركب هذه الأجزاء، بمعنى أن يكون له صانع، وكل هذا يتنافى مع الذات الإلهية.
وقال شيخ الأزهر، خلال الحلقة الحادية عشر من برنامج "الإمام الطيب"، إن العجيب في الأمر، أنك أذا أخبرت بعض الملحدين في زمننا هذا، بأن هذا "الكرسي" على سبيل المثال قد وجد بذاته، وليس له صانع، فسيستغربون عليك ذلك وينكرونه، لكنهم وبكل بساطة يؤمنون بأن الكون ليس له خالق وقد نشأ بذاته، لافتا أنه لا يصح أن نقول أن الله تعالى له "جسم"، لأن الجسم مركب يحتاج إلى من يقوم بتركيبه، وهذا من يقوم بتركيبه لا بد أن يسبقه في الوجود، وهذا لا يصح مع الذات الإلهية التي ثبتت لها صفة "القدرة المطلقة" و"العلم المطلق"، وهو أول الموجودات، فهو الأول ولا أول قبله، والقول بذلك يتناقض مع كل هذه الصفات التي ثبتت له، وهذا مستحيل عليه تعالى.
وحول اختصاص التصديق في القرآن باسم الله العظيم في عبارة "صدق الله العظيم"، بين فضيلته أن تلك عادة اعتادها العلماء أو المسلمون، لكن هناك مناسبة بين كلمة "عظيم" وبين ما تلاه القارئ من آيات في القرآن، فالقرآن الكريم كله وكل آياته تدل على عظمة هذا القائل وعظمة من أنزله، لذلك حين يختم " بـ"صدق الله العظيم" فإنه يصدق هذا الكتاب الكريم، موضحا أن الوارد في القرآن هو أنه "إذا قرئ القرآن فاستمعوا له"، وأن نبدأ القرآن بالاستعاذة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" حتى لا يشغلنا الشيطان ولا يضلنا ولا يلقي في أفكارنا ولا في قلوبنا ما يشغلنا عن معنى التلاوة، بالإضافة إلى دليل آخر من السنة على استحباب البدء بالبسملة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بباسم الله، فهو أبتر"، والقراءة أمر ذو بال أكثر من أي أمر آخر، فهي تحتاج إلى عقل متدبر، بالإذافة لإجماع المسلمين على هذا.
وأوضح شيخ الأزهر أن هذا الحكم قد استقي من السنة الكريمة، والتي لها دور مهم في التشريع للمسلمين، وهذا هو الجدل الدائر بين من يؤمنون بالقرآن ويشككون في الحديث، أو يقولون أن السنة لا يؤخذ منها التشريع، أو يقولون أن السنة لا يصح أن تستقل بحكم، ويحتالون في ذلك، والرد عليهم هو أن القرآن الكريم من غير السنة النبوية، لا يفهم ما يقرب من ثلثيه، فهناك أوامر بالصلاة في القرآن، وأوامر بالزكاة وأوامر بالحج، وكل أسس الإسلام التي بني عليها لو اعتمدنا على القرآن فقط، لا نعرف عنها شيء، لأن تفاصيلها وأحكامها ووجوبها وأوقاتها ومقاديرها في الزكاة، وهكذا، لذا كان للسنة النبوية دور مهم في التشريع الإسلامي، عبر دور من ثلاث إما "التوضيح"، أو "التأكيد"، أو "الإنشاء"، بمعنى إنشاء أحكام شرعية، ومن ذلك توضيح حرمة الجمع بين البنت وعمتها وخالتها، لأن ذلك تم تشريعة اعتمادا على السنة النوية، وجميع المسلمين يعملون به.
وفي نهاية الحلقة، أوضح فضيلته أن نصيب العبد من اسم الله "العظيم" هو أن يعرف أن كل عظيم هو حقير إلى جنب الله، ثانيا أن يعترف بالعظمة اللائقة بالإنسان إذا كانت من عند الله تعالى، وهي عظمة الأنبياء العلماء الأولياء أهل الخير إلى آخره، مضيفا أن العباد عليهم أن يؤمنوا أن كل عظيم معهم وبينهم حقير بالنسبة لله "العظيم"، مع احترام العظمة الإنسانية في حدودها، فلا يصح مثلا قول أن هذا ساحر "عظيم"، لأن القرآن يخبرنا بأنه ليس بعظيم، وهكذا، لكن يمكن أن ينسحب وصف العظمة على بعض البشر، مثل الأنبياء والعلماء وأولياء الله الصالحين المحسنين.
اقرأ أيضاًبرنامج «الإمام الطيب».. شيخ الأزهر يكشف كيف يكون المؤمن حليمًا
شيخ الأزهر: الصهاينة ارتكبوا جميع محرمات القتال والله تعالى أجل عقابهم لينالوا ما يليق بإجرامهم
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب برنامج الإمام الطيب شيخ الأزهر شيخ الأزهر الشريف الله العظیم شیخ الأزهر فی القرآن لا یصح
إقرأ أيضاً:
فضائلُ العشرِ مِن ذِي الحجةِ.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 30 مايو 2025
أعلنت وزارة الأوقاف عن موضوع خطبة الجمعة 30 مايو 2025، الموافق 3 من ذي الحجة 1446 هـ، وهي تحت عنوان: «فضائل العشر من ذي الحجة»، والهدف من هذه الخطبة هو التوعية بفضيلة ومنزلة العشر الأوائل من ذي الحجة، وضرورة اغتنام مواسم الخيرات.
فضائلُ العشرِ مِن ذِي الحجةِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريمِ: {والفجرِ* وليالٍ عشرٍ}، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِهِ وصحبهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
مِن فضلِ اللهِ تعالى على عبادهِ أنْ جعلَ لهم مواسمَ للطاعاتِ، يستكثرونَ فيها مِن العملِ الصالحِ، ويتنافسُون فيها فيما يقربُهُم إلى ربِّهم، والسعيدُ مَن اغتنمَ تلك المواسمَ، ومِن هذه المواسمِ الفاضلةِ أيامُ العشرِ مِن ذي الحجةِ، وهي أيامٌ شهدَ لها الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم بأنَّها أفضلُ أيامِ الدنيا، وحثَّ على العملِ الصالحِ فيها، بل إنَّ اللهَ تعالى أقسمَ بها، وهذا وحدَهُ يكفيهَا شرفًا وفضلًا، إذ العظيمُ لا يقسمُ إلَّا بعظيمٍ وهذا يستدعِي مِن العبدِ أنْ يجتهدَ فيها، ويكثرَ مِن الأعمالِ الصالحةِ، وأنْ يحسنَ استقبالَهَا واغتنامَهَا، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
«مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ »(رواه أحمد)، وَأَعْلَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرَهَا وَأَظْهَرَهُ، وَحَثَّ الْأُمَّةَ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ فَصَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: « مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ »، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ»، قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ، قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
1- أنَّ اللهَ تعالى أقسمَ بها: وإذا أقسمَ اللهُ بشيءٍ دلَّ هذا على عِظمِ مكانتهِ وفضلهِ، إذ العظيمُ لا يقسمُ إلَّا بالعظيمِ، قالً تعالى (وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:1ـ 2). والليالي العشرُ هي عشرُ ذي الحجةِ، وهذا ما عليهِ جمهورُ المفسرين والخلفِ، وقال ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ: وهو الصحيحُ.
2- ومِن فضائلِ العشرِ مِن ذي الحجةِ أنَّها الأيامُ المعلوماتُ التي شُرِعَ فيها ذكرهُ: قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج:28]، وجمهورُ العلماءِ على أنَّ الأيامَ المعلوماتِ هي عشرُ ذي الحجةِ، منهم ابنُ عمرَ وابنُ عباسٍ.
3- ومِن فضائلِ العشرِ مِن ذي الحجةِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم شهدَ لهَا بأنَّها أفضلُ الأيامِ، ففي مسندِ أحمد (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «مَا عَمَلٌ أَفْضَلَ مِنْهُ في هَذِه الأَيَّامِ». يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالَ فَقِيلَ وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ «وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ بشيء مِنْ ذَلِكَ).
4- ومِن فضائلِ العشرِ مِن ذي الحجةِ أنَّ فيها يومَ عرفة: ويومُ عرفةَ يومُ الحجِّ الأكبرِ، ويومُ مغفرةِ الذنوبِ، ويومُ العتقِ مِن النيرانِ، ولو لم يكنْ في عشرِ ذي الحجةِ إلَّا يومُ عرفةَ لكفاهَا ذلك فضلًا.
5- ومِن فضائلِ العشرِ مِن ذي الحجةِ أنَّ فيهَا يومَ النحرِ.
فحريٌّ بالمسلمِ أنْ يستقبلَ مواسمَ الطاعاتِ عامةً، ومنها عشرُ ذي الحجةِ بأمورٍ:
1- التوبةُ الصادقةُ: فعلى المسلمِ أنْ يستقبلَ مواسمَ الطاعاتِ عامةً بالتوبةِ الصادقةِ والعزمِ الأكيدِ على الرجوعِ إلى اللهِ، ففي التوبةِ فلاحٌ للعبدِ في الدنيَا والآخرةِ، يقولُ تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
2- ونستقبلُ الأيامَ العشرَ مِن ذي الحجةِ بالعزمِ الجادِّ على اغتنامِ هذه الأيامِ: فينبغِي على المسلمِ أنْ يحرصَ حرصًا شديدًا على عمارةِ هذه الأيامِ بالأعمالِ والأقوالِ الصالحةِ، وأنْ نستقبلَ الأيامَ العشرَ مِن ذي الحجةِ بالبعدِ عن المعاصِي، فكما أنَّ الطاعاتَ أسبابٌ للقربِ مِن اللهِ تعالى، فالمعاصِي أسبابٌ للبعدِ عن اللهِ والطردِ مِن رحمتهِ.
يَنْبَغِي للْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَفْتِحَ هَذِهِ الْعَشْرَ الْمُبَارَكَةَ بِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَمِنْ أَهَمِّ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَأَفْضَلِهَا فِي الْعَشْرِ وَفِي غَيْرِ الْعَشْرِ:
أَوَّلًا: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، وَالتَّبْكِيرُ لَهَا، وَالْإِكْثَارُ مِنَ النَّوَافِلِ، فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، رَوَى ثَوْبَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ إِلَيْهِ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
ثَانِيًا: يُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ الصِّيَامُ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَثَّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ، وَالصِّيَامُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وهو يدخلُ في جنسِ الأعمالِ الصالحةِ، بل هو مِن أفضلِهَا، وقد أضافهُ اللهُ إلى نفسهِ لعظمِ شأنهِ وعلوِّ قدرِهِ، فإنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى اللهُ عنه - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلم - «قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ) [متفق عليه]. وقد خصَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم صيامَ يومِ عرفةَ مِن بينِ أيامِ عشرِ ذي الحجةِ بمزيدِ عنايةٍ، وبيَّنَ فضلَ صيامهِ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلم:
(صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» [رواه مسلم]. وعليه فيسنُّ للمسلمِ أنْ يصومَ تسعَ ذي الحجةِ، لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم حثَّ على العملِ الصالحِ فيها. وقد ذهبَ إلى استحبابِ صيامِ العشرِ الإمامُ النوويُّ وقال: صيامُهَا مستحبٌ استحبابًا شديدًا.
وَالْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَنَازِلِ وَالطُّرُقَاتِ للرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ. قال الله تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 28]. وقد أجمع الجمهور على أن “الأيام المعلومات” هي أيام العشر، استنادًا إلى ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: “الأيام المعلومات: أيام العشر”. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ».
رابعًا: أداءُ مناسكِ الحجِّ والعمرةِ. وهما أفضلُ ما يُعملُ في عشرِ ذي الحجةِ، ومَن يسرَ اللهُ لهُ حجَّ بيتهِ أو أداءَ العمرةِ على الوجهِ المطلوبِ فجزاؤُه الجنة، لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ». [متفق عليه]. والحجُّ المبرورُ هو الحجُّ الموافقُ لهديِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم، الذي لم يخالطْهُ إثمٌ مِن رياءٍ، أو سمعةٍ، أو رفثٍ، أو فسوقٍ، المحفوفُ بالصالحاتِ والخيراتِ.
خامسًا: الصدقةُ: وهي مِن جملةِ الأعمالِ الصالحةِ التي يُستحبُّ للمسلمِ الإكثارُ منها في هذه الأيامِ، وقد حثَّ اللهُ عليها، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:254]، وقال رَسُولِ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- قَالَ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) (رواه مسلم)
الخطبة الثانية
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ علي خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنا محمدٍ (صلي الله عليه وسلم)، وعلي آلهِ وصحبِه أجمعين.
الأضحيةُ مشروعةٌ بالكتابِ، والسنةِ، وإجماعِ الأمةِ، فأمَّا الكتابُ فلقولِ اللهِ -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2]، وأمَّا السنةُ فلحديثِ أنسٍ رضي اللهُ عنه قال: “ضحىَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- بكبشينِ، أملحينِ أقرنينِ، ذبحهمَا بيدهِ، وسمَّىَ وكبَّرَ، ووضعَ رجلَهُ على صفاحهمَا“(متفق عليه)، وأمَّا الإجماعُ: فأجمعَ المسلمونَ على مشروعيةِ الأضحيةِ.
فمِن أعمالِ عشرِ ذي الحجةِ: الأضحيةُ، فهي قربةٌ لربِّنَا (عزَّ وجلَّ)، وسنةُ نبيِّنَا صلي الله عليه وسلم وإحياءٌ لسنةِ أبِينَا إبراهيمَ (عليه السلامُ)، فعن زيدِ بنِ أرقم - رضي اللهُ عنه - قال قال أصحابُ رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلم -: يا رسولَ اللهِ، ما هذه الأضاحِي؟ قال: سنةُ أبيِكُم إبراهيم - صلَّى اللهُ عليه وسلم - قالوا: فما لنَا فيهَا يا رسولَ اللهِ؟ قال: بكلِّ شعرةٍ حسنة. فقالوا: فالصوفُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: بكلِّ شعرةٍ مِن الصوفِ حسنة) (رواه أحمد).
وفي الأضحيةِ مِن معانِي التكافلِ والتراحمِ ما يؤكدُ دورهَا الاجتماعِي في تقويةِ أواصرِ التقاربِ والتآلفِ بينَ أفرادِ المجتمعِ، بصلةِ الأرحامِ، وإطعامِ الفقراءِ وإغنائِهِم عن السؤالِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ في وصفِ الأبرارِ: {ويطعمُونَ الطعامَ على حُبهِ مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا} (الإنسان:8)، ويقولُ صلي الله عليه وسلم: (خيارُكُم مَن أطعمَ الطعامَ)، ويقولُ (عليه الصلاةُ والسلامُ): (أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سرورٌ تُدخلُهُ على مُسلمٍ، أو تكشفُ عنهُ كُربةً، أو تطردُ عنهُ جُوعًا، أو تقضِي عنهُ دينًا) (رواه الطبراني)، ومِن أحكامِ هذه العشرِ أنَّ مَن أرادَ الأضحيةَ في هذه العشرِ فإنَّه لا يأخذُ مِن شعرهِ ولا أظفارهِ شيئًا، لا شعرَ رأسِكَ ولا مِن شعرٍ آخرَ في الجسدِ، لا يأخذُ مِن شعرهِ ولا مِن أظفارهِ شيئًا.
اقرأ أيضاًموضوع خطبة الجمعة القادم 30 مايو.. «فضائل العشر الأوائل من ذي الحجة»
«التراحم بين الزوجين».. الأوقاف تحدد خطبة الجمعة 23 مايو
«إنَّ مَا أتخوفُ عليكُم رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فغيّرَ معناهُ».. موضوع خطبة الجمعة القادمة