يرى منظرو العلاقات الدولية في الإسلام أن المسلمين سبقوا الغرب في وضع قواعد ما يعرف بالقانون الدولي، وأن الدولة الإسلامية التي أقامها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة استطاعت أن تدير التنوع الديني والقبلي بكل صوره وأشكاله.

ويُقصد بالعلاقات الدولية في الإسلام الروابط والصلات التي تنشئها الدولة المسلمة مع نظيراتها من الدول أو المجموعات أو الأفراد، وكان يطلق عليها الفقهاء والعلماء قديما "السِيَر"، أي سِيَر الدول المسلمة مع نظيراتها في حالات الحرب والسلم، وذلك حسب عصام البشير، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي كان يتحدث لبرنامج "موازين".

وتستند العلاقات الدولية في الإسلام -حسب البشير- إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، باعتباره رسولا مبلّغا عن الله -عز وجل- وإمام الأمة وهو قاضي القضاة. "وبمقتضى رئاسته للدولة، عقد الرسول الكريم تحالفات وراسل الملوك، وأمّن الرسل الذين كانوا يفدون إليه"، كما أنه كان يختار الرسل الذين يجيدون التحدث بلغة الملوك والأمراء الذين يرسلهم إليهم.

وواصل الاجتهاد المتعلق بفقه العلاقات الدولية التطور في عصر الخلافة الراشدة، إذ راجع الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعض المصطلحات مثل "الجزية"، وأحدث تطورا جديدا اعتمد عليه العالم من بعد ذلك، وهو أنه ضرب الخراج على الأرض المفتوحة ولم يقسمها على الفاتحين، وبالنسبة إلى فقه الواقع، فقد أفاد الفاروق -رضي الله عنه- من تجارب الأمم الأخرى، مثل تدوين الدواوين وسك العملة ونظام البريد.

ويؤكد نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن التجربة النبوية جسدت موضوع العلاقات الدولية في الإسلام في إطار دولة المدينة التي ساد فيها التنوع الديني والقبلي، و"هذا التنوع أفضى لأن تكون المواطنة بجانب الأخوة الإيمانية وتكون منطلقا للحقوق، واستطاعت الدولة أن تدير هذا التنوع بكل صوره وأشكاله".

ويضيف البشير أن العلاقات الدولية في الإسلام تهدف إلى تحقيق سيادة الدولة من النواحي الجغرافية والتشريعية والقانونية والثقافية، إلى جانب تحقيق الأمن المشترك وتبادل المصالح ورعايتها، وأيضا ما يتعلق بالأمن والسلام العالمي وحماية الأقليات ودرء المخاطر عن الدول المسلمة.

وتُبنى هذه العلاقات وفق منطلقات حددها ضيف برنامج "موازين" -بتاريخ 2023/7/26- في عدة نقاط، منها الإيمان بوحدة الأصل الإنساني والإيمان بأن الكرامة لمطلق بني البشر بصرف النظر عن دينهم وجنسهم ومعتقدهم، والإيمان بالأخوة الإنسانية والعمل على تعزيز المشترك.

تعاطي الحركات الإسلامية مع المرجعيات الدولية

وفي ما يتعلق بالحركات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في بعض الدول العربية بعد ثورات الربيع العربي، يرى أستاذ ورئيس وحدة البحوث بكلية الشريعة جامعة قطر نور الدين الخادمي أن هذه الحركات وجدت نفسها تتحمل تبعات ثقيلة على مستوى الدولة وإدارتها، بسبب الاستبداد السياسي وبسبب الاحتلال الأجنبي.

كذلك رأى أن الأداء السياسي لبعض الحركات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم محكوم بما أطلق عليه "المدونة العلمية السياسية الشرعية الإسلامية"، التي لم تحظ بما يلزم من التجديد المطلوب وفق مقتضيات العصر، ومحكوم بالواقع العام الذي تعرفه الأمة الإسلامية والذي يفتقر إلى عناصر القوة والتأثير، ومحكوم أيضا بالتجربة الذاتية لتلك الحركات.

وبشأن مسألة تعاطي الحركات الإسلامية مع اتفاقيات ومعاهدات عقدتها أنظمة سابقة مثل التطبيع والاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي، ذهب الخادمي -الذي شغل سابقا منصب وزير الشؤون الدينية في تونس- إلى أن التعامل يكون برفض تلك المعاهدات والاتفاقيات مبدئيا، على أساس أنها خارجة عن إطار الدستور الوطني وعن الخصوصية الثقافية للشعب، مع ترك بعض المواقف للفاعلين الفلسطينيين، وهو ما لا يتعارض مع الموقف الرافض للتطبيع.

وحول اعتراف بعض الحركات الإسلامية بالمرجعيات الدولية والمنظمات التي لا تحتكم للشريعة الإسلامية، يؤكد الوزير التونسي السابق أن هناك مرجعيات دولية لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، مثل النواحي الصحية والإنسانية وقضايا حقوق الإنسان ومنع التعذيب وصيانة الفطرة، ولكن هناك ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية ومع الفطرة الإنسانية ككل، مثل بنود المساواة المطلقة بين الجنسين والزواج من جنس واحد. "أما ما يقف بين الاثنين، فيحتاج إلى تقويم وتسكينه وتوليفه بالمرجعية الإسلامية أو عدم تسكينه لتعارضه مع الشريعة"، حسب قوله.

وفي تعاملها مع الدول التي تتبنى مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، يرى الخادمي أنه يتعين على الحركات والدول والمؤسسات الإسلامية أن تعتمد المبادئ الإسلامية، وهي العدل والحوار والعيش السلمي المشترك والانتصار للمظلوم، مع الحرص على استخدام الوسائل الأخلاقية، لأن الوسائل من جنس المقصد الأخلاقي الحقيقي النفعي.

وعن موقف الشريعة الإسلامية من التجسس الذي يستخدم لحماية الأمن القومي للدول، أوضح الوزير السابق أن العلماء أقروا من حيث المبدأ بجواز تجسس الدولة على دولة أخرى أو على الأعداء المتربصين بها، قائلا إن العرف جرى أن الدول الإسلامية تستخدم الجهاز الاستخباراتي الاستعلامي لتحقيق الأمن الوطني والقومي ومعرفة ما يخطط لها من الخارج، ومن حق الدولة أن تؤمّن نفسها وتؤمن أمنها الوطني القومي.

غير أن العمل التجسسي في الشريعة الإسلامية محكوم بضوابط، مثل عدم الاعتداء وعدم استخدام النساء والوقوع في عمليات شذوذ وزنا وكل الأمور المحرمة، ويجوز -كما يقول الخادمي الذي حل ضيفا على "موازين"- أن تمارس الدولة هذا الحق في حدود الضوابط الشرعية.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

غليون لـعربي21: أوروبا تعترف بفلسطين خوفاً من وصمة الإبادة التي شاركت فيها

اعتبر المفكر العربي وأستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور برهان غليون أن إعلان عدد من الدول الأوروبية نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول/ سبتمبر المقبل، لا يعكس صحوة ضمير أو تحولاً جوهرياً في السياسة الغربية، بل هو "رد فعل متأخر يهدف لتفادي تهمة التواطؤ في حرب إبادة جماعية يتكشف فظاعتها تدريجياً"، مشيراً إلى أن "أوروبا كانت وما تزال شريكة أصيلة في الجريمة، تسليحاً وصمتاً وتغطية سياسية".

وقال غليون في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إن "ما غيّر موقف بعض العواصم الأوروبية ليس معاناة الفلسطينيين ولا احترام القانون الدولي، بل الخوف المتزايد من تحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن صمتٍ طويل رافق مذبحة جماعية شُنّت بدم بارد على الشعب الفلسطيني في غزة".

وأضاف: "لا يوجد إنسان لا يتأثر مبدئياً باعتراف أوروبي بالدولة الفلسطينية، لكنه اعتراف متأخر ومشروط وفارغ من مضمونه، لأن دوافعه لا تنبع من شعور بالعدالة، بل من حسابات سياسية باردة تهدف لغسل اليدين من دماء أطفال غزة".

وأوضح المفكر السوري أن "الاعتراف يأتي بعد 21 شهراً من حرب همجية على غزة أوقعت مئات آلاف الضحايا ودماراً شاملاً في البنية التحتية والحياة المدنية، ولم يتحرك خلالها الأوروبيون إلا دفاعاً عن إسرائيل وحقها في القتل بلا ضوابط"، مضيفاً: "كان أغلب القادة الأوروبيين ينتظرون أن تنهي إسرائيل المهمة، أي تدمير غزة، وإلحاق الضفة الغربية، وتحويل فلسطين إلى ذكرى قديمة… ثم تُغلق القضية بهدوء".

وأكد غليون أن "نجاح إسرائيل الكلي في تنظيم المقتلة، وتحويل الحرب إلى محرقة ممنهجة، هو ما أسقط كل مبررات التغطية الأخلاقية والدبلوماسية، ودفع بعض الدول إلى محاولة الحد من تداعيات التورط الغربي".

وقال: "الغرب يعرف أن إسرائيل لم تخسر عسكرياً، لكنها خسرت سياسياً وأخلاقياً، لا بسبب عجزها عن تنفيذ الإبادة، بل بسبب تنفيذها الكامل لها أمام عدسات الكاميرات وضمير العالم، الذي بدأ يصحو متأخراً".

ووصف غليون الاعتراف الأوروبي المرتقب بـ"المناورة الوقائية"، مشدداً على أن "الغرب لن يجد صعوبة في التنصل من مسؤوليته، ورمي الجريمة على إسرائيل وحدها، رغم أنه كان مشاركاً في التخطيط والتنفيذ والتمويل".

وختم بالقول: "الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد سبعة عقود من قرار الأمم المتحدة وبعد واحدة من أبشع الحروب في العصر الحديث، لا يُعدّ خطوة تقدمية، بل محاولة مكشوفة لإعادة ترميم صورة انهارت تحت ركام غزة".




وأول أمس الأربعاء، أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل.

إعلان كارني جاء عقب إطلاق 15 دولة غربية بينها فرنسا، نداء جماعيا للاعتراف بدولة فلسطين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، نشرته الخارجية الفرنسية الأربعاء على موقعها الإلكتروني، وبعد إعلانات مشابهة في الأيام الماضية صدرت عن فرنسا وبريطانيا ومالطا.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 24 يوليو/ تموز الماضي، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل.

والثلاثاء، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مؤتمر صحفي، إن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، إذا لم تتخذ إسرائيل "خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المروع" بقطاع غزة.

والأربعاء، أعلنت مالطا أنها ستعلن اعترافها رسميا بدولة فلسطين، في سبتمبر المقبل.

وفي 28 مايو/ أيار 2024، أعلنت إسبانيا والنرويج وإيرلندا اعترافها بدولة فلسطين، تلتها سلوفانيا في 5 يونيو/ حزيران من العام نفسه، ليرتفع الإجمالي إلى 148 من أصل 193 دولة بالجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأمس الخميس وصف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خطط بعض الحكومات الغربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية بأنها "غير مجدية"، وزعم أنه "لا دولة فلسطينية دون موافقة إسرائيل".

وردا على سؤال خلال مقابلة مع إذاعة فوكس الأمريكية: "كيف تنظر الولايات المتحدة إلى خطوة قرارات دول غربية الاعتراف بفلسطين؟"، أجاب روبيو: "هذه خطوة محبطة للبعض، ولا تعني شيئًا".

وأكد دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، مضيفاً: "لا تملك أي من هذه الدول (التي تخطط للاعتراف بفلسطين) القدرة على إنشاء دولة فلسطينية. لن تكون هناك دولة فلسطينية حتى توافق إسرائيل".

وزعم أن الدول التي تعتزم الاعتراف بفلسطين لا تعرف أين ستكون الدولة الفلسطينية ومن سيحكمها، قائلاً: "هذا القرار سيأتي بنتائج عكسية"، بحسب تعبيره.

وزير الخارجية الأمريكي رأى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "مكافأة لحماس".

وأشار إلى أن هذه "الخطوات اتخذت بسبب ضغوط سياسية داخلية في البلدان المذكورة، وأن هذا لا يتوافق مع الواقع على الأرض"، بحسب زعمه.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 207 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.


مقالات مشابهة

  • نقابة الموسيقيين تدين حملات التشوية ضد مصر والقيادة السياسية
  • عباس يشترط الالتزام بالشرعية الدولية للمشاركة في الانتخابات الفلسطينية
  • تصنيف الدول حسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب (إنفوغراف)
  • غليون لـعربي21: أوروبا تعترف بفلسطين خوفاً من وصمة الإبادة التي شاركت فيها
  • قبلان: لا يملك أحد شرعية نزع القوة الدفاعية التي تحمي لبنان
  • ما هي الدول التي تغيرت رسومها الجمركية منذ إعلان ترامب في يوم التحرير؟
  • ما هي نسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب؟
  • في خرق واضح للتابوهات السياسية.. شخصيات إسرائيلية بارزة تدعو لفرض عقوبات قاسية على حكومة نتنياهو بسبب تجويع غزة
  • من الدعوة إلى الدولة: قراءة هادئة في مسار الحركة الإسلامية في اليمن.
  • وزير البترول: توسيع التعاون مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة ليشمل قطاع التعدين