عربي21:
2025-05-24@10:00:27 GMT

نزع الملكية الخاصة.. التاريخ العربي القديم والحديث

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

أثناء زيارته إلى فلسطين، كتب الرحالة الأندلسي ابن جبير في كتابه "رحلة إلى الشرق" في القرن الثاني عشر، "إن المسلمين يفضلون العيش تحت سلطة الكافرين، لأن هؤلاء يتصرفون بإنصاف".

وفي نفس القرن، كتب ابن رشد: "إن الناس في كثير من الممالك الإسلامية صنفان: صنف يعرف بالعامة وآخر يعرف بالسادة، وفي هذه الحال يسلب سادتُهم عامتهم، ويُمعن السادة في الاستيلاء على أموال العامة إلى أن يؤدي بهم الأمر أحيانا إلى التسلط، كما يعرض هذا في زماننا هذا وفي مدننا هذه".



بعد أكثر من قرنين، كتب ابن خلدون "ثم إن كل طبقة من طباق (طبقات) أهل العمران من مدينة أو إقليم لها قدرة على من دونها من الطباق، وكل واحد من الطبقة السفلى يستمد بذي الجاه من أهل الطبقة التي فوقه، ويزداد كسبه تصرفا في من تحت يده على قدر ما يستفيد منه.

والجاه على ذلك داخل على الناس في جميع أبواب المعاش؛ ويتسع ويضيق بحسب الطبقة والطور الذي فيه صاحبه: فإن كان متسعا كان الكسب الناشئ عنه كذلك، وإن كان ضيقا قليلا فمثله.

والجاه بهذا المعنى يسري في جسم المجتمع من أعلى إلى أسفل ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل وعلى مستوى الطبقات كذلك".

وقد شخّص ابن خلدون أسباب هذا الوضع، بقوله إن "التنكيد بالملكية الخاصة، يقتل في الناس الإرادة على الكسب الإضافي، وذلك بدفعهم إلى الفزع مـن أن تلاقي جهودهم السلب مصيرا".

كتب ابن خلدون هذه العبارات بسبب استيائه من الأذى الذي تعرضت له الملكية الخاصة، فهو يعتبر أن هذه الملكية تشكل حافزا فرديا للنشاط الاقتصادي وللمجتمع المدني، وأن نزع الملكية أشبه بعملية انتحار ذاتي وجماعي وشكل من أشكال تخريب وخراب اقتصادي.

من وجهة نظر عالم السوسيولوجيا الإيطالي لوتشانو بليكاني، لم يكن سلوك الأسياد المسيحيين محكوما بقانون أخلاقي متفوق على المسلمين، وكل ما في الأمر أنهم حكموا بإنصاف، لأن أوروبا خلال مرحلة الإقطاع، أصبحت بسبب الصراعات الداخلية العنيفة مجتمعا موزعا للحقوق.

ويتابع بليكاني، إن هذا هو السبب الذي سمح لأوروبا الغربية بخلق النمو الاقتصادي ومأسسته وبنشوء مجتمع مدني برجوازي، في حين عجزت الحضارات الشرقية الكبرى عن السير في ركاب النمو.

على مدار التاريخ، كانت الملكية الخاصة حجر الزاوية في الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وكلما كانت الملكية الخاصة مستقرة وغير مهددة، كان المجتمع أكثر استقرارا، في حين يعد غياب مفهوم الملكية الخاصة سببا للتوترات الاجتماعية والاضطرابات السياسية.

وقد كشف فلاسفة العقد الاجتماعي في القرن السابع عشر أن ارتباط الملكية بظهور الدولة كمنظومة سياسية يعد فكرة محورية.

إن المفهوم المزدوج لسمو القانون وسمو الجماعة في القرون الوسطى، كان يحد بشكل طبيعي تماما من السلطة الملكية، وقد توق هذا التحديد بشكل خاص، بالفكرة التقليدية الآتية من ميثاق أو عقد موجود بين الملك والجماعة، ومعبر ضمنيا عن سمو الجماعة.

ومع تطور النظام الإقطاعي الذي يسيطر عليه الطابع التعاقدي للالتزامات بين السيد الإقطاعي والمزارع التابع له، ازدادت أهمية هذا القسم: فعند كل درجة من درجات التسلسل الإقطاعي، كان القسم بالطاعة يؤدى مقابل إعطاء ضمانة، والوفاء بالوعد حسب ما بين جان جاك شوفالييه.

أشار جون لوك، إلى أن السبب في تكوين الأفراد للمجتمع هو رغبتهم في الحفاظ على الملكية، وهذه نقطة محورية في فلسفته، إذ يعتبر أن حق الملكية هو الحق المؤسس لكافة الحقوق الأخرى، هو حق طبيعي لا يمكن انتزاعه من الفرد.

الملكية البشرية من أي نوع، بما فيها ملكية الأشياء التي لا يمكن المساس بها على الإطلاق، تعتبر مجرد ملكية مجازية وغير حقيقية في نهاية الأمر، وهي، في أفضل الأحوال، مشتقة من الملكية الأصلية ذات السيادة انطلاقا من هذا الأساس الفلسفي، قدم آدم سميث أفكاره الرئيسية حول النظام الرأسمالي، واعتبر أن ملكية الإنسان لناتج عمله تمثل أصل كل الحقوق الأخرى.

أقرت نصوص الشريعة الإسلامية الملكية الفردية وأكدت عليها على أن تكون منسجمة مع مصلحة الجماعة، لكن التاريخ الإسلامي المتأخر حاد عن هذا المبدأ، وهو ما بينه كل من ابن رشد وابن خلدون.

وباسم هذه المصلحة الجماعية، كتب وائل حلاق في كتابه "الدولة المستحيلة" أن "الملكية البشرية من أي نوع، بما فيها ملكية الأشياء التي لا يمكن المساس بها على الإطلاق، تعتبر مجرد ملكية مجازية وغير حقيقية في نهاية الأمر، وهي، في أفضل الأحوال، مشتقة من الملكية الأصلية ذات السيادة".

وبحسب حلاق، يفسر هذا، تشريع الإسلام الاهتمام بالفقراء على أنه حق لهم في أموال الأغنياء، حيث إن ثروة هؤلاء هي ملك لله.

غير أن هذه الصيغة الإنسانية أخذت منحى آخر، قائم على سلب الملكية الفردية، لأسباب عديدة، منها أن عقل الغنيمة ظل سمة أساسية في العقل السياسي ـ الاقتصادي العربي منذ الفتوحات الأولى، في وقت لم ينشأ مجتمع مدني برجوازي قوي أو طبقة أرستقراطية قوية قادرة على الوقوف في وجه السلطان ووزراءه، كما كان الأمر في أوروبا، حيث شكلت الطبقة الفيودالية في العصور ذاك التوازن والجدار المنيع الذي منع سلطة الملوك من أن تتحول إلى ملكية مطلقة.

يشكل النموذج السوري مع سلطة البعث مثالا حيا لظاهرة انتهاك الملكية الفردية، وعلى الرغم من أن انتهاك الملكية الفردية / الخاصة سمة واضحة خلال الحروب، إلا أن بشاعتها وقسوتها كانت أكثر وضوحا في سوريا.

وقد تنبهت ليلى فيغنال في دراسة لها حملت عنون "الأماكن التي تعرّض أهلها لنزع الملكية خلال الحرب في سوريا"، وترجمها مركز حرمون، أن ضخامة ظاهرة نزع الملكية في سوريا لم يكن نتيجة حتمية للحرب والدمار، إنما كانت نتيجة لعمليات متعددة الأوجه، سببها الاختلاف في استراتيجيات الجهات الفاعلة في زمن الحرب.

اعتمد النظام السوري منذ البدء استراتيجية تدمير الممتلكات الخاصة للمعارضة، لما تعنيه من قتل للكينونة الاجتماعية والاقتصادية للإنسان، ودفعه إلى حافة العدم، عندما يتم تدمير ممتلكاته الخاصة.

كان الهدف الأساسي هو دفع الناس المعارضة إلى الخروج من البلاد وعدم التفكير في العودة إليها، ولم يكن عبثا ما قاله بشار الأسد "فقدنا أفضل شبابنا، لكننا في المقابل اكتسبنا مجتمعا أكثر صحة وتجانسا".

*كاتب وإعلامي سوري

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الملكية العالم ملكية رأي نظريات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الملکیة الخاصة ابن خلدون

إقرأ أيضاً:

صفحات سوداء سوف يطويها التاريخ!!

صفحات سوداء سوف يطويها التاريخ!!

د. مرتضى الغالي

سوف يتم مسح هذه الصفحة السوداء من تاريخ السودان طال الزمن أم استدار..!. هذه صفحة عار في أيام حالكة السواد مكتوبة بمداد (السجم والرماد) سيتم كشطها من دفتر الوطن ببرهانها وكامل إدريسها وإعيسرها وكيزانها و(أحيمر ثمودها)..!

سيتم شطب هذه الصفحات السوداء التي لوثها هؤلاء الصغار الذين يتقافزون بين مقاعد الانقلاب، ويسلمون رقابهم لنظام انقلابي تنكّر للحكم المدني وقتل السودانيين وأطلق عشرات المليشيات المسلحة التي تلهو باصطياد أرواح البشر..!

ستنطوي هذه الصفحات الكالحة ويعود الشعب لثورته؛ جفّت الأقلام وطويت الصحف…!

هذا الانقلاب (السنيح) الذي تركض إليه طائفة محبي الاستوزار هو المتسبّب في كل ما أعقبه من نزوح عشرات الملايين من بيوتهم وديارهم ومدارسهم ومعاهدهم.. وها هم قد باتوا فريسة للفناء وموت الهوان أو للذل والتشريد والمسغبة وقلة الحيلة.. علاوة على الضياع العريض الذي ينتظر شباب الوطن جيلاً بعد جيل..!

سيلحق العار بكل من سار في هذه الزفة بمزماره وطاره و(دلوكته) وسيطال العار كل من شارك هذا السيرك الهزلي بالرغم من دمويته الفارطة التي أزهقت أرواح السودانيين وقادت بلادنا إلى حالة من (الخراب الشامل) الذي لم يعرف الناس له مثيلاً وشبيهاً على طول ما اكتنف العالم من حروب وخراب وفظاعات..!

التاريخ له (قوائم شرف وتذكارات رموز ومآثر أحرار).. كما أن له (مزابل وسجلات عار ومكبات نفاية).. وكل شخص واختياره..! أما أن يقف في صف الحرية والكرامة مع شعبه؛ وأما أن يسيل لعابه ويضع نفسه (ونفيسته) تحت خدمة الانقلابات.. ويسلّم عنقه للأنظمة فاقدة الشرعية التي تتلاعب بأمثاله وتستدعيهم وتستبدلهم كماء تشاء.. ثم ترمي بهم مثل أرواق اللعب فاقدة الجدوى والملاءمة..!

ثلاثة وزراء للخارجية في مدى شهرين.. ورئيسان للوزراء في مدى أسبوع.. وفشل في إعلان حكومة الانقلاب لمدى أربعة أعوام..! ووزراء مكلفون (يحبون التراث حباً لمّاً) لا يعلم أحد شيئاً عن مؤهلاتهم ولا مسوّغات تعيينهم.. ولا يعرف الناس من أي خلفية مهنية أو سياسية (أو سجم رمادية) جاءوا..!

ما جدوى التدقيق في وزارة يدير أمرها جنرالات الانقلاب في سلطة بغير كابح وفي مناخ فساد وصل إلى حد النهب والاختلاس والرشوة العلنية والاستيلاء على الموارد العامة وسرقة الإغاثة و(بيع الخدمات)..؟!

إنها سلطة (مطلوقة العنان) بلا رقابة ولا شرعية.. تجيز استدعاء أي عاطل من بؤرة الإقامة غير الشرعية بالخارج ليصبح وزيراً للإعلام أو أي مصيبة أخرى… جنباً إلى جنب مع وزير للعدل يتلعثم ويتمتم أمام العالم لأنه لا يستطيع نطق (مفردة واحدة) بصورة صحيحة، بل ظل يتعثّر فيها ويقلّبها ذات اليمين وذات الشمال سبع مرات.. حتى كاد قاضى المحكمة الدولية أن (يتحمدل له السلامة)..!

هل أنت فعلاً يا رجل قد استنفدت سنوات عمرك واستهلكت كل هذه (الكريمات والمراهم والدهان والمُرطِبات) لتلميع نفسك حتى تكون رئيساً للوزراء بأي ثمن (وفي أي نظام كان).. حتى ولو اقتضى الأمر التزوير و(الحلبسة) أو إدعاء (الجودية والوساطة) والتوفيق بين الرءوس.. أو تأليف (أتيام الصحفيين الطبّالة)..؟!

هل وجدت الآن مبتغاك في هذه السلطة الانقلابية الدموية الفاسدة التي لم تجف بعد دماء شباب الاعتصام الذين سحقتهم وسحلتهم بالمجنزرات وأغرقتهم أحياء..؟! دعك مما سبق وأعقب أهوال ميدان الاعتصام من مجازر ومذابح لم يجرؤ عليها نظام (الخمير الحُمر) في كمبوديا..؟!

ما هذا العقم..؟! كل ما ضربت الحيرة هؤلاء المتاعيس لم يجدوا في السودان بطوله وعرضه غير (بت عبد الجبار المبارك) سليلة الأنظمة (التي تتبضّع بالدين) وتنتظر التعيين على دماء الناس..! ما وزن هذه السيدة بين نساء السودان العاملات النجيبات الموقرات المناضلات..؟!

هل يظن البرهان إنه إذا جاء بصاحب (كرفتة مزركشة) وجعله رئيسا للوزراء كان معنى ذلك قيام حكومة مدنية تغطي عورة نظامه الانقلابي..؟!

إذاً مبروك لرئيس الوزراء الجديد… لقد حقق الرجل أخيراً أمنية عمره..! والشعب في انتظار الطائرة الرئاسية التي تقل سيادته من مخادع الدعة إلى رئاسة حكومة بورتسودان.. وفي انتظاره أحضان كرتي والعطا وكتائب البراء وإبراهيم جبريل وزير مالية الحركات و(أمين صندوق اتفاقية جوبا) وسمسار بيع سيارات المواطنين بالطن على نظام (الحديد الخردة).. لله لا كسّبكم..!

[email protected]

الوسوماتفاقية جوبا الانقلاب السودان العطا بورتسودان د. مرتضى الغالي رئيس الوزراء عبد الجبار المبارك كامل إدريس كباشي مجلس الوزراء وزارة المالية

مقالات مشابهة

  • حلقة عمل ببخاء تستعرض أهمية الوثائق الخاصة في حفظ التاريخ
  • القطاع الصحي الأردني بمناسبة عيد الاستقلال الـ79: إنجازات متواصلة برؤية ملكية وريادة وطنية
  • ضبط مواطن لارتكابه مخالفة رعي في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية
  • ضبط مخالف لارتكابه مخالفة التخييم في محمية الملك عبدالعزيز الملكية
  • المساوى: الوحدة تجسّد إرادة شعب رفض التشظي عبر التاريخ
  • الملكية حق دستوري ومراعاة المستأجرين.. قومي حقوق الإنسان يناقش الإيجار القديم
  • إعلان صادر عن مديرية الخدمات الطبية الملكية
  • الملكية الأردنية توقع اتفاقية قرض تجمّع بنكي بقيادة البنك العربي بقيمة 250 مليون دولار
  • صفحات سوداء سوف يطويها التاريخ!!
  • القضاء يفتح فضيحة تزوير عقود ملكية أراضي بتواطؤ موظّفين سابقين بالمحافظة العقارية للجزائر الوسطى