طفلة تسأل: لماذا خلق الله الناس مختلفين؟.. وعلي جمعة: لدفع بعضهم للخير
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
أجاب الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، على سؤال طفلة حول: «ما أسباب اختلاف البشر وخلق الله - سبحانه، لهم مختلفين سواء في لون البشرة أو اللغة؟».
جمعة: سُنة التدافع خلقها الله في الكون لتعميره وتزكية النفسوجاء رد الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، خلال حلقة برنامج «نور الدين»، والمُذاع على شاشة «قناة الناس»، اليوم السبت: «ربنا لما خلق الكون بطريقة فيها سُنة التدافع في الفن والعمارة والخير وتزكية النفس».
وتابع مفتي الديار المصرية السابق: «الآلة فيها تروس مختلفة بعضها يحرك بعض علشان تؤدي مهامها، لو لم يوجد اختلاف هيبقى في تساوي، فالملائكة كلهم واحد، فمفيش اختبار ولا اختيار فربنا خلقنا مختارين وعندنا عقل وخير وتكليف والدنيا بالنكد بتاعها علشان ربنا يرضى عنها».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سنة الاختلاف سنة الدفع
إقرأ أيضاً:
غربة المتنبي.. في أمة تداركها الله
مؤخرًا أفكر بالمتنبي كثيرًا من زاوية التحليل النفسي. كم هو مثير حقًا أن نتخيَّل المتنبي جالسًا على أريكة العلاج النفسي في عيادة الدكتور بول ويستون، كما في المسلسل الأمريكي In Treatment! دخول المتنبي إلى عيادة الطبيب النفسي لا يعني فقط إخضاعه لمقاربة تحليلية نفسية، بل هو استدعاء لتوتر عميق بين خطابين يبدوان متناقضين من حيث المبدأ: خطاب الشعر بوصفه تضخيمًا للذات، وخطاب العلاج النفسي بوصفه سعيًا لتفكيكها.
ما يجعل المتنبي شاعرًا استثنائيًا في تاريخ الثقافة العربية ليس إرثه الشعري وحده، بل وعيه المتفرد بالذات الشاعرة في علاقتها بالعالم، وهي علاقة تزخر بكل مستلزمات التناقض البشري. لقد كان المتنبي مشغولًا بمشروع وجودي يجعل من «أنا» الشاعر مركزًا للكون، فتغدو القصيدة على يديه مرآة مزخرفة للذات، لا تسعى إلى فهم العالم بقدر ما تطمح إلى إعادة تكوينه على صورتها. من هنا تصبح الجلسة العلاجية الافتراضية مواجهة حقيقية بين شاعر عربي قديم لا يرى في كلامه عَرَضًا بل جوهرًا، ومعالج نفسي يسعى إلى كشف ما يُخفيه هذا الكلام لا ما يُعلنه.
لم يكن المتنبي انطوائيًا بالمعنى الاجتماعي. لا نعثر في شعره وسيرته على نزعة للعزلة واضحةٍ كما نجدها عند أبي العلاء المعري، صاحب «معجز أحمد». بل على العكس تمامًا؛ إذ يعكس شعره سيرة شاعرٍ جرَّب دهره بتوق وعنف وصخب، فخالط أصنافًا شتى من بني البشر، واتصل بعلاقات اجتماعية وسياسية طورت حدسه بالناس وطبائعهم، واصطدم بالحياة العامة بأقصى ما يمكن لمرئ سيلقى حتفه في الخمسين.
ولكن على الرغم من شهرته؛ فقد عاش مالئ الدنيا، وشاغل الناس وحيدًا ومعزولًا داخل نفسه الغريبة. خبرته ببني عصره كانت تزيد من حدة رفضه لهم، ومن اعتداده الذاتيّ القاسي. فلا نكاد نقرأ شِعرًا لأبي الطيب دون أن يكون الاغتراب (Alienation) مناخًا عامًا لقصيدته، إلى درجة أنه هو نفسه يلاحظ هذا الميل في قصيدته فيشتكي من تشكِّيه:
«أَلا لَيتَ شِعري هَل أَقولُ قَصيدَةً
فَلا أَشتَكي فيها وَلا أَتَعَتَّبُ؟!»
أما انعدام ثقته بالآخرين فتبدو من أهم صور الاغتراب عند المتنبي؛ فقد تهدَّمت الثقة بالجنس البشري بعد تجريبه مرارًا ومرارًا، إذ يكفي أن يكون الآخر من بني البشر حتى يكون جديرًا بعدم الثقة:
فَلَمّا صارَ وُدُّ الناسِ خِبًّا
جَزَيتُ عَلى اِبتِسامٍ بِاِبتِسامِ
وَصِرتُ أَشُكُّ فيمَن أَصطَفيهِ
لِعِلمي أَنَّهُ بَعضُ الأَنامِ
كما نتبين في شِعره حدة الصراع والانقسام بين عالمَيه: عالمه الداخلي، وعالمه الخارجي؛ فهو يرفض الانتماء إلى الناس في زمنه، يمقت عاداتهم ويسخِّف مطامحهم الصغيرة. يهجوهم ويهجو عصرهم؛ ليتمايز عنهم بكل نفور وجرأة كي يعود إلى داخله، إلى نفسه الكبيرة المعزولة:
«وَدَهرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ
وَإِن كانَت لَهُم جُثَثٌ ضِخامُ
وَما أَنا مِنهُمُ بِالعَيشِ فيهِم
وَلَكِن مَعدِنُ الذَهَبِ الرَغامُ»
هذا الرجل البعيد الهم - الذي لا تسلي فؤاده المدام - ذاهبٌ في اغترابه إلى عتبة الانفصال التي لا رجعة بعدها؛ إذ تتعمق عزلته إلى غور سحيق من الاعتداد بالذات، ورفض أناس عصره، فهو معهم، لكنه ليس منهم.
إنها النرجسية كأسلوب دفاع استباقي عن الذات الهشة. في الواقع؛ كانت تلك طريقته لصيانة هويته المنقَّحة، والخالصة من شوائب محيطه الاجتماعي الذي يتردى في واقع سياسي يشهد على ضعف الدولة العربية، وتشظيها إلى دويلات متصارعة خلال العصر العباسي الثاني.
في كتابه «مع المتنبي» يصف لنا طه حسين الزمنَ السياسي الذي زامنه المتنبي بما يضاعف من شعوره بالاغتراب؛ فقد كان ذلك الزمن -كما يقول طه حسين- زمن «خضوع سلطان الخلفاء المطلق لعبث الجند وقادة الجند، ولسلطان الخدم والنساء»، إنه زمن «عجز السلطان المركزي في بغداد عن أن يجمع أطراف الدولة ويحزم أمرها، كما كان يفعل حين كان الخلفاء خلفاء، وحين كانت الخلافة خلافة، وحين لم يكن أمير المؤمنين لعبةً في يد خادم أو أَمَة؛ ثم ما نشأ عن هذا كله من استقلال الأطراف، وطموح الولاة إلى الملك، وظهور القوميات الوطنية في الشرق والغرب، ونشوء عهد يشبه عهد الإقطاع في أوربا أثناء القرون الوسطى».
استيعاب هذا السياق السياسي يصبح في غاية الأهمية لفهم المؤشرات النفسية في شعر المتنبي. ولنا أن نتخيل ردة فعله وهو يرى صعود المتسلقين من أسخف الناس وأجهلهم إلى المراتب العليا، بينما لا ينال هو غايته في السلطة التي نحر من أجلها عيون قصائده قربانًا للأمراء، بل ضحّى من أجل هاجس السلطة اللحوح بكرامة الشعر والشاعر معًا، إلى حد التذلل الذي يتعارض مع تضخُّم «الأنا» عند شخص كالمتنبي؛ كما يشير إلى ذلك فوزي كريم في كتابه «القلب المفكر: القصيدة تغني، ولكنها تفكر أيضًا».
مع ذلك يمكن لأسطورة المتنبي أن تمنح العزاء لمن يعتقدون أنهم قد جاؤوا في زمان غير زمانهم، مع أنه لا أحد يأتي في غير زمانه. علينا أن نتذكره وهو ينشد:
«أنا في أمة تداركها اللـــه غريب كصالحٍ في ثمودِ».
سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني