مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية تقود حوارا وطنيا حول الأوقاف المعاصرة ودورها الاقتصادي
تاريخ النشر: 16th, October 2025 GMT
متابعة: ماجد الندابي
الجلسات ناقشت الابتكار والتكامل والحوكمة بوصفها ركائز للنهوض بالعمل الوقفي -
الوقف في عُمان يتحول من الصدقة إلى التنمية.. ومن المبادرة الفردية إلى الرؤية الوطنية -
التقنيات الرقمية تعيد تشكيل العمل الوقفي وتمنحه أفقًا استثماريا واسعا -
الملتقى يؤكد أهمية الحوكمة والتحول الرقمي في تحقيق الاستدامة وتعظيم الأثر المجتمعي -
تمثل فكرة الوقف علامة على نضج الوعي الحضاري لدى المجتمعات المسلمة، فهي دليل على تلاحم الإنسان مع مجتمعه واستشراف لحاجات هذا المجتمع ومن أجل ذلك كان الملتقى الوقفي الثالث الذي نظمته مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية منتصف الأسبوع، تحت شعار «نحو وقف مبتكر وعطاء مستدام»، وقد تناولت جلسات الملتقى الثلاثة محاور استراتيجية ركزت على الابتكار والتقنيات الرقمية في تعظيم أثر المبادرات الوقفية، والإطار التكاملي بين الوقف والمسؤولية الاجتماعية لتعزيز التنمية، والوقف بوصفه أداة فاعلة لدعم الاقتصاد الوطني، في طرحٍ علمي وعملي يبرز دور المؤسسات الوقفية في بناء اقتصاد مستدام قائم على الشراكة والحوكمة والاستثمار الاجتماعي.
الابتكار والتقنيات الرقمية -
فقد جاءت الجلسة الأولى ضمن هذا الملتقى، لتسلط الضوء على محور الابتكار والتقنيات الرقمية في تعظيم أثر المبادرات الوقفية والخيرية، وهو محور يتقاطع مع مرتكزات "رؤية عُمان 2040" في بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على الابتكار والشراكة المؤسسية.
وأدار الجلسة المهندس والإعلامي عدنان بن سعيد الجلنداني، الذي افتتح النقاش بالتأكيد على أهمية إدماج التقنيات الحديثة في العمل الوقفي والخيري لتعزيز كفاءته واستدامته، مشيرا إلى أن التحول الرقمي بات ركيزة لتطوير إدارة الموارد وتعظيم العائد الاجتماعي للمبادرات الوقفية، بما ينسجم مع التوجهات الوطنية نحو اقتصاد معرفي مبتكر، وشارك في الجلسة عدد من المتحدثين المختصين في مجالات التمويل الإسلامي والاستثمار والحوكمة، قدموا أوراقا علمية وتجارب عملية تبرز نماذج واقعية من التكامل بين المؤسسات الوقفية والقطاع المالي والمصرفي.
في الورقة الأولى، تحدث عبدالعزيز بن مسعود الغافري، رئيس قسم الأوقاف والحج والعمرة في «صحار الإسلامي»، حول دور صحار الإسلامي في تحقيق "رؤية عُمان 2040"، أوضح الغافري أن صحار الإسلامي منذ تأسيسه عام 2013 تبنّى رؤية خدمية تتجاوز الدور التقليدي للمؤسسات المصرفية، ليكون شريكا فاعلا في خدمة المجتمع ودعم التنمية الوطنية.
وأشار إلى أن البنك، بعُمانيته في الهوية وعالميته في الممارسة، يسعى إلى تقديم خدمات مالية مبتكرة تسهم في بناء الإنسان وتعزيز الاقتصاد الوطني، موضحا أن نسبة التعمين في البنك بلغت نحو 99%، مما يعكس التزامه بالهوية الوطنية، وبيّن الغافري أن رؤية «عُمان 2040» تمثل بوصلة لتوجيه الجهود التنموية نحو اقتصاد متنوع قائم على الابتكار، وقد أولى صحار الإسلامي اهتماما خاصا بمواءمة استراتيجيته مع محاور هذه الرؤية الأربعة: الإنسان والمجتمع، والاقتصاد والتنمية، والحوكمة والأداء المؤسسي، والبيئة المستدامة.
وفي سياق الحديث عن المسؤولية المجتمعية، أوضح أن البنك يترجم رؤيته من خلال دعم المبادرات التي تحقق التكافل الاجتماعي، وتمكّن رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتسهم في معالجة قضايا الفقر والبطالة، مشيرا إلى أن المسؤولية المجتمعية لم تعد خيارا بل أصبحت التزاما مؤسسيا منظما.
وعرض الغافري نماذج من مبادرات «صحار الإسلامي» في دعم القطاعات التنموية، منها: إعادة هيكلة قسم الأوقاف والحج والعمرة ضمن منظومة البنك، ورعاية المؤتمرات والفعاليات الوقفية في مختلف الولايات، إلى جانب المساهمة في إعفاء المتعثرين من سداد ديونهم بمبلغ تجاوز مليوني ريال عماني، ودعم أصحاب المهن كالصيادين والمزارعين من خلال منتجات مصرفية متوافقة مع أوضاعهم، كما أشار إلى مبادرات البنك في دعم مشاريع الاستدامة البيئية عبر توفير سيارات كهربائية لبلدية ظفار والمساهمة في الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وتناول الغافري أيضا التحول الرقمي الذي يشهده «صحار الإسلامي»، مؤكدا أن البنك بات من أكثر المؤسسات المصرفية تقدما في الخدمات التقنية، حيث أطلق تطبيقات مصرفية ذكية تتيح تحويلات مالية مرنة ومجانية تصل إلى 20 ألف ريال عماني في العملية الواحدة، بما يعزز من سرعة الخدمات وسهولة الوصول إليها، وفي ختام عرضه، أكد أن المبادرات التي يتبناها البنك، سواء في التعليم أو الصحة أو البيئة أو التمكين الاقتصادي، تمثل ترجمة عملية لأهداف "رؤية عُمان 2040"، وتسهم في ترسيخ قيم العطاء والاستدامة في العمل الوقفي والمالي على حد سواء.
أما الورقة الثانية، فقد قدمها محمد بن خليفة الصبحي، مدير المحافظ الاستثمارية في شركة «أوبار كابيتال»، بعنوان استثمار أموال الأوقاف في الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة صندوق غراس الوقفي الاستثماري نموذجا، استعرض الصبحي تجربة «صندوق غراس الوقفي الاستثماري» بوصفه أول صندوق وقفي استثماري ذي نهاية مفتوحة في سلطنة عمان، أسسته مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية بالتعاون مع شركة أوبار كابيتال، ويعد الصندوق نموذجا رائدا في تثمير الأصول الوقفية النقدية عبر وعاء استثماري يخضع لضوابط شرعية وتشريعية واضحة.
وأوضح الصبحي أن الصندوق صُمم ليكون أداة مستدامة تخدم الأجيال المتعاقبة، إذ لا يقتصر على فترة زمنية محددة، كما هو الحال في الصناديق المغلقة، بل يتمتع بالمرونة والاستمرارية في تنمية رأس المال الوقفي، وبيّن أن الصندوق يستثمر في أدوات مالية متوافقة مع الشريعة تشمل الأسهم والصكوك والعقارات المدرجة في البورصة، تحت إشراف الجهات الرقابية المختصة.
وأشار إلى أن الصندوق بدأ برأسمال يبلغ 1.4 مليون ريال عماني من ثمانية مساهمين فقط، وارتفع العدد إلى قرابة عشرين مساهما، وتضاعفت قيمة الصندوق لتصل إلى 3.6 مليون ريال عماني في أقل من عامين، محققا عائدا تراكميا بنسبة 17%، وهو ما يفوق المؤشر المعياري للسوق الذي سجل 8.3% في الفترة نفسها.
وأضاف أن الصندوق يستهدف الوصول إلى 50 مليون ريال عماني خلال السنوات الخمس المقبلة، بعائد سنوي يتراوح بين 7% و8%، ولفت إلى أن «غراس الوقفي» يتميز بحوكمة عالية، إذ يخضع لإشراف مجلس إدارة يضم شخصيات بارزة من القطاعين المالي والوقفي، إضافة إلى مستشار شرعي ومدققين مستقلين يضمنون توافق العمليات مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وأوضح الصبحي أن أبرز المساهمين في الصندوق هم مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية بنسبة 35%، وأوقاف المساجد السلطانية بنسبة 15%، ومؤسسة الشيخ مستهيل بن أحمد المعشني الوقفية بنسبة 14%، إلى جانب مؤسسات وقفية رائدة أخرى، كما بيّن أن الصندوق يستثمر في أربع فئات رئيسية من الأصول: الصكوك وأدوات الدين بنسبة تتراوح بين 70% و100%، والأسهم المتوافقة مع الشريعة بنسبة لا تتجاوز 30%، والصناديق العقارية المدرة للدخل بنسبة 20%، وأدوات الدخل الثابت قصيرة الأجل بنسبة 25%.
ويركز الصندوق في استثماراته على أسواق المنطقة، حيث تمثل المملكة العربية السعودية 43% من حجم الاستثمار، وسلطنة عمان 33%، والكويت 14%، إلى جانب الإمارات ودول أخرى، وأكد الصبحي أن تجربة «غراس الوقفي» تمثل تحولا نوعيا في إدارة الأصول الوقفية، إذ تتيح للمؤسسات والأفراد المشاركة في استثمارات تحقق أثرا اجتماعيا واقتصاديا مستداما، وتمنح العمل الوقفي بُعدا مؤسسيا حديثا يجمع بين الكفاءة المالية والمقاصد الشرعية.
الوقف لتعزيز التنمية
في الجلسة الثانية من الملتقى الوقفي الثالث، التي جاءت تحت عنوان «الإطار التكاملي بين الوقف والمسؤولية الاجتماعية لتعزيز التنمية»، تم التركيز على أهمية إعادة تشكيل منظومة الوقف لتكون أداة فاعلة في دعم الاقتصاد الوطني وتمويل القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة، مع التأكيد على الحوكمة والتكامل المؤسسي لضمان الفاعلية والاستدامة، وهي قضايا تمسّ جوهر التنمية المستدامة وتعكس الحاجة إلى توحيد الجهود بين المؤسسات الوقفية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، أدار الجلسة الدكتور حمير بن ناصر المحروقي المتحدث باسم جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، الذي أكد في مستهلها أن التكامل بين الوقف والمسؤولية الاجتماعية بات اليوم أحد أهم المرتكزات في بناء اقتصاد مستدام، وأن التجارب الوقفية المحلية تمثل نماذج واعدة يمكن أن تؤسس لشراكات استراتيجية تسهم في دعم جهود التنمية الوطنية.
شارك في الجلسة نخبة من المختصين والممارسين في العمل الوقفي والمجتمعي، حيث قدّم ناصر بن راشد العبري، رئيس فريق الرستاق الخيري، ورقة بعنوان «التجربة الوقفية للفريق وأثرها في المجتمع»، تناول فيها تجربة الفريق في تأسيس الأوقاف وتوظيفها لخدمة الفئات المحتاجة، موضحا أن الوقف لم يعد يقتصر على إنشاء الأصول الثابتة، بل أصبح مفهوما متجددا يدمج بين العمل التطوعي والتمكين الاقتصادي، وأشار العبري إلى أن فريق الرستاق الخيري سعى إلى تحويل مبادئ الوقف إلى مشاريع تنموية مستدامة، من خلال تمويل برامج تدريبية للأسر المنتجة، وتقديم منح تعليمية للطلبة، وتوسيع دائرة العطاء عبر مبادرات مجتمعية تمكّن الأفراد وتغرس فيهم ثقافة الاعتماد على الذات، وأضاف أن الوقف في جوهره شراكة إنسانية متصلة بالزمان والمكان، وأن نجاح أي تجربة وقفية يتوقف على الحوكمة الرشيدة، والتكامل مع القطاعات الأخرى، ووضوح الأهداف والرسالة.
أما المهندس إسماعيل بن سليمان الصوافي، مدير المسؤولية الاجتماعية والعلاقات العامة بالشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال، فقد قدم ورقة بعنوان «أثر مبادرات المسؤولية المجتمعية على المؤسسة والمجتمع»، عرض فيها تجربة الشركة في تبني مشروعات اجتماعية ذات طابع تنموي طويل الأمد، مبينا أن الشركة خصصت نسبة ثابتة من أرباحها السنوية لدعم المبادرات المجتمعية في مختلف ولايات السلطنة، وفق آلية حوكمة دقيقة تضمن الشفافية في الإنفاق وقياس الأثر، وأوضح الصوافي أن مشاريع المسؤولية الاجتماعية أصبحت تمثل أحد أعمدة الاستدامة في المؤسسات الوطنية، وأن العلاقة بين الوقف والمسؤولية الاجتماعية علاقة تكامل لا تنافس، فالوقف يضمن الديمومة، والمسؤولية الاجتماعية تحقق المرونة وسرعة الاستجابة لاحتياجات المجتمع، واستعرض عددا من المشاريع التي أسهمت فيها الشركة، من أبرزها برامج دعم التعليم والتدريب والتشغيل، ومبادرات البيئة والطاقة النظيفة، ومراكز المجتمع المتكاملة، مشيرا إلى أن هذه الجهود تتقاطع مع أهداف "رؤية عمان 2040" في تمكين الإنسان وبناء اقتصاد متنوع.
كما قدّم المهندس محمد بن سالم البوسعيدي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة بوشر الوقفية، ورقة علمية بعنوان «العلاقة التكاملية بين المؤسسة وفريق نداء الخير ولجنة الزكاة»، تناول فيها التجربة المؤسسية في بناء شراكات فاعلة بين الجهات الوقفية والأهلية، مؤكدا أن التكامل بين الوقف والزكاة والعمل الخيري ضرورة لتجنب الازدواجية وتحقيق العدالة في توزيع الموارد، وأوضح أن المؤسسة عملت على بناء قاعدة بيانات موحدة للمستفيدين بالتعاون مع لجنة الزكاة وفريق نداء الخير، مما ساهم في رفع كفاءة العمل الميداني وتوجيه الدعم للمستحقين بدقة، إلى جانب تطوير مشاريع إنتاجية صغيرة تمول من ريع الأوقاف وتدار من قبل المستفيدين أنفسهم، وأضاف البوسعيدي أن هذه التجارب الناجحة تؤكد إمكانية تحويل الأوقاف إلى أدوات اقتصادية فاعلة ترفد المجتمع وتحدّ من مظاهر الفقر والبطالة، مشددا على أهمية الإطار التشريعي الذي ينظم العلاقة بين الجهات الوقفية والمؤسسات الخيرية لضمان الاستدامة وحسن الإدارة.
وفي الورقة الرابعة، تناولت رحمة بنت ناصر العامرية، المديرة الإدارية بمؤسسة الشيخ سعيد بن ناصر الحشار الوقفية، موضوع «تكامل الأوقاف مع مبادرات المسؤولية الاجتماعية، الفرص والتحديات»، حيث قدمت قراءة تحليلية للتجارب المحلية والعالمية في مجال التكامل بين الوقف والعمل المجتمعي، مبيّنة أن التطورات الاقتصادية الراهنة تتطلب إعادة تعريف الدور الوقفي ليواكب التحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك، وأوضحت العامرية أن من أبرز الفرص المتاحة اليوم هو التحول نحو الاستثمار الوقفي المستدام، الذي يجمع بين البعد الاقتصادي والبعد الإنساني، ويتيح للجهات الوقفية بناء شراكات مع الشركات والمؤسسات التجارية ضمن إطار من الحوكمة والمسؤولية المشتركة، لكنها في المقابل أشارت إلى عدد من التحديات التي تواجه هذا التكامل، من بينها ضعف الوعي المجتمعي بمفهوم الوقف الحديث، وتشتت الجهود بين المؤسسات، وغياب آليات قياس الأثر الاجتماعي، داعية إلى إنشاء منصة وطنية تجمع بين الجهات الوقفية ومؤسسات القطاع الخاص لتنسيق الجهود وتعظيم الفائدة العامة.
ومن المداخلات التي شهدتها الجلسة، أكد عدد من المشاركين على ضرورة أن تتجه المؤسسات الوقفية إلى تبني استراتيجيات واضحة للمسؤولية الاجتماعية تستند إلى معايير الحوكمة والاستدامة، وأن يتم تعزيز الكفاءات المتخصصة في إدارة الأوقاف وتقييم الأثر المجتمعي للمشاريع، كما دعا المشاركون إلى إشراك الشباب في إدارة المبادرات الوقفية من خلال برامج تدريبية ومشاريع تطوعية تزرع فيهم روح العطاء والمسؤولية الوطنية، وأشار بعض المتحدثين إلى أهمية التحول الرقمي في إدارة الأوقاف لما يوفره من شفافية وسرعة في الإنجاز، ولما يمكّنه من الوصول إلى فئات أوسع من المجتمع عبر المنصات الإلكترونية.
اتسمت الجلسة بالحيوية وتنوع الطروحات، أبرزت رؤية متقدمة لمستقبل الوقف في سلطنة عمان بوصفه أداة تنموية مستدامة، وليست مجرد عمل خيري تقليدي، وقد خلصت النقاشات إلى أن التكامل بين الوقف والمسؤولية الاجتماعية يمثل ركيزة أساسية لتعزيز التنمية الوطنية، وأن بناء منظومة متكاملة من التشريعات والحوكمة والتعاون المؤسسي كفيل بتحقيق الأثر المطلوب.
واختُتمت الجلسة بالتأكيد على أن الوقف إذا ما أُحسن إدارته واستُثمر في مشروعات ذات مردود اجتماعي واقتصادي، فإنه يمكن أن يكون أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، وداعما رئيسا لتحقيق أهداف "رؤية عمان 2040" التي تضع الإنسان في قلب التنمية، وتؤمن بأن العطاء المستدام هو الطريق الأمثل لازدهار الأوطان.
الوقف ودعم الاقتصاد
في الجلسة الثالثة من الملتقى الوقفي الثالث، التي جاءت تحت عنوان "الوقف أداة استراتيجية لدعم الاقتصاد والتنمية"، احتفى المشاركون بمجموعة من التجارب الوطنية الثرية التي أبرزت الدور الحيوي للأوقاف في رفد الاقتصاد الوطني، وتحفيز العمل الخيري، وتمكين الشباب، وتوسيع قاعدة الشراكات التنموية، وأدار الجلسة الدكتور محمد بن علي الهنائي، المدير العام للمديرية العامة للمطبوعات والمصنفات الفنية بوزارة الإعلام، مؤكدا في كلمته الافتتاحية أن الوقف يمثل منظومة متكاملة تجمع بين الإيمان والاقتصاد والتنمية، فهو ليس مجرد صدقة جارية، بل استثمار متجدد في الحياة والإنسان، يسهم في بناء وطن متكافل واقتصاد مستدام.
استهل الدكتور الهنائي الجلسة بكلمة مؤثرة تناول فيها البعد الحضاري والاقتصادي للوقف في سلطنة عُمان، مشيرا إلى أن التجارب الوقفية عبر التاريخ أثبتت أن الإدارة الرشيدة للأوقاف يمكن أن تتحول إلى رافد قوي للقطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وأشاد بدور مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية في ترسيخ ثقافة الوقف المعاصر وتوسيع مجالاته لتشمل الابتكار والإنتاج والتمكين، معتبرا أنها نموذج وطني يجمع بين الأصالة والتجديد.
ثم بدأت أعمال الجلسة بورقة المهندس محمود بن خلفان الحديدي، الرئيس التنفيذي للمؤسسة الوقفية لدعم التعليم سراج، بعنوان "رحلة مؤسسة سراج الوقفية نحو التميز"، عرض من خلالها تجربة المؤسسة في تأسيس نموذج وقفي تعليمي يعتمد على الشفافية والاستدامة والتحول الرقمي، وأوضح أن الوقف التعليمي يشكل ضمانة استراتيجية لاستمرارية تمويل التعليم بعيدا عن تقلبات الموازنات الحكومية وأسعار النفط، مستشهدا بتجارب عالمية رائدة مثل جامعات هارفارد وأوكسفورد التي تعتمد على أوقاف بمليارات الدولارات.
وبيّن أن مؤسسة سراج أعيد تدشينها عام 2023 برئاسة معالي الدكتورة رحمة بنت إبراهيم المحروقية، وتضم مجلس إدارة يجمع خبرات متنوعة من القطاعين العام والخاص في مجالات الاستثمار والمسؤولية الاجتماعية والموارد البشرية، وأكد أن المؤسسة تسعى إلى بناء منظومة وقفية تعليمية رقمية متكاملة، ترتكز على الشفافية والمصداقية من خلال تقارير سنوية منشورة للعموم، وتضمّن منصات رقمية تمكّن المتبرعين من متابعة مبادرات الدعم مباشرة.
واستعرض الحديدي تجربة مبادرة "دعم الطالب الجامعي" التي استهدفت الطلبة المعسرين، موضحا أن المنصة الرقمية للمؤسسة سهّلت عملية التقديم والمتابعة بالتعاون مع لجان التنمية الاجتماعية ومؤسسات التعليم العالي، ونجحت في دعم أكثر من مائة طالب بتكلفة تجاوزت 124 ألف ريال عماني، كما أشار إلى إطلاق منح دراسية متخصصة في المجالات التقنية بقيمة تجاوزت 160 ألف ريال، وإنشاء مختبرات بحثية في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصور، وختم حديثه بالتأكيد على أهمية الحوكمة الشرعية والإدارية في العمل الوقفي، وضرورة التحول نحو الاستثمار الوقفي التنموي لضمان الاستدامة وجودة الأثر.
عقب ذلك، قدّم مسعود بن عبدالله العبدلي، رئيس مجلس الأمناء بفريق منَح الخيري ورئيس لجنة الزكاة بالولاية، ورقته بعنوان "حوكمة العمل التطوعي في الفرق الخيرية ولجان الزكاة فريق منَح أنموذجا"، استعرض فيها تجربة فريق منَح الخيري التي انطلقت قبل أكثر من عقدين من مبادرة إنسانية بسيطة تحوّلت إلى عمل مؤسسي منظم، وأشار إلى أن الفريق بدأ باسم جمعية أم الفقير للأعمال الخيرية قبل أن يتطور ليحمل اسم فريق منَح الخيري تحت إشراف لجنة التنمية الاجتماعية، ثم شراكته مع لجنة الزكاة عام 2020 لتشكيل منظومة متكاملة في العمل الخيري المؤسسي.
وأكد العبدلي أن الحوكمة أصبحت ضرورة لضمان الشفافية وتكامل الأدوار بين اللجان والفرق الخيرية، موضحا أن النظام الأساسي للفريق ينظم العلاقات بين الجمعية العمومية ومجلس الأمناء والإدارة التنفيذية، ويضع مؤشرات أداء واضحة لكل قطاع ومشروع، كما تطرق إلى إنجازات الفريق في تنفيذ أكثر من عشرين مشروعا خيريا وتنمويا، أبرزها الأوقاف المخصصة لدعم مستحقي الزكاة والصدقات، وإنشاء مشاريع استثمارية تحقق عوائد مالية سنوية مستدامة، منها وقف عام لجميع أوجه البر بعائد سنوي يقارب 30 ألف ريال.
وأشار إلى أن الانتقال الرقمي كان أحد مفاصل التحديث في التجربة، إذ أتاح النظام الإلكتروني للفريق تصنيف الأسر المستفيدة إلى خمس فئات وفق معايير دقيقة، بما يضمن العدالة في توزيع المساعدات، ودعا في ختام ورقته إلى تمكين الكوادر التطوعية وتأهيلها، وإلى تخصيص وظائف مدفوعة في المؤسسات الخيرية لضمان استمرارية العمل وكفاءته.
أما الورقة الثالثة فكانت للمهندس عبدالمنعم بن محمد المرشدي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة تكافل الوقفية والرئيس التنفيذي لشركة الكروم العُمانية، بعنوان "الوقف وأثره في دعم العمل الخيري"، تناول فيها تجربة مؤسسة تكافل التي نشأت كذراع استثماري لفريق تكافل الخيري، مؤكدا أن الوقف يمثل اليوم ما يمكن تسميته ب"القطاع الثالث" في منظومة الاقتصاد الوطني إلى جانب القطاعين العام والخاص.
وأوضح المرشدي أن المؤسسة تأسست قبل أكثر من أربعة عشر عاما، وأنها نجحت في بناء نموذج يجمع بين العمل الخيري والاستثمار الاجتماعي، بحيث يتحول العطاء إلى منظومة اقتصادية قائمة على الإنتاج والاستدامة لا على التبرع المؤقت، وأشار إلى أن هذا التحول في الفكر الوقفي جاء نتيجة تطور وعي المجتمع بأهمية الشراكة بين المؤسسات الخيرية والشركات في إطار المسؤولية الاجتماعية، مما أوجد فرصا جديدة لتوظيف الأوقاف في تمويل المشاريع المجتمعية ودعم المبادرات التنموية في التعليم والصحة والتمكين الاقتصادي.
وأكد المرشدي أن التحدي الأبرز يكمن في بناء أوقاف منتجة تُدار بمعايير الحوكمة والاستثمار الرشيد، مشيدا بدور وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في تهيئة البيئة القانونية والمؤسسية لنجاح العمل الوقفي، وداعيا إلى تطوير أدوات التمويل الوقفي، وتبني مشروعات نوعية تعزز الاستقلال المالي للمؤسسات الخيرية.
كما قدّمت الدكتورة صابرة بنت سيف الحراصية، رئيسة قسم العلاقات الخارجية بدائرة التعاون الدولي في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ورقة بعنوان "دور المؤسسات الوقفية والخيرية كحاضنة للتوظيف والتمكين المهني للباحثين عن عمل"، عرضت فيها رؤية تحليلية لكيفية توظيف موارد الوقف في دعم برامج التمكين الاقتصادي، وتمويل التدريب المهني والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، مشيرة إلى أن الوقف يمكن أن يكون منصة متكاملة لإعداد وتأهيل الكفاءات الوطنية بما ينسجم مع أهداف "رؤية عمان 2040"، وأكدت الحراصية أن التكامل بين المؤسسات الوقفية والقطاعين الحكومي والخاص سيعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب الباحثين عن عمل واحتضان المبادرات الشبابية.
واختتمت الجلسة بورقة المهندس منير بن حسين اللواتي، المدير العام لأوقاف اللواتية، التي جاءت بعنوان "الأوقاف الشيعية الجعفرية في سلطنة عمان"، تناول فيها التاريخ العريق للأوقاف الجعفرية ودورها الاجتماعي والتنموي، مبينا أنها تشكل جزءا أصيلا من النسيج الوقفي في سلطنة عمان، وتعمل وفق نظم مؤسسية دقيقة تضمن الشفافية والتكافل، وتسهم في رعاية المساجد والمدارس الدينية ودعم البرامج الاجتماعية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المسؤولیة الاجتماعیة المؤسسات الوقفیة الاقتصاد الوطنی لتعزیز التنمیة التحول الرقمی صحار الإسلامی فی سلطنة عمان بین المؤسسات العمل الخیری دعم الاقتصاد وأشار إلى أن مشیرا إلى أن بناء اقتصاد غراس الوقفی لجنة الزکاة فیها تجربة تناول فیها ریال عمانی أن الصندوق فی سلطنة ع فی الجلسة على أهمیة فریق من ح الوقف فی موضحا أن إلى جانب ألف ریال فی إدارة یجمع بین أن الوقف أکثر من من خلال فی بناء یمکن أن رؤیة ع فی دعم
إقرأ أيضاً:
عطيفي يتفقد سير العمل في فرع مؤسسة الاتصالات بالحديدة
الثورة نت /..
تفقد محافظ الحديدة عبدالله عطيفي اليوم، سير العمل في فرع المؤسسة العامة للاتصالات، ومستوى الأداء والخدمات المقدمة للمواطنين، في إطار متابعة سير العمل في المكاتب التنفيذية والجهات الخدمية بالمحافظة.
واستمع المحافظ عطيفي من مدير فرع المؤسسة علي مكي، إلى شرح حول سير الأعمال الفنية والإدارية، وخطط التحديث الجارية في البنية التحتية للشبكات، والمشاريع الجاري تنفيذها، إضافة إلى أبرز التحديات التي تواجهها المؤسسة في ظل التوسع المتزايد في خدمات الاتصالات والإنترنت.
وطاف المحافظ في مختلف الأقسام الفنية والتقنية في الفرع، واطلع على طبيعة الأعمال المنفذة وآليات المتابعة اليومية لضمان استمرارية الخدمة، وشملت الزيارة غرف التحكم والصيانة لمتابعة مستوى الجاهزية الفنية لفرق الطوارئ واستمرارية تشغيل أنظمة الاتصالات.
وأشاد بجهود قيادة فرع المؤسسة وطاقمها الفني والإداري في تطوير الأداء وتحسين الخدمات، مؤكداً أن قطاع الاتصالات يمثل شرياناً حيوياً لعملية التنمية وتسهيل المعاملات اليومية للمواطنين في مختلف المجالات.
وأكد عطيفي، حرص السلطة المحلية على التعاون مع المؤسسة العامة للاتصالات وتذليل الصعوبات التي تواجهها، بما يسهم في تحسين مستوى الخدمة وضمان وصولها لجميع المواطنين في مختلف مناطق المحافظة، مشدداً على ضرورة مواكبة التطوير التقني والارتقاء بكفاءة العمل.
من جانبه، اعتبر مدير فرع المؤسسة العامة للاتصالات، هذه الزيارة حافزاً للكوادر الفنية والإدارية لبذل مزيد من الجهود في تطوير الخدمات وتوسيع شبكة الاتصالات، بما يلبي احتياجات المواطنين ومتطلبات التنمية في المحافظة.