الأثر الإنساني للقصف الإسرائيلي على غزة ليس له سابقة في التاريخ
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -
في الواحد والعشرين من شهر فبراير الماضي، قمت بزيارة مدينة رفح الواقعة في جنوب قطاع غزة. يعيش في هذه المدينة الفلسطينية، الواقعة على الحدود مع مصر، ما يقرب من 1.5 مليون شخص فرّوا من القصف الإسرائيلي ولجؤوا إليها فوجدوا أنفسهم الآن محاصرين. إن كمّ القنابل التي يتم إسقاطها يوميًّا على المنطقة، بالإضافة إلى تعذّر وصول المساعدات الإنسانية إليها، يُلقيان بالسكان المدنيين في حالةٍ من العوز الشديد.
لقد تضاعف عدد سكان مدينة رفح ست مرات منذ بداية العدوان الإسرائيلي، ونُصبت الخيام في زاوية كل شارع، واكتظّت مراكز الإيواء الجماعي بالنّازحين من المناطق الأخرى. ليس ثمّة في المدينة مترٌ مربع ولا رصيف ولا شُرفة ولا ساحة مدرسةٍ إلا وملئوا بعائلات مهجّرة تُقيم حيثما وجدت مساحةً. إذا نظرت في أعين الناس، فإن كل نظرة تكشف لك عن حجم المعاناة التي يكابدونها. الجميع هناك مرهقون ويائسون ومصدومون من هول الفاجعة. إنهم يفتقدون كل شيء، الغذاء والماء والمأوى، في حين أن شاحنات المساعدات الإنسانية تقف على الحدود غير بعيدٍ. إن التوتّر واضح جليّ في هذه المدينة حيث يسود جوّ من الفوضى.
ما من مكان آمن في المدينة، والمساعدات الإنسانية تصل إليها بكميات ضئيلة. وعمليات الإنزال الجوي أو الممر البحري لا تكفي بالغرض. إن العوائق التي تستمر في الحيلولة دون إيصال المساعدات الإنسانية العالقة على مقربة من المدينة، في الجانب الآخر من الحدود، لا يمكن قبولها ولا بدّ من إزالتها.
على الرغم من أنني قد شاركت في أعمال الطوارئ لفترة طويلة، إلا أنني أشعر بالصدمة من هول ما رأيته هناك. يعدّ قطاع غزة واحدا من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم، وتُمطر سماؤه القنابل بشكل متواصل منذ خمسة أشهر. حينما تُستخدم الأسلحة المتفجّرة في مناطق مأهولة بالسكان، فإن 90% من الضحايا يكونون من المدنيين. يتعرّض بعضهم للقتل وتُشوّه أجساد بعضهم ويعاني آخرون صدماتٍ نفسية.
لقد دُمّرت بنيات تحتية أساسية مثل المستشفيات أو المدارس، ما سيكون له أثر دائم حيث أن هذه الخدمات لم تعد متوفرة وستظل كذلك لفترة طويلة. وحتى بعد انتهاء أعمال القتال، فإن القصف الذي تعرّض له القطاع سيترك وراءه مناطق ملوّثة بمخلّفات المتفجّرات، ما يمثل تهديدًا خطيرا على المدى الطويل. وسيكون من اللازم تنظيم عمليات طويلة ومعقّدة لإزالة هذه المخلّفات من أجل جعل عملية إعادة الإعمار ممكنة.
ولا تزال عواقب استخدام الأجهزة المتفجرة بادية للعيان في العديد من البلدان عبر العالم. فعلى سبيل المثال لا تزال البوسنة، بعد مرور ما يقرب من ثلاثين عاما على انتهاء الحرب فيها، ملوّثةً بالألغام ومخلّفات المتفجّرات الحربية. ولا تزال عمليات إزالة الألغام جارية في كلٍّ من كمبوديا ولاوس بعد مرور خمسين عاما على انتهاء حرب فيتنام.
ويتوافق ما نشهده في غزة مع النّمط المألوف المتعلق بالدّمار النّاجم عن عمليات القصف في المناطق الحضرية، وهو النمط الذي قامت المنظمة الدولية للإعاقة (Handicap International) بتوثيقه منذ سنوات عدّة: نزوح أعداد كبيرة من السكان، وتدمير البنيات الأساسية المدنية والمساكن، وتحييد الأراضي الزراعية، وتضييق سبل العيش، وبالتأكيد القتلى والجرحى.
لكن لا مجال للمقارنة في هذه الحالة، فالأثر الإنساني للحرب في غزة خلال الأشهر الخمسة الماضية لم يسبق له مثيل؛ لأن القصف المكثّف يتواصل دون توقّف على قطاعٍ يبلغ طوله 41 كيلومترًا، ويقطنه ما يقرب من مليوني نسمة.
وإذا كان هذا النّمط من الأضرار مع الأسف قابلا للتنبّؤ، فقد وصلنا إلى مستوى جديد من التطرّف في غزة. فبعد مرور خمسة أشهر على الهجوم الذي شنّته حماس في السابع من أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1160 إسرائيليا واحتجاز حوالي 250 رهينة، بلغت حصيلة القتلى في قطاع غزة أكثر من ثلاثين ألف قتيل وسبعين ألف جريح.
إن نصف المباني الواقعة في محافظات غزة قد دُمّرت بالكامل أو تضرّرت بسبب القصف، فقد أمطر الجيش الإسرائيلي القطاع بحوالي 45 ألف قنبلة إلى غاية منتصف شهر يناير. لقد أصبحت المنطقة بأكملها خطيرة للغاية بسبب القصف والهجمات المستمرة والتلوث بمخلّفات المتفجرات. تعرّضت المدن للدّمار واضطرّ 1.7 مليون شخص للنزوح.
التزمت المنظمة الدولية للإعاقة منذ مدّة طويلة بحماية المدنيين من الأسلحة المتفجرة، سواء تعلّق الأمر بالألغام أو الذخائر الصغيرة أو القصف في المناطق الحضرية. وتدعو المنظمة إلى وقف أعمال القصف على قطاع غزة، فالأثر العشوائي للأسلحة المتفجرة لا يميز بين المدنيين والمسلحين عند استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان. ولقد اعترفت ثلاث وثمانون دولة بالآثار المدمّرة لهذه الأسلحة، ووافقت في نوفمبر من العام 2022 على اتفاقية دولية ضد القصف على المناطق المأهولة بالسكان.
تندرج هذه الاتفاقية في إطار القانون الإنساني الدولي. وينسجم معها دعم المنظمة الدولية للإعاقة للدعوة إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن والأشخاص المحتجزين بشكل غير قانوني. إن وقف إطلاق النار وحده هو الذي يمكنه الاستجابة لضخامة الاحتياجات وطابعها الملحّ، مع إمكانية الوصول السريع ودون عوائق إلى جميع أنحاء قطاع غزة.
جون بيير دولومييه المدير المساعد المكلّف بالعمليات بالمنظمة الدولية للإعاقة (Handicap International)
عن لوموند الفرنسية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يتجه لتجميد مخططي المدينة الإنسانية وزيادة مراكز التوزيع
يتجه الاحتلال الإسرائيلي إلى إلى تجميد خطط المدينة الإنسانية التي كان من المقرر تشييدها في جنوب قطاع غزة بهدف محاصرة أكثر من 600 ألف فلسطيني فيها تمهيدا إلى تهجيرهم، وذلك يشمل وقف خطط مضاعفة مراكز توزيع المساعدات، وهو ما وصف بأنه نتيجة "قرارات اتُخذت في اللحظة الأخيرة".
وذكر موقع "واينت" (الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرنوت) الإسرائيلي أن الضغوط الدولية على الاحتلال الإسرائيلي دفعت إلى "اتخاذ خطوة أحادية متعلقة بتقديم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة"، بعدما كان من المفترض أن تكون بندًا محوريًا في اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار الذي يجري التفاوض عليه.
وقال الموقع: "ضغوط سياسية، ارتجالات، وقرارات مصيرية بشأن مستقبل القطاع. المبادرات الإسرائيلية المذعورة التي اتُخذت خلف ظهر مجلس الوزراء نهاية الأسبوع الماضي لزيادة المساعدات لغزة، ارتجلت سرًا في الأيام الأخيرة. هدفها الرئيسي هو وقف الانجراف العالمي ضد إسرائيل بسبب حملة حماس الناجحة للتجويع. مع ذلك، يُظهر تحقيقٌ أجريناه أن هذه ليست سوى حلول مؤقتة، بينما تم تعليق مبادرات جديدة أخرى، مثل المدينة الإنسانية في رفح، وتوقف الترويج لها".
وأضاف "يُظهر سلوك القيادة السياسية تجاه غزة منذ آذار/ مارس مدى افتقار إسرائيل لأهداف استراتيجية واضحة وقرارات بعيدة المدى بشأن مستقبل القطاع. تمامًا كما حدث في أول نقاش عقيم حول هذا الموضوع في مجلس الوزراء في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، والذي تناول خططًا لإخلاء قطاع غزة من حماس، والذي أُجِّل إلى أجل غير مسمى دون اتخاذ أي قرارات".
وأوضح أنه "الآن، وكما هو مكتوب، يتبين أن مبادرة محلية ظهرت الشهر الماضي - الفكرة المثيرة للجدل المتمثلة في إنشاء مدينة إنسانية لمئات الآلاف من الفلسطينيين على أنقاض رفح كخطوة أولى نحو رحيلهم الطوعي، تُدفن هي الأخرى".
وذكر أنه "بعد أن أمر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجيش الإسرائيلي قبل نحو أسبوعين بوضع خطة بديلة للمشروع، وغضبًا من فشل الجيش في التخطيط لبناء مدينة غزة خلال أسابيع قليلة، لم يُطرح هذا البديل على الإطلاق، وكادت القيادة السياسية أن تنسى أمره. وصرح مصدر أمني رفيع المستوى لصحيفة يديعوت أحرونوت وموقع واينت: لا يوجد قرار بالمضي قدمًا في هذا، ولا توجد خطة بديلة".
وكشف أن "القيادة السياسية كانت على يقين من أنها ستتوصل إلى اتفاق رهائن يتضمن انسحابات من نقاط الفصل في جنوب قطاع غزة، ولذلك يبدو أنها تراجعت عن هذه الخطوة.. وفي الأسابيع الأخيرة، اندهش الجيش لاكتشافه كيف تُفضّل حكومات الغرب، بما في ذلك دول صديقة لإسرائيل، تصديق وزارة الصحة التابعة لحماس على الجانب الإسرائيلي".
ونقل الموقع عن مصدر إسرائيلي: "لم يعد يهمّ ما هي الحقيقة، بل ما تقوله وكيف ينظر إليه العالم. لقد لحق بنا ضررٌ جسيم. المشكلة أن معظم قراراتنا تُتخذ في اللحظة الأخيرة وعلى عجل، بدلاً من المبادرة والتخطيط لمثل هذه التحركات مُسبقًا، وإقناع من يحتاجون إليها في العالم، ومنع وقوع أزمة كهذه ضد إسرائيل مُسبقًا".
وصرح جيش الاحتلال أنه "كان من الممكن تجنب الأوضاع الصعبة في غزة ومزاعم حماس الكاذبة. لو لم توقف إسرائيل دخول المساعدات في شهر آذار/ مارس تقريبًا لأسباب سياسية، كتهديدات الوزراء بحل الائتلاف، لنجحت القيادة السياسية في إقناع العالم والأمم المتحدة بتوزيع الغذاء في الشاحنات العالقة عند معبري زيكيم وكرم أبو سالم".
وأوضح الموقع أنه كشف في أوائل نيسان/ أبريل، عن "مناشدات القيادة السياسية العليا في الجيش لاستئناف المساعدات في أسرع وقت ممكن، لتجنب الأزمات الدولية التي قد تضر بالمجهود الحربي مستقبلًا.. وسخرت الحكومة، حتى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وعد يوم نشر هذا التقرير: لن تدخل حبة قمح واحدة إلى غزة بطريقة تصل إلى حماس".
وذكر أنه "لم تمضِ أسابيع قليلة حتى اضطر سموتريتش إلى التراجع والعودة إلى تعزيز قوة حماس: بدأت عشرات الشاحنات بالدخول إلى شمال قطاع غزة عبر معبر زيكيم بتأخير كبير، وتعرضت للنهب على الفور في بلدة العطارة، وتحولت مراكز توزيع الغذاء الأربعة التي أُنشئت قبل نحو شهرين في وسط وجنوب قطاع غزة، والتي كان سموتريتش فخورًا بها للغاية واعتبرها خطوة تاريخية لا تُنسى، إلى مهزلة قاتلة من جميع النواحي".
وأكد الموقع أن "المؤسسة الأمنية لا تزال تؤمن بهذه المراكز، وتُقدّر أن حماس في منطقة عملها حول خانيونس تعاني من ضعف اقتصادي لعدم قدرتها على السيطرة على شاحنات الغذاء. لذلك، من المتوقع أيضًا أن تُجري إسرائيل المزيد من التحسينات على هذه المراكز، لكن تحقيقًا أجريناه يُظهر أن خطة مضاعفتها وفتح أربعة مراكز توزيع مماثلة في شمال قطاع غزة قد جُمدت ومُهددة بالإلغاء، والسبب: صفقة رهائن مع حماس، التي تُعارض مراكز التوزيع، ستُسقط هذه المبادرة، النتيجة: في شمال قطاع غزة سيستمر نحو مليون غزي في تناول المساعدات التي يتم توزيعها كالعادة عبر شاحنات النقل".