الديمقراطيون أفضل في تولي شؤون الاقتصاد الأمريكي
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
في ظل حكم الرئيس جو بايدن، كان أداء الاقتصاد الأمريكي أفضل بكثير مما توقعه معظم المراقبين. ومع ذلك، يبدو أن الناخبين لا يدركون هذا الأمر- وهي معضلة واضحة نوقشت كثيراً في الآونة الأخيرة.
والواقع أن هذا الانفصال بين التصور الشعبي والأداء الاقتصادي ليس بالأمر الجديد. فمنذ الحرب العالمية الثانية، دائما ما كان أداء الاقتصاد الأمريكي يتحسن في ظل الإدارات الديمقراطية، ومع ذلك فإن نسبة كبيرة من الأمريكيين- بل ربما حتى الأغلبية منهم- تعتقد أن الجمهوريين هم الأفضل من ناحية الإشراف الاقتصادي.
وللوهلة الأولى، قد يبدو الرأي القائل بأن أداء الاقتصاد دائما ما يكون أفضل في ظل حزب واحد وكأنه نوع من الادعاء الحزبي الذي يبعد كل البعد من أن يكون منطقيا، والذي لا يستحق أن يدقق فيه المرء. بيد أي شخص فعل ذلك- لقد جرى تجميع البيانات الإحصائية ذات الصلة من قبل، وشاركت في ذلك- سوف يَخلُص إلى أن ما قيل هو عين الصواب.
في الفترات الرئاسية التسع عشرة التي مضت منذ الحرب العالمية الثانيةـ من عهد هاري ترومان إلى عهد بايدن- بلغ متوسط توفير الوظائف 1.7 في المائة سنويا في ظل الإدارات الديمقراطية، مقارنة بنحو 1 في المائة في ظل الحزب الجمهوري. وكان الفارق في نمو الناتج المحلي الإجمالي أكبر: 4.23 في المائة في ظل رئاسة الديمقراطيين، مقابل 2.36 في المائة فقط في عهد الجمهوريين.
وخلال أزمة الكساد الأعظم التي حدثت خلال ثلاثينيات القرن العشرين، في ظل إداراتي الجمهوري هربرت هوفر والديمقراطي فرانكلين روزفلت، فإن الفارق بينهما في معدلات النمو كان أكبر. فهل يستطيع الرؤساء الديمقراطيون الاستفادة من إرث إدارة الجمهوريين الجيدة للاقتصاد؟ من غير المحتمل أن يحدث ذلك. وعندما يتعلق الأمر بمتوسط معدلات النمو، فإن النتائج متشابهة سواء أعزى المرء الأداء الاقتصادي خلال ربع الأول من ولاية الرئيس إليه أو إلى سلفه. وحتى أولئك الذين يعتقدون أن الديمقراطيين ينتهجون سياسات اقتصادية أفضل من الجمهوريين، عموما، يجدون صعوبة في تفسير مثل هذا الفارق الكبير في الأداء. ففي نهاية المطاف، تؤثر العديد من العوامل القوية التي لا يمكن التنبؤ بها على الأداء الاقتصادي، وغالباً ما يكون تأثيرها أكبر بكثير من تأثير أي أدوات سياسية أخرى تخضع لسيطرة الرئيس.
وفضلا على ذلك، يستغرق الأمر أكثر من أربع أو حتى ثماني سنوات قبل أن تتحقق آثار العديد من السياسات، سواء كانت إيجابية أو سلبية. فعلى سبيل المثال، يستحق جيمي كارتر أن يُنسب له الكثير من الفضل في تعيين بول فولكر رئيساً للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في عام 1979، حيث فوضت له مهمة التصدي للتضخم. وساعد تراجع التضخم الذي أعقب ذلك في تمهيد الطريق للاعتدال العظيم على مدى عشرين سنة مضت بعد تعيينه. ولكن التأثير المباشر لنضال فولكر في مواجهة التضخم هو الركود. ويرى معظم الاقتصاديين أن الفوائد النهائية تبرر التكاليف الأولية. ولكن الانكماش أدى إلى هزيمة كارتر في الانتخابات الرئاسية عام 1980.
وفي كل الأحوال، كان هذا هو الركود الوحيد الذي شهدته الأعوام المائة الماضية، والذي بدأ مع وجود عضو ديمقراطي واحد في البيت الأبيض. وكان الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود خلال ربع فقط من أصل 16 ربعا من متوسط الفترة الرئاسية الديمقراطية، مقارنة بخمسة أرباع في عهد الجمهوريين. وقد ينساق المرء إلى القول: إن هذه مسألة ارتباط وليست سببية: صحيح أن الأداء الاقتصادي الجيد استمر لفترات أطول في عهد الديمقراطيين مقارنة مع الجمهوريين، ولكن ذلك كان ضربة حظ. إن المنهجية الإحصائية المقبولة عالمياً تقول خلاف ذلك. إن جميع حالات الركود الخمس الأخيرة حدثت في ظل رئيس جمهوري معين: رونالد ريجان، وجورج بوش الأب، وجورج دبليو بوش (مرتين)، ودونالد ترامب. (إذا راودتك الشكوك بخصوص هذا الأمر، فيمكنك التحقق من التسلسل الزمني بنفسك). وإذا كانت الاحتمالية الحقيقية لبداية الركود هي نفسها، سواء تولى رئاسة البيت الأبيض الديمقراطيون أو الجمهوريون، فإن احتمالات الحصول على هذه النتيجة عن طريق الصدفة سوف تكون ضئيلة جدًا: واحد من 32- (2/1)(2/1)(2/1)(2/1)(2/1)- أو 3.125 في المائة. وكأنك تحصل على «الرؤوس» عند رمي العملة خمس مرات متتالية. ويُقال أن هناك يقين بنسبة 95 في المائة بأن مثل هذه النتيجة لا يُحصل عليها بمحض الصدفة. وماذا لو رجعنا أكثر إلى الوراء؟ لقد شهدت الولايات المتحدة 17 حالة ركود في القرن الماضي. بدأت 16 منها عندما كان عضو جمهوري واحد في البيت الأبيض.
إن احتمالات ظهور هذه النتيجة عن طريق الصدفة هي واحد فقط من 10,000 (17/217 = 0.00013) ثم هناك تأثير التحولات الحزبية على النمو- الذي تناوله الخبيران الاقتصاديان، آلان بليندر، ومارك واتسون، من جامعة برينستون في عام 2015. فمنذ الحرب العالمية الثانية، تغير الحزب المسيطر على السلطة التنفيذية عشر مرات. وخلال جميع المرات الخمس التي خلف فيها جمهوري مرشحا ديمقراطيا، انخفض معدل النمو من فترة ولاية إلى أخرى. وعلى العكس من ذلك، ارتفع معدل النمو في كل المرات الخمس التي خلف فيها ديمقراطي جمهوريا. وهذا محتمل تمامًا مثل الحصول على «الرؤوس» في عشر رميات متتالية للعملة المعدنية: واحدة من أصل 1024. لذا، فإن الفرق له دلالة إحصائية بنسبة 99.9 في المائة من اليقين. إذن، فنحن نعلم أن أداء الاقتصاد كان أسوأ في عهد الرؤساء الجمهوريين، وأن هذا لم يكن بمحض صدفة. وما لا نعرفه حتى الآن هو الأسباب الحقيقية وراء كون الرؤساء الديمقراطيين أفضل في هذا الصدد. إن هذا الأمر لا يزال لغزا كبيرا.
جيفري فرانكل أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد، وهو باحث مشارك في المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصاد الأمریکی الأداء الاقتصادی أداء الاقتصاد فی المائة فی عهد
إقرأ أيضاً:
موازنة مصرية لتسيير الأعمال وليست للتنمية
في الدول المتقدمة يترقب المواطنون صدور الموازنة الحكومية، توقعا لقيامها بزيادة معدلات الأجور والإنفاق على الخدمات العامة وتقديم الدعم للشرائح الفقيرة، بينما في مصر يتخوف المواطن من الموازنة الجديدة في ضوء خبرته التاريخية معها من حيث زيادة الأعباء، مع فرض المزيد من الضرائب والرسوم، وابتلاع تكلفة الدين الحكومي غالبية المصروفات، مما يدفع وزارة المالية لتقليص مخصصات استثمارات الخدمات العامة بشكل مستمر.
وها هي موازنة الحكومة المصرية للعام المالي الجديد (2025/2026) التي بدأ العمل بها مطلع الشهر الحالي وتستمر حتى نهاية حزيران/ يونيو المقبل، حيث بلغت مخصصات فوائد الدين الحكومي فيها 2.298 تريليون جنيه، ومخصصات أقساط الدين الحكومي خلال العام 2.085 تريليون جنيه، لتبلغ تكلفة الدين الحكومي من فوائد وأقساط 4.383 تريليون جنيه. والمثير هنا أن مخصصات تكلفة الدين تلك من الفوائد والأقساط تمثل نسبة 64.8 في المائة من إجمالي الإنفاق في الموازنة البالغ 6.761 تريليون جنيه.
وفي ضوء احتواء الإنفاق في الموازنة الحكومية على ثمانية أبواب، فإن بابي الفوائد والأقساط معا لم يتركا للأبواب الستة الباقية سوى نسبة 35.2 في المائة من الإنفاق، والتي تضمن توزيعها النسبي: توجه نسبة 11 في المائة للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و10 في المائة لأجور نحو 4.5 موظف يعملون في الحكومة، و6.4 في المائة للاستثمارات الحكومية المتجهة للمدارس والمستشفيات والبنية التحتية، و3.2 في المائة لشراء السلع والخدمات اللازمة لإدارة دولاب العمل في الجهات الحكومية من وزارات ودواوين محافظات وهيئات خدمية، و3 في المائة للمصروفات الأخرى المتجه معظمها للجيش والمجالس النيابية التي سيتم إجراء انتخابات جديدة لها (الشيوخ والبرلمان) في العام المالي، و1.5 في المائة لمساهمات الحكومة في الهيئات الاقتصادية المتعثرة لمساندتها ماليا.
ثلثا الموازنة لا يستفيد منها المواطن
وهذا يعني أن ثلثا الإنفاق في الموازنة يتجه لمجالات لا علاقة لها بتحسين المستوى المعيشى للمواطنين، وإنما يتجه لسداد ديون الحكومة من خلال حصول الجهات المُقرضة للحكومة في الداخل والخارج على فوائد وأقساط ديونها، الأمر الذي يغل يد صانع القرار المالي عن إمكانية رفع مستوى الخدمات الحكومية، التي يشكو منها الجميع خاصة في مجالي التعليم والصحة، وحالة الطرق المتردية التي لا تكاد تنقطع سلسلة الحوادث الدامية عليها.
وها هي الحكومة تعجز عن الوفاء بالمخصصات الدستورية للتعليم والصحة منذ صدور دستور عام 2014، حيث بلغت مخصصات الصحة في الموازنة الجديدة 246.2 مليار جنيه، لتبلغ نسبتها 1.2 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي المتوقع بلوغه 20.4 تريليون جنيه، بينما حدد الدستور نسبة 3 في المائة كحد أدنى لها، ونفس الأمر لمخصصات التعليم البالغة 315 مليار جنيه والتي بلغ نصيبها 1.5 في المائة من الناتج المحلي، مقابل نسبة 6 في المائة حددها الدستور كحد أدنى؛ كان من المفترض ارتفاعها بمرور السنوات حتى تواكب النسب الدولية.
كما يصعب على وزارة المالية المسؤولة عن وضع الموازنة، رفع أجور العاملين في الحكومة بشكل يتناسب مع الغلاء الفاحش الذي يعاني منه المصريون، أو علاج النقص الحاد في أعداد المدرسين ونقص الأطباء بسبب السفر للعمل في الخارج، من خلال تعيين الأعداد الكافية من المعلمين والأطباء.
كما يدفع ذلك الحكومة للاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، بخفض الدعم عن السلع التموينية والمشتقات البترولية والكهرباء وغيرها، ويُحجّم الزيادات الدورية في المساعدات والمعاشات للأسر الفقيرة، ويحول دون إمكانية استجابة الحكومة لاحتياجات المستشفيات الحكومية من أدوية ومستلزمات طبية، مما يدفع تلك المستشفيات لطلب شراء تلك المستلزمات من قبل أُسر المرضى فيها على نفقتهم الخاصة.
تصاعد نسب تغول الدين على الإنفاق
وهذا نفس ما تفعله الجهات الحكومية عندما تطلب من طالبي الخدمات تصوير المستندات على نفقتهم الخاصة، بل وصل الأمر إلى الطلب من المترددين عليها تدبير الورق اللازم لإجراء المعاملات الحكومية، وكذلك قيام بعض رجال الشرطة بإجبار سائقي سيارات الميكروباصات على مرافقتهم خلال المأموريات الشرطية، بلا مقابل رغم غلاء أسعار المشتقات وقطع الغيار.
ومسألة تغوّل تكلفة الدين على الإنفاق في الموازنة ليست بجديدة، ولكنها موجودة منذ سنوات، حيث تشير البيانات الختامية لموازنات السنوات السابقة إلى بلوغ نصيب تكلفة الدين (من فوائد وأقساط) 46.6 في المائة من إجمالي الإنفاق في العام المالي 2021/2022، لترتفع النسبة إلى 53.4 في المائة بالعام المالي التالي، ثم تصل النسبة إلى 60.5 في المائة بالعام المالي 2023/2024، رغم ما حصلت عليه وزارة المالية من موارد من صفقة أراضي منطقة رأس الحكمة بقيمة 510 مليار جنيه، والتي اشترتها الإمارات من مصر خلاله، وتوقعت وزارة المالية بلوغ نصيب تكلفة الدين 64.9 في المائة بالعام المالي 2024/2025 الذي انتهى آخر الشهر الماضي.
فالشاغل الأول لوزير المالية هو تدبير نفقات فوائد وأقساط الدين الحكومي، حتى يستطيع الاستمرار في الاقتراض من الجهات المحلية والخارجية، في ظل إيرادات حكومية تقل عن مصروفات الحكومة منذ سنوات عديدة، وهو ما يمثله العجز المزمن في الموازنة المصرية. وتشير النتائج الأولية للشهور الإحدى عشر الأولى من المالي السابق 2024/2025، لبلوغ العجز الكلي في الموازنة 1.184 تريليون جنيه مطلوب اقتراضها لسد العجز في الموازنة.
عدم تحقق مخصصات الاستثمارات الحكومية
وها هي موازنة العام المالي الجديد قد بلغت قيمة الموارد فيها 3.186 تريليون جنيه، وهي الموارد المتحققة من الضرائب بأنواعها ومن الرسوم والخدمات الحكومية والمنح، بينما بلغ الإنفاق في الموازنة 6.761 تريليون جنيه، وهو ما يتطلب اقتراض جديد خلال العام المالي يبلغ 3.576 تريليون جنيه، ليضاف ذلك إلى أرصدة القروض القديمة للحكومة، مما يزيد من أرصدة ديونها ويتطلب منها تدبير فوائد وأقساط لتلك الديون، مما يعني السير في نفس الحلقة المفرغة، عجز فاقتراض، ثم عجز أكبر فاقتراض أكبر، فديون أعلى، فنسب أعلى لتكلفة الدين في الموازنة لتلْتهم معظم الإنفاق على حساب باقي أبواب الإنفاق.
ولأن أولوية الإنفاق تتجه لسداد فوائد وأقساط المُقرضين خشية الإعسار، وأجور العاملين في الحكومة حفاظا على السلام الاجتماعي، فإن الحكومة تلجأ لخفض الإنفاق على الأبواب الأخرى وأبرزها الاستثمارات الحكومية، والنتيجة أنه في العام المالي 2023/2024 على سبيل المثال أعلنت الحكومة في بداية العام المالي عن تخصيص 587 مليار جنيه للاستثمارات الحكومية، وظلت تتباهي بتلك الأرقام في تصريحات مسؤوليها، لتصدر البيانات الختامية أي النهائية لموازنة ذلك العام المالي بقيمة استثمارات حكومية بلغت 312 مليار جنيه فقط، بنسبة تراجع 47 في المائة عما أعلنته مسبقا.
وهو أمر تكرر خلال السنوات المالية منذ تموز/ يوليو 2013 وحتى العام المالي الأخير، بعدم تحقق ما يتم الإعلان عنه من أرقام للاستثمارات الحكومية في بداية السنوات المالية، ومن ذلك أنه تم الإعلان في بداية العام المالي 2024/2025 عن استثمارات حكومية بقيمة 496 مليار جنيه، بينما أشار البيان المالي للموازنة الجديدة إلى توقع بلوغ تلك الاستثمارات 386 مليار جنيه فقط، ويؤدي ذلك الخفض إلى إطالة فترات تنفيذ تلك المشروعات، خاصة مع ارتفاع التكلفة وارتفاع أسعار مواد البناء والعمالة، وزيادة تكلفة المُكون المستورد في تلك المشروعات مع تراجع أسعار الصرف للجنيه أمام الدولار الأمريكي.
ترقب مزيد من الأعباء على المواطنين
وامتد عدم تحقق ما يتم إعلانه من مخصصات لكثير من بنود الإنفاق، ومنها ما يتم الإعلان عنه من رد أعباء للمصدرين، نتيجة فروق ارتفاع التكلفة المحلية للإنتاج من فوائد مصرفية مرتفعة وتكلفة الفساد والبيروقراطية، لكنه لم يتم الالتزام بما يتم إعلانه من مخصصات في السنوات الماضية، والنتيجة تراكم مستحقات المصدرين لعدة سنوات.
وبدلا من أن تقوم الحكومة بسداد تلك المستحقات المتأخرة للمصدرين، فإنها تخيرهم بين السداد المُعجل بخصم نسبة 15 في المائة منها أو الانتظار لسنوات أخرى، كما تقتطع نسبة منها كمقاصة مع المستحقات الحكومية من ضرائب ورسوم على تلك الشركات المُصدرة، أو تشترط توجيه نسبة من المستحقات إلى خدمات معينة كالاشتراك في المعارض الدولية، كذلك عدم الوفاء بكامل الجزء النقدي السنوي لمستحقات هيئة التأمينات الاجتماعية على الخزانة العامة، وتحويل الجزء المتعثر إلى أوراق حكومية يتم سداد قيمتها في فترة لاحقة.
ومن هنا يمكن اعتبار الموازنة الحكومية المصرية بمثابة موازنة تصريف أعمال، وليست موازنة تنمية تسعى لإحداث نقلة مجتمعية، من خلال تخصيص الموارد اللازمة للتصدي للمشاكل المزمنة التي يعاني منها المجتمع المصري، كالبطالة والأمية والعنوسة والفقر وتدنى مستوى الخدمات الصحية والتعليمية وسوء حالة الطرق سواء الطرق السريعة ما بين عواصم المحافظات أو داخل المدن، خاصة وأن هناك مخاطر أخرى تحيط بأولويات الإنفاق الحكومي، منها الضمانات التي تقدمها وزارة المالية للجهات المحلية والخارجية حتى تقرض الجهات الحكومية. وهي الضمانات التي بلغت حتى أيلول/ سبتمبر الماضي 4.889 تريليون جنيه، حيث تصبح الوزارة ملزمة بالسداد عند تعثر تلك الجهات عن السداد، مثل هيئة البترول البالغة قيمة ضماناتها 2.770 تريليون جنيه، وهيئة الأنفاق البالغ ضماناتها 455 مليار جنيه، وهيئة السكك الحديدية البالغة قيمة ضمانات قروضها 128 مليار جنيه، كما أن الوزارة ملزمة بسداد قيمة التعويضات المحتملة على الحكومة في قضايا التحكيم المرفوعة عليها، إلى جانب مخاطر المؤسسات المملوكة للدولة ومخاطر الكوارث والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمناخية والصحية.
لذا يصبح المسار الأسهل للحكومة هو زيادة الضرائب والرسوم، كما حدث مؤخرا بزيادة ضريبة القيمة المضافة لأنشطة المقاولات من خمسة في المائة إلى 14 في المائة، وزيادة الضريبة على السجائر والمشروبات الكحولية، وفرض ضريبة على النفط الخام بنسبة 10 في المائة، وإخضاع الوحدات الإدارية في الأماكن ذات السمة التجارية لضريبة جديدة، استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي، حتى يقر المراجعة الخامسة لبرنامجه مع مصر كي يتم الحصول على شريحة جديدة من القرض، لكن الصندوق أعلن دمجه للمراجعتين الخامسة والسادسة حتى الخريف المقبل، حتى يدفع الحكومة للمزيد من تلبية مطالبه بزيادة أسعار الوقود والكهرباء ورفع سعر الخبز التمويني، وتحويل الدعم العيني للبطاقات التموينية إلى نقدي، وتقليص الإعفاءات من ضريبة القيمة المضافة، وهي الإجراءات التي ستضيف أعباء جديدة على المواطنين.
x.com/mamdouh_alwaly