[email protected]
بقلم: د. محمد حمد مفرح
يؤكد واقع الحال على ان غالبية القوى السياسية بالسودان تتفق على ان نظام الحكم الديموقراطي، مقارنة بغيره من النظم، يعد النظام الأنسب لحكم البلاد. و بالرغم من عدم اخضاع هذه الفرضية لقياس موضوعي يؤكد مدى صحتها، الا ان الطرح السياسي لمعظم القوى الحزبية يدلل على صحتها.
و مع هذا فان التجارب السياسية بالسودان أكدت عمليا، و برغم افضلية نظام الحكم الديموقراطي، ان هذا النظام تعتوره الكثير من المتاريس و المطبات. و يأتي على رأس هذه المتاريس المساعي الهدامة لبعض القوى السياسية التي ظلت تعمل جاهدة للحيلولة دون تطبيق النظام الديموقراطي، لسبب او اخر ، و بالتالي تسهم في ديمومة تخلف البلاد و دورانها في فلك الفشل العام.
و قد ظلت القوى السياسية الساعية لاجهاض مساعي توطين و ترسيخ الديموقراطية بالبلاد تبذل كل الجهود لتحقيق اهدافها بشتى الطرق. و يعمل النشاط الواسع الذي يقوم به العديد من مؤيدي هذه القوى، عبر الميديا، على تعزيز مساعي هذه القوى. و يستبد بي العجب، و أنا اقف، من وقت لاخر، من خلال الميديا، على حقيقة تضليل اعداء الديموقراطية الممثلين في القوى السياسية المشار اليها، للبعض ممن يفترض فيهم الوعي و الاستنارة، مع تغبيش وعيهم من خلال تصوير قوى الحرية و التغيير بأنها تقف مع الدعم السريع و تعد حاضنة له، مع وقوفها ضد الوطن. و قد أصبح هذا ديدنهم برغم دفع قوى الحرية و التغيير بكل الحيثيات و الاسانيد التي تؤكد براءتها من هذه التهمة الباطلة و الجزافية، بالإضافة الى نقدها لطرفي الحرب مع الدعوة لوقفها. ليس هذا فحسب بل و لم يعر هؤلاء انتباها لما قامت به الحرية و التغيير من الدفع بعدد من (التسجيلات) التي نادت فيها سابقا بحل الدعم السريع و دمجه في الجيش. ما كنت أعتقد قط ان شخصا مدركا و وطنيا، يفترض ان يعتمد، في تقييمه للأمور على الموضوعية و اعمال العقل، دون تحامل او تحيز، لجهة ما، يمكن ان ينطلي عليه الهدف من وراء شيطنة قوى الحرية و التغيير لصالح استمرار و رسوخ مشروع الشمولية في السودان، و بالتالي ديمومة تخلف الوطن و تدهوره العام، ان لم يكن زواله و تلاشيه من على الخارطة السياسية Political map.
و لا يملك المرء، ازاء هذا الواقع المدمر و المعري لعقلية و أسلوب تفكير البعض أو تماهيهم مع الباطل، الا و ان يؤكد على ضرورة ان يدرك هؤلاء ان قوى الحرية و التغيير تعد، ككيان افرزته موازين القوى Balance of power بعد الثورة، رمزا للديموقراطية او عنوانها، كما تمثل اتفاق حد ادنى، و كيان غير مقدس، قابل للنقد و التطوير، في اطار السعي لتوطين الديموقراطية في السودان.
و من المعلوم أن الديموقراطية تقوم على قيم الحرية Freedom و المساءلة Accountability والشفافية Transparency، ضمن قواعدها و مبادئها التي تعد نتاج تجليات العقل البشري و الفكر الليبرالي الغربي.
و من الأهمية بمكان الإشارة الى ان الديموقراطية تلتقي مع الشريعة الاسلامية في المقاصد و الاهداف، مع تفوق الشريعة عليها في الكثير من الجوانب. و مما لا شك فيه ان الشريعة الاسلامية سبقت الديموقراطية بقرون من الزمان للدعوة الى قيم السلام و العدل و الحرية. بيد ان الديموقراطية فرضت نفسها، كنظام حكم أمثل في العصر الحديث، في ظل تقاعس المسلمين عن الاجتهاد بغية التوصل لنظرية حكم مرتكزة على الشريعة الاسلامية الغراء المؤهلة، من وجهة النظر الفكرية او المفاهيمية و القيمية، لاداء وظيفة (نظام الحكم)، مع أهليتها لمقابلة متطلبات العصر، اذا ما أعتمد علماء المسلمين منهج (الاجتهاد) في اطار التمسك بالقطعي الورود في الدين كالشعائر، مع اعمال (الاجتهاد) المؤطر بضوابط الدبن لما عداها.
لذا فان على الذين ينتقدون الحرية و التغيير أن يدركوا انها مبرءة تماما مما الصق بها من تهم كونها لا تعدو ان تكون الية للحكم الديموقراطي و ليست كيانا ضد الوطن يمثل شخوصا متسلطة تسعى للهيمنة، طالما ان طبيعة النظام الديموقراطي نفسها لا تسمح بذلك.
و ينسحب الأمر نفسه على (تقدم) التي يراسها الدكتور عبد الله حمدوك و التي تضم طيفا واسعا من القوى السياسية و المدنية و المجتمعية بما فيها مكونات قوى الحرية و التغيير. ذلك ان (تقدم) قد وجهت إليها ايضا سهام النقد الهدام و تعرضت لتهم جزافية غير مؤسسة على حيثيات منطقية.
و تاسيسا على ما سبق، فان من الواضح و الجلي أن النقد الذي ظل يلصق بكل من قوى الحرية و التغيير و (تقدم) يهدف فحسب الى قطع الطريق على التحول الديموقراطي بالسودان، و اجهاضه.
الجدير بالتأكيد ان القوى التي تقوم بمساعي قطع الطريق على الديموقراطية لم تقدم أي برنامج حكم بديل لحكم البلاد، بل برهنت من خلال هكذا تصرف أنها ترتكب جريمة كبرى في حق الوطن، ستظل محفوظة في صفحات التاريخ السياسي للبلاد.
و بالنسبة ل(تقدم) يمكن، بطبيعة الحال، القيام بإصلاحها او تطويرها أو بث الفاعلية فيها و مواكبتها لمجريات الأحداث، حسبما تقتضي الضرورة، و ذلك دون السعي لتقويضها. و ستقطع هذه الخطوة، اذا ما تمت، الطريق امام أي مساعي او محاولات لتقويض التحول الديموقراطي، عبر شيطنة (تقدم).
و تاسيسا على ما سبق، تقتضي ضرورات التحول الديموقراطي Democratic transformation و دعم الديموقراطية تفويت الفرصة على هذه المساعي الهدامة، من خلال الكف عن دعمها، يجهل او إدراك لمغازيها، بناء على أهلية الديمقراطية لحكم السودان و حرصا على توطينها و تثبيت اركانها.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى السیاسیة من خلال
إقرأ أيضاً:
كرت تفاوض: حكومة المليشيا: مقاربات وخيارات
بكل الحسابات والتقديرات السياسية ، فإن ما (تهورت) مليشيا الدعم السريع المتمردة وحلفاءها بإعلانه (27 يوليو 2025م) ليس تشكيلة حكومية ، أو سلطة ذات قيمة أو أثر ، أو حتى رسالة اعلامية آنية ، وإنما المقصد والهدف هو وضع (شرط جديد في حلقات التآمر السياسي والاجندة الخبيثة)، وهى خطوة تتطلب من الحكومة خطوات تصعيدية أكثر من التعامل مع ردود الافعال ، بل لابد من وضع أجندة..
لقد استبقوا إجتماع الرباعية في واشنطن ليكون هذا الجند ضمن سياقات نقاشاتها واهتماماتها أو على الأقل إثارة المخاوف أو طرح خيارات علي طاولة التفاوض ، وعلينا أن نشير للآتي:
أولا: ليس في إمكان مليشيا الدعم السريع المتمردة وبعد كل انتهاكاتها وجرائمها أن تكون جزءا في اي معادلة سياسية أو حوار وطني ، ولا يمكن القبول بها داخليا أو خارجيا ، وهذا خيار قاس على الداعمين لها من القوى الاقليمية وبعض الاطراف الدولية المتآمرة ، ولهذا اقترحوا هذه الخطوة ، بعد أن فشلت مخططات سحب الاعتراف من الحكومة السودانية ، فلم يعد امامهم سوى تكوين خيال (مآته) أو (همبول)..
وثانياً: هذه خطوة ضمن سياقات حديث الأطراف ، وبعد ان تداعت قدرات المليشيا المجرمة عسكرياً ولم يعد الحديث عن سيطرة عسكرية وارداً تم التعجيل بفكرة حكومة المليشيا للقيام بذات مهمة المليشيا دون وجه عسكري وإنما اطراف كلهم من خارج الميدان العسكري ، وحتى حميتي هناك حديث عن اعتذاره ولم يكن الأمر سوى تأجيل دخوله المسرح ، من جديد..
وثالثاً: فمن واضح أن المليشيا المتمردة قطعت العشم في اى دور لمجموعة دكتور حمدوك (صمود) ، فقد اخذت منهم غالب مسمياتهم ، وبدلاً عن الحديث من خلالهم ، فإن المليشيا وداعميها شكلوا هيكلاً وهمياً جديداً..
هذا الواقع السياسي الجديد كان حاضراً في الكثير من دوائر القرار في كثير من الدول العربية والافريقية والمحافل الدولية ، ولذلك جاءت ردة الفعل مباشرة ، رافضة ومستنكرة خطوة المليشيا ، بل اضافت تلك البيانات وردود الافعال ثلاثة نقاط مهمة:
– دعم سيادة ووحدة السودان واراضيه..
– تأكيد الاعتراف بالحكومة السودانية ومؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية..
– الترحيب بحكومة الدكتور كامل ادريس رئيس الوزراء كواجهة مدنية وقائدة للانتقال المدني..
ومع تفاوت المواقف بين القوة والوضوح وبين الاحاديث المواربة ، فإن مواقف بعض الأطراف السياسية السودانية تكشف المستور..
– نشرت احزاب (الأمة القومي والحزب الشيوعي السوداني) بيانات رافضة لحكومة المليشيا المجرمة ، ولكن المثير للدهشة اعلانهم عدم اعترافهم بحكومة السودان كذلك ، وهذا هو الموقف والمنطلق الذي تسعى إليه القوى المتآمرة ضد السودان ، اى المساواة بين مؤسسات الدولة وتشكيل مليشي بربري..
وبكل الحسابات فإن حزب الأمة القومي شريك في حكومة المليشيا ، ورئيسه فضل الله ناصر طرف فاعل ، ولكن لماذا وقع الحزب الشيوعي في هذا الفخ ؟ هل مجرد معاداتهم للجيش السوداني سبب واجه لتأييد هذا المخطط التآمري الاستعماري..
على القوى الوطنية استعادة رؤيتها والمصالح الكبرى وتجاوز رهانات افعال (الناشطين)..
– قصور الأحزاب والتيارات السياسية والوطنية في توصيف ما يجري والتعامل معه بموقف واحد ، يتجاوز حالة الاستقطاب إلى وحدة وطنية جامعة..
لقد ادى تباعد الأطراف الاقليمية إلى افشال مخطط بعض أطراف الرباعية ، لكن المؤامرة قائمة ، والسعي مستمر ، في محاولات تليين المواقف ، مما يقتضى تحرك اسرع من الحكومة السودانية والقوى السياسية والمجتمعية ، واول الخطوات: كشف ابعاد ومخططات القوى المعادية للسودان وتحركاتها ، وعلى وزارة الخارجية السودانية عقد مؤتمر صحفي عاجل لكشف ما جرى وفضح المواقف الاماراتية والاطراف وتنوير البعثات المقيمة بالسودان ، وهذا على الأقل لقطع الطريق أمام تحركات اخرى ، فقد وصل العاصمة البريطانية لندن امس وفد من مجموعة صمود ، وهم فى القياس رافعة سياسية للمليشيا المتمردة وخطابها ، مما يستدعي رسالة حاسمة من السلطة السياسية في البلاد..
وثانيها: توافق القوى السياسية والمجتمعية السودانية على بيان واحد ، من نقاط ثلاث (لا مساس بوحدة السودان وارضه وشعبه ، لا مساس بمؤسسات الدولة السودانية وعلى راسها الجيش السوداني ، وكامل الدعم والمساندة الانتقال السياسي وحكومة دكتور كامل ادريس)..
حفظ الله البلاد والعباد..
د.ابراهيم الصديق علي
30 يوليو 2025م