«علي»: ربيت أولادي الـ8 من مهنة صناعة السجاد.. وسحر الريف يلهمني
تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT
على الرغم من خضوع على سليم، 72 عاماً، لجراحة دقيقة فى عينه منذ فترة قريبة، فإن شوقه للنول وخيوط الصوف غلب آلامه وتوسلات أسرته للبقاء فى المنزل، فظل يتردد على المركز قاصداً غرفته ونوله البسيط، ومن ثم يُغلق بابه ويبدأ فى مداعبة خيوط الصوف الملونة من أمامه، التى بدأ عِشرته معها منذ ما يقرب من 64 عاماً: «اشتركت فى المركز مع أختى وكنت وقتها فى عمر 8 سنين، كانوا بيدونى فلوس حتى وأنا بتعلم، وشغلنا بالمزاج وده أكتر حاجة عجبتنا وطمّنتنا للعمل بحرية كى نبدع».
لم يشكل كِبر سن «على» عائقاً أمام مهاراته، فما زال الرجل يمتلك الخبرة والإبداع اللتين تجذبان أنظار المحيطين به أثناء عمله لدرجة الذهول، خصوصاً وهو يمرر خيوط الصوف بين القطن بسرعة شديدة ولا ينظر إلى اللوحة، لأنه يحتفظ بتفاصيل الرسم فى خياله، يستخدم خيوط صوف بلون ما طول ساعة كاملة، ويستخدم آخر لبضع دقائق، حتى تكتمل اللوحة: «نشارك فى معارض كثيرة خارج مصر، ومعانا النول نشتغل عليه لأن فيه ناس ما بتصدقش إن ده شغل يدوى وبدون سكتش، فى ألمانيا الناس بتقبّل إيدينا، وكانوا مبهورين بالمنتج المصرى».
لوحات فنية كثيرة من السجاد شكّلها «على» خلال رحلته مع النسيج اليدوى، من أبرزها لوحة باسم «يوم من عمر الكون»، التى جسَّد عليها مشهد الفجر، وإلى جواره مشهد للشمس وقت الشروق، وآخر وهى مشرقة خلال النهار، وآخر لوقت الغروب، كما نسج لوحة أخرى باسم «مصر» جسَّد عليها بخيوط الصوف بعضَ معالمها الأثرية، مثل الأهرامات ومعبد الفيلة والكرنك: «صنعت لوحة لشكل الحياة فى الصحراء، وكانت عبارة عن جِمال ونخيل وبِرك مياه، ووقتها طلبت رئاسة الجمهورية عرضها فى مجمع المؤتمرات».
ولأن أغلب تفاصيل اللوحة تخطر على مخيلة «على» أثناء العمل، فدائماً ما يتعمد ترك مساحة نحو 20 سنتيمتراً من خيوط القطن على طرفى اللوحة، على أن يستخدمها فى حال طرأت إلى ذهنه أى تفاصيل أخرى: «وأنا شغال ما ببقاش شايف غير حوالى 10 سنتيمترات من اللوحة، وكمان مفيش سكتش بننقل منه، فلازم أكون حافظ تفاصيل اللوحة كلها فى دماغى علشان أعرف أكمّلها بالصورة اللى محتاجها»، كما يستوحى الرجل المخضرم أفكار لوحاته الفنية من الطبيعة الريفية المحيطة به، وتمكن من خلال عمله فى النسيج اليدوى من تربية 8 أبناء وتوفير الحياة الكريمة لهم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: النسيج الغزل والنسيج السجاد اليدوي الألوان الطبيعية
إقرأ أيضاً:
د. ثروت إمبابي يكتب: البيوجاز في قرى مصر: طاقة نظيفة من قلب الريف
تعاني مصر منذ سنوات من أعباء متزايدة نتيجة الاعتماد الكبير على استيراد الغاز الطبيعي لتلبية احتياجات المواطنين، خاصة في المناطق الريفية. وفي الوقت نفسه، تمتلك قرانا ثروة مهدرة من المخلفات الحيوانية والزراعية التي تُترك دون استغلال، رغم أنها تمثل مصدرًا غنيًا للطاقة إذا ما أُحسن توظيفها. ومن هنا تبرز فكرة إنشاء وحدة بيوجاز في كل قرية مصرية باعتبارها حلاً عمليًا وذكيًا يجمع بين البعد الاقتصادي والبيئي، ويقدم نموذجًا للتنمية المستدامة التي تبدأ من الريف.
تعتمد فكرة البيوجاز على تكنولوجيا بسيطة نسبيًا، حيث تُستخدم المخلفات العضوية – كروث الحيوانات، وبقايا المحاصيل، ومخلفات الطعام – في إنتاج غاز حيوي يمكن استخدامه في الطهي والتدفئة والإضاءة، إلى جانب إنتاج سماد عضوي عالي الجودة يُساهم في تحسين التربة وزيادة إنتاجية الأرض الزراعية. هذه العملية لا تتطلب تعقيدات تقنية كبيرة، بل يمكن تنفيذها بسهولة في القرى من خلال نماذج صغيرة أو متوسطة الحجم، تلائم طبيعة كل منطقة وكثافتها السكانية والحيوانية.
إن تنفيذ هذا المشروع على نطاق واسع داخل القرى المصرية يحمل في طياته فوائد عديدة. فمن ناحية، يساهم في تقليل الاعتماد على الغاز المستورد، ويخفف العبء المالي عن الدولة في ظل الارتفاع العالمي المستمر في أسعار الطاقة. ومن ناحية أخرى، يُوفر مصدرًا طاقيًا مستدامًا ومجانيًا للأسر الريفية، مما يرفع من جودة حياتهم ويقلل نفقاتهم الشهرية. كما أن التخلص الآمن من المخلفات العضوية ينعكس بشكل إيجابي على الصحة العامة والبيئة، حيث يُحد من انتشار الأمراض ويقلل من التلوث الناتج عن الحرق العشوائي أو التكدس.
على مستوى الدولة، يُعد تعميم استخدام وحدات البيوجاز في الريف خطوة استراتيجية لتعزيز الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، ووسيلة فعالة لخفض فاتورة الاستيراد، وتقليل الدعم الحكومي للطاقة، مما يتيح توجيه الموارد نحو مجالات أكثر إلحاحًا كالصحة والتعليم. أما على المستوى المحلي، فإن المشروع يُسهم في خلق فرص عمل جديدة في تركيب وصيانة الوحدات، وتوفير مصدر دخل إضافي من خلال بيع الفائض من السماد العضوي أو الغاز، فضلًا عن تعميق ثقافة الإنتاج بدلًا من الاستهلاك.
ومع ذلك، فإن تنفيذ المشروع يواجه عدة تحديات، لا يمكن تجاهلها. من أبرزها ضعف الوعي المجتمعي بأهمية وحدات البيوجاز وجدواها الاقتصادية والبيئية، خاصة في بعض القرى التي تفتقر إلى الثقافة البيئية. كما تمثل تكلفة التأسيس الأولية عقبة أمام بعض الأسر، مما يستدعي تدخلًا حكوميًا أو مجتمعيًا لتوفير الدعم المالي المناسب. كذلك هناك حاجة ماسة لتدريب الكوادر الفنية القادرة على تركيب وتشغيل وصيانة هذه الوحدات، إلى جانب ضرورة وجود تشريعات مرنة تُشجع على إنشاء مثل هذه المشروعات وتضمن استدامتها.
ورغم هذه التحديات، إلا أن الفرص المتاحة لإنجاح المشروع كبيرة وواعدة. فالمبادرات القومية مثل “حياة كريمة” تمثل منصة مثالية لتضمين وحدات البيوجاز ضمن مشروعات تطوير القرى. كما أن التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية يمكن أن يُسهم في تطوير نماذج محلية منخفضة التكلفة ومرتفعة الكفاءة. كذلك يُمكن للقطاع الخاص والجمعيات الأهلية أن تلعب دورًا محوريًا في التمويل والتوعية، مما يعزز من فرص التطبيق السريع والفعّال لهذه الفكرة.
إن تحويل هذه الرؤية إلى واقع لا يتطلب سوى الإرادة والتنظيم. ويمكن البدء بعدد محدود من النماذج التجريبية في القرى ذات الكثافة الحيوانية المرتفعة، على أن يتم تقييم النتائج ثم التوسع تدريجيًا. فنجاح المشروع في قرية واحدة يمكن أن يُصبح نموذجًا يُحتذى به، ويُقنع المجتمعات الأخرى بإمكانية الاعتماد على أنفسهم في إنتاج الطاقة. ومن ثم، تتحول قرى مصر من مستهلكة للطاقة إلى منتجة لها، بما يُرسّخ قيم الاستقلال والإنتاج ويُساهم في بناء اقتصاد وطني قائم على الابتكار واستغلال الموارد المتاحة.
ومن واقع التجربة والاطلاع على نماذج مماثلة في دول أخرى، أرى أن فكرة إنشاء وحدة بيوجاز في كل قرية ليست مجرد حلم، بل مشروع قابل للتنفيذ إذا ما تم إدراجه ضمن خطط الدولة للتنمية المستدامة. إنه استثمار طويل الأمد في الإنسان والبيئة والاقتصاد. بل أعتبره مشروعًا وطنيًا يُسهم في تعزيز الأمن الطاقي، وتحقيق العدالة البيئية، ورفع كفاءة الريف المصري اجتماعيًا واقتصاديًا.
ولذلك، أدعو الجهات المعنية إلى التعامل مع هذه الفكرة بمنظور استراتيجي، يبدأ من التوعية ويمر بالدعم الفني والمالي، وصولًا إلى التطبيق الفعلي على الأرض.