الجزيرة:
2025-06-03@04:26:35 GMT

إسرائيل.. هل ينقطع حبل الناس عنها؟

تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT

إسرائيل.. هل ينقطع حبل الناس عنها؟

ارتبطت قوة واستدامة كيان الاحتلال بالعلاقة الإستراتيجيّة، والدعم الأميركي الثّابت له، والمرتبط بقوّة اللوبي اليهوديّ السياسية والاقتصادية، والتغلغل في الحزبَين الحاكمَين، ومن خلال إدماج كينونة ووجود الاحتلال، بخدمة المصالح الأميركية والغربية في المنطقة. وتعزّز ذلك بهيمنة القطب الواحد، ولكنه يميل للتراجع بعد بروز الصين، وسعي روسيا لتحدّي الهيمنة الأميركية.

وفي ظل ذلك، جاء "طوفان الأقصى"؛ ليزعزع المكانة الإستراتيجية لإسرائيل في المنطقة، والمرتبطة بتفوق جيشها (الذي لا يقهر)، وليضرب نظرية الردع المستندة للتفوق النووي والتكنولوجي. أما مجريات العدوان على غزة وتوحش الاحتلال، فقد بدأ ذلك يخلخل قواعد الانحياز الأميركي للكيان، من خلال التأثير على القاعدة الشعبية، وكشف زيف بكائيات الاحتلال وأخلاقية جيشه. هذا فضلًا عن انقلاب صورة الكيان في العالم.

اتّضح كذب الدعاية الإسرائيلية من خلال تدفق الصور والفيديوهات للمجازر الإسرائيلية التي ركزت على الأطفال والنساء ومهاجمة المستشفيات والمدارس وعمال الإغاثة والفلسطينيين الذين يُهرعون لتسلّم المساعدات

 

فشل الاحتلال وساديّته

تحدثنا في المقال المنشور في الجزيرة نت في 28 يناير/ كانون ثاني عن أن مكانة الكيان الإستراتيجية في المنطقة، تضررت، بعد أن أصبح غير قادر على حماية نفسه، فضلًا عن أن يحمي غيره، الأمر الذي شكل تهديدًا حقيقيًا لمصالح الولايات المتحدة، ودفعها للعودة بقوة للمنطقة لحماية الكيان، بعد أن كانت تعتبره حصنًا متقدمًا لها، وسعت إلى تتويجه على عرش المنطقة، عبر عملية التطبيع والتعاون الأمني مع الدول العربية.

ولذلك، سنركّز هنا على تطورات الحرب التي قطعت حتى الآن أكثر من ستة أشهر، دون أن يتمكن الاحتلال من تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية فيها، ولجوئه إلى إستراتيجية استهداف المدنيين وتجويعهم، واستهداف قوافل الإغاثة بعد الإغلاق شبه الكامل لمعبر رفح، ليصل إلى استهداف طواقم منظمة المطبخ المركزي العالمي، وقتل 7 من موظفيها الأجانب، وهو ما فتح أبواب جهنّم عليه.

ومع أن الدول التي سقط لها قتلى في المجزرة، وهي: بريطانيا، وأستراليا، والولايات المتحدة، وكندا، وبولندا، لم تدِنْ مقتل رعاياها، ولكن كانت لها تصريحات تنبئ عن حجم الضجر والسخط على إسرائيل، بما عزّز مواقف معظمها الداعي لوقف الحرب، بعد أن دعمتها في بدايتها.

هذا التحول كان ملموسًا في المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأميركي جو بايدن مع نتنياهو عقب الحادثة، وقالَ فيها: إنّ "العالم تحوّل ضد إسرائيل، وإن حلفاء لواشنطن أبلغوها بتحوّل في سياستهم". وعندما يصدر هذا التصريح على لسان رئيس أكبر وأهم حليف لإسرائيل، فهذا له مدلول عميق يتركز في التحول في المواقف الأوروبية وعلى الأخصّ الدول الأنجلوساكسونيّة في دعمها للحرب على غزّة.

ويعود ذلك لسببَين:

الأول: فشل الاحتلال في المهمة الموكلة إليه بالقضاء على حماس، وغرقه في وحْل غزة، دون أن يحقق أهدافه، بل وتكبّده خسائر عالية، تدفعه باستمرار إلى طلب الذخيرة والسلاح من أميركا والغرب، وهو ما يشكل عبئًا على شبكة توريد الأسلحة، وضغطًا على طاقتها الإنتاجية، خصوصًا أنها مستنزفة في توريد الذخائر والأسلحة لأوكرانيا. الثاني: تسبّبت وحشية الاحتلال وساديته في تصاعد الاحتجاجات الشعبية في الدول الغربية، ضد استمرار الحرب، وكان أكثف وأضخم هذه الاحتجاجات في أكبر دولتين داعمتين للعدوان، وهما؛ أميركا وبريطانيا، الأمر الذي أثّر على شعبية الحزبَين الحاكمَين فيهما: (الديمقراطي في أميركا، والمحافظ في بريطانيا)، وتضرر فرصهما في الانتخابات التي ستجري هذا العام فيهما.

ولذلك، فإن مجمل المواقف الغربية، الآن، لا يدعم استمرار الحرب، فيما لا تزال إدارة بايدن تدعو لوقف مؤقت لإطلاق النار، مع دعمها استمرارَ الحرب؛ ولكن لأجل محدّد، بحيث يسمح لها أن تخرج منها بثمرة سياسية تقود للتطبيع في المنطقة، تستخدمه كورقة انتخابيّة.

إن هذه المواقف لا تعني زوال الدعم عن الاحتلال، حيث لا تزال ألمانيا -مثلًا- المزوّد الثاني لإسرائيل بالأسلحة بعد أميركا، ولكن من الواضح أن هناك تحولًا في موقف الولايات المتحدة والغرب بالعمل على إضعاف حماس سياسيًا بعد فشل الاحتلال في إنهائها عسكريًا، أو حتى إضعافها لدرجة الإخضاع في مواقفها السياسيّة.

وقد أكّدت تقديرات أجهزة الاستخبارات الأميركية، أن قوّات الاحتلال لم تنجحْ إلا في تدمير ثلث أنفاق حماس، فيما يؤكد الكثير من المحللين الصهاينة أن كتائب القسام لا تزال تحتفظ بالآلاف من قواتها العاملة في غزة، فضلًا استمرار المقاومين في التصدي للاحتلال في كل مناطق القتال التي سبق أن قال الجيش الإسرائيلي؛ إنه قضى على قوة حماس فيها.

تحوّل الرأي العام الغربي

إن فشل الاحتلال في مهمته سيضعف قطعًا مكانته الإستراتيجية في المنطقة، بما قد يجعله عبئًا على داعميه، ولكن الجانب الآخر هو أن ممارساته بدأت في إحداث تحول في الرأي العام الغربي، بما يشكل خميرة مستقبلية مهمة لإحداث تغييرات في المواقف السياسية لدى الأحزاب الحاكمة والمعارضة، وهو ما سينعكس بالضرورة سلبيًا على حجم وطبيعة الدعم الذي ستوفره لإسرائيل، ويتيح المجال بشكل أكبر للمقاومة الفلسطينية لاستمرار دورها الذي ينحت في الاحتلال ويضعفه.

كما أن ذلك سيُساهم في إضعاف الأنظمة في المنطقة والتي تتحالف مع الكيان أو تطبّع معه، ويعزز مكانة الحركة الشعبية الداعمة للمقاومة.

ونستدعي في هذا السياق استطلاع "غالوب" الذي أظهر انخفاض التأييد الأميركي للحرب الإسرائيلية في غزة من 50% نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى 36% في مارس/آذار 2024.

وكذلك الاستطلاع الصادم لمعهد "بيو" الأميركي للأبحاث الذي جاء فيه أن 58٪ من الأميركيين يرون أنه يجب السماح بالتعبير عن معارضة حقّ إسرائيل في الوجود.

وتكمن أهمية نتائج هذه الاستطلاعات في أنّها تؤشر على تحرر المجتمع الأميركي، ومعه الغربي من قيود القوانين التي تم سنّها؛ لمنع انتقاد إسرائيل، أو إدانتها تحت مسمى: "معاداة السامية"، وانكشاف زيف الدعاية الصهيونية التي استندت إلى البكائيات، ومحاولة إظهار أن إسرائيل تعيش وسط غابة من الإرهابيين.

فقد اتّضح كذب هذه الدعاية من خلال تدفق الصور والفيديوهات للمجازر الإسرائيلية التي ركزت على الأطفال والنساء ومهاجمة المستشفيات والمدارس وعمال الإغاثة والفلسطينيين الذين يُهرعون لتسلّم المساعدات.

كما انكشفت الأكاذيب الإسرائيلية التي اتهمت المقاومة في 7 أكتوبر/تشرين الأول بارتكاب الفظاعات ضد الأطفال، واغتصاب النساء، ما أحدث ردَّ فعلٍ عكسيًا عند الناشطين الاجتماعيين الذين ساهموا بكشف زيف هذه الروايات!

وقد فنّدت صحيفة "لوموند" الفرنسية كذبة الأطفال مقطوعي الرأس في تحقيق جديد نشر في 3/4/2024 الذي خلَص إلى أن "إسرائيل لم تفعل شيئًا لمحاربة المعلومات المضللة، وفي كثير من الأحيان حاولت استغلالها بدلًا من إنكارها".

وقد حاولت الدولة العميقة الدفاع عن النفوذ اليهودي، حينما استجوب الكونغرس الأميركي رؤساء 4 جامعات أميركية عريقة؛ بسبب عدم ضبطهم للمظاهر المناهضة للكيان في جامعاتهم والتي صنفت ضمن معاداة السامية!!

ومن الأمثلة عن الضجر الغربي من مجازر الاحتلال، هو عدد "الإندبندنت" البريطانية الذي كتب على غلافه :" كفـى!  (Enough)، حيث جاء في افتتاحيتها: "لقد أصبح عمال الإغاثة الـ7 الذين قُتلوا في غارة جوية رمزًا للطريقة المتهورة الخارجة عن القانون التي أدار بها نتنياهو هذه الحرب. لقد حان الوقت للقيام بكل ما يلزم لإجبار حكومة إسرائيل على إنهائها".

حبل الناس

كانت إسرائيل ولا تزال كيانًا غريبًا في المنطقة، ومنبوذًا من شعوبها. وعلى الرغم من اتفاقات السلام والتطبيع التي تمت معه من قِبل بعض الأنظمة العربية، فإن التطبيع بقي حبيس الأنظمة دون أن يطال الشعوب.

والحقيقة أن قادة الكيان يدركون هذه الحقيقة منذ البداية، ولذلك بقي صمام أمان وجودهم في المنطقة، هو اعتمادهم على الدعم الغربي، وعلى الأخص الأميركي بالمال والسلاح. وقد كشفَ 7 أكتوبر/تشرين الأول هشاشة الجيش الإسرائيلي الذي لم يصمد أمام هجمة مئات من الشبان المسلحين بالأسلحة الخفيفة، فضلًا عن أن مجرى الحرب، أكّد أن الكيان غير قابل للصمود بدون الدعم العسكري والمالي الأميركي، مصحوبًا بتأمينه سياسيًا بالفيتو الذي يمنع إدانته في مجلس الأمن على جرائمه وانتهاكه المواثيق والأعراف الدولية.

ولذلك، فإن تخلخلَ المكانة العسكرية والأمنية للكيان، الذي أكدته الأحداث، واستمرارَ حاجة الاحتلال للدعم الأميركي دون أن يكون مؤهلًا لحراسة المشروع الغربي، سيجعلان هذا الكيان يخسر مكانته الإستراتيجية في المنطقة، وقد يصبح عبئًا على داعميه في المرحلة المقبلة.

وإذا أضفنا لذلك انقلاب صورته -التي سوقها لنفسه بأنه يواجه إرهاب الفلسطينيين- إلى كيان إرهابي متمرد على القيم والمبادئ الإنسانية، فسيؤدي ذلك إلى تغييرات مهمة في الرأي العام الغربي الذي سيضغط بدوره على الأحزاب المختلفة في الغرب لتغيير طريقتها في التعامل معه.

لقد وصل الكيان إلى انحطاط غير مسبوق في مكانته العالمية، حينما أوصلته جرائمه لمحكمة العدل الدولية وانضمام دول إلى جنوب أفريقيا في الدعوى ضده بارتكاب الإبادة الجماعية، وهي حالة لم تمر بالكيان منذ تأسيسه.

كما أنّ رفع نيكاراغوا دعوى مماثلة في نفس المحكمة ضد ألمانيا المصنّفة ثانيةً في دعم الكيان بالسلاح، سيؤدّي إلى تحسّب الدول التي تدعم هذا الكيان من أن توضع في خانة الإدانة الدولية، الأمر الذي قد يفرمل مستوى تعاون أو تحالف أي دولة مع هذا الكيان مستقبلًا.

كل ذلك يؤكّد أن إسرائيل تسير برجلَيها إلى خراب كيانها المصطنع، عبر فقدانها التدريجي حبلَ الناس الذي يبقيها على قيد الحياة. ولو سُمح لمحيطها العربي والإسلامي بالتحرك ضدها جماهيريًا وسياسيًا، فإن ذلك سيعجّل بنهايتها، وذلك بعد أن تصبح عبئًا على أميركا والغرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات فشل الاحتلال فی المنطقة عبئ ا على لا تزال من خلال بعد أن دون أن

إقرأ أيضاً:

صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!

في ظل تغيّر موازين القوى في الشرق الأوسط، لم يعد بإمكان الإعلام الإسرائيلي تجاهل صعود تركيا، حيث نشرت صحيفة The Jerusalem Post تقريرًا وصفت فيه تركيا بأنها أصبحت “قوة عثمانية جديدة” في المنطقة، ولعبت دورًا محوريًا في تشكيل المشهد الإقليمي.

وأفادت الصحيفة، وهي من أبرز وسائل الإعلام في إسرائيل، بأن تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان أصبحت عنصر توازن رئيسي في الشرق الأوسط، ليس فقط من خلال تحركاتها العسكرية والدبلوماسية، بل أيضًا عبر تحالفاتها الاستراتيجية.

تركيا لاعب حاسم في ملفات إقليمية
وأشار التحليل إلى الدور البارز الذي تلعبه تركيا في ملفات حيوية مثل سوريا، غزة، قطر، وشرق المتوسط، مؤكّدًا أن “السياسة التي ينتهجها أردوغان جعلت من تركيا صانعة للقرارات الإقليمية”.

وفي التحليل الذي كتبه “جوناثان سباير”، تم تسليط الضوء على خطوات تركيا الأخيرة في السياسة الخارجية، حيث ورد في التقرير:
“أردوغان يضع تركيا في موقع المنافس الرئيسي لإسرائيل في الشرق الأوسط”. كما تم اعتبار استضافة “أحمد الشرع” في إسطنبول دلالة رمزية على استئناف العلاقات مع سوريا.

تقارب لافت مع سوريا
وتم تخصيص مساحة واسعة في التقرير للقاء الذي جمع بين أردوغان و الرئيس السوري أحمد الشرع في قصر دولمة بهتشه، حيث أشار التحليل إلى أنها الزيارة الثالثة للشرع إلى تركيا. وأضاف: “شكر الشرع أردوغان على دعمه لرفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا”.

اقرأ أيضا

تنتهي المهلة في 31 يوليو 2025: غرامة كبيرة تنتظر من لم يُجدد…

السبت 31 مايو 2025

وبحسب The Jerusalem Post، فإن تركيا تطمح إلى تطوير علاقاتها مع النظام السوري بهدف إنشاء بنية تحتية عسكرية مشتركة. حيث جاء في التقرير:
“تركيا تبدو عازمة على التعاون مع النظام الجديد لبناء بنية عسكرية داخل سوريا”.

مقالات مشابهة

  • الحصار اليمني يضرب السياحة ويطال قطاعات اقتصادية حيوية في »إسرائيل«:انخفاض عدد السياح إلى الكيان عبر المطارات إلى 401 ألف سائح فقط خلال يناير- أبريل 2025م
  • الكيان المتهالك.. قراءة في علامات الانهيار المتعددة لـ إسرائيل من داخل كتاباتهم
  • هجوم بالنار على متضامنين مع إسرائيل.. من هو المصري الذي أرعب الصهاينة؟
  • هجوم بالنار على متضامنين مع إسرائيل.. من هو المصري الذي أرعب كولورادو؟
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • الأورومتوسطي .. إسرائيل تنفذ المجزرة الأكبر بحق المُجوَّعين
  • الصين تتهم وزير الدفاع الأميركي بالإدلاء بتصريحات مسيئة
  • ⛔ لاحظ التعابير التي استخدمها فيصل محمد صالح في هذا اللقاء
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!
  • عاجل|| حماس تسلّم ردها على المقترح الأميركي