تترقب إسرائيل والولايات المتحدة هجوما إيرانيا محتملا ردا على قصف مجمع سفارتها في دمشق مطلع أبريل الحالي، حيث توقعت بعض المصادر أن تطلق طهران عشرات المسيرات والصواريخ باتجاه أهداف إسرائيلية. فيما أشارت تقارير إلى أن النظام الإيراني يفكر في رد محدود لا يؤدي إلى تصعيد عسكري في المنطقة.

ونقلت شبكة "سي بي أس نيوز" عن مسؤولين أميركيين، الجمعة، أن إيران قد تستهدف إسرائيل باستخدام 100 طائرة مسيرة وعشرات الصواريخ، والتي ستوجه نحو أهداف عسكرية إسرائيلية.

وقالت مصادر للشبكة إن هذه الهجمات قد تشارك فيها القوات الإيرانية بشكل مباشر، والميليشيات الموالية لطهران ووكلائها في المنطقة، مشيرين إلى أنه تم ضخ أسلحة عديدة لهم منذ أسابيع.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الجمعة، إنه يتوقع أن تحاول طهران توجيه ضربة لإسرائيل في المدى القريب، وحض إيران على عدم مهاجمة إسرائيل.

وقال بايدن "لا أريد الخوض في معلومات سرية لكني أتوقع أن تحصل الضربة عاجلا وليس آجلا".

ولدى سؤاله عن ماهية رسالته لإيران في ما يتعلق بتوجيه ضربة لإسرائيل، قال بايدن "لا تفعلوا!".

وتابع "نحن ملتزمون بالدفاع عن إسرائيل، وسندعم إسرائيل، وسنساعد في الدفاع عن إسرائيل وإيران لن تنجح".

وتتهم طهران عدوها اللدود إسرائيل بتنفيذ الضربة التي أدت الى مقتل سبعة من أفراد الحرس الثوري الإيراني بينهم ضابطان كبيران. وتوعد كبار المسؤولين، يتقدمهم المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، إسرائيل بـ"العقاب".

وشددت إسرائيل التي لم تتبن الضربة، على أنها سترد على أي استهداف إيراني، بينما أكدت حليفتها واشنطن دعمها في مواجهة أي تهديد.

"هجوم محدود" ودعم أميركي لإسرائيل قوات أميركية تعيد التموضع في الشرق الأوسط تحسبا لأي هجمات إيرانية. أأرشيفية

ويعتقد مسؤولون أميركيون "أن إيران ستختار تنفيذ الهجوم على نطاق محدود لتجنب تصعيد كبير" وأن ردهم الانتقامي سيكون "وشيكا"، مشيرين إلى أن إسرائيل قد تواجه صعوبة في الدفاع ضد هجوم بهذا الحجم.

وتشير الشبكة إلى أن طهران حتى الآن لم تتحدث علنا "كيف؟ أو متى؟" سترد بهجماتها، لذا من غير الواضح إلى أي مدى سيذهب قادة إيران إذا قرروا تنفيذ هجوم مباشر على إسرائيل، وهو ما قد يؤدي إلى صراع إقليمي أوسع بكثير.

وتحاول واشنطن الضغط على طهران للتراجع عن تهديدها بشن ضربة انتقامية ضد إسرائيل، وهو ما يضع تحديات جديدة أمام إدارة الرئيس بايدن لتجنب حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط بحسب تقرير نشرته شبكة "أي بي سي نيوز".

وقال مسؤلون أميركيون إن الولايات المتحدة "تنقل قوات وأصولا" للشرق الأوسط، في محاولة لردع إيران عن شن هجوم واسع النطاق وحماية القوات الأميركية في المنطقة.

وأشار مسؤول أميركي لم تفصح الشبكة عن اسمه أن "الأصول الأميركية التي يتم نقلها إلى المنطقة.. يمكن أن تساعد في الدفاع الجوي".

ويوجد حوالي 34000 جندي أميركي في العراق وسوريا، إضافة إلى عشرات الآلاف من القوات الأميركية العاملة في الشرق الأوسط.

إلى ذلك قال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، "نعتبر أن تهديد إيران المحتمل، حقيقي وموثوق" وتنوي الولايات المتخذة "بذل كل ما هو ممكن لضمان تمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها".

وأكد كيربي، الجمعة، أن الأولوية القصوى "ضمان قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها من هجوم إيران محتمل، تفعل واشنطن أيضا كل ما في وسعها لحماية شعبنا ومنشآتنا".

وأضاف أنه "سيكون من غير الحكمة ألا نلقي نظرة على وضعنا في المنطقة، للتأكد من أننا مستعدون بشكل مناسب أيضا".

وفي إشارة إلى مدى الجدية التي تنظر بها الولايات المتحدة لخطر التصعيد، أكد البنتاغون، الخميس، وصول قائد القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" الجنرال، إريك كوريلا، إلى إسرائيل للقاء مسؤولين عسكريين.

بايدن محذرا إيران: لا تفعلوا ذلك قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الجمعة، إن رسالته إلى إيران، التي هددت بالقيام بعمل عسكري ضد إسرائيل، هي "لا تفعلوا ذلك".

والجمعة شدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، على أن إسرائيل والولايات المتحدة تقفان "جنبا إلى جنب" في مواجهة إيران.

وقال في بيان عقب لقائه كوريلا "أعداؤنا يظنون أن بإمكانهم المباعدة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكن العكس هو الصحيح: إنهم يقربوننا من بعضنا البعض ويعززون روابطنا".

وشدد غالانت في اتصال بنظيره الأميركي، لويد أوستن، الخميس، أن "إسرائيل لن تتساهل مع ضربة إيرانية ضد أراضيها".

وحذر وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من أنه "اذا قامت إيران بهجوم من أراضيها سترد إسرائيل وتهاجم إيران".

وأعلنت واشنطن تقييد حركة دبلوماسييها في إسرائيل بسبب المخاوف الأمنية.

قال دافيد خالفا، المحلل لدى مؤسسة "فونداسيون جان جوريس" في باريس، إن حقيقة أن أيا من الجهات المعنية ليست لديها مصلحة في إثارة التصعيد، لا تحمي من أزمة واسعة النطاق.

وتابع لوكالة فرانس برس "الأخطاء في الحسابات واردة. للردع جانب نفسي. تقع الأطراف المتحاربة تحت رحمة خطأ وزلة قد يؤديان إلى تداعيات متتابعة".

وقال راز زيمت، الباحث الكبير في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي لوكالة رويترز "سيكون من الصعب للغاية على إيران عدم الرد... ما زلت أعتقد أن إيران لا تريد الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة وواسعة النطاق ضد إسرائيل، وبالتأكيد ضد الولايات المتحدة. لكن عليها أن تفعل شيئا".

"حالة تآهب قصوى" و"لا استهداف للمصالح الأميركية" حزب الله يتبادل إطلاق النار بشكل شبه يومي عبر الحدود مع الجيش الإسرائيلي

ويشير تقرير نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إلى أن إسرائيل وضعت نفسها في حالة "تأهب قصوى" بسبب تهديدات وتقييمات استخباراتية بشأن هجمات إيرانية متوقعة.

وقالت مصادر مطلعة لوكالة بلومبرغ إن الهجمات قد تحدث خلال الـ 48 ساعة المقبلة، مشيرين إلى أنه حتى الآن لم تحصل موافقة من كبار المسؤولين في طهران لتنفيذ الهجوم.

وتعمل القنوات الدبلوماسية تعمل بشكل حثيث لتدارك الأمر، ناهيك عن تحذيرات مباشرة من الولايات المتحدة، وطلبات دولية بتهدئة التصعيد في المنطقة.

وقال الجيش الإسرائيلي، الخميس، إنه لم يصدر تعليمات جديدة للمدنيين، لكن قواته في حالة تأهب قصوى ومستعدة لمجموعة من السيناريوهات.

وأكد مسؤولون أميركيون وإيرانيون لصحيفة نيويورك تايمز، الجمعة، إن التحليلات الاستخباراتية تشير إلى أن طهران ستضرب أهدافا متعددة داخل إسرائيل، ولكنها لن تستهدف القوات الأميركية الموجودة في الشرق الأوسط لتجنب تصعيد الصراع في المنطقة.

وسط مخاوف من هجوم إيراني.. واشنطن ترسل تعزيزات إلى الشرق الأوسط قالت الولايات المتحدة، الجمعة، إنها بصدد إرسال تعزيزات إلى الشرق الأوسط مع تزايد المخاوف من أن تشن إيران قريبا هجوما على إسرائيل، وفقا لوكالة "فرانس برس".

وأشار محللون إلى أن القادة في إيران يريدون الوصول لمعادلة لإقناع الجميع بأن طهران ليست عاجزة عن الرد، ولكنه لن يكون كبيرا إلى الحد الذي قد يدفع بالمنطقة إلى حرب شاملة أو مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.

ويشدد مسؤولون إيرانيون على أن طهران "تدافع عن نفسها فقط" بهدف حشد الدعم الدولي لضرباتها الانتقامية بعد الهجوم على مجمع سفارتها في دمشق.

وكتبت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية "الرد الانتقامي سيأتي... تشير الافتراضية في الوقت الحالي إلى أن ذلك سيحدث قريبا جدا في الأيام القليلة المقبلة".

اعتبر مركز صوفان في نيويورك المتخصص في القضايا الأمنية أن "الهجوم الإسرائيلي" على مبنى القنصلية يعني أنه سيتم تحميل إيران "المسؤولية عن أعمال حماس وغيرها من الحلفاء مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن"، وفقا لتقرير نشرته وكالة فرانس برس.

ومذاك، تبقى نيات طهران مجرد تخمينات، حتى مع الإجماع في الغرب على وجود احتمال كبير بشن إيران ضربة موجهة إلى إسرائيل، وهو ما تحدثت عنه وسائل إعلام أميركية هذا الأسبوع.

فطهران تملك الترسانة اللازمة لاستهداف إسرائيل أو بنى تحتية أو مرافق مطارات أو منشآت طاقة، مثل منصة استخراج غاز.

ويقدر مركز صوفان أن موقف الحكومتين الأميركية والإسرائيلية "يشير إلى أنهما تتوقعان أن تستخدم طهران ترسانتها من صواريخ كروز والصواريخ البالستية بالإضافة إلى مسيرات مماثلة لتلك التي باعتها إيران بكميات كبيرة لروسيا" أي من طراز شاهد.

لكن العملية ستكون بمثابة تصعيد كبير.

"حلقة جديدة من التوترات" بين واشنطن وإسرائيل.. "إحباط" في البنتاغون بعد ضربة قنصلية إيران كشف مسؤولون أميركيون أن كبار موظفي البنتاغون "شعروا بإحباط"، بعدما لم تبلغها إسرائيل بالغارة المزعومة على موقع إيراني في سوريا مطلع هذا الشهر، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

من جهتها، قالت الخبيرة المستقلة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس، لوكالة فرانس برس "إيران ما زالت تهدد بالرد فيما تبعث في الوقت نفسه رسائل إقليمية ودولية مفادها أنها تبحث عن بديل سياسي للرد العسكري".

وأوضحت أن "طهران لا تريد حربا مباشرة مع إسرائيل، على الأقل في هذه المرحلة"، وليس بوسعها التصعيد، معتبرة أن "هذا المأزق يفسر تأخر الرد".

وأعلن حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، الجمعة أنه أطلق "عشرات صواريخ الكاتيوشا" على مرابض مدفعية إسرائيلية في هجوم قال إنه رد على الهجمات الإسرائيلية على بلدات في جنوب لبنان.

وقال وزير خارجية إيران، حسين أمير عبداللهيان "عندما يقدم النظام الصهيوني، مخالفا القانون الدولي واتفاقيات فيينا، على انتهاك كامل لحصانة الأفراد والمقار الدبلوماسية، يصبح الدفاع المشروع ضرورة".

وتلقى أمير عبداللهيان في الأيام الماضية سلسلة اتصالات من نظرائه في دول عدة منها ألمانيا وبريطانيا والسعودية وقطر، تمحورت على  خفض التوتر.

تجد إيران نفسها "أمام معضلة" كما كتب من جهته الدبلوماسي الفرنسي السابق ميشال دوكلو على موقع "انستيتو مونتينيه".

ألمانيا تحث مواطنيها على مغادرة إيران حثت ألمانيا مواطنيها، الجمعة، على مغادرة إيران قائلة إن هناك مخاطر من تصعيد مفاجئ في التوتر الحالي بين طهران وإسرائيل.

وأوضح "لا شك في أنها غير واثقة بما يكفي في قواتها كونها مترددة في القيام بخطوة تصعيدية مع إسرائيل. لكن إذا لم ترد، فهي تخاطر بفقدان جزء من مصداقيتها في المنطقة، في الآراء وكذلك بين المجموعات المسلحة الموالية لها".

وهذه المجموعات المسلحة في العراق واليمن وسوريا ولبنان والتي تشكل "محور المقاومة" الإيراني ضد إسرائيل، تظهر بالتالي أكثر من أي وقت مضى على خط المواجهة، مع احتمال تكثيف عملياتها، بحسب فرزان ثابت، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد جنيف للدراسات العليا.

وكتب على منصة إكس أن إيران يمكنها أن تطلب منها زيادة هجماتها وأن تزيد تزويدها بالأسلحة الحديثة، وأضاف "إن نفي مثل هذا الخيار أسهل وكلفته السياسية أقل وكذلك خطر الرد عليها".

وتشمل الفرضيات الأخرى استهداف ممثلية دبلوماسية إسرائيلية في الخارج، وهو أمر قد ينطوي على جر دولة ثالثة إلى الصراع، أو "هجوم إرهابي ضد مرافق دبلوماسية أميركية في المنطقة أو خارجها" وفق مركز صوفان.

وأكدت الخارجية الأميركية الخميس أن الوزير أنتوني بلينكن تواصل مع عدد من نظرائه بمن فيهم الصيني واني يي والسعودي فيصل بن فرحان، لحض إيران على تجنب "التصعيد".

وأفادت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ الجمعة أن "الصين ستواصل أداء دور بناء في الشرق الأوسط ... والمساهمة في تهدئة الوضع. على الطرف الأميركي خصوصا أن يؤدي دورا بناء".

وفي ظل المخاوف من تصعيد واسع، نصح وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه مواطنيه "بضرورة الامتناع عن التوجه إلى إيران وإسرائيل ولبنان والأراضي الفلسطينية".

وحثت ألمانيا مواطنيها الجمعة على مغادرة إيران قائلة إن هناك مخاطر من تصعيد مفاجئ في التوتر الحالي بين طهران وإسرائيل، مع احتمال اعتقال السلطات الإيرانية لمواطنين ألمان على نحو تعسفي.

وتحذر دول من بينها الهند وفرنسا وروسيا وبولندا مواطنيها من السفر إلى المنطقة المتوترة بالفعل بسبب الحرب في غزة التي دخلت الآن شهرها السابع.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط ضد إسرائیل فی المنطقة الدفاع عن فرانس برس أن إیران أن طهران إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل هناك مخطط سري لتفكيك سوريا؟

نشر السفير الأميركي في أنقرة، توم باراك، بصفته مبعوثًا خاصًا لبلاده إلى سوريا، رسالة لافتة عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، تناول فيها بالنقد سياسة الدول الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط، وكشف عن الإستراتيجية التي تعتزم بلاده اتباعها في سوريا، قائلًا:

"قبل قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط وحدودًا مرسومة وإدارات انتدابية وحكومات أجنبية. لقد قسم اتفاق سايكس-بيكو سوريا والمنطقة الأوسع من أجل المكاسب الإمبريالية، وليس من أجل السلام. وقد كلّف هذا الخطأ أجيالًا متعاقبة. لن نكرّر ذلك مجددًا.

إن زمن التدخلات الغربية قد ولى. المستقبل للدبلوماسية القائمة على الحلول الإقليمية، والشراكات، والاحترام المتبادل. وكما أكد الرئيس ترامب في خطابه في الرياض بتاريخ 13 مايو/ أيار، فإن الأيام التي كانت فيها القوى الغربية تأتي إلى الشرق الأوسط لتعطي دروسًا حول كيفية العيش وإدارة الشؤون، قد انقضت.

لقد وُلدت مأساة سوريا من رحم الانقسام. ولا يمكن أن تولد من جديد إلا عبر الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها. وهذا يبدأ بالحقيقة والمساءلة والتعاون مع أبناء المنطقة، لا بتجاوز المشكلة دون حلها.

نحن إلى جانب تركيا ودول الخليج وأوروبا- لا بالجنود والخطب والحدود الوهمية، بل إلى جانب الشعب السوري ذاته. بسقوط نظام الأسد، فتحنا الباب نحو السلام؛ ومن خلال رفع العقوبات، نتيح للشعب السوري فرصة فتح ذلك الباب واكتشاف طريق نحو ازدهار وأمن متجددين".

إعلان

من اللافت أن تأتي رسالة كهذه من سفير الولايات المتحدة، التي لطالما كانت واحدة من أركان القوى الإمبريالية المتورطة في غمر الشرق الأوسط بالدم عبر سياسات الاحتلال، متحدثًا عن "المندوبين" البريطانيين والفرنسيين، كما لو أن بلاده لم تسلك النهج ذاته.

ومن اللافت أيضًا، أن الولايات المتحدة -التي تنتقد ما فعلته بريطانيا وفرنسا قبل قرن- هي نفسها اليوم من تحدد مصير دول الشرق الأوسط، من بُعد 15 ألف كيلومتر.

محتوى الرسالة

ما أثار استغرابي استشهاد السفير الأميركي باراك باتفاقية سايكس-بيكو، التي لم تتجاوز في حقيقتها تبادلًا للمراسلات بين وزراء ودبلوماسيين وبيروقراطيين في بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، ولم تُوقَّع قط.

لقد سميت "اتفاقية سايكس-بيكو" نسبة إلى الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرنسوا جورج بيكو، وهي خطة سرية صيغت إبان تفكك الإمبراطورية العثمانية، لتحديد كيفية تقسيم الشرق الأوسط بين هذه القوى الاستعمارية.

لكنها، رغم تسميتها "اتفاقية"، لم تتعدَ كونها خطة بقيت في طور النقاش. فقد جرت المفاوضات بشأن بنودها بين 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 1915، و3 يناير/ كانون الثاني 1916 بمشاركة روسيا، وبريطانيا، وفرنسا. ولكنها لم تتحول إلى اتفاقية رسمية بسبب قيام الثورة البلشفية في أكتوبر/ تشرين الأول 1917 في روسيا.

وبعد سقوط الحكم القيصري، نشر البلاشفة نص "خطة سايكس-بيكو" في صحيفة "إزفستيا" بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، في إطار حربهم الإعلامية ضد القوى الرأسمالية الأوروبية التي خشيت من تمدد الشيوعية إلى أراضيها. وكانت تلك المرة الأولى التي اطلع فيها العالم على نوايا بريطانيا، وفرنسا لتقسيم المنطقة، ما كشف الأهداف الحقيقية للإمبريالية الغربية.

لقد تجاهلت هذه الخطة الخصوصيات الإثنية والدينية لسكان الشرق الأوسط، وسعت إلى تقسيمه على الورق إلى دول وحدود اصطناعية. والاستثناء الوحيد في الخطة كان ما يتعلق بفلسطين، إذ دعم وزير الخارجية البريطاني آنذاك، آرثر بلفور، في رسالته الشهيرة بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 إلى اللورد روتشيلد، إقامةَ وطن قومي لليهود في فلسطين. وكانت تلك الرسالة بمثابة الشرارة الأولى في حريق الشرق الأوسط.

إعلان

وقد تأسست الدولة الصهيونية الإسرائيلية في عام 1948، ومنذ عام 1967 وحتى اليوم، تواصل إشعال الحروب في المنطقة، وعلى رأسها فلسطين، لتحقيق أهدافها الصهيونية.

ورغم أن "خطة سايكس-بيكو" لم توقّع رسميًا، فقد تم تطبيقها جزئيًا: خضعت سوريا للانتداب الفرنسي، بينما وُضع العراق وبعض دول الخليج تحت انتداب بريطاني.

وفي أعقاب توقيع هدنة مودروس عام 1918، والتي أنهت الحرب بين الدولة العثمانية والحلفاء، تم تسريح الجيش العثماني، واحتلت فرنسا مدن عنتاب وأورفا ومَرعش في جنوب الأناضول. وبإيعاز بريطاني، نزلت القوات اليونانية إلى إزمير يوم 19 مايو/ أيار 1919، لتبدأ مرحلة احتلال الأناضول.

وفي 23 أبريل/ نيسان 1920، ومع افتتاح الجمعية الوطنية الكبرى في أنقرة، انتهت الدولة العثمانية من الناحيتين القانونية والعملية. وبعد عامين، أنهت حرب الاستقلال التركية الوجود الأجنبي، ورسمت حدود الجمهورية الحديثة.

وهكذا، أدّى انسحاب الدولة العثمانية من الشرق الأوسط، وتحديدًا من سوريا، والعراق، إلى فوضى مستمرة منذ أكثر من قرن، كانت الدول الغربية السبب الرئيسي فيها.

وقد أدار البريطانيون والفرنسيون المنطقة عبر أنظمة انتدابية تابعة لهم، واستمرت هذه الأنظمة حتى سبعينيات القرن الماضي. ثم جاء دور إسرائيل، التي زرعت الفوضى والحروب والانقسامات، ولم تعرف هذه البلدان الاستقرار، ولم تتوقف الصراعات الإثنية والدينية منذ ذلك الحين. وما نشهده اليوم في العراق، ولبنان، وسوريا هو نتيجة ذلك الإرث الاستعماري.

هل الهدف تقسيمات جديدة؟

من الواضح أن رغبة الولايات المتحدة في أن تحلّ محل بريطانيا، وفرنسا في معركة السيطرة على الشرق الأوسط تمثل العامل الأبرز وراء هذه الرسالة. لكن مضمون الرسالة يحمل دلالات عميقة وإشارات إلى ما قد يحدث في المستقبل.

حين تحدّث السفير عن سوريا وحدودها بعد الحرب الأهلية، انتابني شك عميق. فبيانه الذي لم يركز بشكل كافٍ على وحدة الأراضي السورية يثير تساؤلات: هل تمهّد الولايات المتحدة عبره الطريق لتقسيم جديد داخل سوريا بناءً على الانتماءات الدينية والإثنية؟

إعلان

وهنا تذكرت ما قاله الرئيس الأميركي وودرو ويلسون أمام الكونغرس يوم 8 يناير/ كانون الثاني 1918، حين عرض رؤيته لعالم ما بعد الحرب العالمية الأولى في 14 بندًا، أحدها يتناول الدولة العثمانية:

"يجب ضمان سيادة آمنة للأتراك في المناطق التركية الحالية من الدولة العثمانية، ويجب تأمين حرية تامة للتطور الذاتي للشعوب الأخرى التي تخضع للحكم التركي، بما يضمن أمنها التام دون أي تهديد".

إذا كان توم باراك يريد أن يبشرنا برسالة من هذا القبيل، فعلينا أن نتهيأ لصراعات جديدة؛ لأن هذا التوجّه يعني، في جوهره، تفكيك الدولة القومية في الشرق الأوسط، وإرساء كيانات على أسس طائفية أو عرقية، وهو ما سيمهّد لحروب أهلية ونزاعات دموية لا تنتهي.

وفي العراق مثلًا، قد يتم تقسيم البلد إلى ثلاث مناطق: شيعية، وسنية، وكردية. وفي سوريا، قد تُرسم خرائط جديدة على أساس العرقيات والطوائف: العرب، والدروز، والأكراد، وتنظيمات مثل PKK/PYD، والعلويين.

ولعل ما تقوم به إسرائيل من تحركات تجاه الدروز والمنظمات الكردية الانفصالية مثل PKK/PYD-YPG في سوريا ليس إلا مؤشرًا على هذا المخطط.

ومن الأسباب الأخرى التي تدعو إلى الشك، ما قاله السفير باراك عقب لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني في إسطنبول، حيث صرّح: "أوضحت أن تعليق العقوبات الأميركية على سوريا سيساهم في تحقيق هدفنا الأساسي، وهو الهزيمة الدائمة لتنظيم الدولة، وسيوفر فرصة أفضل لمستقبل الشعب السوري. كما هنأت الرئيس الشرع على خطواته العملية التي تتماشى مع ما طرحه الرئيس ترامب بشأن المقاتلين الأجانب، وتدابير مكافحة تنظيم الدولة، والعلاقات مع إسرائيل، والمخيمات ومراكز الاعتقال في شمال سوريا".

وأبرز ما طالب به ترامب خلال زيارته السعودية كان: "الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل".

إعلان

إن مطالبة سوريا، التي تحتل إسرائيل أراضيها، بالانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام" ليست مجرد فكرة شخصية للرئيس ترامب. لذا، علينا أن نتفحص بعناية كلمات وتصريحات توم باراك. لأنه من غير الممكن أن تقدم الولايات المتحدة على أي خطوة في الشرق الأوسط دون علم إسرائيل أو إذنها أو دعمها.

وفي كل علاقة تكون إسرائيل جزءًا منها، سواء علنًا أو سرًا، تكون الحسابات دائمًا لصالح المشروع الصهيوني. ولهذا، يجب الحذر مما قد تخفيه التصريحات المفرطة في الود والغموض التي تصدر عن السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص لبلاده إلى سوريا، توم باراك، لأن بلاده، التي تتخذ النسر شعارًا وطنيًا، ليست صاحبة تاريخ في تبني سياسة سلام دون حسابات خفية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • 20.6 مليار دولار نمو سوق الإعلام في الشرق الأوسط 2028
  • بسبب الضربة المحتملة ضد إيران.. تحذير واضح من ترامب لنتنياهو
  • هل هناك مخطط سري لتفكيك سوريا؟
  • من مركزية إعلان البندقية 1982 إلى هوامش حرب غزة 2023
  • إيران: مستعدون للمساومة مع ترامب بخصوص برنامجنا النووي
  • صفقات الغضب بين ترامب و نتنياهو
  • "غلوبانت" تفتتح مقرها الإقليمي في الشرق الأوسط بالرياض
  • إيران تعارض تعليق تخصيب اليورانيوم
  • نعيم قاسم مخاطباً ترامب: تحرّر من إسرائيل من أجل مصلحة أمريكا في الشرق الأوسط
  • إيران: لن نعلّق تخصيب اليورانيوم لإبرام اتفاق نووي