تترقب إسرائيل والولايات المتحدة هجوما إيرانيا محتملا ردا على قصف مجمع سفارتها في دمشق مطلع أبريل الحالي، حيث توقعت بعض المصادر أن تطلق طهران عشرات المسيرات والصواريخ باتجاه أهداف إسرائيلية. فيما أشارت تقارير إلى أن النظام الإيراني يفكر في رد محدود لا يؤدي إلى تصعيد عسكري في المنطقة.

ونقلت شبكة "سي بي أس نيوز" عن مسؤولين أميركيين، الجمعة، أن إيران قد تستهدف إسرائيل باستخدام 100 طائرة مسيرة وعشرات الصواريخ، والتي ستوجه نحو أهداف عسكرية إسرائيلية.

وقالت مصادر للشبكة إن هذه الهجمات قد تشارك فيها القوات الإيرانية بشكل مباشر، والميليشيات الموالية لطهران ووكلائها في المنطقة، مشيرين إلى أنه تم ضخ أسلحة عديدة لهم منذ أسابيع.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الجمعة، إنه يتوقع أن تحاول طهران توجيه ضربة لإسرائيل في المدى القريب، وحض إيران على عدم مهاجمة إسرائيل.

وقال بايدن "لا أريد الخوض في معلومات سرية لكني أتوقع أن تحصل الضربة عاجلا وليس آجلا".

ولدى سؤاله عن ماهية رسالته لإيران في ما يتعلق بتوجيه ضربة لإسرائيل، قال بايدن "لا تفعلوا!".

وتابع "نحن ملتزمون بالدفاع عن إسرائيل، وسندعم إسرائيل، وسنساعد في الدفاع عن إسرائيل وإيران لن تنجح".

وتتهم طهران عدوها اللدود إسرائيل بتنفيذ الضربة التي أدت الى مقتل سبعة من أفراد الحرس الثوري الإيراني بينهم ضابطان كبيران. وتوعد كبار المسؤولين، يتقدمهم المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، إسرائيل بـ"العقاب".

وشددت إسرائيل التي لم تتبن الضربة، على أنها سترد على أي استهداف إيراني، بينما أكدت حليفتها واشنطن دعمها في مواجهة أي تهديد.

"هجوم محدود" ودعم أميركي لإسرائيل قوات أميركية تعيد التموضع في الشرق الأوسط تحسبا لأي هجمات إيرانية. أأرشيفية

ويعتقد مسؤولون أميركيون "أن إيران ستختار تنفيذ الهجوم على نطاق محدود لتجنب تصعيد كبير" وأن ردهم الانتقامي سيكون "وشيكا"، مشيرين إلى أن إسرائيل قد تواجه صعوبة في الدفاع ضد هجوم بهذا الحجم.

وتشير الشبكة إلى أن طهران حتى الآن لم تتحدث علنا "كيف؟ أو متى؟" سترد بهجماتها، لذا من غير الواضح إلى أي مدى سيذهب قادة إيران إذا قرروا تنفيذ هجوم مباشر على إسرائيل، وهو ما قد يؤدي إلى صراع إقليمي أوسع بكثير.

وتحاول واشنطن الضغط على طهران للتراجع عن تهديدها بشن ضربة انتقامية ضد إسرائيل، وهو ما يضع تحديات جديدة أمام إدارة الرئيس بايدن لتجنب حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط بحسب تقرير نشرته شبكة "أي بي سي نيوز".

وقال مسؤلون أميركيون إن الولايات المتحدة "تنقل قوات وأصولا" للشرق الأوسط، في محاولة لردع إيران عن شن هجوم واسع النطاق وحماية القوات الأميركية في المنطقة.

وأشار مسؤول أميركي لم تفصح الشبكة عن اسمه أن "الأصول الأميركية التي يتم نقلها إلى المنطقة.. يمكن أن تساعد في الدفاع الجوي".

ويوجد حوالي 34000 جندي أميركي في العراق وسوريا، إضافة إلى عشرات الآلاف من القوات الأميركية العاملة في الشرق الأوسط.

إلى ذلك قال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، "نعتبر أن تهديد إيران المحتمل، حقيقي وموثوق" وتنوي الولايات المتخذة "بذل كل ما هو ممكن لضمان تمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها".

وأكد كيربي، الجمعة، أن الأولوية القصوى "ضمان قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها من هجوم إيران محتمل، تفعل واشنطن أيضا كل ما في وسعها لحماية شعبنا ومنشآتنا".

وأضاف أنه "سيكون من غير الحكمة ألا نلقي نظرة على وضعنا في المنطقة، للتأكد من أننا مستعدون بشكل مناسب أيضا".

وفي إشارة إلى مدى الجدية التي تنظر بها الولايات المتحدة لخطر التصعيد، أكد البنتاغون، الخميس، وصول قائد القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" الجنرال، إريك كوريلا، إلى إسرائيل للقاء مسؤولين عسكريين.

بايدن محذرا إيران: لا تفعلوا ذلك قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الجمعة، إن رسالته إلى إيران، التي هددت بالقيام بعمل عسكري ضد إسرائيل، هي "لا تفعلوا ذلك".

والجمعة شدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، على أن إسرائيل والولايات المتحدة تقفان "جنبا إلى جنب" في مواجهة إيران.

وقال في بيان عقب لقائه كوريلا "أعداؤنا يظنون أن بإمكانهم المباعدة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكن العكس هو الصحيح: إنهم يقربوننا من بعضنا البعض ويعززون روابطنا".

وشدد غالانت في اتصال بنظيره الأميركي، لويد أوستن، الخميس، أن "إسرائيل لن تتساهل مع ضربة إيرانية ضد أراضيها".

وحذر وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من أنه "اذا قامت إيران بهجوم من أراضيها سترد إسرائيل وتهاجم إيران".

وأعلنت واشنطن تقييد حركة دبلوماسييها في إسرائيل بسبب المخاوف الأمنية.

قال دافيد خالفا، المحلل لدى مؤسسة "فونداسيون جان جوريس" في باريس، إن حقيقة أن أيا من الجهات المعنية ليست لديها مصلحة في إثارة التصعيد، لا تحمي من أزمة واسعة النطاق.

وتابع لوكالة فرانس برس "الأخطاء في الحسابات واردة. للردع جانب نفسي. تقع الأطراف المتحاربة تحت رحمة خطأ وزلة قد يؤديان إلى تداعيات متتابعة".

وقال راز زيمت، الباحث الكبير في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي لوكالة رويترز "سيكون من الصعب للغاية على إيران عدم الرد... ما زلت أعتقد أن إيران لا تريد الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة وواسعة النطاق ضد إسرائيل، وبالتأكيد ضد الولايات المتحدة. لكن عليها أن تفعل شيئا".

"حالة تآهب قصوى" و"لا استهداف للمصالح الأميركية" حزب الله يتبادل إطلاق النار بشكل شبه يومي عبر الحدود مع الجيش الإسرائيلي

ويشير تقرير نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إلى أن إسرائيل وضعت نفسها في حالة "تأهب قصوى" بسبب تهديدات وتقييمات استخباراتية بشأن هجمات إيرانية متوقعة.

وقالت مصادر مطلعة لوكالة بلومبرغ إن الهجمات قد تحدث خلال الـ 48 ساعة المقبلة، مشيرين إلى أنه حتى الآن لم تحصل موافقة من كبار المسؤولين في طهران لتنفيذ الهجوم.

وتعمل القنوات الدبلوماسية تعمل بشكل حثيث لتدارك الأمر، ناهيك عن تحذيرات مباشرة من الولايات المتحدة، وطلبات دولية بتهدئة التصعيد في المنطقة.

وقال الجيش الإسرائيلي، الخميس، إنه لم يصدر تعليمات جديدة للمدنيين، لكن قواته في حالة تأهب قصوى ومستعدة لمجموعة من السيناريوهات.

وأكد مسؤولون أميركيون وإيرانيون لصحيفة نيويورك تايمز، الجمعة، إن التحليلات الاستخباراتية تشير إلى أن طهران ستضرب أهدافا متعددة داخل إسرائيل، ولكنها لن تستهدف القوات الأميركية الموجودة في الشرق الأوسط لتجنب تصعيد الصراع في المنطقة.

وسط مخاوف من هجوم إيراني.. واشنطن ترسل تعزيزات إلى الشرق الأوسط قالت الولايات المتحدة، الجمعة، إنها بصدد إرسال تعزيزات إلى الشرق الأوسط مع تزايد المخاوف من أن تشن إيران قريبا هجوما على إسرائيل، وفقا لوكالة "فرانس برس".

وأشار محللون إلى أن القادة في إيران يريدون الوصول لمعادلة لإقناع الجميع بأن طهران ليست عاجزة عن الرد، ولكنه لن يكون كبيرا إلى الحد الذي قد يدفع بالمنطقة إلى حرب شاملة أو مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.

ويشدد مسؤولون إيرانيون على أن طهران "تدافع عن نفسها فقط" بهدف حشد الدعم الدولي لضرباتها الانتقامية بعد الهجوم على مجمع سفارتها في دمشق.

وكتبت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية "الرد الانتقامي سيأتي... تشير الافتراضية في الوقت الحالي إلى أن ذلك سيحدث قريبا جدا في الأيام القليلة المقبلة".

اعتبر مركز صوفان في نيويورك المتخصص في القضايا الأمنية أن "الهجوم الإسرائيلي" على مبنى القنصلية يعني أنه سيتم تحميل إيران "المسؤولية عن أعمال حماس وغيرها من الحلفاء مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن"، وفقا لتقرير نشرته وكالة فرانس برس.

ومذاك، تبقى نيات طهران مجرد تخمينات، حتى مع الإجماع في الغرب على وجود احتمال كبير بشن إيران ضربة موجهة إلى إسرائيل، وهو ما تحدثت عنه وسائل إعلام أميركية هذا الأسبوع.

فطهران تملك الترسانة اللازمة لاستهداف إسرائيل أو بنى تحتية أو مرافق مطارات أو منشآت طاقة، مثل منصة استخراج غاز.

ويقدر مركز صوفان أن موقف الحكومتين الأميركية والإسرائيلية "يشير إلى أنهما تتوقعان أن تستخدم طهران ترسانتها من صواريخ كروز والصواريخ البالستية بالإضافة إلى مسيرات مماثلة لتلك التي باعتها إيران بكميات كبيرة لروسيا" أي من طراز شاهد.

لكن العملية ستكون بمثابة تصعيد كبير.

"حلقة جديدة من التوترات" بين واشنطن وإسرائيل.. "إحباط" في البنتاغون بعد ضربة قنصلية إيران كشف مسؤولون أميركيون أن كبار موظفي البنتاغون "شعروا بإحباط"، بعدما لم تبلغها إسرائيل بالغارة المزعومة على موقع إيراني في سوريا مطلع هذا الشهر، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

من جهتها، قالت الخبيرة المستقلة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس، لوكالة فرانس برس "إيران ما زالت تهدد بالرد فيما تبعث في الوقت نفسه رسائل إقليمية ودولية مفادها أنها تبحث عن بديل سياسي للرد العسكري".

وأوضحت أن "طهران لا تريد حربا مباشرة مع إسرائيل، على الأقل في هذه المرحلة"، وليس بوسعها التصعيد، معتبرة أن "هذا المأزق يفسر تأخر الرد".

وأعلن حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، الجمعة أنه أطلق "عشرات صواريخ الكاتيوشا" على مرابض مدفعية إسرائيلية في هجوم قال إنه رد على الهجمات الإسرائيلية على بلدات في جنوب لبنان.

وقال وزير خارجية إيران، حسين أمير عبداللهيان "عندما يقدم النظام الصهيوني، مخالفا القانون الدولي واتفاقيات فيينا، على انتهاك كامل لحصانة الأفراد والمقار الدبلوماسية، يصبح الدفاع المشروع ضرورة".

وتلقى أمير عبداللهيان في الأيام الماضية سلسلة اتصالات من نظرائه في دول عدة منها ألمانيا وبريطانيا والسعودية وقطر، تمحورت على  خفض التوتر.

تجد إيران نفسها "أمام معضلة" كما كتب من جهته الدبلوماسي الفرنسي السابق ميشال دوكلو على موقع "انستيتو مونتينيه".

ألمانيا تحث مواطنيها على مغادرة إيران حثت ألمانيا مواطنيها، الجمعة، على مغادرة إيران قائلة إن هناك مخاطر من تصعيد مفاجئ في التوتر الحالي بين طهران وإسرائيل.

وأوضح "لا شك في أنها غير واثقة بما يكفي في قواتها كونها مترددة في القيام بخطوة تصعيدية مع إسرائيل. لكن إذا لم ترد، فهي تخاطر بفقدان جزء من مصداقيتها في المنطقة، في الآراء وكذلك بين المجموعات المسلحة الموالية لها".

وهذه المجموعات المسلحة في العراق واليمن وسوريا ولبنان والتي تشكل "محور المقاومة" الإيراني ضد إسرائيل، تظهر بالتالي أكثر من أي وقت مضى على خط المواجهة، مع احتمال تكثيف عملياتها، بحسب فرزان ثابت، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد جنيف للدراسات العليا.

وكتب على منصة إكس أن إيران يمكنها أن تطلب منها زيادة هجماتها وأن تزيد تزويدها بالأسلحة الحديثة، وأضاف "إن نفي مثل هذا الخيار أسهل وكلفته السياسية أقل وكذلك خطر الرد عليها".

وتشمل الفرضيات الأخرى استهداف ممثلية دبلوماسية إسرائيلية في الخارج، وهو أمر قد ينطوي على جر دولة ثالثة إلى الصراع، أو "هجوم إرهابي ضد مرافق دبلوماسية أميركية في المنطقة أو خارجها" وفق مركز صوفان.

وأكدت الخارجية الأميركية الخميس أن الوزير أنتوني بلينكن تواصل مع عدد من نظرائه بمن فيهم الصيني واني يي والسعودي فيصل بن فرحان، لحض إيران على تجنب "التصعيد".

وأفادت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ الجمعة أن "الصين ستواصل أداء دور بناء في الشرق الأوسط ... والمساهمة في تهدئة الوضع. على الطرف الأميركي خصوصا أن يؤدي دورا بناء".

وفي ظل المخاوف من تصعيد واسع، نصح وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه مواطنيه "بضرورة الامتناع عن التوجه إلى إيران وإسرائيل ولبنان والأراضي الفلسطينية".

وحثت ألمانيا مواطنيها الجمعة على مغادرة إيران قائلة إن هناك مخاطر من تصعيد مفاجئ في التوتر الحالي بين طهران وإسرائيل، مع احتمال اعتقال السلطات الإيرانية لمواطنين ألمان على نحو تعسفي.

وتحذر دول من بينها الهند وفرنسا وروسيا وبولندا مواطنيها من السفر إلى المنطقة المتوترة بالفعل بسبب الحرب في غزة التي دخلت الآن شهرها السابع.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط ضد إسرائیل فی المنطقة الدفاع عن فرانس برس أن إیران أن طهران إلى أن

إقرأ أيضاً:

تحذير: الطاعون في منطقتنا

سألتني صحفية مصرية، في معرض حوار عن انزلاق الهويات، عمّا إذا كانت أحداث السويداء التي كانت سوريا مسرحًا لها في الآونة الأخيرة ما بين عشائر بدوية ودروز، تشكّل مؤشرًا على جيل جديد من خطاب الهويات في العالم العربي، يفضي إلى هندسة جديدة لبنية الدولة.

كانت الصحفية توحي إلى تلك التمزقات المؤلمة ومحطات فارقة تمحورت حول الهويات واحتدامها، أوّلًا في الحرب الأهلية اللبنانية، وثانيها في العشرية السوداء في الجزائر، وثالثها الصراعات القبلية والمذهبية التي عرفتها بعض الدول العربية في أعقاب "الربيع العربي".

لا أدري إن كانت أحداث السويداء تشكّل محطة رابعة في التاريخ المُروّع لصراع الطوائف في الشرق الأوسط، ولكنها تثير مخاوف جمّة لا يمكن الاستهانة بها، تتمثّل في تهديد الوحدة الترابية والبشرية لسوريا، والسعي لتقويض نظامها الجديد، وإعادة هيكلة البلد على مرجعية فدرالية، أو كانتونات من شأنها أن تضعف الدولة المركزية.

بيد أن المخاطر لا تقتصر على سوريا، إذ تمتد إلى الشرق الأوسط، وقد يبلغ هجيرها بلاد المغرب.

ليست الاحتكاكات التي عرفتها العشائر البدوية بالدروز، والتدخل العسكري الإسرائيلي، مجرد أحداث طائفية عابرة، وإنما بروفة لرسم معالم شرق أوسط جديد، بناء على انتماءات طائفية، وإعادة هندسة دول، أو بتعبير آخر، هي بروفة جديدة لسايكس- بيكو جديد، تذهب أبعد مما ذهب إليه التقطيع البريطاني الفرنسي، إلى ما يُعبَّر عنه بتقسيم المُقسّم وتجزئة المُجزّأ.

بمعنى أننا لسنا فيما جرى في السويداء أمام انفلات طائفي، وإنما ظاهرة، أو متلازمة، تروم إعادة رسم الشرق الأوسط، ولا يُستبعد أن يمتد تأثيرها إلى بلاد المغرب.

لذلك وقفت كثير من التحليلات، في القنوات التلفزيونية الناطقة بالعربية وكبريات الجرائد العربية، والمواقع المؤثرة، على خطورة أحداث السويداء، والتي لا تهدد سوريا في وحدتها فقط، ولا النظام السوري الجديد فحسب، بل تعيد رسم خطوط الشرق الأوسط على أساس طائفي، عقدي أو عرقي أو مذهبي.

إعلان

أحالت كثير من التحليلات إلى أدبيات إسرائيلية متواترة من أجل رسم معالم الدول المجاورة لإسرائيل بناء على محددات طائفية، وعلى أعمال مراكز بحثية مؤثرة قريبة من القرار. انصرفت بادئ الأمر إلى السعي في تطويق الدول العربية الوازنة من قِبَل إسرائيل، من خلال علاقات إستراتيجية مع جوارها، أو ما كان يُعرف بنظرية بن غوريون، مع إيران الشاه، وتركيا الكمالية حينها، وإثيوبيا في ظل الملكية.

في فترة لاحقة، تركز الاشتغال على الطوائف بداخل دول العالم العربي في أفق توظيفها. كان الاهتمام منصرفًا للموارنة، في لبنان، ووظّفت إسرائيل، في فترات معينة، عناصر مارونية، وأقامت معها جسور تواصل وتعاون. بيد أن الاهتمام توسّع إلى البنية الطائفية في العالم العربي ككل.

الجديد فيما يخص إسرائيل، أن المسألة لم تعد مجرد مضاربات مراكز بحثية، أو تخرصات باحثين، بل سياسة دولة، فيما يخص دول الجوار، سوريا أولًا، كما بدا من خلال التحرشات بسوريا، ومنها أحداث السويداء، واحتلال المنطقة العازلة مع الجولان، وقصف ريف دمشق، من جهة، ومن جهة ثانية الضغط على لبنان، وثالثًا الأردن، أو ما يسمى في أدبيات اليمين الإسرائيلي المتطرف "الوطن البديل".

ذلك أن الشرق الأوسط الجديد الذي ما فَتِئ ينادي به نتنياهو، ويجد آذانًا صاغية على مستوى القرار في واشنطن، لا يقتصر على "تصفية القضية الفلسطينية"، أي فلسطين خالية من الفلسطينيين، بل رسم شرق جديد بناء على انتماءات طائفية.

ليست إسرائيل هي المغذي الوحيد للطائفية في الشرق الأوسط والداعم لها، فقد اعتمدت الولايات المتحدة قراءة طائفية للعراق، قبل حرب 2003، بناء على مرجعيات شيعية، وسنية وكردية.

من المؤكد أن الولايات المتحدة لم تخلق الواقع الشيعي أو الكردي أو السني في العراق، ولكنها أجرت قراءة مُوجَّهة ومختزلة. فليس كل شخص وُلد شيعيًا، يتماهى بالضرورة مع المرجعيات الشيعية القائمة، وليس هناك تمايز ما بين الانتماء الكردي والسني، وليس كل كردي مناهضًا للإسلام، أو يجافي العروبة، ولم يمنع التمايز الطائفي من الامتزاج، إما عن طريق الاختلاط، أو الانتماء للوطن، ولا يمكن أن يُختزل العراقيون، في الانتماءات الثلاثة المحددة، إذ هناك أقليات أخرى، ومن حق أي مواطن ألا يخضع لأي قالب، عقدي أو عرقي، عدا انتمائه للوطن.

لكنها البروفة التي دخلت بها الولايات المتحدة للعراق لإنهاء الدكتاتورية ووضع العراق على سكة الديمقراطية. تم تبني الطائفية في دستور 2005. لم تبقَ الطائفية في العراق مجرد ظاهرة مجتمعية، وإنما تم تكريسها دستوريًّا، واعتمادها في توزيع السلطات، وبالتبعية، تم اعتماد ما يسمى بالمحاصصة على المستوى الإداري.

وكان يُراد أن يكون العراق نموذج الدمقرطة للمنطقة بأسرها. والذي وقع مناقضٌ تمامًا لما كانت البروفة الطائفية تزعم له.

أما اللحظة الثانية، التي بعثت الانتماءات الطائفية وأعطتها زخمًا، فكانت جراء تداعيات "الربيع العربي"، ذلك أن طوفان المطالب الديمقراطية، لإنهاء الاستبداد والفساد، تحوّل إلى سيول طائفية جارفة، رسمت أخاديدها في التربة السياسية لكل من ليبيا، واليمن، والسودان.

إعلان

فقدان المناعة لكثير من الدول، والذي يتجلّى في ضعف الدولة، من خلال ضعف المؤسسات أو عدم رسوخها، واهتراء خدماتها، أو استشراء الفساد فيها، أو ضعف ثقافة الدولة، أو مخلفات الاستبداد، مما يفضي إلى ما يُعرف بدول فاشلة، كلها عوامل تجعل إمكانية التنميط الطائفي ممكنة.

هذا فضلًا عن سوء تدبير الهويات، في أرجاء عدة من العالم العربي، بنسب متفاوتة. يتم التعامل مع الهويات من زاوية أمنية صرف، وبمقاربة انفعالية، كردّ فعل يتأثر بزخم الأحداث، عوض نظرة استشرافية، على خلاف المقاربة الإسرائيلية التي تعتمد الجانب الأكاديمي، والزمن الطويل.

ليس هناك مجتمع في منأى عن تمايزات عرقية أو لسانية، أو مذهبية، ويمكن أن تتعايش تلك الوحدات، إما في ظل أيديولوجية جامعة، أو دولة مدنية، بل أن تكون تحت السيطرة، أو قابلة للتدبير، ولكنها قلّما تثبت أمام تدخلات أجنبية تغذيها وتحتضنها. تصبح المجموعات الهوياتية حين ذلك ما كان المستشرق الفرنسي ماكسيم رودنسون ينعته بالطاعون الطائفي، الذي يتهدد الجسم كله، وينذر بالعدوى.

ما يغذّي الطاعون الطائفي هو التوظيف الأجنبي، وما يجعله خارج منطق الحوار والتسوية، حمل مليشيات متفرعة عن طوائف، السلاحَ. التدخل الأجنبي وحمل السلاح، هما ذراعا الطاعون الطائفي.

بيدَ أن الطاعون الطائفي يستشري في بنية من غير مناعة، والمناعة لا تتأتّى إلا بحسن تدبير الهويات، وذلك بتمتيع الأقليات بحقوقها، واحترام خصوصياتها، وتوزيع عادل للرموز، وتمثيلها في الهيئات الدستورية والحكومية والإدارية، ومراعاة خصوصيات مناطق معينة.

ولا يستقيم حسن تدبير الهويات، إلا في إطار دولة مدنية. الدولة المدنية هي التي تنبني على المواطنة، في نصوصها التأسيسية وفي الممارسة، من غير تمييز بين مواطنيها بناءً على دين، أو مذهب، أو عرق، أو لون، أو عنصر، أو لغة.

وما لم تُبنَ العلاقات بين مجموعات هوياتية على المواطنة، فلن يثبت البلد للطاعون الطائفي الذي يتغذّى من التوظيف الخارجي، ويصبح أكثر تعقيدًا مع النزوع المليشياوي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الأسباب مجهولة .. إلغاء اجتماع “الرباعية الدولية” بشأن السودان
  • باحث: مصر رفضت عروضًا اقتصادية ضخمة مقابل تمرير مخطط الشرق الأوسط الجديد
  • مانجا تطلق لعبة “Sonic Racing” في الشرق الأوسط
  • جوتيرش: سلام الشرق الأوسط يتحقق بحل الدولتين
  • غوتيريش: حل الدولتين هو المسار الوحيد لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط
  • انطلاق مؤتمر «حل الدولتين» في نيويورك برعاية المملكة ومشاركة فرنسية
  • سي إن إن:الولايات المتحدة استنفدت نحو ربع مخزونها من صواريخ ثاد خلال حرب إسرائيل مع إيران
  • هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟
  • إسرائيل تُصعّد ضد إيران: خامنئي هدف مباشر في أي ضربة قادمة
  • تحذير: الطاعون في منطقتنا