دأبت مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران منذ اللحظات الأولى للانقلاب على استهداف الهوية اليمنية وتجريف الموروث الثقافي والحضاري في المناطق الخاضعة لسيطرتها في سياق مخططها لإحلال الفكر (الجارودي - الأثنى عشري) الإمامي الطائفي.

وخلال التسع السنوات الماضية ارتكبت المليشيا بشكل ممنهج ومنظم سلسلة اعتداءات وانتهاكات بحق المكتبات الإسلامية في المساجد ودور العبادة والمكتبات المركزية في الجامعات الحكومية والمكتبات الثقافية الخاصة بالمواطنين في عدد من المدن التي لا تزال تحت سيطرتها منذ انقلاب 21 سبتمبر 2014.

وتنوعت الانتهاكات والجرائم ما بين الاقتحام والإغلاق والإحراق والمصادرة للمئات من المكتبات الثقافية العامرة بآلاف الكُتب في مختلف المجالات الفكرية، وإتلاف أمهات الكُتب العلمية والفقهية والمراجع الإسلامية والتراثية والمخطوطات التاريخية والنفائس النادرة ومجلدات ثمينة متوارثة منذ مئات السنين.

ولم يكتف الحوثيون عند هذا الحد من مصادرة وإزالة كل الكتب الفكرية والفقهية الإسلامية والتاريخية والتراثية القيمة من تلك المكتبات، والتي يعتقدون أنها تتعارض مع منهجهم وتوجهاتهم الفكرية والمذهبية، بل عززوا كل ما يدعم مذهبهم العقائدي والفكري المنحرف، باستبدالها بنحو 60 ملزمة ما بين كُتب ومحاضرات خاصة بمؤسس الجماعة "حسين بدر الدين الحوثي" وزعيمها شقيقه "عبدالملك" والتي تتضمن أفكارا ومفاهيم مستوردة تتوافق مع النهج الفارسي الإيراني في العقيدة والمذهب.

ويرى مراقبون أن مليشيا الحوثي، المرتبطة بنظام الملالي في إيران، تسعى عبر تلك الممارسات إلى نشر أفكارها الطائفية والمذهبية في سياق حربها الفكرية الموازية للحرب العسكرية طيلة السنوات الماضية، في محاولة منها تمرير مشروعها الطائفي المقيت، وفرض واقع جديد بقوة الحديد والنار. 

صراع اليمنيين والفكر الحوثي 

منذ انقلابها، تُجبر مليشيا الحوثي كافة شرائح المجتمع وموظفي الدولة والطلاب على حضور دورات طائفية بمسمى (ثقافية). وعملت على حوثنة التعليم بتغيير المناهج الدراسية وإدراج دروس تحمل أفكارا ومواد طائفية واستبدلت المعلمين وخطباء المساجد بالقوة بآخرين من المنتمين لها، في محاولة لإحداث تغيير فكري ضمن محاولاتها الرامية لتطييف المجتمع اليمني وتغيير هويته وعقيدته بما يضمن تربية الجيل الجديد وتنشئته على الأفكار الحوثية المغلوطة.

ويشير المراقبون إلى أن الصراع بين اليمنيين والفكر الذي يحمله الحوثيون قديم منذ الأزل، حيث يعتمد الحوثيون في نهجهم على فكرة الحق الإلهي في الحكم، وأن رسالتهم في الحياة الموت. كما يعانون من مشكلة الهوية اليمنية بعد سطوهم وتقويضهم لمؤسسات الدولة، فالايدلوجية الحوثية، وعدم الاعتراف بالآخر وممارستهم الرافضة للتنوع والتعايش المذهبي بين اليمنيين تهدد النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي، ولن تزول إلا بزوال هذه المليشيا وفكرها الطائفي الذي تكرسه بين أوساط المجتمع خدمة لمشروع الملالي في إيران وأجنداتها المشبوهة.

وعلى مدى تسع سنوات من انقلاب مليشيا الحوثي، عملت على قدم وساق على نهب وتهريب كميات ضخمة من المخطوطات الأثرية القيمة الموجودة في مكتبات وقباب الجامع الكبير ومكتبته الكبرى بمدينة صنعاء التاريخية ضمن ما أسمتها عمليات تنقيب وترميم واسعة للعديد من المساجد التاريخية في المدينة، ومساجد شبام كوكبان بالمحويت ومساجد صعدة وذمار وإب وجبلة وزبيد وتعز الجند والبيضاء، حيث تحتوي المساجد ومكتباتها على كميات كبيرة من المخطوطات الأثرية، فضلا عن القيام بأعمال تدمير ممنهجة لمئات المخطوطات القديمة التي تتعارض مع نهج المليشيا الطائفي.

مكتبات المساجد التاريخية

حرب الميليشيات على المكتبات الدينية والإسلامية والثقافية بدأ مع الأسابيع الأولى لسيطرة الميليشيات سياسياً وعسكرياً على الدولة اليمنية في يناير 2015م، من خلال ما عرف حينها ب(الإعلان الدستوري) الذي بموجبه تم حل الحكومة والبرلمان واستبدالهما باللجان الثورية للميليشيات.

وفي 12 فبراير 2015م دشنت الميليشيات حربها على الموروث الثقافي بإحراق مكتبة دار القرآن الكريم بالكامل في بيت مران بمديرية أرحب شمال صنعاء، ونهبت محتويات سكن الطلاب المجاور للدار، وكامل أثاثه، ومكتبة مركز الفاروق للعلوم الشرعية الواقع بمنطقة العرشان بالمديرية ذاتها.

ويوم الأحد 22 يناير 2017م اقتحمت مساجد «الجامع الكبير ودير المشهور وأبوبكر الصديق» في مديرية الزيدية شمال محافظة الحديدة، وأحرقت وصادرت الكتب الدينية والمؤلفات الفقهية المتواجدة في مكتباتها واستبدلت تلك المؤلفات بملازم وكتب خاصة بجماعة الحوثي الطائفية، كما هدد مسلحو المليشيا القائمين على تلك المساجد بالاعتقال والزج في السجن في حال تم الاعتداء على الكتب والملازم الخاصة بهم والتي تم وضعها في مكتبات المساجد.

ويوم الجمعة 17 يونيو 2016م صادرت الميليشيات جميع الكتب والتسجيلات في جامع الرحمة، وقامت في 18 يونيو 2016م، بتأميم مكتبة جامع "بلال" النفيسة بشارع الزبيري المعروف بمسجد العلامة القاضي "محمد بن إسماعيل العمراني" وهو أحد أبرز العلماء والمراجع اليمنية، المكتبة الموجودة في "مركز العمراني للدراسات" الملحق بالجامع وسط صنعاء رغم إغلاقها من قبل الحوثيين وتحفظهم عليها منذ قرابة عام.

وتعد مكتبة جامع ومركز القاضي العمراني، واحدة من أهم المكتبات اليمنية التي تضم نفائس الكتب والبحوث الفقهية، وتشمل كل المذاهب والعلوم الدينية وكتب التاريخ واللغة والأدب الإسلامي والتفاسير والأصول والفقه وغيرها من أمهات الكتب الشهيرة والنادرة والقيمة.

واقتحمت الميليشيات في 3 يونيو 2017م، مسجدي الهدى والتوحيد بمدينة ذمار الواقعة جنوب صنعاء ونهبت الكتب "السنية" الخاصة بمكتباتهما وعبثت بها وصادرتها، وفرضت كتبا خاصة بالمذهب الإثنى عشري وأقامت محاضرات خاصة على طريقة ونهج المليشيا، وفي 10 فبراير 2017م، أقدمت الميليشيات على إحراق مكتبة مسجد "سابحة" في حي عصر بمديرية الوحدة غربي صنعاء، قبل أن تحرق في 14 أغسطس من نفس العام المكتبة الإسلامية الخاصة بمسجد صبر منطقة بركان، بمديرية مكيراس محافظة البيضاء، وتداهم في 17 أكتوبر 2017م، مكتبة جامع حنظل بحي التحرير وسط صنعاء، لمصادرة كُتب دينية ومراجع إسلامية مهمة تتعلق بتفاسير القرآن الكريم وكتب الصحاح في السنة النبوية وأبقت على الكُتب الطائفية التي تدعو لاعتناق عقائد الشيعة "الإثنى عشرية" التي تتوافق مع فكر ونهج الجماعة الطائفي.

مكتبة زبيد وأمهات الكتب 

مكتبة زبيد التاريخية في الحديدة، هي الأخرى كانت هدفاً للميليشيات الحوثية التي قامت بنهبها يوم 20 يناير 2019م وإفراغها مما تحتويه من المخطوطات الأثرية والكتب التاريخية والعلمية، وبينها نفائس نادرة وتوثق المخطوطات والكتب المنهوبة تاريخ وحضارة المدينة التي كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر، وتمثل موقعًا تاريخيًا وأثريًا كبيرا على مستوى الوطن العربي.

ولاقت حادثة نهب مكتبة زبيد التاريخية إدانات واسعة وتنديدا من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) التي اعتبرتها عملاً إجرامياً بحق التراث الحضاري اليمني، ومخالفة خطيرة للمواثيق والإعلانات الدولية الخاصة بحماية التراث الحضاري والمحافظة عليه، ودعت المنظمة، الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وخاصة اليونيسكو إلى التدخّل لإجبار ميليشيا الحوثي على إعادة ما نهبته من مكتبة مدينة زبيد باعتباره جزءاً من التراث الثقافي للإنسانية جمعاء والذي تنص اتفاقية لاهاي المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاعات المسلحة على تجريم الاعتداء عليه.

وفي مطلع فبراير 2019م، داهمت مليشيا الحوثي ليلاً مكتبة الجامع الكبير الأثري (جامع الحمامي) في مديرية بني بهلول محافظة ‎صنعاء ونهبت الكتب النادرة التي كانت فيها، قبل أن تحرق في 20 ديسمبر 2020م، كتباً ومجلدات ثمينة في مكتبة "السنّة" في مدينة ‎حجة.

واقتحمت الميليشيات يوم 15 أبريل 2021م، بقيادة المدعو إبراهيم قاسم مطهر الشامي (أبو زيد) مكتبة جامع عمر بن عبدالعزيز في محافظة إب، وصادرت نحو 500 كتاب من أمهات الكتب والتي تضم مجلدات للبخاري ومسلم وابن تيمية، قبل أن تصادر مقرها وتحوله إلى مكان لتجمع المسلحين وتناول القات، وعقب سيطرتها على مديريات بيحان شبوة، قامت الميليشيات في 2 نوفمبر 2021م، بإحراق مكتبة جامع عبدالله بن مسعود في قرية الصفحة في مديرية عسيلان شمالي غرب محافظة شبوة بكل ما تحويه من مقتنيات ومصاحف القرآن الكريم وكتب ومؤلفات إسلامية.

وسجل يوم الأربعاء 3 أغسطس 2022م، اقتحام عشرات المسلحين الحوثيين بقيادة علي العسل مسجد الخير ومكتبته في منطقة الشراعي محافظة إب وقاموا بنهب المكتبة الكبيرة، والتي تحتوي على مئات الكتب والمجلدات الإسلامية ومقتنيات أخرى.

وفي أواخر أغسطس 2023م، اقتحم مسلحون تابعون لمليشيا الحوثي مسجد السنة بقرية ذو قعبان بمديرية العشة محافظة عمران، ونهبوا مكتبة المسجد ونقلوها على متن عدد من الأطقم، على خلفية رفض أبناء القرية السماح لمشرف حوثي من إلقاء دروس طائفية.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: ملیشیا الحوثی

إقرأ أيضاً:

تقرير حقوقي يوثق أكثر من 15 ألف انتهاك حوثي في ذمار خلال 7 أعوام

15،413 انتهاكًا في محافظة ذمار منذ 2018

وثق تقرير حقوقي صادر عن الشبكة اليمنية للحقوق والحريات ارتكاب ميليشيات الحوثي أكثر من 15 ألف انتهاك إنساني في محافظة ذمار الواقعة جنوب العاصمة صنعاء، وذلك خلال الفترة الممتدة من يناير 2018 وحتى 30 مايو 2025.

ووفقًا للتقرير، فقد بلغ إجمالي الانتهاكات 15،413 حالة، شملت جرائم قتل واختطاف وإخفاء قسري وتعذيب وتشريد ونهب ممتلكات عامة وخاصة، في سياق سياسات قمع ممنهجة تمارسها الجماعة المسلحة.

الموقف السعودي... دعم ثابت وأخوي.. العليمي: "مسام": مشروع إنساني أنقذ آلاف الأرواح قيود حوثية جديدة في صنعاء: خنق الحريات وتوسيع بيئة الخوف ممارسات وحشية وانفلات أمني منظم

وكشف التقرير أن ميليشيات الحوثي قتلت خلال السنوات السبع الماضية 474 مدنيًا بينهم 32 طفلًا، وسجلت 19 حالة اغتيال استهدفت قيادات اجتماعية ونشطاء وسياسيين.
كما أصيب 218 مدنيًا بينهم 34 طفلًا و9 نساء، فيما تم اختطاف 1،183 شخصًا، بينهم أطفال وإعلاميون ونشطاء، لا يزال معظمهم قيد الإخفاء القسري.

وسجّل التقرير 72 حالة إخفاء قسري، و27 حالة احتجاز رهائن، إضافة إلى 614 حالة توقيف تعسفي للمسافرين، و315 حالة فصل تعسفي وإقصاء من الوظيفة العامة بدوافع مناطقية أو سياسية.

تعذيب وقتل واغتصاب.. انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان

وثقت الشبكة 274 حالة تعذيب نفسي وجسدي داخل سجون الحوثيين، بينها 12 حالة وفاة تحت التعذيب كما سجلت 9 حالات اغتصاب لأطفال ونساء، و105 اعتداءات جسدية، طالت في بعض الحالات عمال نظافة كانوا يطالبون برواتبهم.

وفي مشهد يكشف مدى الوحشية، تعرض 98 عامل نظافة لإطلاق النار والضرب واحتجاز الحريات أثناء إضراب سلمي للمطالبة بمستحقاتهم.

تفجير منازل ونهب ممتلكات وتهجير قسري

أورد التقرير أن الميليشيات فجرت 39 منزلًا و6 محال تجارية، ونسفت مسجدين، بالإضافة إلى تفجير دار تعليم قرآن. كما اقتحمت 1،304 منزلًا في عدة مديريات، ونهبت 150 منزلًا، وصادرت 52 ملكية خاصة.

كما حوّلت 9 مرافق حكومية إلى ثكنات عسكرية، و18 منشأة مدنية لأغراض قتالية، واقتحمت 166 مرفقًا تعليميًا و32 مرفقًا صحيًا، وأغلقت 7 مدارس دينية.
وأشار التقرير إلى أن الميليشيات هجّرت قسريًا أكثر من 2،143 أسرة خلال الفترة المشمولة.

تقويض مؤسسات الدولة وتجنيد الأطفال

وسجل التقرير 4،671 حالة تقويض لمؤسسات الدولة، و203 تعيينات غير قانونية، و64 حالة إنشاء معسكرات ومخازن سلاح داخل مناطق مدنية، إلى جانب 1،304 حالات جباية غير قانونية.
ووثقت الشبكة أيضًا تجنيد 4،481 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عامًا، لقي 2،019 منهم حتفهم في جبهات القتال، فيما أُصيب 1،475 آخرون.

قمع الصحافة وتكميم الأفواه

وثّق التقرير 154 انتهاكًا لحرية الإعلام والرأي، منها 65 حالة اختطاف لصحفيين، و28 حالة منع تغطية إعلامية، و56 حالة اعتداء على أسر صحفيين بسبب نشاطهم. كما أوقفت الميليشيات 5 صحف محلية، ومنعت تداول المطبوعات في المكتبات والأكشاك.

انتهاكات لم تصل للتوثيق الكامل

وأكدت الشبكة اليمنية أن هذه الانتهاكات تمثل جزءًا فقط من الجرائم المرتكبة، إذ لم يتمكن راصدوها من الوصول إلى جميع الضحايا، نظرًا لخطورة الأوضاع الأمنية والتهديدات التي تطال العاملين في الميدان، ما يعني أن الأرقام الموثقة تمثل الحد الأدنى لحجم المأساة في محافظة ذمار.

انتهاكات الحوثيين في محافظة الجوف: قمعٌ ممنهج واستهدافٌ للقبائل الحوثيون والصحافة في اليمن.. عقد من القمع الممنهج وتكميم الأفواه

مقالات مشابهة

  • الجيش اليمني يعلن تصديه لهجمات حوثية في مأرب والجوف وتعز
  • تهيئة أكثر من 400 جامع ومصلى بالطائف لصلاة عيد الأضحى
  • شركة اليمنية والهوية الشخصية.. أحدث شواهد لمسيرة الحوثي الانفصالية
  • المرصد الإعلامي لمنظمة التعاون الإسلامي لجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين يُسجل 3024 جريمة في أسبوع
  • الريال اليمني يترنح مجددًا.. قفزة جديدة في أسعار الدولار تُشعل الأسواق بمناطق الحكومة
  • انهيار للريال اليمني.. وهذه آخر أسعار العملات في السوق
  • الحجاج اليمنيين.. معاناة مستمرة بين خلافات الحكومة والحوثيين والجبايات غير القانونية (تقرير)
  • تقرير حقوقي يوثق أكثر من 15 ألف انتهاك حوثي في ذمار خلال 7 أعوام
  • أسعار العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني اليوم الإثنين 2 يونيو 2025
  • أوقاف الغربية تخصص 463 ساحة رئيسية وفرعية لأداء صلاة عيد الأضحى