نشرت مجلة "إيكونوميست" مقالا، قالت فيه إن الأشهر الأخيرة وفّرت سببا كافيا للقلق. ففي آذار/ مارس، واجه سكان قرية رميش المسيحية في الجنوب، أعضاء من حزب الله، وهي مليشيا شيعية وحزب سياسي، أثناء محاولتهم إنشاء منصة إطلاق صواريخ في وسط المدينة. ثم في 7 نيسان/ أبريل، تم اختطاف باسكال سليمان، المسؤول في القوات اللبنانية، وهو حزب مسيحي يميني، بالقرب من مدينة جبيل الشمالية وقتله.

وسارع زعيم الحزب إلى التلميح إلى دور حزب الله (الذي نفى مسؤوليته).

وأثار كلا الحادثين مخاوف من نشوب قتال بين المسيحيين والشيعة. كما أبرز نفس المشكلة الأساسية: عدم قدرة الدولة على السيطرة على المليشيات، وتحديدا حزب الله. ولم يتمكن القرويون في رميش من طلب المساعدة من الجيش الذي يتمتع بسلطة قليلة في الجنوب. وإذا كان حزب الله وراء جريمة القتل في جبيل، فلن تتم محاسبته أبدا: فقد تمتعت الجماعة بالإفلات من العقاب على مدى عقود من عمليات القتل.

وتابع المقال نفسه، بأن الشرق الأوسط يعاني من مشكلة "المليشيات". من بين 400 مليون شخص في العالم العربي، يعيش أكثر من ربعهم في بلدان حيث الدولة أضعف من أن تتمكن من كبح جماح الجماعات المسلحة. لبنان فيه حزب الله، واليمن فيه الحوثيون، وهم فصيل شيعي يسيطر على المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، والعراق لديه كوكبة من المليشيات، وكذلك ليبيا وسوريا.

مثل هذه المجموعات ليست فريدة من نوعها في الشرق الأوسط. وما يجعل مليشياتها متميزة هو تعايشها مع الدولة. من الناحية النظرية، حزب الله مثل أي حزب آخر في الديمقراطية الطائفية في لبنان: أعضاؤه يجلسون في البرلمان ويديرون الوزارات. وهو أيضا الطرف الوحيد الأفضل تجهيزا من الجيش، ويتمتع بالقدرة على اتخاذ القرار بشأن جر البلاد إلى حرب خارجية.

النتائج بليغة حيث تجلب "المليشيات" حربا داخلية ضروسا. لكن منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ساعدوا أيضا في جر أربع دول عربية إلى معركة متصاعدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث عملوا كوكلاء لإيران، التي امتنعت حتى وقت قريب عن القتال بشكل مباشر. 

وأضاف المقال نفسه، أن "المليشيات، تقوم بقتل وترهيب مواطنيها، وتنهب مليارات الدولارات من سندات الخزانة، وتخيف المستثمرين الأجانب. إنهم مكروهون بشكل متزايد، ولكن من الصعب للغاية اقتلاعها من جذورها".

وأردف بأن "استخدام العنف أو التهديد به هو العامل الأول. ويُلقى اللوم على حزب الله على نطاق واسع في سلسلة من الاغتيالات التي طالت خصومه، من رفيق الحريري، رئيس الوزراء الأسبق، في عام 2005، إلى محمد شطح، وزير المالية السابق، في عام 2013. ويقول قريب أحد الضحايا: "لقد عرفوا بالضبط من يقتلون.. معارضتهم لم تتعاف أبدا".

ويلعب المال دورا أيضا؛ إذ تسيطر العديد من "المليشيات" على إمبراطوريات اقتصادية واسعة. قال علي علاوي، وزير المالية العراقي السابق، ذات مرة إن الخزانة تلقت أقل من مليار دولار من الرسوم الجمركية البالغة 7 مليارات دولار والتي يتم فرضها كل عام. 

واستولت المليشيات على معظم ما تبقى. وفي عام 2022، شكلوا تكتلا للبناء وأقنعوا الدولة بمنحها مساحة تبلغ نصف مساحة قبرص. إنهم يصدرون قروضا للمتقاعدين ويجمعون مئات الآلاف من الدولارات يوميا من فرض ضرائب على الشاحنات عند نقاط التفتيش.

هناك العديد من الجماعات المتمردة العنيفة والفاسدة في مختلف أنحاء العالم، ولكن قِلة منها تسيطر على 12 في المئة من مقاعد البرلمان وتدير وزارة العمل، كما يفعل حزب الله في لبنان. هناك عوامل أخرى تفسر تفوقهم في الشرق الأوسط. إن الدول الضعيفة وغير الشرعية هي العنصر الأول. 


وتستمد "مليشيات" المنطقة من آبار عميقة من الغضب الشعبي. وكان الشيعة في لبنان، الذين يشكلون قاعدة حزب الله، لقرون عديدة من الطبقة الدنيا الفقيرة؛ أما أولئك الذين يعيشون في العراق فقد تعرضوا للقمع الوحشي خلال حكم صدام حسين الذي دام 24 عاما. تفتقر ليبيا إلى انقسامات طائفية عميقة، لكن هناك انقسامات إقليمية تنبع من سوء حكم معمر القذافي، الدكتاتور الذي أطيح به في عام 2011.

أضف بعد ذلك الحرب التي تكون بمثابة سبب وجود المليشيات وتجعلها مفيدة للدولة. لعقود من الزمن، سيطر نظام الأسد على سوريا بإحكام. ثم جاءت الانتفاضة الشعبية في عام 2011 والتي تحولت إلى حرب أهلية عندما بدأت القوات في قتل المتظاهرين. وكان الجيش السوري بحاجة إلى المساعدة من العديد من المليشيات لسحق الثورة.

وبالمثل، فقد ظهرت العديد من المليشيات العراقية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي تقاتل ضد المحتلين بقيادة الولايات المتحدة. وعززت دورها في عام 2014 في الصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية عندما فر الجيش العراقي واستسلم لمدينة الموصل.

وهذا يشير إلى عنصر ثالث.. فالمتمردون بحكم تعريفهم يقاتلون الدولة. لكن في الشرق الأوسط، تمنح الدولة في كثير من الأحيان درجة من الشرعية لمثل هذه الجماعات، ثم تجد أنه من المستحيل التراجع عنها. ودعا الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان عام 1989، جميع المليشيات إلى نزع سلاحها. لكنها استثنت حزب الله الذي قال إنه جماعة مقاومة تقاتل دولة الاحتلال الإسرائيلي.

كان الحوثيون يمارسون التمرد منذ فترة طويلة في شمال اليمن، وهي أفقر منطقة في بلد فقير. وفي عام 2014، وسط الفوضى التي أعقبت الثورة، اجتاحوا الجنوب واستولوا على العاصمة والمدن الكبرى الأخرى. ولم يعترضهم الجيش اليمني، واصفا الحوثيين بالثوار. وكانت المكونات الثلاثة جميعها موجودة: دولة ضعيفة، وصراع، وقليل من المصداقية.

وهنا تنقسم مليشيات الشرق الأوسط إلى فئتين. اليوم هم الدولة في معظم أنحاء اليمن. لكن باستيلائهم على السلطة، حشد الحوثيون المعارضة. ويلومهم العديد من اليمنيين الآن على الفقر والمجاعة والمرض. بصفتهم متمردين، هاجم الحوثيون الفساد الرسمي وعندما أصبحوا في السلطة، تبنوا الفساد.

أما مليشيات العراق ولبنان وسوريا فقد اتبعت سيناريو مختلفا. وبدلا من الاستيلاء على الحكومة، فإنها سعت إلى استمالتها. ويوزع حزب الله العقود عبر الوزارات، ويستأجر مؤيدين لوظائف الخدمة المدنية، ويسرق الأموال من الجمارك. ومعظم الأحزاب اللبنانية تفعل الشيء نفسه. 


لكن حزب الله يسيطر أيضا على حدوده البرية مع سوريا والعديد من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وهو ما لا تفعله الأطراف الأخرى. وتمنحه ترسانته الهائلة حق النقض: فقد احتل مسلحوه بيروت عام 2008 لإجبار مجلس الوزراء على التراجع عن القرارات التي اختلف معها الحزب. وهي في الوقت نفسه جزء من الدولة وفوقها. وتصفها لينا الخطيب من تشاتام هاوس، وهي مؤسسة بحثية بريطانية، بأنها "نفوذ بدون مسؤولية".

خلال الحرب الأهلية في لبنان، طلبت معظم مليشياته الطائفية المساعدة من الخارج. وكانت الجبهة تتلقى الأسلحة والتمويل من دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب عدد من الدول الغربية والعربية. ولكن عندما انتهت الحرب، جف الدعم الرسمي. حزب الله وحده هو الذي ما زال يحصل على مساعدة قوية من دولة أجنبية: إيران، التي أرسلت عشرات المليارات من الدولارات وترسانة من الأسلحة الحديثة على مدى أكثر من أربعين عاما.

وهذا يساعد على تفسير التحول الذي طرأ على زعيم جبهة التحرير سمير جعجع. وهو أحد أكثر القادة شراسة في الحرب الأهلية، وبدا في السنوات الأخيرة عازما على الصراع مع حزب الله. لكن في 22 نيسان/ أبريل، وبعد أسبوعين من التلميح إلى دور الحزب في مقتل سليمان، أعلن جعجع أنه لا يوجد دليل يشير إلى تورط المجموعة. قد يرغب في معركة، لكنه ليس في وضع يسمح له بخوضها.


وأكثر من أي شيء آخر، فإن الدعم الخارجي هو الذي يفسر القوة العنيدة التي تتمتع بها "مليشيات الشرق الأوسط". وكانت إيران هي المذنب الرئيسي، إذ لم تدعم حزب الله فحسب، بل دعمت أيضا جماعات في العراق وسوريا واليمن (تقوم جهات مانحة أخرى بهذه المهمة في ليبيا). 

وقد حاولت أمريكا منع مثل هذه المساعدات من خلال العقوبات، ولكن دون نجاح يذكر. وقد اتبع صناع السياسة الغربيون والأمم المتحدة مخططات لإقناع المليشيات بنزع سلاحها. لكن طالما أن لديهم تدفقات من الأموال والأسلحة من الخارج، فلن يكون لديهم حافز كبير لفعل ذلك.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية اللبنانية الشرق الأوسط الدعم الخارجي لبنان الشرق الأوسط الدعم الخارجي سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط العدید من حزب الله فی لبنان فی عام

إقرأ أيضاً:

رئيسة بنك التنمية الجديد: مصر تعد مركزًا إقليميًا في ظل موقعها الفريد في الشرق الأوسط وأفريقيا

استقبلت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي والمحافظ المناوب لمصر لدى بنك التنمية الجديد، ديلما روسيف، رئيسة بنك التنمية الجديد NDB ورئيسة البرازيل السابقة، وذلك بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث عقد الجانبان جلسة مباحثات قبيل انعقاد الملتقى الأول للبنك الذي ينطلق غدًا الثلاثاء، وشهد اللقاء مناقشات حول مجالات التعاون والفرص المتاحة لتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة، في إطار استراتيجية بنك التنمية الجديد تعزيز العلاقات مع الدول النامية والاقتصاديات الناشئة، وكذلك الأولويات والاهتمامات الوطنية.

وفي مستهل اللقاء رحبت وزيرة التعاون الدولي، برئيسة بنك التنمية الجديد في زيارتها لمصر، مؤكدة على أهمية تلك الزيارة التي تأتي بعد انضمام مصر لعضوية البنك وكذلك تجمع دول "بريكس"، في إطار حرص الدولة المصرية على توطيد وتنويع علاقاتها مع شركاء التنمية المختلفين بما يلبي متطلبات التنمية ويعزز من التوجه نحو دعم إصلاح الهيكل المالي العالمي بدخول مزيد من الآليات التمويلية المبتكرة، حيث أن الجهود التي يقوم بها البنك تعزز التوجه الدولي نحو ابتكار آليات تمويل جديدة وإصلاح بنوك التنمية متعددة الأطراف

واستعرضت وزيرة التعاون الدولي، الجهود الوطنية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تنفيذ استراتيجية 2030 التي تتضمن خطوطًا عريضة للعلاقات ما بين القطاعات المختلفة، وكذلك الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، التي تُعزز جهود التنمية في مجالات مختلفة مثل الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، حيث يتم العمل على دفع تلك القطاعات من خلال العلاقات مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، وحشد استثمارات القطاع الخاص للعمل المناخي، إلى جانب ذلك تعمل مصر على تنفيذ الاستراتيجية المتكاملة للطاقة المستدامة 2030، حيث نفذت الدولة إصلاحات هيكلية مكنتها من توسيع مظلة استثمارات القطاع الخاص في الطاقة المتجددة ومن بين أبرز تلك المشروعات مجمع بنبان للطاقة الشمسية بأسوان.

كما أشارت وزيرة التعاون الدولي، إلى مشروعات البنية التحتية التي تم تنفيذها وتحفيز البيئة الاستثمارية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس والشراكات مع العديد من الشركات العالمية التي تستفيد من الميزة النسبية للمنطقة في تصدير منتجاتها لأفريقيا، وكذلك التوسع في بناء الموانئ الجافة في مختلف أنحاء مصر، بما يجعل مصر محورًا رئيسيًا في المبادرات العالمية ومن بينها مبادرة الحزام والطريق، ويفتح مجالات كبيرة للتعاون مع بنك التنمية الجديد والدول الأعضاء مع البنك. فضلًا عن توجه الدولة نحو التوسع في التكنولوجيا والابتكار ومراكز البيانات.

من جانب آخر عرضت «المشاط»، تقرير الوزارة لعام 2023 والذي يتضمن تفاصيل الشراكات مع شركاء التنمية خلال الفترة من 2020 إلى 2023، والمشروعات المختلفة التي تم تنفيذها من شركاء التنمية، فضلًا عن جهود تحفيز العمل المناخي من خلال برنامج «نُوَفّي»، والمشروعات الرائدة التي تم تنفيذها مع شركاء لتنمية مثل برنامج الحماية الاجتماعية "تكافل وكرامة"، وبرنامج الإسكان الاجتماعي.

وأكدت وزيرة التعاون الدولي، أن هناك اهتمام كبير من مجتمع الأعمال ومراكز الفكر ومختلف الأطراف المعنية بانعقاد الملتقى الأول للبنك في مصر، للتعرف على الفرص المتاحة للتعاون والرؤية التي يعمل من خلالها لدعم التنمية في الدول النامية والاقتصاديات الناشئة.

من جانبها وجهت رئيسة بنك التنمية الجديد، الشكر للدولة المصرية على حفاوة الاستقبال، مؤكدة على أهمية العلاقات مع مصر والفرص الكبيرة المتاحة للاستثمار في ظل تواجد المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وشبكة الطرق والبنية التحتية الضخمة، والفرص المتاحة للاستثمار في التعليم والتكنولوجيا والصحة، مؤكدة أن مصر تعد مركزًا إقليميًا في ظل موقعها الفريد بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لاسيما خصوصًا مع تواجد الموانئ الجافة. وأكدت في ذات الوقت أهمية توجه الدول الناشئة نحو زيادة استثماراتها في مجال التكنولوجيا والابتكار لمواكبة التطورات العالمية وتعزيز جهود توطين الصناعة والمساهمة في تطوير سلاسل القيمة.

مقالات مشابهة

  • مركز “ويلسون”: اليمن قَلَبَ حسابات أمريكا الأمنية في الشرق الأوسط
  • بلينكن: جميع الدول في الشرق الأوسط تؤيد الخطة الخاصة بغزة
  • مركز “ويلسون”: اليمن قلب حسابات أمريكا الأمنية في الشرق الأوسط
  • استقرار الشرق الأوسط ووقف العدوان على غزة.. الحرية المصري يشيد بقرار مجلس الأمن وقف إطلاق النار
  • وزير الخارجية الأمريكية يحضر مؤتمرًا في الأردن للاستجابة الإنسانية بغزة
  • أقوى الشركات العقارية في الشرق الأوسط لعام 2024
  • الشرق الأوسط يحل ثانيا.. أكبر عدد من النزاعات المسلحة منذ 78 عاما
  • رئيسة بنك التنمية الجديد: مصر تعد مركزًا إقليميًا في ظل موقعها الفريد في الشرق الأوسط وأفريقيا
  • بلينكن في الشرق الأوسط للمرة الثامنة.. هل ينجح في وقف إطلاق النار
  • العاصفة الكاملة في الشرق الأوسط