أثار طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات توقيف مسؤولين إسرائيليين وعدد من قادة حماس، التساؤلات حول مصير هذا الأمر في حال قامت هيئة القضاة أو ما تعرف بـ"الدائرة التمهيدية"، بقبوله ومدى إمكانية تطبيق ذلك على أرض الواقع؟

والاثنين، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أنه يسعى للحصول على مذكرات توقيف ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم تشمل "التجويع" و"القتل العمد" و"الإبادة و/أو القتل".

وقال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إن إسرائيل ارتكبت "جرائم ضد الإنسانية"، واتهمها بشن "هجوم واسع النطاق وممنهج ضد المدنيين الفلسطينيين".

كما طلب إصدار أوامر اعتقال بحق ثلاثة من كبار قادة حركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، وهم يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة، ومحمد دياب إبراهيم "ضيف"، قائد كتائب القسام الجناح العسكري للحركة، وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، بتهم "الإبادة" و"الاغتصاب" و"العنف الجنسي" و"احتجاز رهائن".

مطالب الجنائية الدولية.. نظريا وعمليا

الجنائية الدولية هي أول محكمة دولية دائمة لجرائم الحرب في العالم، وتم تأسيسها في عام 2002 بموجب معاهدة تسمى نظام روما الأساسي لمحاسبة أولئك الذين يرتكبون "أعمالا وحشية جماعية".

ويوضح المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، أن مطالب المحكمة الجنائية الدولية تنقسم إلى واقع "نظري قانوني" من حيث إقرار الإجراءات واجبة التطبيق، وآخر "عملي" من خلال آليات التطبيق.

وبالنسبة للواقع النظري وبالاستناد إلى المواد 57 و58 من نظام روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية فإن دور الدائرة التمهيدية هي الاستجابة لطلبات المدعي العام للمحكمة من خلال البت بطلباته، وفق حديث الكيلاني لموقع "الحرة".

من جهته، أوضح خان في طلبه أن "لقضاة المحكمة الجنائية الدولية المستقلين وحدهم الحكم فيما إذا كان المعيار اللازم لإصدار أوامر قبض قد استوفي".

وأضاف أنه إذا تمت الموافقة على "طلباتي وأصدروا الأوامر المطلوبة، سأعمل حينئذ عن كثب مع مسجل المحكمة باذلا كل جهدي للقبض على الأفراد المذكورة أسماؤهم، وأعوّل على كل الدول الأطراف في نظام روما الأساسي في أن يتعاملوا مع هذه الطلبات والقرار القضائي الذي سيترتب عليها بالجدية نفسها التي أبدوها في الحالات الأخرى، وأن يوفوا بالتزاماتهم بموجب النظام الأساسي".

ويتم فحص الطلب من حيث مطابقة واستيفاء كل المعايير القانونية المتطلبة لاستصدار قرار التطبيق بما يخص بالتحديد "نوع الجريمة "، وما إذا كانت تتوافق مع الجرائم التي نص عليها نظام محكمة الجنايات الدولية، والتي أشار المدعي العام إلى أنها تتوافق مع المواد 7 و8 " كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، حسبما يشير الكيلاني.

ويؤكد المختص بالقانون الجنائي الدولي أن النقطة الثانية "مرتبطة بمسؤولية الأشخاص المذكورين وصلاتهم بتلك الانتهاكات" استنادا إلى المواد 25 و28 من نظام المحكمة، بما يخص "المسؤولية الجنائية الفردية".

ويشير إلى الخطوة التالية، وهي "استصدار المحكمة تلك المذكرات وإعطاء الصلاحية للمدعي العام لتطبيقها".

لكن من ناحية التطبيق العملي، فقد تمارس الولايات المتحدة "ضغوطا" من أجل تعطيل اتخاذ القرار من قبل الدائرة التمهيدية وبعد ذلك عرقلة خطط المدعي العام في التنفيذ، وفق تقديرات الكيلاني.

ما آليات المحكمة لتنفيذ مطالبها؟

تلتزم الدول الأعضاء في الجنائية الدولية وعددها 124 دولة بالاعتقال الفوري للشخص المطلوب إذا كان موجودا على أراضي دولة عضو، لكن المحكمة ليس لديها وسيلة لتنفيذ أوامر الاعتقال.

ويؤكد المحامي أمام محكمة الجنايات الدولية والمشارك بشكوى ضد المسؤولين الإسرائيليين بشأن "جرائم حرب مزعومة" أمام المحكمة، إيلي حاتم، أن المطالب قابلة لـ"التطبيق على أرض الواقع".

وسيتم "تقييد حركة" المسؤولين الإسرائيليين بالدول الأطراف بالمحكمة الجنائية الدولية، ولن يستطيعوا السفر إلى تلك الدول، وفق حديثه لموقع "الحرة".

وتتفق معه المحامية أمام المحكمة الجنائية الدولية، ديالا شحاتة، التي تشير إلى إمكانية تطبيق طلبات المدعي العام، إذا دخل أحد الأشخاص "المطلوبين" إلى أراضي دولة من أعضاء المحكمة وملتزمة بقراراتها.

ولكن من الصعب جدا تنفيذ تلك المطالب في ظل النفوذ السياسي الذي يحظى به المسؤولون الإسرائيليون، وفق حديثها لموقع "الحرة".

أما الكيلاني فيستند إلى المواد 15-54، ويقول: "يقوم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالطلب من الدولتين (إسرائيل وفلسطين)، بتسليم المشتبه بهم".

وفي حال "الرفض أو التخلف" يتم تعميم تلك المذكرات على الإنتربول الدولي تحت "الشارة الحمراء".

ويوضح أن المسؤولية وقتها تكون الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" والتي تقوم بإلقاء القبض على المشتبه بهم وتسليمهم إلى المحكمة.

ماذا ينتظر نتانياهو والسنوار؟

هناك 124 دولة طرفا في نظام روما الأساسي، بينها "دولة فلسطين"، لكن إسرائيل ليست "عضوا في المحكمة الجنائية الدولية".

ويرجح الكيلاني استصدار المحكمة الجنائية الدولية لـ"مذكرات توقيف دولية بحق جميع من طلبهم المدعي العام".

وتلك الجرائم لا تسقط بالتقادم وبالتالي فإن "الخطوة التي تقدم بها المدعي العام لن يكون هنالك عودة بها"، وفق تقديرات المختص بالقانون الجنائي الدولي.

ومن جانبها، تتحدث شحاتة عن تداعيات "سياسية دولية" على نتانياهو والمسؤولين الإسرائيليين.

ولن يقدر هؤلاء المسؤولين الإسرائيليين على دخول نحو ثلثي دول العالم، وبينها وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي وجميع دول أفريقيا وأميركا اللاتينية، حسبما توضح المحامية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وتشير إلى أن المذكرات سوف "تردع القادة الإسرائيليين الآخرين عن تكرار الأفعال التي أدت لإصدار القرارات، وتشكل عقبة أمام تمادي إسرائيل فيما تفعله بغزة".

ومذكرات التوقيف "لا تسقط بمرور الزمن وتلاحق الشخص المطلوب حتى مماته، وهذا هو الضرر الأكبر والأخطر على الملاحقين من قبل المحكمة الجنائية الدولية"، على حد تعبير شحاتة.

وفي سياق متصل، يؤكد حاتم أن نتانياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين سيبقون داخل إسرائيل ولا يستطيعون الخروج منها والسفر سوى إلى" الدول التي لم توقع على معاهدة روما".

وعلى مستوى العالم سيتم النظر إلى المسؤولين الإسرائيليين على أنهم "مجرمي حرب"، على حد تعبير المحامي أمام محكمة الجنايات الدولية.

وبالنسبة لقادة حماس فهم متواجدين في قطاع غزة، ولن يتأثروا بالقرار بـ"شكل كبير"، وفق حاتم.

ومن الناحية النظرية، يمكن لبعض السلطات الحاكمة المستقبلية في قطاع غزة، حيث يعتقد أن السنوار وضيف مختبئان، تسليمهما إلى المحكمة، بينما يقيم إسماعيل هنية في قطر، وهي ليست عضوا في الجنائية الدولية.

واندلعت الحرب إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق على مناطق ومواقع محاذية لقطاع غزة في السابع من أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.

وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل "القضاء على حماس"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن سقوط 35562 شخصا، معظمهم من النساء والأطفال، وفق ما أعلنته وزارة الصحة في القطاع.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة المسؤولین الإسرائیلیین محکمة الجنایات الدولیة نظام روما

إقرأ أيضاً:

شرطي يقتل قاضياً أمريكياً داخل المحكمة.. ماذا حدث؟

قُتل قاضي أمريكي، أمس الخميس، على يد قائد الشرطة في مقاطعة ليتشر في ولاية كنتاكي، في عملية صادمة، أثارت جدلاً كبيراً في الولايات المتحدة.

وقالت وسائل إعلام أمريكية، إن السلطات وجهت تهمة القتل إلى عمدة شرطة مقاطعة ليتشر شون ستينز، بعد قتله القاضي بولاية كنتاكي، كيفن مولينز،  في إطلاق نار أثناء تواجده في غرفته داخل مجمع المحكمة، وفقاً لما ذكرته شبكة "ايه بي سي" الأمريكية، اليوم الجمعة.
وأكدت شرطة ولاية كنتاكي، أن مولينز، الذي ترأس محكمة مقاطعة ليتشر، قُتل بالرصاص في مكان تواجده في المحكمة.

A Kentucky sheriff has been charged with murder in the fatal shooting of a judge who was killed inside his chambers, according to police.

Letcher County Sheriff Shawn Stines has been arrested and charged with murder in the judge's death, authorities said.https://t.co/qVwWKEzzFd pic.twitter.com/ToCYwmPQVp

— ABC News (@ABC) September 20, 2024

وقالت شرطة الولاية، إن الجاني ستينز أُلقي القبض عليه، ووجهت إليه تهمة القتل.
وبحسب الشرطة، فإن أحد المتصلين برقم الطوارئ أبلغ عن إطلاق نار داخل المحكمة قبل الساعة 3 مساءً بقليل بالتوقيت المحلي.
وأفادت التقارير، أن الضباط المستجيبين وأفراد الطوارئ عثروا على القاضي مولينز، 54 عاماً، ينزف جراء عدة إصابات بطلقات نارية.

Authorities say Kentucky Sheriff Shawn Stines shot and killed District Judge Kevin Mullins inside his chambers after an argument at the Letcher County Courthouse. Stines was arrested without incident. @PierreTABC has the latest.https://t.co/dOU57g4Rrq pic.twitter.com/jFobNSiCfQ

— World News Tonight (@ABCWorldNews) September 20, 2024

وقال حاكم ولاية كنتاكي آندي بشير، إن عملية إطلاق النار جرت في غرفة القاضي مولينز.
وفي مؤتمر صحافي، مساء الخميس، قال المسؤولون، إنه تم اتخاذ تدابير لإنقاذ الحياة، لكن مولينز توفي في مكان إطلاق النار.

ولم تكشف أسباب إطلاق النار حتى الآن، لكن مصادر في الشرطة قالت، إن العملية جرت بعد جدال داخل قاعة المحكمة بين الجاني والقاضي.

مقالات مشابهة

  • منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. من هم أبرز قادة حزب الله الذين قتلوا منذ طوفان الأقصى ومن بقي حيا؟
  • إسرائيل تطعن في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بشأن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت
  • اعتقال نتنياهو.. إسرائيل تطعن على طلب مذكرة الجنائية الدولية
  • هل توقّع بريطانيا على طلب مدعي عام الجنائية اعتقال نتنياهو؟
  • إسرائيل تطعن على مذكرة اعتقال نتانياهو أمام الجنائية الدولية
  • الاحتلال يقدم طعنا لدى الجنائية الدولية حول مذكرات الاعتقال
  • إسرائيل تعلن تقديم طعن لدى الجنائية الدولية في مذكرة اعتقال نتانياهو
  • إسرائيل تقدم طعنا لدى الجنائية الدولية في مذكرة اعتقال نتنياهو
  • شرطي يقتل قاضياً أمريكياً داخل المحكمة.. ماذا حدث؟
  • وول ستريت جورنال: أميركا لا تتوقع اتفاقا بين إسرائيل وحماس قبل انتهاء ولاية بايدن