حاجة ضرورية لكنها تفاقم أزمة الاحترار.. كيف ننجو من مساوئ تكييف الهواء؟
تاريخ النشر: 3rd, August 2023 GMT
بات تكييف الهواء موضع نقاش عالمي في ظل موجات الحر التي تتزايد حدتها، فبينما يُستخدم التكييف بصورة شائعة في الولايات المتحدة، يواجه انتقادات في أوروبا، ويبدي سكان جنوب آسيا رغبة كبيرة في استعماله.
وتبريد الهواء هو أحد حلول التكييف الأكثر انتشارا في عالم يشهد تفاقما في الاحترار المناخي، وبات من الضرورات اليومية تقريبا لملايين السكان.
وحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن تكييف الهواء مسؤول راهنا عن انبعاث نحو مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا من إجمالي 37 مليارا من الانبعاثات في مختلف أنحاء العالم.
ويعتبر الخبراء أن ثمة إمكانية لوقف هذه الدوامة من خلال تطوير الطاقات المتجددة ومكيفات الهواء الأقل استهلاكا للطاقة وتقنيات تبريد أخرى.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن روبرت دابرو -من المركز المتخصص في التغير المناخي والصحة في جامعة ييل الأميركية- قوله إن "البعض من أصحاب الآراء المتطرفة يعتقدون أنه ينبغي عدم استخدام مكيفات الهواء مطلقا، لكنني أرى أن ذلك غير ممكن".
واستخدام مكيفات الهواء ينقذ سنويا عشرات آلاف الأشخاص، في رقم آخذ بالارتفاع، حسب ما يبين تقرير حديث لوكالة الطاقة الدولية شارك دابرو في إعداده.
وتشير عدد من الدراسات إلى أن مخاطر الوفاة المرتبطة بالحر تكون أقل بنسبة 75% تقريبا في المنازل التي تحوي مكيفات هواء.
وفي الولايات المتحدة، حيث 90% من المنازل مجهزة بمكيفات هواء، سلطت دراسات أخرى الضوء على دور تكييف الهواء في حماية السكان والتأثير المدمر المحتمل لانقطاع التيار الكهربائي خلال موجة الحر.
لكن على المستوى العالمي، 15% فقط من 3.5 مليارات شخص يعيشون في مناخات حارة يحوزون مكيفات هواء، وفق وكالة الطاقة الدولية.
ويُتوقَع أن يشهد عدد مكيفات الهواء في العالم (نحو ملياري مكيف في المرحلة الراهنة) ارتفاعا بصورة كبيرة، في ظل التأثير المزدوج لارتفاع درجات الحرارة وتحسن المداخيل، خاصة في الصين والهند وإندونيسيا.
وفي الهند، قد تزيد نسبة المنازل المُجهزة بمكيفات هوائية من 10% إلى 40% بحلول سنة 2050، مما يخفض بشكل كبير تعرض السكان للحر، حسب ما تشير إليه دراسة حديثة.
لكن الكهرباء الإضافية المطلوبة لتشغيل هذه المكيفات ستكون معادلة للإنتاج السنوي لبلد كالنرويج. وإذا كانت شبكة الهند لا تزال تستخدم المقدار نفسه من الوقود الأحفوري، فذلك يعني زيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 120 مليون طن، أي 15% من الانبعاثات المتأتية من قطاع الطاقة في البلاد حاليا.
ولا تتوقف المشاكل التي يتسبب فيها تكييف الهواء عند هذا الحد، إذ تستخدم مكيفات الهواء في العادة غازات التبريد (من نوع "إتش إف سي") التي -عند إطلاقها في الغلاف الجوي- تؤثر على الاحترار أكثر بآلاف المرات من ثاني أكسيد الكربون.
إضافة إلى ذلك، يسهم تكييف الهواء في تعزيز ظاهرة "تأثير الجزر الحرارية الحضرية" من خلال إلقاء الهواء الساخن في الشوارع.
ويتسبب تكييف الهواء كذلك بمشكلة على صعيد المساواة أيضا، فبسبب تكلفة المكيفات المرتفعة، لا تتمكن عائلات كثيرة من الحصول عليها.
وحتى عند تركيب الجهاز، قد تدفعهم فاتورة الكهرباء إلى الإحجام عن استخدام تكييف الهواء بإعطاء أولوية في الإنفاق للاحتياجات الأساسية الأخرى.
وتقول إنريكا دي تشان، الباحثة المتخصصة لدى جامعة كافوسكاري في البندقية، إنه في بعض البلدان وبالنسبة إلى بعض الأشخاص الضعيفين ككبار السن أو الحوامل، ثمة حاجة فعلية لتكييف الهواء، ولذلك فإن دمج التكييف مع حلول "تكميلية" أخرى مسألة ضرورية.
ويتمثل أحد هذه الحلول في الاستمرار بزيادة حصة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء حتى تصبح الطاقة المستخدمة في مكيفات الهواء أقل تسببا في انبعاثات غازات الدفيئة.
ومن الحلول أيضا ابتكار وتركيب مكيفات هواء معقولة التكلفة تستهلك كمية أقل من الطاقة، وهو ما يسعى إليه عدد من الشركات الناشئة. وتدعو وكالة الطاقة الدولية إلى وضع معايير كفاءة أكثر صرامة، وعدم تثبيت درجة حرارة المكيفات عند أقل من 24 درجة مئوية.
وبالإضافة إلى الانبعاثات، تسهم هذه الحلول في الحد من مخاطر انقطاع التيار الكهربائي المرتبط بالطلب الكبير. وفي الأيام الحارة، قد يشكل تكييف الهواء أكثر من نصف ذروة الاستهلاك.
لكن الخبراء يؤكدون الحاجة المتزامنة للتدابير المرتبطة بالتخطيط المكاني، أي رفع نسبة المساحات الخضراء والمسطحات المائية والأرصفة والأسطح التي تعكس أشعة الشمس، وتحسين مسألة عزل المباني.
ويقول روبرت دابرو "ينبغي التوصل إلى تبريد الأجواء المحيطة بنا بطريقة مُستدامة أكبر، لأن الأمور ستزداد سوءا" مع الاحترار المناخي، مؤكدا أن عددا كبيرا من هذه الحلول "ممكن تطبيقه، واعتمادها هو مجرد مسألة رغبة سياسية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: وکالة الطاقة الدولیة ثانی أکسید الکربون مکیفات الهواء تکییف الهواء الهواء فی
إقرأ أيضاً:
تصعيد بريطاني ضد الاحتلال الإسرائيلي على وقع تفاقم المأساة في غزة
صعد وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، من لهجته تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي، موجها أشدّ انتقاد له منذ بدء العدوان الوحشي المتواصل على قطاع غزة السابع من تشرين الأول /أكتوبر عام 2023، واصفا الحصار المفروض على المساعدات الإنسانية بأنه "غير مقبول، ومثير للقلق الشديد".
ويُنظر إلى تصريحات وزير الخارجية البريطاني على أنها نقطة تحول في موقف المملكة المتحدة إزاء جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، وفق ما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير لمحرر الشؤون الدبلوماسية باتريك وينتور، أن تصعيد لامي جاء بعد أسابيع من الغضب المتراكم داخل وزارة الخارجية البريطانية إزاء تعنت دولة الاحتلال في إيصال المساعدات، إضافة إلى تصاعد القلق الدولي من "خطة مؤسسة غزة الإنسانية"، التي اعتُبرت محاولة لتقويض دور الأمم المتحدة في القطاع.
وأكد دبلوماسي بريطاني سابق للصحيفة أن "اللغة التي استخدمها لامي كانت غير مسبوقة"، مضيفا أن ذلك يعكس تحولا فعليا في الخطاب الدبلوماسي البريطاني.
وأضاف الدبلوماسي ذاته "حتى لو لم يكن خطاب لامي وأفعاله متطابقين، فإن اللغة أحيانا تكون مهمة في الدبلوماسية"، حسب تعبيره.
وأشار التقرير إلى أن قرار لامي تعليق محادثات التجارة الحرة مع دولة الاحتلال جاء في ظل مشاهد الأطفال الجوعى، وتصريحات بعض الوزراء الإسرائيليين التي تنذر بـ"تطهير غزة"، والعجز الأمريكي عن إلزام تل أبيب بقبول وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الأسرى.
ولفتت الصحيفة إلى أن لقاء لامي مع وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر في 16 نيسان /أبريل الماضي، كان نقطة تحول رئيسية.
وبحسب "الغارديان"، فقد تمحور الاجتماع حول الحصار المفروض على غزة، الذي بدأ في 2 آذار /مارس الماضي، حيث وصفه لامي لاحقا في البرلمان بأنه انتهاك للقانون الإنساني، قبل أن يُضطر للتراجع تجنبا لمخالفة السياسات الرسمية التي تقصر تقييم الشرعية القانونية على المحاكم الدولية.
وفي سياق متصل، شدد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر على خطورة خطط إسرائيل لإنشاء "صندوق غزة الإنساني"، الذي وصفه بأنه محاولة لمحو أثر الأمم المتحدة من القطاع.
وقال فليتشر أمام مجلس الأمن الدولي يوم 13 أيار /مايو الجاري، "يجب أن يسأل أعضاء المجلس أنفسهم كيف سيُحاسبون من الأجيال القادمة إذا لم يفعلوا كل ما في وسعهم لوقف وحشية إسرائيل السافرة".
وحذر فليتشر من أن "خطة صندوق الإغاثة الإنسانية العالمي تُقصر المساعدات على جزء واحد من غزة، بينما تترك الاحتياجات الماسة الأخرى دون تلبية"، مضيفا أنها "تجعل من المجاعة ورقة مساومة… وتشتيت متعمد، وغطاء لمزيد من العنف والتهجير".
وفي تطور لافت، أشار التقرير إلى تدخل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر بيان مشترك قالا فيه: "إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع قيودها على المساعدات الإنسانية، فسنتخذ المزيد من الإجراءات الملموسة ردًا على ذلك".
وأكد وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أن بلاده "عازمة على الاعتراف بدولة فلسطين"، في وقت تستعد فيه باريس والرياض لاستضافة قمة دولية في نيويورك خلال حزيران /يونيو المقبل للدفع بحل الدولتين، على هامش قمة مجموعة السبع.
وخلص تقرير "الغارديان" إلى أن اعترافا دوليا محتملا بفلسطين قد يصبح ورقة ضغط حاسمة في ظل استمرار إسرائيل في احتلال غزة وتوسيع المستوطنات بالضفة الغربية، في وقت ترى فيه بريطانيا وفرنسا أن اللحظة قد تكون مناسبة لتغيير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة.