لوحات الخراز.. شاعرية الألوان والضوء
تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT
محمد نجيم (الرباط)
يونس الخراز فنان مغربي من مدينة الفن «أصيلة»، المدينة التي أنجبت كبار الفنانين التشكيليين المغاربة أمثال محمد المليحي، خليل الغريب، ونرجس الجباري، وآخرين كثر، حيث يشكل يونس الخراز جزءاً من أسطورة أصيلة الفنية، فقد عاش نهضتها منذ دورات مهرجانها الأولى، التي طبعت توجهه نحو الرسم والتشكيل، متأثراً بفنانين مغاربة كبار أمثال محمد المليحي وفريد بلكاهية.
ذاكرة حية
اكتسب يونس، كذلك، تجربة في فن النقش والطباعة داخل الفضاء الذي كان يديره الفنان السوداني الكبير عمر خليل، والذي كان يعيش في نيويورك، وارتبط بعلاقة صداقة مع يونس الذي حظي بحب وتقدير الجميع، مفكرين وكتاب وتشكيليين وموسيقيين، فقد كان اجتماعياً ومتواصلاً مع الآخرين رغم سنه الصغيرة، ذلك ما جعل الجميع يحبه ويقدره، ويمكن القول إنه يمثل «ذاكرة حية لمهرجان أصيلة»، كما تقول الناقدة الجمالية رجاء بنشمسي.
في معرض جماعي نظم في مدينة الدار البيضاء، شارك فيه الفنان يونس الخراز إلى جانب، مجموعة من الأسماء، منهم: عبد القادر المليحي، نسرين الجباري، محمد عنزاوي، وخليل الغريب وآخرين، تطالعنا لوحات الفنان الخراز بقوة ألوانها وسطوعها بمفردات تشكيلية تتوافر فيها الإبداعية والرؤية الفنية التي تحمل بصمة الفنان مستمدة دلالاتها من الأسلوب الحداثي والطابع المغربي الذي يسم المنجز البصري للفنان، فلوحاته ذات مواضيع مستوحاة من الطبيعة أو من الهندسة المعمارية لكن تم إنتاجها بدرجة عالية من التجريد، كما أن أعماله مبنية بشكل جيد، حيث إن الموجب والسلبي موزعان عملياً على بعدين، ويخلقان كثافة فضائية كبيرة، إنه يخلق صورة كاملة، تحمل أعماله دائماً في داخلها ذكرى الأرابيسك، في الشكل كما في اللون: الفاتح والداكن، والإيقاع السائد، ومن هنا ولدت بورتريهات مثيرة للاهتمام مرسومة بالألوان المائية، وفي تركيبة صارمة ذات جودة عالية، يعطي العمل اللوني الأكثر استرخاء طبقات جميلة متراكبة على القماش، برأي الفنان والناقد مروان قصاب باشي.
فطرية الألوان
أما الناقد الفني جمال بوسحابة، فيقول: يُظهر يونس الخراز حساسية شبه فطرية للألوان والتركيب، لقد لاحظ هذه الحقيقة العديد من المتتبعين الذين أُتيحت لهم الفرصة للتعرف، من حين لآخر، على أي عمل له قيد الإنجاز، وبالمثل، لا يمكن إنكار الحساسية الشديدة والشخصية التي كشفت عنها مختلف مراحل مساره الفني، ففي المرحلة الأولى، يظهر من خلال لوحاته المناظر الطبيعية حنين لا يوصف، شيء به طراوة ونعومة وألم في الآن ذاته، يبرز هذا الشعور من خلال التردد في الخط والشكل، لكن لوحات المناظر المعمارية تظهر أكثر نسقية، أكثر أكاديمية، أكثر بيانية، وأكثر حدة، فقد تمكنت على الأقل من الإفلات من الإيحاء غير الحيوي للبطاقات البريدية المحلية فهي تظهر لنا أصيلة ضبابية باهتة ذات بياض كئيب غير محدد تحت شمس المحيط الباردة.
دهشة وقلق
ما سيُكشف لنا أخيراً، مأساة يونس الخراز هي البورتريهات الشخصية والبورتريهات الخيالية بالألوان المائية، إذ الطريقة التي تنظر بها إلينا تلك الشخصيات ذات الهيئات غير المتناسبة قليلاً، والمستحوذ على ملامحها الدهشة والقلق والخوف مما يرونه، تجعلنا غير مرتاحين، ولا أحد يشك في كونها نفس النظرات التي يلقيها الخراز على العالم الخارجي.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الفن الفن التشكيلي الثقافة نيويورك الدار البيضاء المغرب
إقرأ أيضاً:
"رماد الطناجر".. وسيلة "رغد" لتجسيد مآسي غزة تحت وطأة الإبادة
غزة - خاص صفا "فكرة الرسم بشحبار الطناجر بدأت أول مرة خلال نزوحنا إلى المواصي قبل سنة ونصف، لم أكن وقتها أملك أي من أدوات الرسم شيئًا، حتى قلم الرصاص، فكان لا بد من إيجاد بديل يفي بالغرض فكان الفحم". بهذه الكلمات تُلخص النازحة رغد بلال شيخ العيد تطويعها لما هو متاح في سبيل التعبير عن معاناة أهالي قطاع غزة تحت وطأة حرب الإبادة، بما تملكه من مهاراة الفن والرسم. على ناصية خيمة نزوحها غربي مدينة خان يونس حيث لا حياة هنا سوى أيدٍ نحيلة أذابها الجوع، تحاول بقدر استطاعتها توصيف الحال الذي وصلت إليه غزة بعد ما يقارب العامين من الزمان. لم تكن لوحات رغد خطوط عابرة، بل كانت تجسيد لما تعيشه وباقي الغزيين، في ظل أزمات متفاقمة تنهش أجسادهم دون نهاية قريبة تلوح بالأفق. واقع مؤلم رغد التي هجرتها آلة الحرب الإسرائيلية من مدينة رفح، عكفت بكل طاقتها على تجسيد واقع غزة في لوحاتها التي كانت تنبض بالألم، كي تُحاكي وجعها ووجع من حولها، بلغةٍ بصرية ترى فيها كل ما لا يُقال. تقول شيخ العيد لوكالة "صفا": "كان الفحم البديل الذي سيعطي نتيجة أقرب ما تكون لقلم الرصاص، فبدأت أستخدم آثار احتراق أواني الطهي، وحوّلتها إلى لوحاتٍ تحاكي واقع الحياة بعد الحرب". وتضيف "أخذتُ أبحث في البيئة المحيطة حولي عما يمكن أن يقوم مقام الألوان والفرشاة، ليساعدني في خلق صورة تُحاكي الواقع كما هو، فكان الفحم وبقايا احتراق أواني الطهي الوسيلة التي يمكن أن تعبر عنه مثل الألوان والفرشاة". لم تكن لوحات رغد تقليدية عابرة، بل هي شهادة حية على مآسي قطاع غزة ترى في إحداها وجوه أطفال ينتظرون طعامًا على أبواب التكيات، وفي ثانية مشهد من مجزرة دوّار الكويتي، وفي ثالثة، طفلٌ استشهد جوعًا شمال القطاع، توثّق بالفحم حياة عجزت الكاميرا عن التقاطها. حلم لا يتوقف تتابع "أغلب أعمالي تتحدث عن وجع الأمهات، وعيون الأطفال، وركام البيوت، وأجساد الجرحى، أحاول بلوحة واحدة إيصال كل ذلك، بصمتٍ يختصر الكلام". وتردف "كنت أدرس أنظمة معلومات حاسوبية، لكن في سنتي الأخيرة تعطل اللابتوب الخاص بي، بسبب النزوح المتكرر، فاضطررت لتغيير التخصص، واليوم أبدأ من جديد بدراسة اللغة الإنجليزية وآدابها". وتكمل حديثها "أرسم من الرماد، لأن هذا ما تبقى لي، أرسم لأنني لا أملك إلا هذا الشكل من الحياة". حياة النزوح والتشرد والنجاة بقطعة خبز في ظل خرب ضروس تعيشها رغد، إلا أنها تحتفظ بحلمها وتسعى لتحقيقه. تقول رغد: "أحلم بإقامة معرض فني خاص، تُعرض فيه لوحاتي التي رسمتها بشحبار الطناجر، لتكون شاهدًا على زمن عشنا فيه بلا أدوات، لكننا لم نتوقف عن الحلم".