لجريدة عمان:
2025-07-31@08:39:58 GMT

هل الأفعال المرتكبة في غزة إبادة جماعية؟

تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT

الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -

أمام المأساة المتواصلة في قطاع غزة، اختار البعض أن يستاء من الاتّهامات الموجهة ضد إسرائيل باقتراف جريمة الإبادة الجماعية، عوضًا عن الشعور بالغضب بسبب الفظائع التي ارتكبتها. إنهم يرفضون اتّهامًا ينطوي على «تجاوز عتبةٍ أخلاقية»، على حدّ التعبير الذي استعمله وزير أوروبا والشؤون الخارجية، ستيفان سيجورنيه (Stéphane Séjourné)، في شهر يناير الماضي.

وإذا كان مفهوم «الإبادة الجماعية»، الذي صاغه رافاييل ليمكين (Raphael Lemkin) في عام 1944 للدلالة على النية المبيّتة لإفناء شعبٍ ما، يحمل بالفعل ثقلًا رمزيًا كبيرًا، لا سيما حينما نكون إزاء دولة أُنشئت كملاذٍ للنّاجين من المحرقة، فإنه يبقى مفهومًا محدّدا من الناحية القانونية، سواء في القانون التقليدي أو في الاجتهاد القضائي الدولي، وفي خضمّ صراعٍ تاريخي صاخب يهيّج المشاعر والمخاوف والكراهية، يشكّل القانون الدولي بوصلةً مُرحّبًا بها.

وخلافًا لما يُعتقد أحيانا، فإن مفهوم الإبادة الجماعية لا يقف حصرًا عند إبادة شعب ما. تتضمّن المادة الثانية من اتفاقية عام 1948 (بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها) أربعة أفعال أخرى بالإضافة إلى القتل، يمكن أن تعدّ جرائم إبادة جماعية، ومن بينها الإضرار الجسيم بالسلامة الجسدية أو العقلية لأفراد جماعة ما أو إخضاعهم لظروف معيشية من شأنها أن تؤدي إلى إفنائهم.

إن الظروف المعيشية اللاإنسانية التي تفرضها إسرائيل على سكان غزة، من خلال استخدام التجويع كسلاح فضلًا عن التدمير المنهجي للبنيات الأساسية والبيئة، هي على وجه التّحديد ما دفع بقضاة محكمة العدل الدولية في السادس والعشرين من يناير الماضي للحكم بوجود «خطر إبادة جماعية» في قطاع غزة، وأمروا باتخاذ إجراءات احترازية صارمة، تم تعزيزها في الثامن والعشرين من مارس من أجل الحيلولة دون وقوعه أو وضع حدٍّ له. وهذا الذي دفع أيضا بالمدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إلى طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

لكي يُصنّف فعلٌ ما على أنه إبادة جماعية، يجب أن يُرتكب هذا الفعل «بنيّة إفناء مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية ما، بشكل كلّي أو جزئي»، وهذا الذي يميّزه عن الجرائم الدولية الأخرى. وليس من الضروري أن يتقاسم جميع قادة الدولة هذه النية، إذ يكفي أن يبيّتها بعض كبار القادة العسكريين أو السياسيين.

وهذا الذي أكّد عليه قضاة محكمة العدل الدولية عندما أشاروا في حكمهم إلى وجود آثارٍ لهذه النيّة في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، مثل تصريحات الرئيس إسحاق هرتسوغ الذي وعد بـ «كسر العمود الفقري» للسكان المدنيين في غزة، أو تصريحات وزير الدفاع يوآف جالانت الذي شبّههم بـ «الحيوانات البشرية». وفي تقريرها الصادر في الخامس والعشرين من مارس تحت عنوان «تشريح إبادة جماعية»، خلصت فرانشيسكا ألبانيز (Francesca Albanese)، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، إلى استنتاجات مفادها أن ثمّة الآن «أسباب معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل قد بلغت الحدّ الفاصل للإبادة الجماعية».

يبدو أن البعض، وبحجة أن إسرائيل هي «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» وتقود معركةً حضارية ضد حماس، يرى أن نمط الحكم في الدولة العبرية أو فظاعة الجرائم التي ارتكبتها الجماعة الإسلامية في السابع من أكتوبر سوف يعفيان الجيش الإسرائيلي من احترام القانون الدولي.

وبتصرّفهم على هذا النحو فإنهم في الواقع يعيدون اختراع مفهوم «الحرب العادلة» الذي اُستخدم كمبرّر لبعضٍ من أسوأ الفظائع في تاريخ البشرية. إنهم يخلطون بين شرعية شنّ الحرب وشرعية العمليات التي تُنفّذ أثناء النزاع. ومن المناسب أن نؤكّد من جديد على الطّابع الكوني لحظر الجرائم الدولية دون إمكانية اشتراط المعاملة بالمثل، ما يعني أن ارتكابها المزعوم من قبل أحد الطرفين لا يسمح للطرف الآخر وبأي حال من الأحوال بالقيام بالمثل.

ويرى آخرون أنه لا يصحّ استخدام مصطلح «الإبادة الجماعية» إلا عندما يتم إثبات نية الإبادة الجماعية بشكل نهائي من قبل محكمة دولية. وهذا موقف سخيف في الحقيقة من الناحية التاريخية كما القانونية.

لا يمكن الوقوف عند الإثبات القضائي للإقرار بوقوع إبادة جماعية. ولنقتنع بذلك، يكفي أن نذكّر بأن هذا المفهوم لم يكن موجودا زمن محاكمات نورمبرغ، وبأن ملايين الضحايا في سوريا وبورما وأماكن أخرى من العالم يظلون محرومين من العدالة الدولية حتى الآن بسبب العراقيل السياسية التي تشلّ مجلس الأمن.

علاوة على ذلك، وكما أشارت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر عام 2007 بشأن البوسنة والهرسك ضد صربيا، فإن الالتزام القانوني للدول بمنع الإبادة الجماعية يهدف تحديدًا إلى منع أو محاولة منع وقوع مثل هذه الجريمة، وهو ما يستدعي بالضرورة تسميتها قبل أن تحدث.

من الصعب أن نميّز، من أول وهلة، بين الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية (الاضطهاد على سبيل المثال) التي يتّهم بها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين. بل إنه من المستحيل أن نحدّد بدقّة متى تبدأ الإبادة الجماعية، إذ أن التاريخ يقول لنا إن أسوأ الجرائم الجماعية غالبًا ما تكون نتاجًا لسيرورات متعددة العوامل وسنوات طويلة من الاضطهاد والتمييز وتجريد السكان المستهدفين من إنسانيتهم.

إن توصيف الأفعال المرتكبة في فلسطين، ولا سيما الإقرار بوقوع إبادة جماعية محتملة، هو مهمّة معقّدة ستحشد فقهاء القانون الدولي والمحاكم الدولية خلال السنوات القادمة. وسيكون موضوع نقاشات أكاديمية وقانونية مهمة ومشروعة. غير أن الطاقة التي يبذلها البعض في سبيل التّنديد باستخدام هذا المصطلح لا تندرج في هذا الإطار، بل تهدف في الواقع إلى إنكار خطورة الجرائم التي اقترفتها إسرائيل في غزة والضفة الغربية. وتكشف قبل كل شيء عن التعاطف الانتقائي واللامبالاة تجاه معاناة الشعب الفلسطيني التي لا يزال البعض ينكر وجودها. وهذا التّعتيم هو ما يدينه بعض أولئك الذين يستخدمون هذا المصطلح اليوم.

يوهان سوفي محام وباحث في القانون الجنائي الدولي

عن صحيفة لوموند الفرنسية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة إبادة جماعیة

إقرأ أيضاً:

لأول مرة.. منظمتان في إسرائيل تتهمانها بارتكاب إبادة جماعية في غزة

(CNN)-- اتهمت منظمتان إسرائيليتان رائدتان في مجال حقوق الإنسان إسرائيل "بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة"، لتصبحا بذلك أول منظمتين من هذا النوع توجهان هذا الاتهام.

وأفادت منظمة بتسيلم في تقرير رئيسي صدر الاثنين أنها توصلت إلى هذا "الاستنتاج القاطع" بعد "فحص سياسة إسرائيل في قطاع غزة ونتائجها المروعة، إلى جانب تصريحات كبار السياسيين والقادة العسكريين الإسرائيليين حول أهداف الهجوم".

وأعلنت منظمة إسرائيلية أخرى، وهي منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، انضمامها إلى بتسيلم في وصف أفعال إسرائيل في غزة بالإبادة الجماعية. ونشرت تحليلاً قانونيًا وطبيًا منفصلاً يوثق ما أسمته "إبادة متعمدة ومنهجية للنظام الصحي في غزة".

ونفى المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، ديفيد منسر، صحة التقرير. وقال للصحفيين: "لدينا حرية التعبير في هذا البلد، لكننا نرفض بشدة هذا الادعاء"، مضيفاً أن إسرائيل سمحت بدخول المساعدات إلى غزة.

رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية التقرير، واصفةً إياه بأنه "ذو دوافع سياسية"، ورفضت الاتهامات ووصفتها بأنها "فاضحة" و"لا أساس لها". وأكدت أن إسرائيل تستهدف حماس فقط، وليس المدنيين، وتتخذ "إجراءات مكثفة" لتجنب إيذاء المدنيين أثناء تقديم المساعدات.

لطالما جادلت إسرائيل بأنها تتصرف وفقًا للقانون الدولي، وأن حربها في غزة، عقب هجمات حماس القاتلة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هي حرب دفاع عن النفس.

مقالات مشابهة

  • نشطاء ألمان يتظاهرون للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية في غزة
  • “حماس”: سلاح التجويع الصهيوني في غزة إبادة جماعية ممنهجة
  • لأول مرة.. عضوة جمهورية بالكونجرس تصف ما تفعله إسرائيل في غزة بـ الإبادة الجماعية
  • منظمات حقوقية وخبراء ألمان: "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية بغزة
  • منظمات حقوقية وخبراء ألمان: "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية في غزة
  • لأول مرة.. منظمتان إسرائيليتان تتهمان الاحتلال بارتكاب إبادة جماعية في غزة
  • مسؤولة في منظمة إسرائيلية تكشف لـCNN سبب وصف ما يحدث في غزة بـالإبادة الجماعية
  • لأول مرة.. منظمتان في إسرائيل تتهمانها بارتكاب إبادة جماعية في غزة
  • منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية: إسرائيل تنفذ إبادة جماعية في قطاع غزة
  • منظمتان حقوقيتان في إسرائيل تؤكدان ارتكاب إبادة جماعية بغزة