عربي21:
2025-05-11@01:12:44 GMT

ترمب يتقدَّم... الرجاء ربطُ الأحزمة

تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT

خرجَ جو بايدن من المبارزة مع دونالد ترمب جريحاً. خانَه العمر ومن عادتِه أن يفعل. خيانة في لحظة الذروةِ وأمام عشراتِ الملايين المسمَّرين أمامَ الشاشات. فشلَ بايدن في لعبِ دور الهداف. وفي دورِ المدافع. وفي إظهارِ كفاءة حارسِ المرمى. الأضواءُ تحوّل النكسةَ نكبةً. والرأي العام صارمٌ وحقودٌ ويكفيه انطباعٌ ليقلبَ صفحةَ رجلٍ كائناً من كان.

لا تساهلَ ولا رحمة. وسائلُ التواصلِ الاجتماعي تعجُّ بالقساةِ والشامتين والذئاب. لا شيءَ يسعفُ الضعيفَ في هذا العالم خصوصاً إذا كانَ يطالب بتمديدِ إقامته في البيت الأبيض. لا يمكن تسليم مفاتيحِ العالم وقيادة قافلة الأساطيل لرجلٍ يعجز عن استدعاءِ ذاكرته.

بدا بايدن في صورةِ حصانٍ أصيبَ بعطبٍ عميق قبل الشوطِ الأخير. نصحته «نيويورك تايمز» بالخروجِ من السباق. هذه النصيحة ليست بسيطةً على الإطلاق وتبعتها نصائحُ من القماشةِ نفسها. لم يخفِ أعضاءٌ في الحزب الديمقراطي قناعتَهم بضرورة استبداله لتفادي هزيمةٍ محققة. استبداله في هذه اللحظة من السباق ليس سهلاً. العملية نفسُها معقدة خصوصاً إذا أصرَّ على متابعة الرحلة. لكنَّ خيارَ الاستبدال ليس مستحيلاً، خصوصاً إذا ترسَّخ الانطباع أنَّه الخيارُ الوحيدُ لإبعاد كأسِ ترمب عن شفاهِ أميركا والعالم. كثيرون يراهنونَ على أن تتولَّى السيدة جيل بايدن، زوجةُ الرئيس، مهمةَ إنقاذِه وربَّما إنقاذ الحزب والبلاد من فوز ملاكمٍ مقلقٍ اسمُه ترمب. يراهن آخرون أن يتولَّى باراك أوباما تشجيعَ بايدن على تجرّع الكأس.

ما أصعبَ أن تقنعَ سياسياً مدمناً بالتقاعد! كأنَّك تطالبه بتجرع الهزيمةِ تحت أوراقِ الشيخوخة. وتزداد الصعوبةُ حين يكون الرجلُ أمضى عقوداً في المؤسسات والمواقع توَّجها بالرئاسةِ واعتاد على الإقامة في القصر بصحبةِ الأختام. ما أقسَى أن يسلّمَ السياسي أن دورَه انتهى وأنَّ زمانه أفل! السلطة أم الولائمُ لا يتركها إلا زاهد «مريض». تذكَّرت أنّني ذهبت ذاتَ يومٍ لزيارة سياسي حصيفٍ افتتح رحلة الثمانينات من العمر. قلت له: «معالي الوزير لا يحقُّ لك أن تبقِي تجربتك الغنية بعيدةً عن متناول القراء». قال إنَّ الوقتَ غيرُ مناسب. جدَّدت المطالبةَ فتجاوب وقال: موافقٌ وسنعقد جلساتٍ عدة. سألته أين فأجاب: «في قصر الرئاسة». صعقني الجوابُ وكنت أعرف أنَّ طريقَ القصر مزروعةٌ بالافخاخ ومشروطةٌ بالتواءات وانحناءات. شممت في كلامه رائحة «لعنة القصر».
غريبةٌ المناظرة التي تابعها العالم لأنَّ نتائجَها تمسُّ أمنَه واستقرارَه وازدهاره. لم تستطع أميركا في عصر الثورات التكنولوجية المتلاحقةِ والذكاء الاصطناعي دفعَ شابٍ أو شبهِ شاب إلى سباق البيت الأبيض. لا تَعدُ المناظرةُ الأميركيين بغير تعميق الانقسام. ولا تعدُ العالم بغير مزيد من الاضطراب في الغابة الدولية. لا أحدَ ينصح أميركا بشبيهٍ لريشي سوناك الذي يقود حزبَ المحافظين إلى نوع من التقاعد بعد أيام. ولا بماكرون الذي بدَّد بمبادراته وارتجالاته هيبةَ جمهورية ديغول وميتران وشيراك. ولا بشبيهٍ للرجل الجالس في مكتب ميركل.

ثمةَ من يعتقد أنَّ صحةَ الغرب تشبه صحةَ بايدن. وأنَّه لم يعدْ قادراً على إدارة العالم. وأنَّه يرفض الاعتراف بالوقائع الجديدة اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً. وأنَّ مهمةَ أيّ رئيسٍ أميركي جديد ستكون أصعبَ من السابق. روسيا تغيَّرت ومثلها الصين وأوروبا فضلاً عن القوى الإقليمية التي ترى دورَها في التسلّل إلى خرائط جيرانها.

في ختام المناظرة وجدَ العالمُ نفسَه أمام حقيقة صعبة وربما مكلفة. ظهر ترمب وكأنَّه قدرٌ أميركيٌّ ودولي يصعب الفرارُ منه. ليس بسيطاً أن يكونَ سيدُ البيت الأبيض رجلاً يصعب التكهنُ بتوجهاته ويصعب النومُ على وسادته. هذا مقلقٌ للأعداء والحلفاء معاً. ترمب ليس ابنَ المؤسسات كما هو حال بايدن.

اكتشف العالم أنَّ الأميركيين قد يلقون في الانتخابات المقبلةِ بحجرٍ كبير في البحيرة الدولية التي ازدادت اضطراباً. يشمل القلق حكام أوروبا وجنرالات حلف «الناتو» وزيلينسكي. هل يرغم ترمب الرئيس الأوكراني على الذهاب إلى مفاوضات سلامٍ مع فلاديمير بوتين الذي لا يستطيع العودة خاسراً من رحلته الأوكرانية؟ استرضاءُ القيصر بقطعة من الجسد الأوكراني يدفع أوروبيين إلى التحذير من تكرار عملية استرضاء هتلر على رغم عدم التشابه بين الرجلين والمرحلتين. شعورُ ترمب بأنَّه رجلُ «الصفقة» لا يطمئن القارةَ القديمة التي اكتشفت أنَّ قدسيةَ الحدودِ الدولية فيها سقطت على الأرض الأوكرانية.

تصريحاتُ ترمب تؤكد أنَّه لا يشمُّ جدياً رائحة ما يسميه الأوروبيون «الخطر الروسي». ترمب يعتقد أنَّ الخطر الحقيقي على أميركا يأتي من «مصنع العالم» أي من الصين. هل يحتمل العالمُ سياساتٍ أميركية تقوم على عرقلة الصادرات الصينية، وهل تدفع هذه السياسة بكين إلى الانخراط في تحالف بلا حدود مع روسيا يعلن رسمياً العودة إلى عالم المعسكرين؟ وهل تستطيع أوروبا القلقةُ من روسيا وصعودِ اليمين المتطرف احتمالَ أعباء عالم من هذا النوع؟

وماذا عن الشرق الأوسط الذي يغلِي على نارِ المذبحة المفتوحة في غزة واحتمالات انتقالِ الحرب إلى الجبهة اللبنانية؟ وماذا عن «الدولة الفلسطينية» التَّي قد تشكل المخرجَ الوحيدَ لضمان عدم تكرار «الطوفان» والحروب المواكبة؟ وماذا عن الخلاف النووي مع إيران التي قد يجد المسؤولون فيها صعوبةً في إبرام أي اتفاق مع الرجل الذي أمرَ بقتل قاسم سليماني؟

كانتِ المناظرةُ مثيرةً. ترمب يتقدَّم والرجاءُ ربطُ الأحزمة.

(الشرق الأوسط اللندنية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العالم امريكا العالم ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

زيارة ترمب الخارجية الأولى (الثانية)

الزيارة الرسمية الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في الولايتين اللتين تولاهما؛ كانت وجهته فيهما المملكة العربية السعودية.
الأمر الذي يعكس- بلا شك- الأهمية الكبيرة والمكانة الرفيعة وقوة التأثير العالمي للمملكة، وليس الإقليمي وحسب، في مجمل القضايا العالمية والصراعات التي تحدث في كثير من مناطق النزاع، مثل ما يحدث في غزة بين الكيان المحتل وفلسطين، وبين روسيا وأوكرانيا، وما يحدث في السودان بين الجيش والدعم السريع، وفي اليمن بين الحوثيين والشرعية من جهة، وبين الحوثيين وأمريكا وإسرائيل من جهة، والمفاوضات الأمريكية الإيرانية حول الملف النووي، وما يحدث في سوريا ولبنان، وما يحدث بين الهند والباكستان، وغيرها، وما تمثله المملكة من تأثير وجهود دبلوماسية كبيرة في حلحلة الكثير من المشكلات والصراعات والسعي إلى تصفيرها.
كل هذا، إلى جانب بحث تطوير العلاقات السعودية– الأمريكية، والخليجية الأمريكية، وعقد الصفقات المليارية، أو التريليونية المتبادلة بين البلدين.
لم تعد السعودية بلدًا استهلاكيًا بعد رؤية المملكة 2030، ولم تعد تعتمد على النفط خيارًا وحيدًا للدخل، وتحولت في سنوات قليلة إلى بلد منتج، وتنوعت مصادر الدخل فيه، وأصبحت بلدًا مؤثرًا ضمن أقوى 20 اقتصادًا عالميًا، وتتعامل القيادة الرشيدة في المملكة مع قيادات الدول العظمى الند للند؛ سياسيًا واقتصاديًا، وأصبحت المملكة من خلال النمو الأسرع في العالم؛ اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا وعسكريًا دولة عظمى، وأصبح تأثيرها أيضًا الأسرع والأقوى في المنطقة والعالم.
كل هذا، هو ثمرة نجاح الرؤية المباركة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والجهود الكبيرة لولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان– حفظهما الله– التي سابقت الزمن، وكان لها قصب السبق في تحقيق المستحيل بمقياس تقدم الأمم والشعوب.
ونتطلع جميعًا إلى ما ستسفر عنه القمة المقبلة، وكلنا ثقة بأنها ستكون مكتسبات سعودية كبيرة، تعزز مكانة المملكة وقيادتها الرشيدة، وتحقق المزيد من الرفاه الذي ينعم به المواطن السعودي.

Dr.m@u-steps.com

مقالات مشابهة

  • زيارة ترمب الخارجية الأولى (الثانية)
  • فركش هيبتا : المناظرة الأخيرة .. ويستعد للعرض السينمائي قريبًا
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
  • بطريرك الأقباط الكاثوليك يجري حج يوبيل الرجاء بروما
  • ختام مسابقات المناظرة باللغة الإنجليزية لمدارس تعليمية ظفار
  • أخبار العالم | بايدن: أتحمل مسؤولية فوز ترامب بالرئاسة.. الرئيس الأمريكي يدرس خفض التعريفات الجمركية على الصين.. وهجمات جوية متبادلة بين الهند وباكستان
  • بايدن: أتحمل مسؤولية فوز ترامب برئاسة أمريكا
  • هذا هو البابا الجديد الذي يحتاج إليه العالم اليوم... يخلف أهم ثلاثة بابوات
  • جيل بايدن تحصل على وظيفة جديدة