نازحان للجنوب: مثلث المجاعة والغلاء والحرب يفتك بأهل غزة
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
غزة – أكد فلسطينيان نزحا من مدينة غزة إلى المناطق الجنوبية من القطاع، إنهم يعيشون معاناة مركبة في المدينة جراء اجتماع الأزمات الثلاثة “المجاعة والغلاء والحرب”.
وأضاف النازحان من عائلة “نصر الله”، إنهم قرروا التوجه نحو جنوب القطاع تحت تهديد النيران الإسرائيلية التي طالت أماكن نزوحهم، وبعدما ضاقت بهم السبل في الحصول على مكان آمن.
وقال محمد نصر الله، للأناضول: “توجهنا برفقة عائلتي المكونة من 6 أشخاص، نحو مدينة خان يونس بحثا عن الأمن والطعام بعدما تركنا مدينة غزة تحت تهديد القصف”.
وتابع حديثه بملامح متحسرة: “نضطر يوميا للسير مسافات طويلة من أجل البحث عن الطعام أو لتغيير مكان النزوح وهربا من الموت”.
أما زوجته نادية، التي نزحت بالثوب المخصص للصلاة، فقد قالت للأناضول: “إنهم تركوا منزلهم والأماكن المتعددة التي نزحوا إليها تحت تهديد القصف الإسرائيلي حيث تساقطت عليهم الصواريخ لعدة مرات”.
وتابعت: “إلى جانب ذلك، لم نعد نتحمل حالة الجوع والغلاء خاصة فيما يتعلق بتوفير حاجيات الأطفال من حليب وحفاظات”.
ولفتت إلى أن علبة الحليب بات سعرها يتجاوز الـ90 شيكلا (24.8 دولارا)، وأما الحفاظات فهي شحيحة ويزيد سعرها عن 50 شيكلا (13.7 دولارا).
وتابعت بعدما وصلوا إلى المناطق الجنوبية للقطاع، وعلامات التعب واضحة على وجهها: “يصعب علينا توفير الطعام، كل أصنافه في غزة مرتفعة الأثمان بشكل مضاعف”.
وخلال الأشهر الماضية، حذرت مؤسسات فلسطينية محلية وأممية من تجدد المجاعة في محافظتي غزة والشمال في ظل شح المساعدات الواصلة إليهما بسبب المنع الإسرائيلي لذلك، ووسط حالة الحصار المشددة المفروض عليهما.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة بدعم أمريكي، خلفت نحو 127 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
وتواصل تل أبيب الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وبتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
الأناضول
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
إقرأ أيضاً:
سباق التسلح الخوارزمي: الذكاء الاصطناعي والحرب الباردة الجديدة بين أمريكا والصين
تجري الآن مسابقة عالمية جديدة، لكن ساحات القتال فيها ليست مواقع جغرافية، إنها مراكز البيانات، ومصانع أشباه الموصلات، ومختبرات الأبحاث حيث يتم صياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي. الولايات المتحدة والصين، القوتان العظميان في العالم، تتنافسان بشدة على التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي. وهذه ليست منافسة على كأس واحد، إنه صراع محدد سيشكل الهيمنة الاقتصادية والميزة العسكرية وهيكل النظام الدولي للقرن الحادي والعشرين.
إن هذه المنافسة هي أكثر من مجرد سباق تقني، بل إنها صراع أساسي بين الأنظمة والأيديولوجيات. وفي جوهر الأمر هناك سؤالان حاسمان: كيف تقوم هاتان القوتان ببناء أنظمتهما البيئية للذكاء الاصطناعي؟ وكيف سيؤدي التنافس العالمي على الموارد والتفوق التكنولوجي إلى إعادة رسم خريطة القوة العالمية؟ وتكشف الإجابات عن شبكة معقدة من الاستراتيجية والضعف والمناورات الجيوسياسية التي تمتد من أعلى مستويات الحكومة إلى أعمق المناجم على وجه الأرض.
كيف تقوم هاتان القوتان ببناء أنظمتهما البيئية للذكاء الاصطناعي؟ وكيف سيؤدي التنافس العالمي على الموارد والتفوق التكنولوجي إلى إعادة رسم خريطة القوة العالمية؟
الطريقة الأمريكية: قطاع خاص مدعوم من الحكومة الفيدرالية
تدخل الولايات المتحدة سباق الذكاء الاصطناعي من موقع قوة تاريخية، ويعد نهجها دليلا على هيكلها الاقتصادي: قطاع خاص نابض بالحياة ومبتكر يغذيه دعم حكومي كبير ومستهدف استراتيجيا. والشركات الرائدة في العالم مثل إنفيديا، التي تصمم وحدات معالجة الرسومات (GPUs) التي هي الخيول العاملة للذكاء الاصطناعي، جنبا إلى جنب مع عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون وأوبيناي، هي المحركات الأساسية للابتكار الذكاء الاصطناعي الأمريكي. هذه الشركات هي التي تقوم ببناء نماذج اللغة الكبيرة الضخمة (LLMs) التي جذبت انتباه العالم.
ويزدهر هذا النظام البيئي بفضل ثقافة البحث المفتوح، والمنافسة الشرسة، والوصول إلى أعمق مصادر رأس المال الاستثماري في العالم. وتظل الجامعات الأمريكية نقطة جذب لألمع العقول على مستوى العالم، مما يخلق دورة معززة ذاتيا من المواهب والاكتشاف. ومع ذلك، وإدراكا للتهديد الاستراتيجي من منافس توجهه الدولة، تحولت واشنطن من نهج عدم التدخل إلى التدخل النشط. ويعد قانون الرقائق والعلوم التاريخي لعام 2022 المثال الأكثر وضوحا، حيث خصص أكثر من 52 مليار دولار لتنشيط صناعة أشباه الموصلات المحلية. الهدف واضح: تقليل الاعتماد المحفوف بالمخاطر على التصنيع الأجنبي، وخاصة في تايوان الحساسة سياسيا، وإعادة إنتاج الرقائق المتقدمة إلى الأراضي الأمريكية.
وبعيدا عن الأجهزة، تضخ حكومة الولايات المتحدة مليارات الدولارات سنويا في أبحاث الذكاء الاصطناعي من خلال وكالات مثل مؤسسة العلوم الوطنية (NSF) ووزارة الدفاع. وتم إنشاء قانون المبادرة الوطنية للذكاء الاصطناعي لعام 2020 لتنسيق هذه الجهود، بهدف ضمان حفاظ الولايات المتحدة على تفوقها. ورغم ذلك، يواجه النظام الأمريكي تحديات. وإن الطبيعة اللامركزية التي تعزز الابتكار يمكن أن تؤدي أيضا إلى إبطاء نشر البنية التحتية الحيوية، حيث تواجه مشاريع مثل مراكز البيانات الجديدة شبكة معقدة من اللوائح المحلية والمراجعات البيئية، وهي عملية قد تستغرق سنوات، مقارنة بأشهر في الصين.
التنين الصيني: صعود تنظمه الدولة
إن استراتيجية الصين تشكل صورة طبق الأصل للنموذج الأمريكي، وهي مهمة من أعلى إلى أسفل، منسقة من قبل الدولة ولها هدف فريد لا يتزعزع: أن تصبح المركز الأول لابتكار الذكاء الاصطناعي في العالم بحلول عام 2030. وقد تم تحديد هذا الطموح في "خطة تطوير الذكاء الاصطناعي للجيل القادم" في عام 2017، وهي عبارة عن مخطط شامل لتعبئة الأمة بأكملها. وبموجب هذه الخطة، تعمل الحكومة الصينية باعتبارها المستثمر الاستثماري والمخطط الاستراتيجي النهائي. وهي تغذي "الأبطال الوطنيين" (شركات مثل هواوي وبايدو وعلي بابا وتينسنت) وتوفر لها موارد هائلة وأسواقا محمية وتوجيهات واضحة، والنتيجة هي اندماج قوي لسلطة الدولة والشركات.
ربما يكون أعظم ما تتمتع به الصين هي البيانات، ومع عدد سكان يبلغ 1.4 مليار نسمة ومجتمع يتبنى بسرعة المدفوعات الرقمية والتجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، تتمتع الشركات الصينية بالقدرة على الوصول إلى محيط من البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
ولكن طموحات الصين في مجال الذكاء الاصطناعي تواجه نقطة ضعف حرجة: أشباه الموصلات. وعلى الرغم من الجهود الوطنية الضخمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، تظل الصين تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الأجنبية لتصميم وتصنيع الرقائق الأكثر تقدما. وهذه هي نقطة الاختناق الاستراتيجية التي استهدفتها الولايات المتحدة من خلال ضوابط التصدير الصارمة، بهدف إبطاء تقدم الصين في تطوير قوة الحوسبة المتطورة اللازمة لنماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة.
ساحة المعركة الجديدة: الرقائق والمعادن وسلاسل التوريد
إن المنافسة المجردة حول الخوارزميات لها أساس مادي للغاية. وتعتمد صناعة الذكاء الاصطناعي على أمرين: رقائق السيليكون والمعادن الأساسية اللازمة لتصنيعها، والأنظمة التي تدعمها. لقد أصبحت السيطرة على سلاسل التوريد هذه ساحة مركزية للتنافس بين القوى العظمى.
حرب الرقائق: قامت الولايات المتحدة بتسليح هيمنتها بشكل فعال في تصميم الرقائق وتصنيعها. ومن خلال تقييد شركات مثل إنفيديا من بيع رقائق الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما للصين والضغط على حلفاء مثل هولندا (موطن عملاق الطباعة الحجرية أسمل) لفعل الشيء نفسه، تأمل واشنطن في إعاقة تطوير الذكاء الاصطناعي في الصين. وردا على ذلك، تضخ الصين مبالغ غير مسبوقة -تقدر بما يزيد على 150 مليار دولار- في بناء صناعة أشباه الموصلات الخاصة بها. وصدمت شركات مثل اسميك (SMIC) المراقبين بقدرتها على إنتاج رقائق أكثر تقدما مما كان متوقعا، على الرغم من أنها لا تزال متخلفة عدة سنوات عن قادة الصناعة مثل تي إس إم سي التايوانية. وهذا يجعل الوضع السياسي لتايوان، أكبر منتج للرقائق المتقدمة في العالم، نقطة الاشتعال الأكثر خطورة في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بأكملها.
السباق من أجل تفوق الذكاء الاصطناعي ليس سباقا سريعا، إنه ماراثون التحمل بدون خط نهاية. لا يضمن محرك الابتكار الأمريكي المدفوع بالسوق ولا التعبئة الصينية الموجهة من الدولة؛ النصر، فالمنافسة ديناميكية، والقيادة في مجال واحد يمكن أن تتعرض للتحدي بسرعة من خلال تحقيق تقدم في مجال آخر
النظام العالمي الناشئ: الكتل الرقمية والتحالفات المتغيرة
إن المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي تجبر الدول في مختلف أنحاء العالم على اختيار صعب، مما يؤدي إلى تشكيل مجالات نفوذ تكنولوجية متميزة.
فمن ناحية، تعمل الولايات المتحدة على بناء تحالف من "الديمقراطيات التقنية". ومن خلال تحالفات مثل الرباعية (الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا) ومجلس التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تسعى إلى إرساء معايير عالمية للذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات على أساس القيم الديمقراطية والانفتاح وحقوق الإنسان. وتهدف هذه الكتلة إلى إنشاء سوق موحد للتكنولوجيا الموثوقة ومواجهة ما تعتبره نموذجا رقميا استبداديا للصين. ومن ناحية أخرى، تعمل الصين على الاستفادة من "طريق الحرير الرقمي"، وهو امتداد لمبادرة الحزام والطريق. كما أنها تصدر تكنولوجيا المراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والبنية الأساسية لشبكات الجيل الخامس من هواوي، وغيرها من الخدمات الرقمية إلى دول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وبالنسبة للعديد من الدول النامية، تقدم الصين تكنولوجيا بأسعار معقولة ومتاحة بسهولة دون الشروط السياسية المرتبطة عادة بالمساعدات الغربية، مما يخلق اعتمادا اقتصاديا وتكنولوجيا عميقا.
مسابقة بدون خط نهاية
السباق من أجل تفوق الذكاء الاصطناعي ليس سباقا سريعا، إنه ماراثون التحمل بدون خط نهاية. لا يضمن محرك الابتكار الأمريكي المدفوع بالسوق ولا التعبئة الصينية الموجهة من الدولة؛ النصر، فالمنافسة ديناميكية، والقيادة في مجال واحد يمكن أن تتعرض للتحدي بسرعة من خلال تحقيق تقدم في مجال آخر.
وما هو مؤكد أن نتيجة هذه المسابقة ستحدد القرن الحادي والعشرين، وسوف تحدد ليس فقط أي دولة تقود اقتصاديا وعسكريا، ولكن أيضا أي مجموعة من القيم سوف تكون جزءا لا يتجزأ من الخوارزميات القوية التي من شأنها إدارة مدننا، وتشخيص صحتنا، وتشكيل بيئة المعلومات لدينا. ويراقب العالم هاتين القوتين العظميين من السيليكون تتنقلان في هذه المنافسة المعقدة والمحفوفة بالمخاطر، والتي ستتموج نتائجها في جميع أنحاء العالم لعقود قادمة.