يمانيون/محسن علي
على سفوح جبل شمسان الشاهق، وفي قلب مدينة كريتر التاريخية بمحافظة عدن جنوبي اليمن (الخاضعة حاليا تحت سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لدويلة الإمارات)، تقف “صهاريج الطويلة” كشاهد صامت على عبقرية هندسية يمنية فريدة تمتد جذورها لآلاف السنين، ونظام متكامل لإدارة الموارد المائية وحماية المدينة من الكوارث الطبيعية، مما يجعلها واحدة من أروع الأعمال المعمارية المائية في العالم، وتحفة فنية منقوشة في الصخر، تروي حكاية حضارة أمة أدركت قيمة الماء ونعمته في مواجهة تحديات الزمن وضرورة التكيف مع بيئة قاسية.

جدل النشأة وعبقرية البناء
يحيط الغموض بتاريخ بناء صهاريج عدن، حيث تتعدد آراء المؤرخين والباحثين تشير بعض التقديرات إلى أن تاريخها يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد مملكة سبأ، بينما ترجح دراسات أخرى أن من شيدها هم الحميريون، وهناك من يرى أنها نتاج تطور عبر مراحل زمنية متلاحقة، بدءًا من العصور القديمة مرورًا بالعصر الإسلامي، ورغم غياب النقوش التي تحدد تاريخًا دقيقًا، يتفق الجميع على أن هذه المنظومة هي نتاج تراكم معرفي وهندسي فريد.

خطط عبقرية لأهداف استراتيجية
تقع الصهاريج في وادي الطويلة، وهي منحوتة في الصخور البركانية الصلدة لجبل شمسان، أو مبنية بالحجارة والجص المقاوم للماء، وقد صُممت بطريقة عبقرية تضمن تجميع مياه الأمطار الغزيرة التي تهطل على الجبل، وتوجيهها عبر سلسلة من القنوات والسدود إلى الصهاريج المتتابعة.

 

وظيفة مزدوجة الحماية والتخزين
تكمن العبقرية الهندسية لصهاريج عدن في وظيفتها المزدوجة والحيوية للمدينة، فكانت تعد المصدر الرئيسي لتزويد سكان عدن بالمياه العذبة للشرب والزراعة، وكذلك لتزويد السفن العابرة في الميناء، خاصة في مدينة عانت تاريخيًا من شح المصادر المائية،
والأهم من ذلك، أنها كانت تعمل كمنظومة دفاعية لحماية مدينة كريتر من السيول الجارفة التي تتدفق من جبل شمسان، فبدلاً من أن تجتاح السيول المدينة وتدمرها، كانت الصهاريج تستقبلها وتخفف من اندفاعها وتخزنها، مما يجنب المدينة كوارث دمار الفيضانات الطبيعية.

 

الأرقام تتحدث.. السعة والترميم الحديث
تشير التقديرات التاريخية إلى أن العدد الأصلي للصهاريج كان يتراوح بين 50 إلى 55 صهريجاً، لكن معظمها طُمر أو أصابه الخراب والأضرار عبر العصور،  أما الصهاريج القائمة والمكتملة حالياً، فيبلغ عددها نحو 18 صهريجاً، بسعة تخزين إجمالية تصل إلى حوالي 20 مليون جالون (ما يعادل تقريباً 75,700 متر مكعب، و90مليون لتر ).
وبعد أن اندثرت الصهاريج وأصبحت مطمورة بالكامل تقريبًا، أعيد اكتشافها بشكل كبير من قبل الغزو والاحتلال البريطاني لمدينة عدن عام 1856م، يؤكد بعض المؤرخين أن التعديلات التي تمت حينها من قبل مهندسين بريطانيين تحت مزاعم الترميم غيرت من وظيفتها الأساسية كمصارف لتوجيه المياه إلى خزانات لتجميعها.

 

مخاطر البناء العشوائي والبسط
وبينما تؤكد التقارير والأخبار المتداولة أن صهاريج عدن تواجه خطر الانهيار ليس بفعل القذائف، بل بفعل معاول الإهمال والبناء العشوائي منذ العام 2015م، تشير بعض المصادر إلى أن عمليات البسط والتجريف تتم بشكل علني على أيدي قيادات وعناصر مدعومة من قبل متنفذين يتبعون ما يسمى بالمجلس الانتقالي الممول من دويلة الاحتلال الإماراتي، مما يعيق محاولة أي جهود للحماية والترميم جراء الاعتداءات من المتنفذين، وقد أثارت ظاهرة الإهمال والبناء العشوائي حفيظة المواطنين والمثقفين، مما أدى إلى إطلاق نداءات وبيانات لإنقاذ الموقع من التدمير الممنهج لهذا المعلم الأثري.

 

 بين القيمة التراثية وتحديات الواقع
على الرغم من صمودها لآلاف السنين ومن أبرز المعالم التاريخية والأثرية والسياحية في اليمن، تواجه الصهاريج اليوم عدة تحديات خطيرة تهدد بقاءها ووظائفها على رأس ذلك: الإهمال وغياب الصيانة وتراكم النفايات والأوساخ، مما يهدد بانسداد قنوات التصريف ويؤثر على سلامة المنشآت التاريخية التي لم تخضع لترميم شامل منذ عقود،  بالإضافة إلى انتشار البناء والتوسع العمراني غير المنظم في محيطها، إلا أن التهديد الأكبر الذي واجهته بعد عام 2015 تمثل في الإهمال المتعمد من قبل حكومة الفنادق وأدواتهم واستمرار التعديات العشوائية التي تفاقمت حتى اليوم.

واقع صهاريج عدن اليوم تعد صورة مصغرة لتحديات الحفاظ على التراث في مناطق الغزو والاحتلال، فبعد أن صمدت المنظومة الهندسية لآلاف السنين في وجه الطبيعة، أصبحت مهددة بالزوال بسبب الإهمال والفوضى العمرانية والدمار المتعمد منذ أن جثم تحالف العدوان في السيطرة العسكرية الميدانية عليها تحت مزاعم التحرير، وكذلك يفعلون.

#صهاريج_عدن#معالم_تاريخية_وأثرية_يمنية

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: صهاریج عدن من قبل

إقرأ أيضاً:

الأهلي طرابلس بطل الثلاثية التاريخية بقيادة حسام البدري

في ليلة لا تُنسى من ليالي الكرة الليبية، كتب الأهلي طرابلس اسمه بأحرفٍ من ذهب، بعد أن توّج بلقب كأس السوبر الليبي 2025 عقب فوزه المثير على الأهلي بنغازي بركلات الترجيح، ليُكمل ثلاثية تاريخية غير مسبوقة في الكرة الليبية تحت قيادة المدرب المصري حسام البدري.

إنجاز لم يأتِ صدفة، ولم يُصنع بين ليلة وضحاها؛ بل كان حصيلة موسم كامل من العمل المنظّم، والنَفَس الطويل، والإيمان بأن الزعيم قادر على استعادة مجده مهما طال الغياب.

ثلاثية لا تشبه أي موسم آخر

حقق الأهلي طرابلس هذا العام:

1. لقب الدوري الليبي الممتاز
2. كأس ليبيا 2025
3. كأس السوبر الليبي 2025

لتكون المرة الثالثة التي ينجح فيها الفريق في جمع هذه البطولات الثلاث في موسم واحد، في حدث استثنائي يعيد للأذهان أمجاد كبار إفريقيا.

الزعيم لم يكتفِ بالأداء، بل جمع بين القوة والنتائج والشخصية، فكان فريقًا يعرف كيف يفوز، وكيف يعبر اللحظات الصعبة بصلابة لا تهتز.

البداية من القاهرة، والنهاية أيضًا من القاهرة

منذ فوزه الكبير على الأهلي بنغازي في نهائي كأس ليبيا بنتيجة 3–0 في ستاد القاهرة، بدا واضحًا أن الأهلي طرابلس يعيش فترة نضج فني وتكتيكي.

وفي مباراة السوبر، عاد الفريق مجددًا إلى نفس الملعب ليؤكد أن ذلك الانتصار لم يكن وليد لحظة.

فرغم انتهاء اللقاء بالتعادل السلبي، إلا أن شخصية البطل ظهرت في ركلات الترجيح، حيث تقدم لاعبو الأهلي طرابلس بثقة عالية، وتصدى الحارس التركي لركلة حاسمة أشعلت الأفراح الليبية من القاهرة إلى طرابلس.

حسام البدري، مهندس الثلاثية

منذ قدومه إلى طرابلس، أعاد حسام البدري بناء الفريق على أسس واضحة:

الانضباط أولاً الهيكلة التكتيكية توظيف اللاعبين في مراكزهم الطبيعية الاعتماد على الضغط الذكي واللعب المنظم

صنع البدري فريقًا يعرف متى يهاجم ومتى يصبر، ومتى يضغط ومتى يقتل الإيقاع.

ومع مرور الوقت، أصبحت بصمته واضحة على كل خط من خطوط الفريق.

تحت قيادته:
• تحسّن الأداء الدفاعي بشكل كبير
• أصبح الوسط أكثر تحكّمًا في الرتم
• وظهر هجوم الأهلي أكثر فاعلية واستغلالاً للفرص

ولعل أهم ما ميّز الأهلي هذا الموسم هو شخصيته القارية والمحلية، حيث بات ينافس بثقة، ويواجه الكبار دون خوف، ويمتلك لاعبين يؤدّون بروح تتجاوز حدود التكتيك.

جماهير لا تُضاهى، ودور لا يمكن تجاهله

لا يمكن الحديث عن الثلاثية دون ذكر الجماهير.

جماهير الأهلي طرابلس كانت اللاعب رقم واحد، في ليبيا وخارجها، بصوتها ودعمها وأجوائها.

في طرابلس اهتزت الأحياء، وفي القاهرة جاء الصوت من بعيد لكنه وصل إلى الملعب، حمل الرسالة نفسها:

الأهلي دائمًا في الموعد.

موسم خالد، وبداية مشروع أكبر

ثلاثية الأهلي طرابلس ليست مجرد تتويج؛ إنها إعلان عودة، ورسالة بأن الزعيم يسير في الطريق الصحيح، وأن الفريق الذي بُني هذا الموسم قادر على الذهاب بعيدًا لسنوات إذا ما توفر الاستقرار الإداري.

ومع الاستقرار الفني بقيادة البدري، يبدو أن المشروع لم يصل لقمته بعد؛ بل بدأ الآن فقط في كتابة فصوله الأولى.

الأهلي طرابلس لم يفز بالبطولات؛ بل فاز بالهوية.

لم يتوّج بالكؤوس فقط؛ بل توّج نفسه فريقًا يعرف ماذا يريد، ويعرف كيف يصل إلى ما يريد.

إنجاز سيُكتب في التاريخ، وسيظل موسم 2025 موسماً يقول: هنا عاد الزعيم؛ وهنا بدأت الحكاية من جدي

مقالات مشابهة

  • العراقيون بين الغرق والعطش.. نعمة السماء تكشف عيوب الأرض
  • أدركت أنَّ…
  • سجدة الشكر وصلاة الشكر.. ما الفرق بينهما؟
  • مسار الذهب في 2026.. هل يحافظ على صعوده بعد القفزة التاريخية بـ2025؟
  • بيت خالتك حكاية لا يعرفها إلا أبناء سوريا فما قصتها؟
  • من أنقاض حلب إلى منصة التحرير بدمشق.. حكاية الطفل عمران
  • حكاية طائرة ورشة تعليمية في متحف مطار القاهرة صالة 2
  • الأهلي طرابلس بطل الثلاثية التاريخية بقيادة حسام البدري
  • معبد أوام (محرم بلقيس) .. جريمة الإهمال والنهب المنظم في قلب حضارة سبأ