في ذكرى ميلاده.. قصة خلاف يوسف شعبان وعبد الحليم حافظ
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
الفنان يوسف شعبان، واحد من أبرع فناني الجيل الذهبي للسينما المصرية، وهو أيضا من أبرز صناع الدراما في التليفزيون المصري، فمن منا ينسى سلامة فراويلة، وهو الدور الذي أداه يوسف شعبان أمام عبد الله غيث في مسلسل «المال والبنون»، وقد برع الاثنان في تقديم دوريهما بتناغم شديد، بين صديقين أحدهما كان يتحرى الحلال في رزقه، وعاش فقيرا، والثاني استحل الحرام، وأصبح من الأثرياء، لكن النهاية كانت مختلفة.
يوسف شعبان عشق الفن والمسرح، وترك كلية الحقوق من أجله، حيث التحق بمعهد الفنون المسرحية. هل ننسى أيضا محسن ممتاز ضابط المخابرات الذي استطاع زرع رأفت الهجان في قلب دولة الاحتلال، هل ننسى نظرات عينيه وهو ينظر إلى رأفت الهجان أثناء التحقيق معه أمام ثلاث ضباط يحاولون معرفة اسمه الحقيقي، ذلك المشهد الذي برع فيه يوسف شعبان بإتقان شديد.
و يصادف اليوم الثلاثاء 16 يوليو ذكرى ميلاد الفنان يوسف شعبان، الذي قدم العديد من الأعمال السينمائية والدرامية التي تركت أثراً في قلوب وأذهان المشاهدين، وكان أبرزها دوره في مسلسل الشهد والدموع، وقدم خلاله شخصية حافظ رضوان الذي ارتبط بها الجمهور، ولقب بـ «ملك الدراما».
نشأة الفنان يوسف شعبانولد يوسف شعبان، عام 1936 في حي شبرا بمحافظة القاهرة، وكان الأخ الأكبر لأربعة أشقاء، وأثّر والده الذي كان يعمل مصمم إعلانات في إحدى الشركات الأجنبية فينشأة يوسف شعبان الثقافية وكان يجلب له الجرائد والمجلات يوميا، ما شكل وجدانه الفني بحسب وصفه، وكان والد يوسف شعبان، يرغب في أن يكون ابنه رجل دين، ويلتحق بالأزهر بحسب وصفه في لقاء له مع برنامج واحد من الناس، لكن والدته أصرت على التحاقه بالثانوية العامة ودخوله الجامعة.
قدم يوسف شعبان، على مدار مسيرته الفنية أكثر من 300 عمل فني ما بين السينما والتلفزيون والمسرح، رغم دخوله مجال التمثيل بالصدفة.
ومع سطوع نجميوسف شعبان في سماء الفن، لاقي في بداياته السينمائية منافسة شرسة من أبرز نجوم فترة الستينيات وهم رشدي أباظة، وصلاح ذو الفقار، وكمال الشناوي، وشكري سرحان، وحسن يوسف، وكان بعضهم يغري المنتجين بتخفيض الأجر الذي يحصل عليه للتأثير عليهم لاختيارهم وعدم اختياره.
قصة خلاف يوشف شعبان وعبد الحليم حافظكانت الصحافة في فترة الستينيات تكتب بشكل كبير عن يوسف شعبان كفتى الشاشة وعن أن إطلالته تخطف الكاميرا من الباقين أثناء التصوير.
ولهذا السبب حدث خلاف بين يوسف شعبان وعبد الحليم حافظ، قبل البدء في تصوير فيلم «معبودة الجماهير» عام 1967 حيث أراد العندليب عبد الحليم حافظ أن يبعده عن المشاركة بالفيلم لتخوفه من وجوده بسبب ما يكتب عنه في الجرائد، بينما الفنانة شادية مقتنعة به لأنها قدمت معه أفلاما سابقة وحققت نجاحا مثل ميرامار وزقاق المدق.
وتحدث الفنان يوسف شعبان في أحد لقاءاته بالجمهور عن هذه الواقعة وأكد أنه كان متفهما لما كان يفكر فيه عبد الحليم حافظ، لأنه كان يريد أن يكون الممثل الأول مثلما كان المطرب الأول، وأن المخرج حلمي رفلة حاول مع عبد الحليم ليثنيه عن قراره ثم ذهب لمؤلف العمل مصطفى أمين الذي أقنع عبد الحليم لأنه لا يرى غير يوسف شعبان مناسبا للدور.
وفاة الفنان يوسف شعبانتوفي الفنان يوسف شعبان في 28 فبراير 2021 ميلاديًّا، عن عمر ناهز 90 عامًا، متأثرا بإصابته بمرض فيروس كورونا، بمستشفى العجوزة بحي العجوزة بالجيزة.
اقرأ أيضاًذكرى ميلاد يوسف شعبان.. محطات في حياة فتى الشاشة الذي خطف الكاميرا من نجوم الستينيات
ذكرى وفاة يوسف شعبان.. تزوج ابنة شقيقة الملك فاروق ولقب بـ «ملك الدراما»
أكبر مأساة في الدنيا.. جمال شعبان ينعي ابن حسن يوسف بكلمات مؤثرة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الفنان يوسف شعبان ذكرى ميلاد يوسف شعبان عبد الحليم حافظ ميلاد يوسف شعبان وفاة يوسف شعبان يوسف شعبان الفنان یوسف شعبان عبد الحلیم حافظ
إقرأ أيضاً:
شرط الحرية وجماهير مصر الثائرة.. والصامتة أيضا
وصل المناضل اللبناني جورج عبد الله إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، يوم 25 تموز/ يوليو، وبينما كان يحدّث ويحمّس الجماهير حول استمرارية المقاومة ضد إسرائيل، ذكر مصر، فلم يتكلم عن النظام المصري، فهو ربما لا يعرف عنه الكثير بسبب سجنه، بل تكلم إلى من يرى نفسه جزءا منهم، عن الجماهير، الجماهير المصرية التي ربط شرط الحرية لنا جميعا بتحرّكها ونزولها إلى الشوارع.
الجماهير المصرية تحديدا لها تأثير بالغ وعميق في وجدان الشعوب العربية كافة، ولا سيما أهل غزة، إذ لا يمضي يوم إلا وأرى فيه منشورا كتبه ابن لمدينة غزة المُدمّرة، وهو يتحدث بأن خذلان العرب، بالنسبة له، كلّه في كفّة وخذلان المصريين وحده في أُخرى. إن أهل غزة والمصريين بينهم ترابط تاريخي، نسبَي وثقافي، ومهما حاولت سرديات ما بعد كامب ديفيد فصلها أو محوها لن تنجح كلية، ربما نجحت نسبيا، لكن سرعان ما يأتي حدث عنيف، مثل الإبادة، ليذكّرنا نحن المصريين بأن غزة وشعبها جزء منَّا، ونحن منه أيضا.
لكن، لماذا تخلّينا عن هذا الجزء؟ ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي.
ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي
هذه المحاولات كانت من خلال مظاهرات جماعية بالآلاف كما حدث يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي بعد أقل من أسبوعين من بدء الإبادة، فانتفض الآلاف من المصريين واقتحموا ميدان التحرير رغما عن القوى الأمنية، واستمر الهتاف لساعات. لكن سرعان ما تجمّعت قوات الأمن وفُضت المظاهرة بالقوة، واعتُقل العشرات. من بعد هذا اليوم، بدأت حملة مسعورة لاعتقال المئات من المصريين بسبب دعمهم لفلسطين بشكل حركي لا كلامي على منصات التواصل فحسب، وهم سجناء إلى الآن. اعتقل الطلاب من الجامعات، والرجال والنساء من البيوت بسبب جمعهم تبرعات لأهل غزة، وأيضا من الشوارع بسبب صرخاتهم فرادى من أجل غزة، وكذلك من قاموا بعمليات مسلحة ضد إسرائيليين في مصر طاردتهم قوات الأمن، كما اعتقلت كل من يشتبه بمعرفتهم.
كل هذه المحاولات لم تكن كافية للضغط على النظام -الذي يملك قوة أمنية كبيرة- لوقف تواطئه وتنسيقه مع إسرائيل والضغط عليها لوقف الإبادة وإدخال المساعدات، وأخذ مواقف سياسية ودبلوماسية أكثر صلابة. لكن من المهم معرفة ما هو التشخيص الموضوعي الذي جعل هذه المحاولات ضعيفة وغير كافية!
بإيجاز، توجد أسباب متباينة ومتداخلة للإجابة، أولها، أن الشعب المصري منذ عام 2011 حتى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قد مورس عليه عنف لم يشهده من قبل في تاريخه الحديث. آلاف القتلى في الشوارع بدءا من ثورة يناير مرورا بأحداث ثورية عنيفة جدا مثل أحداث محمد محمود (تشرين الثاني/ نوفمبر 2011) واستاد بورسعيد (شباط/ فبراير 2012) وفض اعتصامي رابعة والنهضة (آب/ أغسطس 2013)، هذا بجانب التصفيات الجسدية والقتل تحت التعذيب في مقرات الاحتجاز والسجون، فالمصريون منذ كانون الثاني/ يناير 2011 وصولا إلى عام 2016، لم يتركوا الشوارع، وكانوا في ثورة وقمع دائمين.
نتج عن هذا العنف آلاف القتلى ومئات المختفين قسريا، فضلا عن مئات الآلاف من المعتقلين، إذ منذ تموز/ يوليو 2013، دخل وخرج مئات الآلاف من المواطنين السجون بتهم سياسية، واستقر منهم بشكل كبير قرابة 40 ألف سجين سياسي، وعشرات الآلاف من "المنفيين"، فمصر تحتل المراتب الأولى في مؤشرات القمع العالمي، هذا فضلا عن تمثلات أُخرى من القمع عبر المراقبة والمتابعة الدائمة لأجساد المواطنين.
هذا العنف، بجانب الإفقار المعيشي، تسبب في إنهاك المصريين بشكل كبير، جعلهم في حالة موات مشاعري تجاه أنفسهم، وتجاه أي حدث، فضلا عن غياب أي تنظيمات سياسية أو اجتماعية، ما تسببَّ في نفي أي تحرك جماعي كبير سواء من أجل مطالبات داخلية أو خارجية مثل وقف الحرب على غزة. ومع هذا، دائما ما وُجدت صرخات ثورية فردية، في دلالة على تغيير الحالة الثورية المصرية من الجماعية إلى الفردية، فتجد شابا أو امرأة تصرخ وحدها في الشارع من أجل فلسطين، والناس يرونها، لكنهم لا ينضمون إليها، مع حاجتهم الشديدة للصراخ مثلها، لكنهم لا يستطيعون بعد كل هذا الإنهاك أن يصرخوا، لمعرفتهم اليقينية بأن أجسادهم ستُقتل بشكل مباشر أو حتى ستقتل ببطء، حين تدخل في ظلامات السجون لسنوات طويلة، وسينساها الناس، ويدفع الإنسان وحده الثمن والذي لا يستطيع تحمل تكلفته.
أيضا، تغيرت كثير من المفاهيم والتمثلات لدى المجتمع المصري، لا سيما عند الأجيال الجديدة، فلم تعد الثورة هي حدث يشغل بال المصريين، بكل أجيالهِم، فلا تأتي الثورة كل يوم، الثورة تحتاج إلى عمل ورؤى وأفكار، تبنى لسنوات كثيرة، كما أن المفاهيم الحياتية الحالية، والناعمة، باتت أيديولوجيا عند فئات كثيرة من الشعب، من الفردانية والإنجاز والنجاة الفردية والاستهلاك بكل تمظهراتِه. هذه هي الممارسات اليومية للمصريين؛ لا ممارسات تخص الفكر السياسي والعمل للتغيير، وهذه حالة عمّت المنطقة كلها وليست حصرا في مصر.
الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة
أيضا، يتملّك المصريون الخوف من الفوضى. نعم، وصل جزء كبير من الشعب المصري، بشكل لا واع، إلى تبني فكرة العيش المُذلّ تحت الاستبداد أفضل من العيش المذل تحت الفوضى. يرى المصريون كل البلاد من حولهم وقد تحولت إلى ساحات اقتتال داخلي، مثل سوريا وليبيا واليمن والسودان، أو خارجي متمثل في حروب الاحتلال على غزة ولبنان. لذا، يخاف المصريون من الفوضى، والنزوح، واللجوء، والحروب الأهلية، وتفشي جماعات التطرف. وقد لعب النظام المصري الحالي على أوتار هذه السردية منذ توليه الحكم، ففي كلماته الشهيرة والمُكررة، يقول السيسي دائما "مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق". وقد تأثر الشعب وخاف كثيرا من تلك السردية.
إن النظام المصري خذل غزة، واستطاعت أمريكا وإسرائيل توظيفه، بإرادته، كمنسق وشاهد صامت على حرب الإبادة، بل وقامع لأي تحرك يضغط لوقف الحرب وكسر الحصار. لذا، الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة، فلا يُصبُّ كل الضغط والحشد تجاه النظام المصري الذي لا يملك قرار وقف الحرب، ولا يملك إدخال المساعدات من الجانب الإسرائيلي، لكنه يملك إدخالها أو على الأقل حشدها، مع مؤسسات دولية، أمام معبر رفح من الجهة المصرية، وهذا ما يفترض أن يفعله.
الشعب المصري -لا النظام- لا يرضى بحرب الإبادة وكل تمثلاتها المأساوية التي نراها يوميا بحق أهلنا، لكنه شعب أُنهك وخُوّفَ وأُفقرَ وقُمع، بطريقة لن يدركها سوى من اختبر تمثلات القمع نفسها، وبات لا يحمل أي أيديولوجيا أو تنظيم يتحرك من خلاله لمنع أحداث مأساوية. إن التقاط الأنفاس للشعوب بعد سنوات من التدمير شيء طبيعي، ويأخذ سنوات وسنوات، كما الوصول إلى الإصلاح والثورة يأخذ سنوات من العمل والتنظيم وتراكم الاحتجاج، وقد وقع من أجل قضايا الحرية والتحرر، ومنها قضية فلسطين، خلال السنوات الماضية، عشرات الآلاف من الشهداء؛ لا شخص واحد! فكانت فلسطين حاضرة في كل المنعطفات الثورية المصرية.
ختاما، هذا التشخيص ليس دعوة أو تبريرا للصمت على الاستبداد بحجة التقاط الأنفاس، أو التيه والخوف والاستسلام، بل -عن نفسي- أتمنى أن يُكسر هذا الصمت، اليوم قبل الغد، لكنه تشخيص نفهم من خلاله ما وصلنا إليه، وأسبابه، ونحاول معالجته. فهكذا المُجتمعات تصمت أو تثور، بنسب متبانية، بسبب دوافع وشروط، تحيا وتموت وتختفي عبر العقود.