القصة وراء التوثيق الفريد للأضواء القطبية في سماء سلطنة عمان
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
عندما يقوم الباحثون بالتنقيب في الشواهد التاريخية لأحداث معينة فإن مهمتهم الأساسية تدور حول البحث عن كل قصة أو جملة أو حتى كلمة تذكر الحدث أو تشير إليه في كل المصادر التي يمكن الوصول إليها، لما في ذلك من أهمية لربط الحدث بكل مكوناته ثم الوصول للنتيجة الأقرب للواقع والمنطق العلمي. فمثلا، حين رصد الفلكيون سديم السرطان الذي نتج عن انفجار نجم في نهاية حياته قدّروا أن هذا النجم قد انفجر قبل حوالي ألف عام من الآن، أي في زمن حديث نسبيا من ناحية توثيق البشر ليومياتهم ومشاهداتهم، وعندما عادوا لسجل المشاهدات التاريخية لأهل الفلك، وجدوا أن اليابانيين والصينيين في شرق الكرة الأرضية قد وثقوا ذلك الحدث بدقة، وكذلك سكان قارة أمريكا الأصليون في الجانب الغربي من الكوكب، ليستنتجوا من خلال هذه الروايات أنها فعلا كانت تصف مشهد سطوع ظهر بشكل مفاجئ في بقعة معينة من السماء عام 1054م، وهي التي نرى فيها الآن سديم السرطان من خلال التلسكوبات، لتتوافق تقديراتهم العلمية حول التاريخ الذي وقع فيه انفجار ذلك النجم مع الرصد الفعلي.
ولدينا اليوم حدث وقع هذه السنة له علاقة بظواهر السماء أيضا، فقد كان أعضاء الجمعية الفلكية العمانية قاسم البوسعيدي وعلي الكندي ورفيقهما يحيى الكندي في رحلة اعتيادية إلى جبل السراة بمحمية الحجر الغربي لأضواء النجوم لتصوير السماء وجمالها بعيدا عن أضواء المدن التي تحجب الضوء العتيق القادم من النجوم، وبعد ضبط زاوية المشهد المطلوب والإعدادات المناسبة فتحوا أعين الكاميرات على السماء لتسهر طويلا للقيام بمهمة جمع الضوء حتى ساعات الفجر، ثم خلدوا إلى نوم هادئ بين أحضان أشجار العلعلان المعمرة،
ومع بزوغ الفجر كانت الكاميرات قد أغمضت أعينها بسبب نفاد الذاكرة أو البطارية، فوضّبوها وحملوها قافلين إلى بيوتهم، دون أن يدور بخلد أحدهم أن تلك الكاميرات حبست في ذاكرتها توثيقا تاريخيا فريدا لظاهرة لا يوجد أي ذِكر لها في الذاكرة التاريخية العمانية.
فعند الرجوع لتلك الصور لاحظوا أنه في ساعة معينة من منتصف الليل ظهرت أضواء براقة وملونة ما بين اللون الوردي والبنفسجي، لم يعتادوا على مشاهدتها في كل تصويرهم للسماء والممتد لسنين سابقة، ولم يعلموا في حينها ما كانت طبيعة تلك الأضواء سوى أنه نما إلى مسمعهم أن تلك الليلة شهدت واحدة من أعنف العواصف الشمسية التي ضربت الأرض، وبسببها شاهد سكان الكوكب الأضواء القطبية -أو ما يعرف بالشفق القطبي- من أماكن غير مُعتادة، وبسبب فرادة الحدث طلبوا مساعدة عدة مهتمين في المجال لتفسير ظهور تلك الأضواء الملونة وما إذا كان لها علاقة بالعاصفة الشمسية التي وقعت، وأحد أولئك المهتمين كانت مبادرة ناسا بالعربية لصاحبها عيسى آل الشيخ، والذي بدوره -لتأكيد التفسير العلمي للظاهرة- قام بالتواصل مع الدكتورة إليزابيث مكدونالدز، خبيرة الفيزياء الشمسية في مركز جودارد التابع لوكالة ناسا، واستجابت بشكل فعال مع تفاصيل الرصد لغرابته وأهميته في إيضاح تأثير تلك العاصفة الشمسية على كوكب الأرض.
طلبت الدكتورة ليز -كما تحب أن تنادى- الكثير من التفاصيل المتعلقة بالكاميرات المستخدمة، وعدساتها، وتفاصيل المنطقة الجغرافية التي تم التصوير منها، وكذلك التوقيت الدقيق للتصوير، والجهة التي تم توجيه الكاميرات إليها، وأدخلت ضمن البريد المتبادل زميلها من ألمانيا مايكل ثيوسنر، خبير أرصاد جوية وعالم فلك هاوٍ ومطور برنامج IDL، وهو بدوره ساهم بشكل فعال في تحليل الصور وتأكيد رقعة السماء التي ظهرت فيها تلك الأضواء، ومقارنتها برواية الراصدِين حول ظروف التصوير، والتأكد من أن كل ما يظهر في الصور لم يتم التلاعب فيه بأي طريقة أو لم تتأثر الكاميرات بأي عوامل أخرى تؤثر على تصويرها.
الخلاصة التي توصل لها الفريق -بعد شهر من النقاش تقريبا والكثير من رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة، وحتى لحظة كتابة هذا المقال- هي أن تلك الأضواء تمثل أول رصد عملي وتوثيق رصين لظهور الشفق القطبي في سماء سلطنة عمان، وهي سابقة نوعية لم تحدث من قبل لندرة حدوث عواصف شمسية قوية تتسبب في مشاهدة الظاهرة من دوائر عرض بعيدة عن المناطق القطبية، وتم اعتبار التقرير حول هذا الحدث «تقرير الشهر» في موقع مشروع «أوروراصورس» الذي تقوده الدكتورة ليز والمخصص لتسجيل بلاغات مشاهدة الأضواء القطبية من مختلف أنحاء العالم بغرض توثيقها وفهرستها ودراستها، ومقارنة بعضها ببعض عند حدوث العواصف الشمسية، مع ربطها بمختلف عوامل ظهورها كحالة الطقس، وشدة العاصفة الشمسية، وطريقة الرصد، وهذا التوثيق سيساعد آخرين -في عُمان أو خارج عُمان- على محاولة تكرار الرصد واعتباره تحديا جديدا في ساحة الأرصاد الفلكية، حيث إن المصورين الفلكيين لديهم مجموعة من الأحداث والظواهر المتعلقة بالسماء والتي يجدون فيها تحديا لرصدها أو التقاط أفضل مشهد لها، أو مصارعة العوائق مثل الظروف الجوية والمعدات المتاحة في تصويرها.
عيسى بن سالم آل الشيخ صاحب مبادرة ناسا بالعربية، وعضو مجلس إدارة الجمعية الفلكية العُمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مروان بن تركي يفتتح "ملتقى الصداقة العماني الصيني 2025".. غدا
◄ "الرؤية" تسجل حضورها الثالث على درب تمتين عرى الصداقة والتعاون بين البلدين الصديقين
◄ كوكبة مميزة من الخبراء والمختصين يثرون نقاشات التكامل في ضوء مستهدفات المستقبل
◄ مجموعة متنوعة من اللقاءات الثنائية بين ممثلين عن مجتمع الأعمال العماني والصيني
مسقط- الرؤية
يرعى صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، صباح غد الخميس، أعمال الدورة الثالثة من ملتقى الصداقة العُماني الصيني "التحديث الصيني النمط ورؤية عُمان 2040.. أعمالنا ومقترحاتنا"، وذلك بمنتجع ميلينيوم صلالة، ودورة متجددة تنطلق في فضاءات واعدة من التفكير المشترك، والتكامل العملي، والعمل المؤسسي العابر للحدود.
ويهدف الملتقى في درورته الحالية إلى استكشاف الفرص، واقتراح المبادرات، وتوسيع مساحات التعاون بين بلدين صديقين يرفع كل منهما راية الاستعداد للمستقبل، في ضوء ما تحمله رؤية عمان 2040 من طموحات تنموية عميقة الجذور، وما يتيحه التحديث الصيني النمطي من نماذج ملهمة في النهضة الاقتصادية والاجتماعية.
ويلقي كلمة اللجنة الرئيسية العليا لأعمال الدورة الحالية من الملتقى حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية الأمين العام رئيس اللجنة العليا، فيما يلقي سعادة هو ليو جيان سفير جمهورية الصين الشعبية لدى سلطنة عمان الكلمة الترحيبية عن الجانب الصيني، ويقدم سعادة الدكتور خالد بن سالم السعيدي رئيس جمعية الصداقة العمانية الصينية كلمة الجمعية الشريك الداعم للملتقى، أما بيان افتتاح أعمال الدورة الحالية فيلقيه سعادة الدكتور صالح بن سعيد مسن وكيل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للتجارة والصناعة، قبل أن يلقي الشيخ نايف بن حامد فاضل رئيس غرفة تجارة وصناعة عُمان فرع ظفار كلمة الشريك الإستراتيجي للملتقى.
بعد ذلك، يقدم البروفسيور فو تشيمينغ أستاذ كرسي السلطان قابوس بجامعة بكين، وأحد الوجوه الأكاديمية المرموقة في مجال الدراسات الحضارية والتواصل الثقافي بين الشرق العربي والشرق الآسيوي، ورقة عمل بعنوان: "التبادلات الثقافية الصينية العربية"، قبل أن يقدم الدكتور هشام عبدالمجيد مدير مكتب التعاون الدولي بجامعة ظفار ورقة عمل متخصصة حول افتتاح مقرر اللغة الصينية ضمن برامج جامعة ظفار كعلامة فارقة في مسار التقارب الثقافي والتعليمي بين البلدين.
المحور الأول من الملتقى ينطلق تحت عنوان "التحديث الصيني النمط ورؤية عمان 2040"، في صورة جلسة نقاشية، يُديرها دكتور أحمد سعيد كشوب رئيس مركز المؤشرات الاقتصادية والمالية، ويشاركه المنصة كلٌّ من: محمد الزدجالي إخصائي ترويج الاستثمار بهيئة المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، والدكتور يوسف البلوشي الخبير الاقتصادي ومؤسس البوابة الذكية للاستثمارات والاستشارات، والمستشارة شيه تشونغ مي المستشارة الاقتصادية والتجارية في سفارة جمهورية الصين الشعبية، وجاينغ بنغ جينغ المسؤول التنفيذي في شركة سولار JA، وون تشى مساعد رئيس شركة Electric Zhongke Hunan، وليانغ تشاو المدير العام لشركة مجموعة تشاينا إينيرجي الدولية المحدودة فرع سلطنة عمان.
أما المحور الثاني فينطلق بعنوان: "التعاون في مجال الطاقة"، والذي يُديره الدكتور يوسف بن حمد البلوشي الخبير الاقتصادي مؤسس البوابة الذكية للاستثمارات والاستشارات ويشاركه المنصة كل من: المهندس سالم بن بخيت الكثيري رئيس دائرة المعادن بصلالة بوزارة الطاقة والمعادن، وقوان شو نائب المدير العام للشركة الصينية الوطنية للبترول فرع سلطنة عمان، ووانغ وينجون نائب الممثل الإقليمي الرئيسي لشركة باور تشاينا مؤسسة تشييد الطاقة الصينية، ويون يانغ مدير عام شركة الصين الثالثة للإنشاءات الكيميائية.
وتحت عنوان "التعاون في الابتكار والتكنولوجيا"، يُدير الدكتور يوسف بن حمد البلوشي أعمال الجلسة الختامية للملتقى، ويُشاركه المنصة كلٌّ من: الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد سعيد كشوب، وديفيد هوي الرئيس التنفيذي لمكتب هواوي بسلطنة عمان، والمهندس عبدالله البوسعيدي مدير عام مركز عمان للوجستيات، ووانغ شينغ لي الممثل الرئيسي لشركة شبكة الدولة الصينبية في سلطنة عمان والرئيس التنفيذي للشؤون التنظيمية بشركة عمان لنقل الكهرباء، ودينغ نان مدير العلاقات العامة الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط بشركة Solar JA، والدكتور ناصر بن محمد تبوك محاضر بجامعة ظفار، وعلي شاه الرئيس التنفيذي لشركة عدسة عمان.
هذا ويُصاحب أعمال الملتقى معرض للصور من تنظيم سفارة جمهورية الصين الشعبية لدى سلطنة عمان، إلى جانب مجموعة واسعة من اللقاءات الثنائية (B2B) بين ممثلين عن مجتمع الأعمال العماني والصيني.