موقع النيلين:
2025-05-19@22:37:53 GMT

محمد حامد جمعة: قد تقتلونا لكن لن تهزمونا

تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT

محمد حامد جمعة: قد تقتلونا لكن لن تهزمونا


الحرب قاسية . ومرهقة . أضافت سنوات الى أعمارنا . بأثقال من خليط القلق والترقب . واليأس والرجاء . ساعة وساعة . لكنها والله العظيم ما قتلت او أطفأت شمعة الحياة وما قطعت وريد الدم المقوي للنبض . نعاني نعم . فرضيات الموت والأذى أرجح من السلامة وكلها أقدار الله . لكن فيما ارى لم تدفن ارواحنا في الركامات .


المساء عندنا خاصة مع إنقطاع الكهرباء مساحة لطقوس التأمل . القائم على دروس الصبر القوى على الظلام وارتفاع الحرارة . وإنعدام النسيم الذي مرات يعطف بأمر الله فيرسل نفحة نتلقاها بالشكر النبيل . وكما قلت الناس لا يزالون هم انفسهم . يتقون على مراهق اللحظات بكثير من العشم . الضحك والطرافة وإيمانيات اليقين والرضا . نتزاور نتفقد المريض والجريح المقنوص او المقضوم بقذيفة . اكثر من هذا الناس تشق المسافات للتعازي . لا يزال النسوة ينحن على الموتى حتى للغرباء الذين يلتقطون من قارعة الحتوف . صارت بعض منعطفات الحارات وزوايا الجدران مقابر ! حيث يساس اللحد في شق على مسارات النهارات . ويكون الشاهد ظلال الاكف بالدعاء .
في حالنا هذا لا تزال بعض اللحظات يتسلل منها صوت مغني . لاحظت كثيرا كأنما كل موروث حقيبة الموسيقى عندنا نسجت غيبا من القديم لهذه اللحظة . الناس كلما سمعوا صوتا يغني ينصتون ، يعلوهم شجن غريب . صدق ذاك المصري الذي كتب عن بكاء حشد من السودانيين لحظة سماعهم اغنية ادارها ليسري عنهم . هنا في قلب الخرطوم الحال ذات . غير مرة سمعت صائح يطلب وقف الاغنية لانه على وشك التداعي !
اكتب الان والمآذن ترفع صوتها للسماء . كانه ترسله فوق مدى المضادات ! اصوات كأنها ضاعفت صوت قوتها وصداه . ورغم المحاذير نتدافع بعد قليل للصحون والمحاريب . سكينة الصف الذي تقلص كأنها توقينا لبقية الليلة ومطلع الصباح حيث يسلمنا (العشاء) لبشارة (الفجر) . لا يزال الناس فيهم ذاك التواصل المدهش . امس بعد الثامنة طرق جاري الباب . حينما خرجت والرجل من أهل دار تنبت النخل والقصيد والنشيد . قال لي افتقد ضجيج حركتك فاتيت اتفقدك . قالها وهو يدفع لي بإبناء عتيق (كورية) مغطاة بإحسان . قال تذوق هذه البليلة العدسية . ثم اعتذر بلطف ما قدرت اظبطها بمحسنات قتقبلها هكذا ! اصررت عليه ليدخل فإعتذر بشدة . عدت للداخل . التقطت من ذاكرة جوالي بعض اغاني استمع وفمي يتلقى الحبيبات المباركة .
هذه الازمة قد تكون اوجعتنا في كثير لكن لا نزال كلما تشتد نشتد على انفسنا قربا وتماسكا . نحن بالخير اقوى من ظلامات الموت والفجيعة لكنه سينتهي وسنعود ..سنعود . حتى إن متنا . سنكون فيمن بقى . نحن هم وهم نحن …لن تهزمونا .. قد تقتلونا لكن لن تهزمونا .

محمد حامد جمعة

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء

بقلم : سمير السعد ..

في عالمٍ تُثقله الحروب وتغرقه الفواجع، تبرز قصيدة “تهويدة لا تُنيم” للشاعر العراقي غسان حسن محمد كصرخة شعرية تحمل وجع الوطن، وتجسِّد الإنسان العراقي في زمنٍ لم يعد فيه للتهويدات مكان، ولا للطفولة حضنٌ آمن. غسان، ابن العمارة ودجلة والقصب، هو شاعر يكتب بقلبه قبل قلمه، ويغزل قصائده من نسيج الوجع العراقي بأدقّ خيوط الإحساس وأصفى نبرة صدق.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد يختزل حجم الانهيار الداخلي في صورة جسدية/معمارية رمزية:

“من ربّت على ظهرِ الجسر..،
حتى انفصمت عُراه.”

ليتحوّل الجسر، رمز العبور والحياة، إلى معبر نحو الفقد والانفصال، ولتمتدّ صورة اليُتم على النهر كلحن لا يُفضي إلى الوصول:

“ليمتدَّ اليتمُ على كامل النهرِ،
يعزفُ لحنَ اللاوصول؟!”

هنا لا يتحدث الشاعر عن اليتيم بمعناه الفردي، بل يُحوّله إلى حالة جماعية تسري في جسد المكان، حالة بلد بأكمله يُرَبّى على غياب الآباء، وانقطاع الحكايات.

تدخل الحرب بوصفها شخصية غاشمة، لا تنتظر حتى تهدأ التهويدة، بل تُباغت الزمن وتفتك بالطمأنينة:

“الحرب..،
الحرب..،
(لعلعةٌ..):
كانت أسرعَ من تهويدة الأمِّ لوليدها”

هكذا يضع الشاعر التهويدة، رمز الحنان والرعاية، في مواجهة مباشرة مع صوت الحرب، لنعرف أن النتيجة ستكون فاجعةً لا محالة. ولا عجب حين نسمع عن الوليد الذي لم تمنحه الحياة حتى فرصة البكاء:

“الوليدُ الذي لم يفتر ثغرهُ
عن ابتسام..”

فهو لم يعرف الفجيعة بعد، ولم يلعب، ولم يسمع من أبيه سوى حكاية ناقصة، تُكملها المأساة:

“لم يَعُد أباه باللُعبِ..,
لم يُكمل حكايات وطنٍ..،
على خشبتهِ تزدهرُ المأساة لا غير.!”

في هذا البيت تحديدًا، يكشف غسان عن قدرة شعرية مدهشة على تحويل النعش إلى خشبة مسرح، حيث لا تزدهر إلا المأساة، في تورية درامية تفتك بالقلب.

ثم يأتي المشهد الفاصل، المشهد الذي يُكثّف حضور الغياب:

“عادَ الأبُّ بنعشٍ.. يكّفنهُ (زهرٌ)
لم يكُن على موعدٍ مع الفناء.!”

فالموت لم يكن مُنتظرًا، بل طارئًا، كما هي الحرب دومًا. لقد كان الأب يحلم بزقزقة العصافير، وسنابل تتراقص على وقع الحب:

“كان يمني النفسَ
بأفقٕ من زقزقات.،
وسنابلَ تتهادى على وقع
أغنية حبٍّ..
تعزفها قلوبٌ ولهى!”

بهذا المشهد، يقرّب الشاعر المأساة من القلب، يجعل القارئ يرى الأب لا كمقاتل، بل كعاشق كان يحلم بأغنية، لا بزئير دبابة. حلمُ الأب كُسر، أو بالأدق: أُجهض، على خيط لم يكن فاصلاً، ولا أبيض، بين الليل والنهار:

“حُلم أُجهض على الخيط
الذي لم يكن فاصلاً..،
ولا ابيضَ..
بين ليلٍ ونهار”

لا زمن في الحرب، لا بداية ولا نهاية، ولا فاصل بين حلمٍ وحطام. فالحرب تعيش في الفراغ، وتُشبع نهمها من أجساد الأبناء دون أن ترمش:

“ذلك أن لا مواقيت لحربٍ..
تُشبعُ نهمَ المدافع بالأبناء..”

وفي النهاية، تأتي القفلة العظيمة، القفلة التي تحوّل الحرب من آلة صمّاء إلى كائنٍ لو امتلك عيناً، لبكى، ولابتسم الطفل:

“فلو كانَ للحربِ عينٌ تدمع.،
لأبتسم الوليد!”

ما أوجع هذا البيت! إنه انقلابٌ شعريّ كامل يجعل من التهويدة التي لم تُنِم أيقونةً لفجيعة كاملة، وابتسامة الوليد غاية ما يتمنّاه الشاعر، وكأنّها وحدها قادرة على إنهاء الحرب.

غسان حسن محمد الساعدي ، المولود في بغداد عام 1974، والحاصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، هو عضو فاعل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. صدرت له عدة مجموعات شعرية ونقدية منها “بصمة السماء”، و”باي صيف ستلمين المطر”، و”أسفار الوجد”، إضافة إلى كتابه النقدي “الإنصات إلى الجمال”. شاعرٌ واسع الحضور، يكتب بروح مغموسة بجماليات المكان وروح الجنوب العراقي، وينتمي بصدق إلى أرضه وناسها وتاريخها الأدبي والثقافي.

شاعر شفاف، حسن المعشر، لطيف في حضوره، عميق في إحساسه، يدخل القصيدة كمن يدخل الصلاة، ويخرج منها كما يخرج الطفل من حضن أمه، بكاءً وشوقًا وحلمًا. هو ابن العمارة، وابن دجلة، وابن النخيل والبردي، يدخل القلوب دون استئذان، ويترك فيها جُرحاً نديًّا لا يُنسى.

في “تهويدة لا تُنيم”، لا يكتب الساعدي الشعر، بل يعيش فيه. يكتب لا ليواسي، بل ليوقظ. لا ليبكي، بل ليُفكّر. قصيدته هذه، كما حياته الشعرية، تُعلن أن الشعر ما يزال قادراً على فضح الحرب، وردّ الضمير إلى مكانه، لعلّ الوليد يبتسم أخيرًا.

سمير السعد

مقالات مشابهة

  • محمد عبد الرحمن عن بريستيج: الاختلاف في الآراء معناه إن العمل كويس وعمل حالة
  • وفيات الاثنين .. 19 / 5 / 2025
  • من هو منشد حزب الله الذي تجسس لصالح إسرائيل وأطاح برؤوس حزب الله؟
  • لماذا ألغت شيماء سيف متابعة زوجها.. ومن هو النذل الذي تقصده في رسالتها؟
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • بعد سلسلة من محاولات الاغتيال الفاشلة.. من هو محمد السنوار الذي عُثر على جثته داخل نفق خان يونس؟
  • «غدا».. انطلاق عرض أولى حلقات مسلسل حرب الجبالي
  • بثنائية مروان حمدي.. بيراميدز يتخطى عقبة بتروجت في الدوري
  • بصورة للزعيم عادل إمام تنشر لأول مرة.. هكذا احتفل محمد إمام بعيد ميلاد الزعيم
  • التعادل السلبي يحسم الشوط الأول بين بتروجيت وبيراميدز