سألني صديق ذات يوم قائلاً متى العودة إلى الوطن؟ فقلت له: لقد قررت العودة قبل عدة سنوات وعند زيارتي للسودان في ذلك الوقت من أجل ترتيب تلك العودة حدثت لي واقعة صغيرة حملت على اثرها حقائبي ورحلت مؤجلاً تاريخ عودتي لأجل غير مسمى. عندما استمع صديقي لتلك الواقعة قال لي: هل يمكنني أن أرحل معك بأثر رجعي؟!

وإليكم القصة:
وأنا طالب بالسنة الثالثة بكلية الطب جاءنا أستاذ جديد يحمل رسالة الدكتوراه وبدأ في إكمال دراسة الطب.

أي أنه كان طالباً وأستاذاً في نفس الوقت والسبب في ذلك أنه كان متفوقاً في علوم الطب الأولية فتم إبتعاثه مباشرة لنيل شهادة الدكتوراه قبل البدء في الجانب السريري من الدراسة. كنت معجباً بذلك الأستاذ لدرجة التأمل وكان قدوتي في كل شئ. تخرجت أنا وسافرت للتخصص وكنت دائماُ ما أتمنى أن أكون مثله.

تدرج هو في الوظائف .. هاجر وعاد .. ثم أصبح أستاذاً ومديراً لأحدى الجامعات. ومثله سرت في دراساتي وأبحاثي ونجحت بحمد الله وتوفيقه ونلت شهادة الدكتوراه والتخصص ثم درجة الأستاذية.

عند تلك المحاولة للعودة قرأت في الصحف أن أستاذي العظيم قد تم تعيينه وكيلاً لوزارة الصحة فلم أتمالك نفسي من السعادة فذهبت إليه لتحيته وتهنئته ولإحياء ذاكرة قديمة لطالما توهجت به، وأيضاً لأبحث معه ما يمكننا أن نقدمه معاً من أجل هذا الوطن. وجدته وهو في فناء الوزارة .. عرفته بنفسي فتذكرني ورحب بي وقال لي بأنه يبحث عني ويريد لقائي بصورة عاجلة عند الساعة السابعة من صباح الغد بمكتبه. كدت أطير من الفرح ولم أنم ليلتها وأنا أعد لمشاريع يمكننا أن نقدمها سوياً.

منذ الساعة السادسة كنت أمام مكتبه. حضر هو عند السابعة والنصف .. تصافحنا وذهبنا لمكتبه. بادرني القول بأنه شاهد لي لقاءً بالتلفزيون قبل فترة تحدثت فيه عن انجازاتي .. وباختصار طلب مني ما يثبت ذلك!! عبر لي عن إستيائه لظهوري عبر الشاشة لأتحدث عن اكتشافاتي وقال بالحرف أن الأطباء مستاؤون أيضاً لكنهم لا يواجهونك بل يقولون ذلك من ورائك!! ثم استرسل قائلاً:

كيف تدعي بان لك هذا العدد من المنشورات العلمية وأنه نفسه كبروفيسور لم ينشر نصفها!! وإن كنت أنا أملكها حقيقة فماذا أريد بعد ذلك ولماذا أرهق نفسي أكثر في البحث والنشر؟! ذكر لي في الختام بأنه سيوقف مرتبي الأساسي (الهزيل) إلى أن أرسل له من السويد تلك الإثباتات لتوضع في ملف شئون العاملين. وقام بتسجيل هذا المطلب بملفي وهو موجود حتى الآن ان لم تمزقه الحرب.

كنت وأنا أستمع إليه أنزعه حرفاً حرفا من كل خلايا الإعجاب والقدوة وندمت كثيراً لاقترابي منه فصورته كانت أجمل من بعيد .. ثم حملت أشواقي وعدت بها متلفعاً “بالحزن” والصمت.
بالتأكيد لم يعني لي جزء المرتب الموقوف شيئاً يذكر فقد كان 10 جنيهات اي ما يعادل دولار ونصف او اقل في ذلك الوقت، لكنني أرسلت له من السويد مع صديقي الدكتور ابراهيم بدري الله يطراه بالخير أكثر من ستين بحث وقتها وقد فاق المئتين الان، وكان يمكن أن يجدهم على مراكز المنشورات العلمية بالإنترنت ان كان يدري!! وكتبت له قائلاً في الخطاب المرفق:
سعادة وكيل وزارة الصحة،

أرجو أن يسع لهم ملف شئون العاملين لديكم ..
ولم أزد على ذلك حرفاً.

لكم هو خطير هذا الجهاز الإعلامي وشاشته البلورية .. لكن الأخطر منه هو تلك النفس البشرية التي تظل صغيرة مهما كبرت حولها الألقاب والمسميات وسنوات العمر.

التحية لأطباء السودان ولكل العاملين بوزارة الصحة فأنا منهم وإليهم وإن كانت هذه القصة حقيقية 100% إلا أنها تظل واقعة فردية تمس بحرقة حساسية الشاعر وتحبط همم العطاء في وطن تمزقه العداوات الإنسانية.

مدخل للخروج:
آه لدار لم تعد دار المآب .. آه لأرض أكدت حق الغياب .. آه لمن فقد التوازن وارتمى في بؤرة الزمن العذاب.

د. معز عمر بخيت

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

السيد الرئيس أحمد الشرع يلتقي وفداً من العاملين في المنظمات الإنسانية بمحافظة حلب

2025-05-28sebaسابق الصحة النفسية والإدمان… ندوة علمية في جامعة حمص انظر ايضاًالصحة النفسية والإدمان… ندوة علمية في جامعة حمص

حمص-سانا أقامت كلية الصيدلة في جامعة حمص بالتعاون مع مؤسسة آفاق الخير اليوم، ندوة علمية …

آخر الأخبار 2025-05-28السيد الرئيس أحمد الشرع يلتقي وفداً من العاملين في المنظمات الإنسانية بمحافظة حلب 2025-05-28انتخاب محمد الضامن رئيساً للاتحاد السوري لألعاب القوى 2025-05-28الرئيس الشرع يلتقي مع وفد من الطائفة المسيحية في محافظة حلب 2025-05-28قوى الأمن الداخلي تقبض على مطلوبين وتصادر أسلحة في مدينة جاسم بريف درعا 2025-05-28وصول أول باخرة محملة بـ 28500 طن من القمح إلى ميناء طرطوس بعد زوال النظام البائد 2025-05-28الكشف عن مستودعين للسورية للتجارة في منطقة الزبلطاني يحويان مواد تالفة منذ عام ‌‏2018‏ 2025-05-28الرئيس الشرع يلتقي وفداً من علماء ومشايخ حلب خلال زيارته للمدينة 2025-05-28الموارد المائية بحمص تنفذ أعمال صيانة لشبكات الري 2025-05-28الوزير بدر يبحث مع الأمين التنفيذي للإسكوا آفاق التعاون في قطاع النقل 2025-05-28افتتاح مدرسة سقبا الثانية للبنات بريف دمشق

صور من سورية منوعات العالم على موعد مع أخطر 5 أعوام مناخياً في التاريخ 2025-05-28 سرطان الجلد واختلاف مناطق الإصابة بين الرجال والنساء 2025-05-26فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • «شئون الحرمين»: ترجمة خطبة يوم عرفة بـ 35 لغة
  • التلفزيون الأردني ينشر فيديو من كواليس تصوير الفيلم الوثائقي “نشمي”
  • 1231 معاملة أنجزتها مديرية العاملين في المنازل يومي الأربعاء والخميس
  • نسب مشاهدة قياسية لـيوروفيجن عبر التلفزيون والشبكات الاجتماعية
  • ستريم تُحدث ثورة في أجهزة التلفزيون.. إطلاق ميزتي “DeepSeek” و”TV Caption” قريبا
  • عباس بخيت: لا معلومات بشأن وجود علاقات سرية بين السودان وإسرائيل
  • السيد الرئيس أحمد الشرع يلتقي وفداً من العاملين في المنظمات الإنسانية بمحافظة حلب
  • استقبال رئيس جامعة السادات بممر شرفي تقديرا لجهودها وعطائها.. صور
  • تكريم العاملين المرابطين في منشأة وميناء رأس عيسى النفطي بالحديدة
  • «شئون دينية الجبهة الوطنية» تنجز خطتها الاستراتيجية لتعزيز الخطاب المعتدل ومواجهة التطرف