«أولمبياد أذكى» يُؤهل جيلًا سعوديًا بين 14 و18 عامًا للالتحاق ببرنامج «OSP» الدولي بجامعة أكسفورد
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
يُعد الاستثمار في رأس المال البشري أحد أهم المقومات الأساسية في بناء المجتمعات وأساس التنمية المستدامة الذي تعوّل عليه دول العالم وتجعله في قمة أولوياتها التنموية ومنها المملكة العربية السعودية، وتتزايد أهميته حاليًا في ظل التطور التكنولوجي المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي والنمو المضطرد لكل النشاطات المرتبطة بقدراتها حتى أصبحت تأثيراتها ما بين عشية وضحاها ملء السمع والبصر الأمر الذي استلزم بناء جيل يواكب هذا الحراك التنموي الكبير في الحاضر والمستقبل.
ولتحقيق هذه الغاية أطلقت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) الأولمبياد الوطني للبرمجة والذكاء الاصطناعي "أذكى" بالشراكة مع وزارة التعليم ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع (موهبة) ورعاية شركة تحكم، كأحد أهم المبادرات الوطنية التي عملت عليها سدايا وتتسم بالكفاءة والفاعلية لتنمية القدرات الوطنية في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي خاصة في مرحلة مبكرة من العمر لتمكينهم من المنافسة عالميًا في هذا المجال التقني المتقدم تحقيقًا لمستهدفات رؤية السعودية 2030.
وكرّس المنظمون لأولمبياد أذكى جهودهم في اكتشاف المتميزين في التقنية من طلاب وطالبات مرحلتي المتوسط والثانوية البالغ عددهم أكثر من 3 ملايين طالب وطالبة في المملكة، وكذلك من لديهم خلفية في البرمجة كخطوة أولى للدخول في مجال الذكاء الاصطناعي، كما عملوا على تشجيع هؤلاء الطلبة لتطوير مهارة حل المشكلات وبناء حلول باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ولكون الأهداف البعيدة للأولمبياد ترمي إلى أن يُصبح طلابنا وطالبات في هذه المرحلة العمرية المبكرة لديهم الدافع في التحسين والتطوير والنمو ليصلوا إلى مستويات أعلى من الإتقان والابتكار للمساهمة في بناء الوطن، عملت سدايا وشركاؤها على تنظيم فعالية الطريق إلى أذكى، لتحفيز أبناء المملكة في المرحلتين المتوسطة والثانوية على التسجيل في الأولمبياد وإطلاق طاقاتهم الكامنة، وشهدت الفعالية حضور أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة اكتظت به الصالات الرياضية الخضراء بمدينة الرياض، كما تم تنظيم مبادرة (ساعة الذكاء الاصطناعي) وهي عبارة عن برنامج تدريبي موجه للطلاب حول مفاهيم الذكاء الاصطناعي، وبلغ عدد المستفيدين منه 575 ألف طالب وطالبة بمشاركة 9700 معلم ومعلمة.
وبعد رحلة طويلة من التنافس استمرت عدة أشهر استهلت بتسجيل 260 ألف طالب وطالبة من المرحلتين المتوسطة والثانوية بالمملكة في الأولمبياد وصل طلاب وطالبات أذكى إلى المرحلة الأخيرة التي تنافس فيها 298 طالبًا وطالبة، فاز منهم بالذهبية عشرة طلاب وطالبات يمثلون المملكة في البرنامج الدولي التدريبي (OSP) الذي تنظمه جامعة أكسفورد في بريطانيا هذه الأيام.
وتم تأهيل الطلاب والطالبات للبرنامج الدولي (OSP) عقب فوزهم بالميدالية الذهبية في أولمبياد (أذكى) وتتراوح أعمارهم بين 14و 18 عامًا، وسيتمكنون خلال هذا البرنامج من تطوير إمكاناتهم في مجالات البرمجة والذكاء الاصطناعي في بيئة محفزة تساعدهم على النهوض بقدراتهم المعرفية والذهنية في هذه المجالات التقنية المتقدمة علاوة على دعم قدراتهم العلمية التي اكتسبوها في أولمبياد أذكى من خلال التعلّم في هذه الجامعة العريقة والاحتكاك بنظرائهم من مختلف الدول، وسيحصلون على شهادة معتمدة من مجلس الاعتماد البريطاني (BAC) مع فرصة الحصول على توصية أكاديمية للدراسة في الجامعة.
المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: موهبة أخبار السعودية رأس المال البشري سدايا جامعة اكسفورد اخر اخبار السعودية والذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی طالب وطالبة
إقرأ أيضاً:
د. ثروت إمبابي يكتب: الزراعة المصرية بين البيروقراطية والذكاء الاصطناعي
«من لا يزرع لا يأكل، ومن لا يأكل لا يعيش» — حكمة مصرية قديمة تلخص فلسفة البقاء على هذه الأرض التي علّمت العالم معنى الزراعة منذ آلاف السنين. كانت الحبة تُلقى في الطين فيولد منها الخير، وكانت الأرض أمًّا صبورة تعرف أبناءها وتحفظ عرقهم في تربتها. لكن السؤال اليوم: هل ما زلنا نحافظ على سرّ هذه العلاقة المقدسة بين الإنسان والأرض، أم أن البيروقراطية قتلت روح الزراعة كما يقتل الصقيع بذور الربيع؟
لقد ظلت الزراعة المصرية لعقود طويلة أسيرة الورق والتوقيعات والموافقات، وكأن الأرض تنتظر ختمًا رسميًا لتخضرّ. البيروقراطية لم تكن مجرد إجراءات، بل أصبحت جدارًا يحجب الإبداع ويؤخر الاستثمار، ويجعل المزارع يدور في دوامة الروتين بدل أن ينشغل بتطوير إنتاجه.
ومع ذلك، فإن مصر الحديثة بقيادة سياسية واعية بدأت تدرك أن التنمية الزراعية لا يمكن أن تقوم بعقلية الأمس، وأن التحول نحو الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية لم يعد ترفًا بل ضرورة وجودية، في ظل تغير المناخ وتحديات الأمن الغذائي العالمي.
الذكاء الاصطناعي هنا ليس مجرد أجهزة أو برامج، بل فكر جديد لإدارة الموارد. فحين تراقب الأقمار الصناعية نمو المحاصيل، وتُحلل البيانات لتحديد الاحتياجات المائية، وتوجّه المستشعرات عمليات الري والتسميد بدقة، فنحن لا نتحدث عن رفاهية، بل عن ثورة في كفاءة الإنتاج. هذه الثورة قادرة على خفض استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 30% وزيادة الإنتاج بنسبة قد تتجاوز 25%، وفقًا لتجارب دولية سبقتنا بخطوات.
من الناحية الاقتصادية، يمثل دمج الذكاء الاصطناعي في الزراعة أحد أهم مفاتيح رفع العائد القومي، وخفض فاتورة الاستيراد، وتعظيم القيمة المضافة للمنتجات الزراعية. فكل فدان يُدار بالتقنية هو مشروع صغير ناجح، وكل معلومة دقيقة هي استثمار آمن.
أما الجانب الاجتماعي، فهو لا يقل أهمية. فالتكنولوجيا لن تُقصي الفلاح كما يخاف البعض، بل ستُعيد له مكانته وتُخفف أعباءه. الذكاء الاصطناعي سيجعل الشاب الريفي أكثر ارتباطًا بأرضه، لأنه سيشعر أن الزراعة أصبحت مجالًا علميًا راقيًا، وليس مهنة تقليدية مرهقة. إنها وسيلة لإعادة جذب العقول الشابة إلى الريف، بدل هجرتها إلى المدن أو الخارج.
وفي البعد البيئي، تمثل هذه الثورة الرقمية طوق نجاة حقيقي. فالتحكم في استخدام المياه والأسمدة والمبيدات بدقة يعني تقليل التلوث، والحفاظ على خصوبة التربة، وضمان استدامة الإنتاج. كما تتيح نظم الإنذار المبكر التنبؤ بالأمراض النباتية وموجات الجفاف، مما يرفع من قدرة المزارع على التكيف مع التغيرات المناخية.
لكن ما زال البعد السياسي حاضرًا بقوة في هذه المعادلة؛ فالإرادة السياسية هي التي تحدد المسار. حين تُوضع السياسات الزراعية الذكية في إطار وطني متكامل، بعيدًا عن المركزية المعطلة، سنشهد نقلة حقيقية في منظومة الغذاء المصرية. فالأمن القومي لم يعد محصورًا في حدود الجغرافيا، بل في قدرة الدولة على إطعام شعبها من إنتاجها.
وأنا — من واقع خبرتي الأكاديمية والميدانية — أرى أن الوقت قد حان لإطلاق خطة وطنية للتحول الرقمي الزراعي، تتكامل فيها مؤسسات البحث والتعليم والقطاع الخاص، وتُبنى على قاعدة بيانات موحدة لكل فدان في مصر. نحتاج إلى «عقل زراعي رقمي» يقود التغيير، لا إلى مزيد من المكاتب والملفات الورقية.
إن مستقبل الزراعة المصرية لن يُكتب بالحبر، بل بالبيانات. ولن يُدار بالمراسلات، بل بالذكاء. وبين البيروقراطية والذكاء الاصطناعي، ستتحدد هوية الزراعة المصرية: إما أن تبقى أسيرة الماضي، أو أن تنطلق نحو مستقبلٍ تُزرع فيه الفكرة قبل البذرة، ويُروى الحلم قبل الحقل.