العراق… دولة على فوهة النفط والعطش
تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT
آخر تحديث: 15 أكتوبر 2025 - 10:11 ص بقلم: كفاح محمود ستة مليارات دولار تُصرف شهريًا رواتب لموظفي الدولة في العراق، أي ما يعادل أكثر من ثلث واردات البلاد النفطية في بعض الأشهر، رقم مرعب لدولة تعتمد بنسبة تفوق 93% على صادرات النفط كمصدر وحيد للدخل القومي، في وقت لا تمتلك فيه خطة بديلة إذا ما انهارت الأسعار أو توقفت الصادرات لأي سبب سياسي أو أمني.
منذ عام 2003، لم تنجح أي حكومة في بناء اقتصاد متنوع أو في إطلاق مشاريع استثمارية منتجة، فقد تحوّل العراق إلى “دولة رواتب”، لا “دولة إنتاج”، إذ تُستهلك الموازنات في التعيينات السياسية والوظائف الشكلية، بينما تُهمل الصناعة والزراعة والسياحة، وتُحاصر بيئة الاستثمار بالروتين والفساد والابتزاز المسلح، والأخطر من ذلك أن البلاد تواجه أزمة مياه وجودية، إذ انخفض منسوب دجلة والفرات إلى أدنى مستوياته منذ عقود بسبب السدود التركية والإيرانية، وسوء الإدارة الداخلية لمصادر المياه. التقديرات الأممية تتحدث عن احتمال نزوح ملايين العراقيين خلال العقد القادم إذا استمر الجفاف وتملّحت الأراضي الزراعية، فيما الحكومة منشغلة بالمحاصصة وتوزيع المناصب أكثر من مواجهة أخطر تهديد وجودي في تاريخ الدولة الحديثة.
أما المجتمع، فقد جرى تفريغه من طاقاته المدنية عبر عسكرة ممنهجة، إذ تُنفق المليارات على الفصائل والميليشيات والقوات الرديفة التي تتكاثر تحت عناوين “الحشد” و”والميليشيات” وغيرها، لتتحول إلى عبء مالي وأمني، وتُهمّش الكفاءات المدنية والعقول الاقتصادية التي يمكن أن تبني الدولة لا أن تحرسها بالسلاح.
الاستثمار الذي كان يمكن أن يكون المنقذ، تحوّل إلى بيئة طاردة. المستثمر لا يجد ضمانات قانونية، ولا استقرارًا إداريًا، ولا أمنًا مستقرًا، بل شبكة معقدة من الفساد تتقاسم المشاريع كالغنائم، وهكذا، بقيت البلاد رهينة سعر البرميل، فإذا ارتفع تنفّست، وإذا انخفض اختنقت.
العراق اليوم يقف على فوهة مزدوجة: فوهة النفط التي تغذي الخزينة بالمال الزائل، وفوهة العطش التي تهدد حياة الملايين، وما بينهما سلطة سياسية عاجزة عن التخطيط، مشغولة بتقاسم السلطة بدل إنقاذ الدولة، إنها مفارقة مريرة؛ بلد يطفو على بحر من النفط، ويغرق في العطش والبطالة والفساد، وإن لم تتغير البوصلة نحو الإنتاج والاستثمار والحوكمة الرشيدة، فسينهار كل شيء، لا بانفجارٍ سياسي فقط، بل بانهيارٍ مائيٍّ واقتصاديٍّ وأخلاقيٍّ شامل.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
سفراء المحاصصة.. لا سفراء العراق!
آخر تحديث: 14 أكتوبر 2025 - 12:06 م بقلم: سمير البياتي مرةً أخرى، يُباع الوهم للشعب العراقي بنفس الكلمات المكررة: “إصلاح”، “مهنية”، “شفافية”، “إنهاءالمحاصصة” — بينما في الواقع تُدار البلاد بنفس عقلية الغنيمة والولاء الحزبي. يتحدثون عن الدولة وكأنها مشروع وطني، لكنها في الحقيقة مزرعة يتقاسمونها فيما بينهم. آخر فصول هذه الفضيحة: قائمة السفراء الجديدة، التي لم تُبنَ على أساس الكفاءة أو المهنية، بل على قاعدة الولاء والانتماء الحزبي. سفراء تم اختيارهم لا لأنهم مؤهلون لتمثيل العراق، بل لأنهم أبناء هذا الحزب أو أتباع ذلك الزعيم أو مقرّبون من كتلة دفعت ثمن المقعد في سوق المحاصصة. إنها ليست دبلوماسية دولة، بل دبلوماسية سوق ومزاد سياسي رخيص. وعود كاذبة ووجوه مكشوفة خرج علينا زعماء الكتل، ومعهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية، بوجوهٍ متصنعة يتحدثون عن “اختيار مهني نزيه” و”قائمة من الأكفاء”، لكنهم — كالعادة — كذبوا على الشعب بوقاحة. الكذب أصبح جزءًا من نظام الحكم، والخداع صار أداة سياسية مشروعة. تم تمرير القائمة في ليل الصفقات، لا عبر القانون ولا عبر الكفاءة، بل عبر “اتفاقات المحاصصة” التي داست على كل معايير العدالة والدستور. بعض الأسماء لم تطأ وزارة الخارجية يوماً، ولا تعرف معنى العمل الدبلوماسي، ولا تفقه شيئاً في القانون الدولي أو البروتوكول أو العلاقات الخارجية، ومع ذلك أصبحوا “سفراء العراق”! فهل يُعقل أن يُمثل العراق في الخارج من لا يملك أدنى مؤهلات تمثيله؟ القانون يُداس… والدبلوماسية تُباع قانون الخدمة الخارجية العراقي واضح: السفير يجب أن يكون من ذوي الخبرة، خريج معهد الخدمة الخارجية، يتقن لغة أجنبية، حسن السمعة والسيرة. لكنهم داسوا على القانون كما يدوسون على ضمائرهم. وضعوا أسماء من خارج السلك، واستبعدوا الأكفاء، وأقصوا المكونات الوطنية — كالتركمان — في استمرار فاضح لنهج التهميش والإقصاء. النتيجة: قائمة سفراء مشبوهة، مطعونة قانونياً، ومرفوضة شعبياً. تواطؤ من القمة إلى القاع ما حدث لم يكن خطأً عفويًا ولا نتيجة صدفة، بل هو تواطؤ سياسي ممنهج يمتد من القمة إلى القاع. رئيس الوزراء الذي وعد بالإصلاح تراجع عن وعوده، ووزير الخارجية الذي كان من المفترض أن يحفظ مهنية وزارته، حوّلها إلى سلعة في سوق الولاءات والمحاصصة. أما الكتل السياسية، فقد تعاملت مع السفارات كما تتعامل مع الوزارات والمناصب، مقسّمة إياها وفق مصالحها. المحكمة الاتحادية، التي يفترض بها أن تكون الحارس الأمين للدستور، التزمت الصمت إزاء الطعون، لتتحول من هيئة قضائية إلى شريك في التجاوزات. والمفارقة الأكبر أن هذه الأحزاب، التي طالما ادعت محاربتها للنظام البعثي، تعيد اليوم البعثيين إلى مواقع حساسة كمنصب السفير الجميع اشترك في جريمة واحدة: بيع صورة العراق في المزاد الحزبي، وتشويه مفهوم الوطنية. سفارات للبيع… والولاء ثمن القبول السفارة لم تعد منصباً دبلوماسياً، بل مكافأة سياسية. تُمنح لمن بايع الحزب لا لمن خدم الوطن. الدبلوماسية في عراق اليوم تُدار بعقلية “من يدفع أكثر” أو “من يرضي الزعيم”. فكيف يمكن لدبلوماسي كهذا أن يقف في الأمم المتحدة ممثلاً للعراق؟ بأي وجه سيخاطب العالم وهو لا يمثل إلا حزبه أو طائفته؟ إهانة للوطن قبل أن تكون فضيحة السفير يجب أن يكون وجه العراق وصوته، لا ظل حزبه ولا أداة زعيمه. ما حدث إهانة صريحة لكل موظف كفء في وزارة الخارجية، ولكل عراقي يؤمن بأن الوطن أكبر من الأحزاب. إنهم لا يبنون دولة، بل يقتسمونها كما يُقتسم الإرث. الشعب أمام مسؤولية تاريخية السؤال اليوم ليس “من أخطأ؟” بل من سيحاسب؟ من سيقف بوجه هذا الانحراف السياسي؟ الشعب هو الجهة الوحيدة القادرة على المحاسبة. الصندوق الانتخابي هو سلاحكم الوحيد. هؤلاء الذين خانوا الثقة وكذبوا عليكم مرارًا لا يستحقون أصواتكم مرة أخرى. كل من شارك في هذه الجريمة يجب أن يُعاقب بالعزل الشعبي — بأن يُرمى خارج دائرة القرار عبر مقاطعتكم لهم في الانتخابات القادمةلا تمنحوهم فرصة جديدة ليخدعوكم بشعارات “الإصلاح” و”الدولة الجديدة”. إنهم نفس الوجوه التي دمرت الدولة القديمة، ولا تريد بناء أي دولة. كفى خيانة. كفى نفاقًا. كفى صمتًا. من يريد عراقًا حراً، عليه أن يبدأ برفض هؤلاء في صناديق الاقتراع.فمن يسكت اليوم عن جريمة المحاصصة، سيستيقظ غدًا في وطن بلا دولة ولا كرامة.