بسم الله الرحمن الرحيم
فبراير 2024

معالي الدكتور محمد العـرابي وزير خارجية جمهورية مصر العربية الأسبق،
رئيس الجلس المصري للشئون الخارجية ورئيس الجلسة الموقـر،
السيدات والسادة الضيوف والزميلات والزملاء السّفراء،
السلام عليكم ورحمة الله،
أقول بداية، أنّ بعضُ النّجاح قـد يكون نِعـمةً على صاحبه، كما أنَّ بَعضُـهُ قـد يكـون نِقـمـة.

فمَن تلحـقَـهُ وتصيـبهُ عيـنُ الحسَــد ِ بـعـد الإرتقـاء إلى قـمم النّجاحِ، فإنّـهـا قـد ترديهِ إلى مهـابـطِ الفـشـل والخسران. فعِوَضَ أن يكون الـنّجــاح إلهـاماً ومُحفِّـزاً للإرتـقـاء إلى القــمـمِ مـع الناجحـيـن ، فـإنّ مِـن الحاســديـن مَـن يعمل على إنـزال الناجحــيـن مِـن قِــمـمِ النجــاح ليهبـط بهم إلـى درَك الفشـل. أمّـا إنْ كانت تلك القـمّم هـيَ في البذلِ للوطن وإعلاء شــــأنه وتعـزيز رفعـتـه، فـإنَّ إنزال النّاجحيــن مِن أبنـاءِ الوطن من تلـك القـمـم وبأيـدي نفـرٍ مِن بنـيـه، لهوَ الخذلان الأقرب إلى خيانة ذلـك الوطـن. .
معالي رئيس الجلسة ، والضيوف الأفاضل،
إنّ الرّجل الذي عكفنا على رصد سيرته في هذا الكتاب ، هـوَ السوداني عمر عبدالحميد عـديل. رجلٌ بدأ مشـوارَهُ في الحيـاةِ من قـريةٍ صغيرة في شـمال السّـودان ، ثم تدرّج في التعـليم مِـن عطبـرة شمالي السودان إلى الخرطوم، ثمّ إلى لـنـدن، فينال درجتـه الجامعـية في القانون مـن جامعاتها ، ثمّ تأهّــل ضـابطاً فـي الشرطة السّـودانية في السّــنوات التي سبقتْ نيْـل السّـودان إستقلاله عام 1956م. بعدها اختارتـه الحكـومــة الســودانية إذّاك ليكـون دبلوماسـياً وسـفيراً مع بعض نفـرٍ آخرين كُلـفـوا بتأسيس الدبلوماسية السودانية عام 1956م. ذلـك وصف مختصر تلخّصَ تجــربة ســنواتٍ طـوالٍ مــن المثـابرةِ والبــذلِ، ثـمَّ التـميّـز لسـفيرٍ سودانيٍّ مُميّـز .
إنَّ ذلك التميّـز قـد تحقـق لهُ بالبذلٍ المشهودٍ في هيئة الأمـم المتحـدة ، والتي جاء إلـيها عام 1959مندوباً دائمـاً لبلاده، بعـد أن أكمل مهمته ســفيراً للسّـودان في إيطالـيـا والنمسا. لم يشـهد له بحنكته ومقدراته زملاؤه السُّـفـراء في نيويورك فحـسـب ، بل قـيـادة المنظمة الأممية نفسـها، وقـتَ أنْ كان على رأســها الأميــن العــام المُغـتـال "داغ هـمرشـــولد"، ثـمّ مِـن بـعــده، خليـفــتـه البورمي "يـو ثانـت". ضمنّا في الكتاب الذي أخرجناه جوانب من ســيرة الرّجل ونشاطه الدبلوماسي البارز في بدايات سنوات "الحرب الباردة"، فكان على رأس مجموعة الأفارقة في الهيـئة الأممية، ثم مستشاراً غير معلن لأميـنها العام "هـمرشــولد" وأقربهم إليه، خاصة فيما يتصل بأزمة الكونغو وواقعـة اغتيال زعيمها باتريس لوممبا..
وللتاريخ، لنا أن نذكُـر أنّ مَـن عاصـروا السفير عديل في الأمَـم المتـحدة ، بعـد واقـعــة اغــتـيال الأميــن العام "داغ همرشولد" في عام 1961م، شـهدوا أنّ اسـمَهُ تردّد بين الأسْـماء الـتي تداولـتها بعضُ أقلام الصحافة الأمريكية كونه من بين أميز الدبلوماسيين ِ القادمين بقـوّة إلى سـاحة الدبلوماسية الدوليـة، وأنّ اسـمه غـيـر بعـيـدٍ عن قائمـة المرشّحين لـتـولّي منصب الأمينِ العـام. لربّما لم يحِـن لأفـريقـيا في ذلك الوقت المبكر، أن يتـقـلّـد أحــدِ أبنـائها ذلـك المنصب المرموق، وفق تقـلـيـدِ تداولِهِ بيـنَ القـارّات. غير أنَّ للسفير الرّاحل نظراً عميقاً حول أدواره ونشاطه في المنظمة الأممية و"الحرب الباردة " قد ارتفعت سخونتها تلكم السنوات الأولة من ستينات القرن الماضي. كان للسفير عديل ذلك الصوت الأفريقي القوي الصادح بالرأي المُبين المستقل كرئيسٍ للمجمـوعة الأفريقـية، مدافـعاً عـن حـقّ تقـريـر مصيـر الشـعوب المستضعفة والقضاء على الاستعمار، وفـق قـرار الجمعية العامة للأمـم المتحـدة المعروف بالرقم 1514 وهو أحد كبارالسفراء الذين وقفوا وراء ذلك الـقـرار.نالت أكثر من عشر دول أفريقية استقلالها في تلكم الفترة.
لكـن لم يغـب عن إدراك الســفير النبيل أنّ مواقـفـَه القـوية والمستقلة بين القطـبـيـن المتخاصمين في أتون الحرب الباردة، لن تعينه لاكتساب ودّهـما، ولن تعفيه من ترصّـدٍ قد ينتظره في أية منعطفات قادمة. لم يسعَ الرجل ولم يتطلع إلى منصب الأمين العام ، وإنْ تداول الإعلام إسـمه بين أسماء من سيرشحون لمنصب الأمين العام لقـيادة المنظمة الأممية عام 1961م . لكن من نبله، ساند مرشح قارة آسيا زميـله وصديقه مندوب بورما الدائم الســيد "يـو ثانـت". .
معالي رىيس الجلسة والضيوف الكرام،
ثـمّ تمضي السنواتٌ وقـد رسـختْ خلالها نجومــيـة السفير عديل في مساندة قضــايا القارة الأفريقية، لتحيـن الفـرصةُ للـقـارّةِ الأفريقية لأنْ تنال حظّـهـا في رئاسـة الجمعـية العامّـة للأمـم المتحــدة في دورتها عام 1964 . شغل السفير عديل منصب نائب رئيس الجمعية العامة في دورتها عـام 1960م، ثمّ تولى باقتدار رئاسة اللجنة السياسية الأولى في الجمعية العامّة في دورة أخرى ، ثـمّ بادرت حكومته بترشــحهِ لرئاســة الجمعـيـة العـامّة في دورتـها التاسعة عشـرعام 1964م. لن أطيل في سرد تفاصيل وردت مسهبة في كتابي.
لقـد عكفـتُ على كتـابة سـيرة الرّجل من واقـعِ أدائـه وبذلـه ومنجــزاتـه الدبلوماسية، والزمتُ نفسي بمعايير في الرّصدِ والكتابة ، أهمها الموضوعية والمصداقية والشـفافية ، فـيـما توفّـر لـي مـن مسـوّدات ورسـائل شـخصية ووثائـق ومسـتندات وشـهادات بالصـوتِ وبالصورة من أرشيف الأمم المتحدة، بعث بها إليّ من هولندا إبنه الدكـتور عبدالحميـد عمر عديل. ومـا أن بلغتـتُ عند كـتـابة سـيرة الرّجل، إلى الأيام التي شـهدتْ ترشـيح بلاده لـهُ ليُنتخـب رئيــساً للجمعية العامة للأمـم المتحدة في دورتها التاسعة عشــــر في الأردني عــام 1964م، ليكـون إذا قُـدِّر له الـفـوز، الأفــريقي الأول – جنوب صحــاريها- الـذي ينــال ذلـك التشــريف. كان هـو النجم مع نجوم، لم يقلّ لمعـانه عنهم شيئا . أذكر لك منهم الأمريكي الأسمر "رالف بانـش" مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومن حملة جائزة نوبل للسلام. ومن بينهم أيضاً لورد "هـيو فووت" المعروف بلقبه الأشهر "لورد كارادون" ، ورجل الدولة عبد المنعم الرفاعي والباكستاني ظفرالـله خـان.
لكن أتت الرياح للسفير عديل بما لا تشـتهي السّــفنُ. .
لقـد تكشّــفت لِيَ في الوثائق أبعـادٌ مؤســفة أحـاطت بترشيح السفير المنـدوب الدائم للسودان ، فـيهـا من الترصُّـدٌ ما فـيها، ومن الملاحقـةٌ ما لا تخفى، فكانت الصورة أشــبه باضمار الشرّ ونسج المكايدة . سـعت دوائر أجنبية قريبة من بعضِ دول كبرى لتشويه إسـم الرّجل. إذ ما أن أعلن السّـفير النبيل ترشّحه، حتى ثار لغـط يشكك في "أفريقية" الرّجـل ، فعدّوه وهو رئيس المجموعة الأفريقية في الأمم المتحدة، أنه منتمٍ للمجموعة العربية فلا يحقّ أن يترشح وقد سبقه سـفيران عربيان ترأسـا الجمعية العامة من قبل هـما ، شارل مالك من لبنان والمنجي سليم من تونس. فاحت روائح التحريض الخبيث تثير غباراً حول انتماءات السودان نفسها في ترشيح المندوب السوداني الدائم. للتحريض روائح تفـوح كما قد تعلمون.
سيدي رئيس الجلسة و سادتي الأفاضل،
بعدها انفـتح صندوق "بانـدورا" - كما في الميثولوجيا الإغريقية- بكلّ شروره على الرّجل، فهبّـتْ عواصفُ مـن أجانب غُـرباءٍ ورجال مخابرات من قــوى كبرى ممّن لم تكن ترضيهم استقلالية الرّجل وصوته العالي مسانداً لحركات التحـرّرفي الجزائروفي العــديد من البلـدان الأفريقية الأخرى، وداعـما رئيـساً لتنفـيذ قرار الجمعية العامة 1514 بمنح الشعوب المستعمرة استقلالها، ثم منـاداته بالتحقيق في اغتيال زعيم الكونغو باتريس لوممـبا، ومواقـفـه المناهضـة للتجارب الذرّية في الصحراء الكبرى. هو الصوت الأفريقي الأول الذي أدان اعتقال نلسون مانديلا فور عودته من الخرطوم، مطالبا من فوق منبر الأمم المتحدة بإطلاق سراحه .
سيداتي وســادتي الأكــارم،
دعوني أقول قولا متطرّفاً قد لا يعجب البعض منكـم. إن للـقـوى الكبرى في سنوات الحرب الباردة تلك، غطرسة تجاوزت الحدود ، وكيدا وتآمرا لا تخطؤه عيـن. . أثبت التاريخ في وثائق خرجت من خزائنهم بعد عقود من السّـرية ، ما أثبـت تورّط بعض تلك القوى الكبرى في جريمة اغـتـيال لوممبا رئـيس وزراء الكونغو الشرعي، وأيضاً في اغـتـيـال الأمين العام للأمـم المتحـدة "داغ همرشــولد"، والكثير مما خفي من تآمر على بلدان ما يسمى بالعالم الثالث.. ذلك ما يدفعني اقتناعاً من أن تكون أصابع تلك القوى والـغـة في تشــويـه صــورة السّـفير النبيل . لم يقف كيـدُ الغــرباء المتـآمرين هـنـا، بل يبيّـن كتــابي كيف تجاوز تحريضهم إلى الســودان، ليكـيْـد بعـض ذوي القُـربَى من زمـلائه في الدبلوماسية والذين حركت عند بعضهم نوازعُ الحسـد والغيــرة المهنـية للنيـل من سـفيرٍ بدا لهم - وهو أصغـرهم ســـناً – متطلـعـاً ليرأسَ المنظـمة الأممـيـة، أويقـود جمعيتها العامّـة وهو دون الأربعيــن . هكـذا زاد ضِغـثُ الأقربـيـن على إبّالةِ الأبعـديـن لتتسّع دائرة استهداف الرّجـل مِـن قِـبَـل بني جـلـدته، وما أيسـرَ ما تحرّك الغيرة المهنية كـيـدَ الحاســدين من أهل المهنة، ليمـازج أذى مخـــابرات الغـرباء الأبعدين، فنالوا منه على المستوى الشـخصي والأسـرى، إذ غــادرت عقيلـتـه وطفـلها إلى مسـقط رأسـها في هولـنــدا ، مِـن هـوْلِ ذلـك الاســتهداف الظالم.
معالي رئيس الجلسة والضيوف الأعزاء،
سيعجب المتابع أنْ يرى تلـك العواصف جميعها تتكاثف في الأسابيع التي سـبقتْ حـسْـم انتخابِ رئـيسٍ للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها عام 1964م، مِن بيـنَ متنافسـين ثلاثة، أوَّلـهـم - والأوفـر حظاً- هـو السّـفيرُ المندوب الدائم السوداني عمر عبدالحميــد عديل. المـمثـلان الآخران هُـما منـدوبا غـانـا وليبـريا .
ثمَّ فجأة يغيـب الرّجل عن السَّـاحة الدولـية ، ويغـيب ذكرُهُ في كتاب تاريخ الدبلوماسـية السـودانية. قـيـاديون كبار في بـلاده - وبيـارق ثورة أكـتوبر التي أســقطتْ النظـــام العسـكري الذي حكم السودان لسـتِ سـنوات، ترفرف عاليـاً مـنـادية بتطهـيـر كلِّ مـن تعــاون مـع الـنظــام العســكري السّــابق . لم تبصـر قـيـادة البـلاد الجـديدة في عجـلة أمـرها، أبعـاد الـتحـام الكـيــد الخارجـي بالكـيـد الداخلـي الـذي أتى أكلُـهُ، فقـرّروا طــرد السّــفيـر النـبـيـل من موقـعـه ، ولا أحــد أدرك عِـظَـم الخُـسـارة التي مُـنـيَ بـها السودان الوطن، بل والقارة الأفريقية بضـياعِ فرصةٍ تاريخية أتـيحَـتْ للسـودان عام 1964، ليتبـوّأ قـيادة الجمعية العامة للأمـم المتحـدة ، إلى جــانب قـيادة الـقـارة الأفريقية. منــدوب غـانـا الذي كاد أن لا يصدّق أن رئاســة الجمعية العامة للأمم المتحــدة في دورتها تلك ، قـد جـاءته هــدية مـن السّـماء، بعد أن قام وزير خارجية السودان الذي شهد تلك الدورة، بطـرد منـدوب بلاده المقـتـدر بكـيـد الكـائـدين.
لكأنَّ الأمر بدا نكاية في نظام الفريق عـبـّود الذي عمل السفير عديل منـدوباً للسودان في الأمم المتحدة خلال سنوات حكمه، فأسـقط السّـودانيون في ثورتهم في 21 أكتوبر1964 نظام حكمه العسكري. لم يفطن من تولوا أمـور السودان في ثورة 21 أكتوبر 1964م ، أنّ صفحة علاقات السّـودان الخارجـية، هي أنجح صفحات نظام الفريق عـبّود، وأنّ كتاباً خطّهُ دبلوماسيون وبعض سفراءٍ كبار، حفظ للسودان حـياده الإيجابي وفق مباديء مؤتمر"باندونـغ" لدول عـدم الانحيازعام 1955م، بمشاركة الزّعيم الوطني الأوّل في السودان إسماعيل الأزهري، ولم يحـد عنهُ الفـريق عـبّـود بعـده ، والعالم إذَّاك في حقبة حربٍ باردةٍ مُستعِرة بين شرقٍ وغرب. كان صــادقـاً عـبّـود - برغم عُسْـرِ نظـامه - حينَ خاطب السـودانيين قائلاً :(جئتكم بصداقة الشعوب).
لم يتطلّع السّفير عمر عبدالحميد عديل، لقيادة الأمم المتحدة في سنوات الستينات تلك، سـعياً وراء مجـدٍ شـخصيّ، بل كان تطلعه لمجـدٍ مُستحقٍ لوطـنٍ عـبقـريّ الموقـع وعبقريّ المكانة في الـقـارّة الأم. ذُهلَ الأميـن العام السـيّد "يــو ثانـت " غـيـر مصدّقٍ- ودُهِـشَ مساعدوه - لقرار الســودان طـرد منـدوبـه الدائم ، فـمـدّ يـده على الـفـور للسّــفير عـديل وقـال لـه: أبـقَ مكـانك لاستفتاء تجريه الأمم المتحدة في تاريخها في جزر كوك في نيوزيلندا، كما كان ممثـلا له فـي العــديد من دول الشـرق الأوســط حتى ســـاعة رحيـله في دمشــق عـــام م1976، عــن ثلاثٍ وخمسين عاما.
إنّـهُ لمن المؤسِـف أن تقرأوا في كتاب السيرة الغيرية للسفير عمر عديل، كيف امتزج كيـد الغـرباء الأبعـدين مع تواطوء بعض الأقربين ، لنسـجِ تآمرٍ ظـالـم، أدّى لتجاهـل ســيرة السـفير عديل وتغيـيـب نجمـه تمـاماً عـن ســماء بلاده، بعـد أنْ كان ألـمع السّــفـراء الأفارقـة والعرب في الأمـم المتحــدة، ســتينيات القرن العشرين، وأنـبـلهم مسـلكاً وأداءاً. ولقد أعلمني من أثق في متابعتهم لأحداث تلك الفترة وهو متخصص في تاريخ السودان الحديث أنه سمع من كل من رئيس وزراء تلك الحقبة ووزير خارجيته، أنهما أدركا بعد فوات أوان خسارة القرار الذي وافقا عليه بإزاحة السفير عديل من مهامه مندوبا للسودان في الأمم المتحدة .
معالي رئيس الجلسة والضيوف الأفاضل،
نتطلع أن يكون في كـتابـنـا هــذا ما يُعيـد للسّـفير النبيل، مكانـتـه في كـتـاب الدبلوماسية السّــودانية، وأيضاً في دبلوماســـية القـارة الأفريقية والعالم الثالث إجمالا . ويبقى الســؤال قائماً ومُـلحّـاً ، فيما تتبدّل الأنظمة السياسية بين حينٍ وآخر: هلْ تبقى الدبلوماسية قادرة على الحفاظ على مهـنيـتهـا واســـتـدامة خــدمـتـها لمصـالح وطـن منسـوبيـها، أم تظلّ عُـرضـة لـزعـازعٍ وإقـصــاءٍ وتشـــريد. . ؟
لكُم الشكر على حسـن الاسـتماع، وأعتذر إن طال خطــــابي . .
والسلام عليكم ورحمة الله.
• *ألقيت في افتتاح الندوة في مقر الجلس المصري للعلاقات الخارجية بالمعادي – القاهرة

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجمعیة العامة الحرب الباردة الأمم المتحدة الجمعیة العام الأمین العام رئیس الجلسة ة الأفریقیة المتحدة فی الس ـودان فی دورتها

إقرأ أيضاً:

“بي بي سي”: قرار ستارمر الاعتراف بدولة فلسطينية يعد تغيّراً في السياسة البريطانية

يُعدّ إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطينية، تغيراً كبيراً في السياسة الخارجية للمملكة المتحدة.

على الرغم من أن ستارمر عرض تأجيل هذا الاعتراف في حال اتخذتْ إسرائيل “خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المروّع في غزة، ووافقت على وقف إطلاق النار، والتزمت بسلام مُستدام وطويل الأجل، على نحو يُحيي حَلّ الدولتين”.

ويعني الرفضُ الإسرائيلي الفوريّ لبيان رئيس الوزراء البريطاني، أنّ بإمكان مَن يكتبون خطابات ستارمر أن يبدأوا في العمل من الآن على ما سيقولُه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول.

إنّ قرار اعتراف المملكة المتحدة بدولة فلسطينية يبدو “لا رجعة فيه”، وفقاً لمسؤول بريطاني رفيع المستوى.

وليس في توقعات ستارمر أن يُثمر هذا التغيير في السياسة البريطانية عن دولة فلسطينية مستقلة في أي وقت قريب، أمّا من وجهة نظر كثير من الإسرائيليين، فإن توقيت قيام مثل هذه الدولة الفلسطينية المستقلة يبدو مستحيلاً.

لكن النوايا البريطانية، بحسب مصادر دبلوماسية، تتمثل في تمكين المعتدلين من الجانبين – الإسرائيلي والفلسطيني؛ حيث يأمل البريطانيون في دفع الجميع إلى الاعتقاد بأن السلام يمكن أن يتحقق.

على أن ذلك لن يكون سهلاً، ليس فقط لأن حماس قتلت حوالي 1,200 شخص، بينهم مئات المدنيين الإسرائيليين، واحتجزت رهائن في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لتنطلق إسرائيل في حملة انتقامية أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين وتركت غزة أنقاضاً.
ولكنْ أيضاً لأن كلّ المحاولات لكي يحلّ السلام باءت بالفشل – سنوات من محادثات السلام في حقبة التسعينيات انتهت بإراقة الدماء، كما انهارت كل محاولات إحياء هذه المحادثات بعد ذلك.

وجاء رفض إسرائيل لبيان ستارمر بعد دقائق من الإعلان عنه من مقرّ الحكومة البريطانية في داوننغ ستريت، ففي وقت لاحق من مساء اليوم ذاته، جاء رفْض رئيس الوزراء الإسرائيلي شديد اللهجة.

وكتب نتنياهو على وسائل التواصل الاجتماعي يقول إن “ستارمر يكافئ الإرهاب الوحشي لحماس ويعاقب ضحايا هذا الإرهاب. إن دولة جهادية على حدود إسرائيل اليوم ستهدد بريطانيا غداً”.

وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن محاولات “ترضية الإرهابيين الجهاديين دائماً تبوء بالفشل. وستفشل معكم أيضاً. لن تحدث”.

ويُنكر نتنياهو وقوف إسرائيل وراء الجوع والوضع الكارثي في غزة. ولو أنّه قبِل بشروط بريطانيا الخاصة بالتأجيل، لانهار ائتلافه الحاكم.

ويعتمد نتنياهو على دعم متشددين يرغبون في ضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة وإخراج الفلسطينيين منها بالقوة، وعدم مَنْحهم أيّ شكل من أشكال الاستقلال.

على أنّ هؤلاء ليسوا مَن يمنعون نتنياهو؛ وهو الذي بنى إرثه السياسي على أساس رفْض حَلّ الدولتين، وفكرة أن السلام يمكن أن يَحلّ بقيام دولة فلسطينية مستقلة جنباً إلى جنب مع إسرائيل.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال نتنياهو إن دولة فلسطينية تعني “منصّة تنطلق منها” هجمات كثيرة، على غرار هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لتدمير إسرائيل.

ويعقِد نتنياهو آمالاً على دعم الولايات المتحدة، التي ترى أن الاعتراف بدولة فلسطينية الآن يُعتبر مكافأة لإرهاب حماس.

وفي أثناء عودته إلى بلاده، قادماً من اسكتلندا، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصحفيين إنه لا يدعم الخطوة البريطانية.

ويمكن لقضية السيادة الفلسطينية أن تصبح بمثابة نقطة خلافية جديدة على صعيد العلاقات بين بريطانيا والولايات المتحدة.

وحتى أسابيع قليلة ماضية، لم يكن رئيس الوزراء البريطاني ستارمر مقتنعاً أن الوقت المناسب قد حان للاعتراف بدولة فلسطينية، لكنّ صور الأطفال الفلسطينيين في غزة وهم يقضون جوعاً كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد كل تلك الدماء وذلك الدمار.

هذا التوجّه لم يَشِع في مقرّ رئاسة الحكومة ومكتب الخارجية البريطانية وفقط، وإنما امتدّ إلى حزب العمال، ليجد طريقه إلى دوائر أوسع في عموم المملكة المتحدة.

ويأتي قرار بريطانيا الانضمام إلى فرنسا في الاعتراف بفلسطين بمثابة علامة أخرى على زيادة عُزلة إسرائيل دبلوماسياً.

وتُعدّ فرنسا وبريطانيا، حليفتين غربيتين كُبرَيين لإسرائيل، كما أنهما تمتلكان عضوية دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد رفضت الدولتان محاولة إسرائيل عرقلة اعترافهما بفلسطين في أُثناء انعقاد الجمعية العامة بنيويورك في سبتمبر/أيلول.

وفي نيويورك أيضاً، بعد بيان ستارمر، حظي وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بموجة من التصفيق الحاد فور إعلان قرار بلاده في مؤتمر الأمم المتحدة بخصوص حلّ الدولتين والاعتراف بدولة فلسطينية.

ورفض لامي الاتهام بأن الاستقلال الفلسطيني ستكون له تبعات مدمّرة على إسرائيل، وقال وزير الخارجية البريطاني إن “العكس هو الصحيح؛ فلا تَعارُض بين دعم أمن إسرائيل ودعم قيام دولة فلسطينية”.

اقرأ أيضاًتقارير“قصر كوير” أو قصر حارة البيبان: أنموذج فريد لتطور بيئة مكة العمرانية

وأضاف لامي: “دعوني أكون واضحاً، إن حكومة نتنياهو مخطئة في رفضها حلّ الدولتين – خطأً أخلاقياً واستراتيجياً”.

وقال مسؤول بريطاني إن الأجواء كانت مشحونة بالحماس عندما أخبر وزير الخارجية الوفود بأن إعلان بلاده اتُّخذ “وعلى أكتافنا يدُ التاريخ” تدلُّنا وتوجِّه خُطانا، على حدّ تعبيره.

ومضى لامي متحدثاً عن الماضي الاستعماري لبريطانيا في فلسطين، هذا الماضي المتشابك بقوة مع جذور الصراع بين اليهود والعرب للسيطرة على الأرض التي كانت تحت التاج البريطاني ذات يوم.

واستولتْ بريطانيا على القدس من رُقعة الإمبراطورية العثمانية في عام 1917 وظلتْ تسيطر على فلسطين حتى عام 1948، قبل أن تُسلّم مسؤولية هذه الأرض للأمم المتحدة وتغادرها ساحةً لصراع شامل آنذاك بين العرب واليهود.

وعلى الفور، أعلن ديفيد بن غوريون، أوّل رئيس وزراء لإسرائيل، استقلال الأخيرة التي تمكنت لاحقاً من صدّ هجوم شنّتْه الجيوش العربية وإنزال الهزيمة بتلك الجيوش.

وفي رواق الأمم المتحدة، استدعى ديفيد لامي من التاريخ وَعْد بلفور، وزير الخارجية البريطانية في عام 1917، الذي أمهر بتوقيعه خطاباً مكتوباً على الآلة الكاتبة انطوى على وعْد “بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.

على أنّ وعْد بلفور، نَصّ أيضاً على “عدم الإضرار بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية في فلسطين”، دون استخدام لفظة “عرب”، لكنّ هذا هو ما كان مَعنياً.

وقال لامي إنّ لبريطانيا أنْ تفتخر بالطريقة التي أسهمتْ بها في تأسيس إسرائيل، لكنّ الوعد للفلسطينيين لم يُحفَظ، وهذا “ظُلمٌ تاريخيٌّ لا يزال قائماً”.

وقد غذّت الوعود المتضاربة من جانب بريطانيا هذا الصراع على الأرض وشَكّلتْ قوامه، ولو أنّ مسافراً عبر الزمن استطاع الذهاب إلى فلسطين في حقبة العشرينيات من القرن الماضي لتسنّى له أنْ يلمس أجواء العُنف والتوتر بشكل مثير للإحباط.

ومن أجل علاج هذا الظُلم التاريخي، وصف لامي حلّ الدولتين؛ حيث تأمل المملكة المتحدة في إنهاء الوضع البائس في غزة، وفي إحلال السلام في الشرق الأوسط.

وكانت فرنسا والسعودية تترأسان مؤتمر نيويورك الذي شهد حديث وزير الخارجية البريطاني. وأثمر المؤتمر عن بيان من سبع صفحات يستهدف تمهيد الطريق لإحياء حلّ الدولتين.

وانطوى هذا البيان على إدانة من جانب دول عربية لحركة حماس وهجومها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل.

إنّ نافذة السلام عبر حلّ الدولتين تبدو موصَدة بقوة بعد انهيار عملية السلام التي بدأتْ محادثاتها في حقبة التسعينيات، ويأتي قرار بريطانيا الخاص بالاعتراف بفلسطين بمثابة خطوة “دبلوماسية” على طريق إعادة فتْح هذه النافذة.

مقالات مشابهة

  • رجال دين: “الجبادات” حرام شرعا
  • حبس 3 متهمين في جريمة قتل المواطن “ناصر العمامي” في أجدابيا
  • حجز المركبة وغرامة 100 دينار لمرتكبي مخالفة “المواكب”
  • النائب العام يأمر بحبس 3 أشخاص بتهمة قتل المواطن “ناصر العمامي” والتمثيل بجثته وإعدامها بالنار
  • عبدالله صالح يوقّع كتابه «طوايا» في مكتبة محمد بن راشد
  • “الديمقراطية” تدين المجزرة الصهيونية البشعة في منطقة السودانية
  • نائب:تثبيت أصحاب العقود “دعاية انتخابية” والسوداني غير صادق بها
  • المستشار “صالح” يبحث مع المحامي العام بالبيضاء الملفات المتعلقة بالسجون والهجرة غير الشرعية
  • “بي بي سي”: قرار ستارمر الاعتراف بدولة فلسطينية يعد تغيّراً في السياسة البريطانية
  • محاولات “أممية” دؤوبة لإدخال مساعدات إنسانية إلى الفاشر