الذكرى 78 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني «1»

تاج السر عثمان بابو

1

تمر في 16 أغسطس الذكرى 78 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني في ظروف الحرب اللعينة الجارية التي شردت الملايين َواصابة وفقدان الآلاف ودمرت البنية التحتية والمصانع والمزارع والأسواق والبنوك، وعطلت المدارس والمستشفيات، وأدت لتدهور الأوضاع المعيشية والصحية جراء انتشار الأمراض مثل الكوليرا وفاقمت السيول والفيضانات الجارية الوضع الإنساني والصحي، اضافة لجرائم الحرب والإبادة جماعية والعنف جنسي، وتهدد الحرب بالمجاعة بعد فشل الموسم الزراعي، اضافة للزبادات المستمرة في الأسعار وتدهور قيمة الجنية السوداني، وخطر تقسيمم البلاد، مما يتطلب ايقافها.

جاءت الحرب بهدف تصفية الثورة ونهب ثروات البلاد من المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب، مما يهدد وحدة البلاد واستقرارها، الأمر الذي يستوجب بناء اوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب واسترداد الثورة، وفتح المسارات الآمنة لوصول الأغاثات للمتضررين، وعودة النازحين لقراهم ومنازلهم، وإعادة تعمير ما دمرته الحرب، وتقديم مجرمي الحرب للمحاكمات، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وخروج العسكر والدعم السريع من السياسة والاقتصاد والترتيبات الأمنية لقيام الجيش القومي المهني الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية، بعد حل المليشيات (دعم سريع ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات)، ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية.

سوف نسلط الضوء في ذكرى تأسيس الحزب على سمات النشأة وارهاصات التكوين الأولى للحزب

2 ارهاصات التكوين

قبل الإعلان الرسمي لتاسيس الحركة السودانية للتحرر الوطني– حستو(الحزب الشيوعي فيما بعد)، سبقتها مجموعات وحلقات تأسست في مصر والعاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث (الخرطوم، الخرطوم بحري، أم درمان)، وعطبرة، يمكن تقديم عينات علي سبيل المثال لا الحصر، لمن كانوا في تلك الحلقات حسب روايات بعض المؤسسين مثل: كامل محجوب، عبد الماجد ابو حسبو، أحمد سلمان، ومصطفي السيد في مذكراتهم، وعباس علي والجزولي سعيد، ود. فاروق محمد إبراهيم، ومحمد عمر فقيري، وابراهيم زكريا، في مذكراتهم بـ(مجلة الشيوعي). الخ

أ- مجموعة مصر:

تاسست عام 1945 (بل كان بعضها موجودا قبل عام 1945) وتتكون من: محمد أمين حسين المحامي، عز الدين علي عامر، عبد الوهاب زين العابدين، عبد الماجد ابو حسبو، عبده دهب حسنين، عبد الخالق محجوب، التجاني الطيب، عبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة، الجنيد علي عمر، احمد سلمان، عوض عبد الرازق، سعد أمير طه، علي محمد ابراهيم، عمر محمد ابراهيم، حسان محمد الأمين، أحمد زين العابدين، حامد حمداي، صالح عرابي، محمد خليل قاسم، بابكر محمد علي فضل. الخ، واستمر اتساع عدد هذه المجموعة مع ازدياد عدد البعثات الدراسية الجامعية لمصر.

ساهم في اتساع هذه الحلقة ايضا مجلتان صادرتان عن تنظيم شيوعي مصري هو الحركة المصرية للتحرر الوطني (ح. م)، كانتا تصدران عن قسم السودانيين بهدف نمو هذا القسم أو الحلقات الشيوعية السودانية وتستقل فيما بعد، واستقل فيما بعد تحت اسم الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) والذي أعلن عن نفسه بعد ذلك (الحزب الشيوعي السوداني)، المجلتان هما ” حرية الشعوب ” (1942- 1943)، وام درمان (1945- 1946)، حصرتا نفسيهما في موادها الا فيما ندر أو في محرريها بشكل أساسي في محيط السودان، كانت مجلتان يساريتين سودانيتين، سواء من حيث المادة أو من حيث المحررين، لكنهما صدرتا في القاهرة بحكم الأوضاع الخاصة التي سادت العلاقات بين مصر والسودان (للمزيد من التفاصيل راجع رفعت السعيد الصحافة اليسارية في مصر، 1925- 1948، دار الطليعة بيروت 1974، ص 9).

وعن مجلة أم درمان حسب رواية عبده دهب: كان صاحب الامتياز محمد أمين حسين، ورئيس تحريرها عبده دهب، وكما يشير أحمد سلمان في مذكراته ومشيناها خطي، من الذين برزوا علي صفحات أم درمان أسماء مثل: محمد أمين حسين، عبده دهب حسنين، عبد الماجد ابو حسبو، عز الدين علي عامر، حامد حمداي، صالح عرابي، محمد خليل قاسم، زكي مراد صالح”. الخ، ومنعت الادارة البريطانية دخولها الى السودان، وتم اغلاقها مع الصحف الأخري في الثامن من يوليو 1946.

3

لم تخل قيادة الحركة المصرية للتحرر الوطني (ح. م)، وبعدها الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) من عضوية بعض السودانيين مثل: عبد الخالق محجوب، بابكر محمد علي فضل، الجنيد علي عمر، احمد سلمان، الخ، (للمزيد من التفاصيل: راجع أحمد سلمان ومشيناها خطى، 1983).

ب– مجموعة العاصمة (منهم سافر لمصر للدراسة)، تكونت من:

حسن دفع الله، الطاهر السراج، عثمان محجوب، عبد الحميد ابو القاسم هاشم، حسن الطاهر زروق، محمد علي نديم، عبد القيوم محمد سعد، أدم ابو سنينة، كامل محجوب، حسن ابو جبل، عبد الحميد أحمد، مصطفي السيد، محجوب محمد صالح، محمد سعيد معروف، عباس علي، د. خالدة زاهر، محمد عمر بشير، أحمد اسماعيل النضيف، حسين عثمان وني، مكاوي خوجلي، جمال عيسي، محمد عبد الحليم محجوب، د. موريس سدرة، د. عبد القادر حسن، فخر الدين محمد، أحمد المغربي، حسن سلامة، د. فاروق محمد ابراهيم، ميرغني علي مصطفى، احمد محمد خير، جعفر ابو جبل، عبد الرحمن حمزة (كان أول متفرغ حزبي)، عبد الحليم عمر، الحاج سلمان (سافر إلى مدني فيما بعد)، سيد أحمد نقد الله، ابو المعالي عبد الرحمن، علي التوم، الطيب حسب الرسول، توفيق اسحاق، محمد السيد سلام، صلاح الدين ايوب، بشير حسين، حسن فراج، بيومي السائح، محمد عبد العزيز السراج، مصطفى أمين، الطاهر عبد الباسط، ابراهيم حاج عمر، معاوية ابراهيم سورج، محمد عمر فقيري، عبد الخالق حمدتو. الخ.

ج – مجموعة عطبرة، تكونت من:

الشفيع أحمد الشيخ، قاسم أمين، ابراهيم زكريا (ثاني متفرغ حزبي)، هاشم السعيد، الجزولي سعيد، الحاج عبد الرحمن ابراهيم عثمان، عبد الله عثمان الريح، علي محمد بشير، جمبلان، محمد عثمان جمعة، محيي الدين محمد طاهر، أرباب العربي، محجوب علي (النقابي العجوز). الخ .

كان مصطفى السيد أول من ساهم في تأسيس تلك الحلقات في عطبرة عام 1946، حسب روايته في كتابه: مشاوير في دروب الحياة، مطابع السودان للعملة 2007)، تبعه هاشم السعيد الذي جاء الى عطبرة من بورتسودان حسب رواية الجزولي سعيد، وعبد الخالق محجوب الذي جاء الى عطبرة في صيف 1947 في اجازته الجامعية السنوية، وساهم في تنظيم تلك الحلقات، وتاسيس نقابة عمال السكة الحديد بعد اضرابهم الشهير عام 1947.

4

وكان من نتاج ذلك التراكم والحراك أن تأسست “الحركة السودانية للتحرر الوطني”– حستو-، وتم الاجتماع التأسيسي في الخرطوم للحركة في 16 أغسطس 1946، وضم المؤسسين الآتي اسماؤهم:

خضر عمر “مهندس”، السيد عبد الرحمن “مهندس”، عبد الوهاب زين العابدين “طبيب”، عبد القيوم محمد سعد “طالب”، حسن الطاهر زروق “معلم”، عز الدين علي عامر “طالب”، التجاني الطيب “طالب”، آدم ابو سنينة “معلم”، وضمت عمال ومثقفين وطلبة.

منذ تأسيسه اهتدى الحزب بالماركسية كمنهج وفق ظروف وخصائص السودان، وجاء تأسيس الحزب كما أشرنا سابقا امتدادا لتقاليد الحركة الوطنية السودانية الحديثة التي إنبلج فجرها بتأسيس جمعيتي الاتحاد السوداني واللواء الابيض واندلاع ثورة 1924م، ونهوض الحركة الثقافية والأدبية والرياضية، وخروج المرأة للعمل والتعليم، وتطور التعليم المدني الحديث، وظهور الصحافة الوطنية (الحضارة السودانية، النهضة السودانية، الفجر) التي اسهمت في رفع درجة الوعي الثقافي والفكري والسياسي. وبالتالي جاء ميلاد الحزب الشيوعي تطورا طبيعيا ومنطقيا للفكر السوداني.

وكانت الحركة حاجة ماسة فرضتها ظروف البلاد، وكما أشار عبد الخالق محجوب في كتابه “لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني” أن الحركة: “ارتبطت منذ تأسيسها بالنضال والمظاهرات ضد الاستعمار (المظاهرات التي قام بها الطلبة في عام 1946م)، وقدمت الحركة عموميات الماركسية باللغة العربية، وجذبت عددا من المثقفين الوطنيين والعمال لصفوفها، وارتبطت بالحركة الوطنية التحررية منذ نشأتها.

عندما تأسست الحركة السودانية للتحرر الوطني كان الشعاران المطروحين في الساحة السياسية: “وحدة وادي النيل تحت التاج المصري”، و”السودان للسودانيين تحت التاج البريطاني”. باستخدام المنهج الماركسي تمت دراسة الواقع ، وتوصلت “الحركة السودانية… “الي الشعار البديل المناسب وهو: “جلاء الاستعمار عن السودان ومصر وحق تقرير المصير للشعب السوداني”، والكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني ضد الاستعمار، وكان هذا هو الشعار الذي التفت حوله الحركة الوطنية فيما بعد وكان استقلال السودان عام 1956م بعيدا عن الاحلاف العسكرية، كما لاينسي شعب السودان تضامن الاتحاد السوفيتي معه عام 1947 م عندما وقف في الجمعية العامة للامم المتحدة مطالبا باستقلال السودان. كما رفض الحزب الشيوعي صيغة النقل الاعمي لتجربة الكفاح المسلح علي نمط التجربة الصينية، والتي طرحت عام 1952م، وقدر ايجابيا خصوصية نضال شعب السودان الديمقراطي الجماهيري الذي افضي الي الاستقلال بدون الكفاح المسلح.

في عام 1947م.

5

دار في الحزب صراع فكري حول: هل يظل الحزب الشيوعي مستقلا سياسيا وفكريا وتنظيميا ام يكون جناحا يساريا داخل الأحزاب الاتحادية (كما عبرت مجموعة عبد الوهاب زين العابدين سكرتير الحزب آنذاك)، وكان من نتائج هذا الصراع أن ساد اتجاه الوجود المستقل للحزب، وتأكدت الراية والهويّة المستقلة للحزب.

بعد ذلك انطلق الحزب واسهم في تأسيس “هيئة شئون العمال في عطبرة”، وتنظيمات “رابطة الطلبة الشيوعيين” و”مؤتمر الطلبة” و”الجبهة الديمقراطية للطلاب”، و”رابطة النساء الشيوعيات” و”الاتحاد النسائي”، و”اتحاد الشباب”، واتحادات العمال والمزارعين والموظفين والمعلمين.. الخ.

كما اصدر صحفه المستقلة مثل: مجلة الكادر” (الشيوعي فيما بعد) والتي كانت وحتي اليوم مجلة داخلية تصدرها اللجنة المركزية للحزب، ومجلة “الوعي” المجلة الجماهيرية التي تخصصت في العمل الثقافي والفكري”، وصحيفة “اللواء الأحمر” التي كانت جماهيرية، وصحيفة “الميدان” التي تأسست عام 1954م، وتم وضع دستور للحزب بعد أن كانت تحكمه العلاقات الشخصية وغير المبدئية، وتم تصعيد النضال ضد الجمعية التشريعية عام 1948م، وقدم الحزب شهداء في ذلك مثل: الشهيد قرشي الطيب في عطبرة.

* بعد اتفاقية 1953م، رفض الحزب الشيوعي شعار الاتحاديين “تحرير لا تعمير”، وطرح شعار “لا تحرير بلا تعمير”، أو البرنامج الوطني الديمقراطي باعتبار أن الاستقلال السياسي وحده لا يكفي، بل يجب استكماله بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، أي بانجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية التي تحقق السيادة الوطنية والتنمية المستقلة، والمجتمع الزراعي الصناعي المتقدم، وحرية تكوين الأحزاب والنقابات والاتحادات، وحرية النشر والتعبير واستقلال القضاء وحكم القانون، والاصلاح الزراعي الديمقراطي الذي يخرج الريف من ظلمات القرون الوسطى، والحكم الذاتي الاقليمي لجنوب السودان في اطار السودان الموحد، والذي يحقق التنمية المتوازنة ،والاعتراف بالفوارق الثقافية وحق المجموعات الثقافية في تطوير لغاتها وثقافاتها الخاصة، والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل، والثورة الثقافية الديمقراطية. الخ من عناصر البرنامج الوطني الديمقراطي الذي طرحه الحزب مع بداية الاستقلال، في وقت لم يكن للاحزاب التي حكمت بعد الاستقلال اي مشروع للنهضة والتنمية كما ذكر محمد أحمد المحجوب في “كتابه الديمقراطية في الميزان”، وهذا رد عملي علي بعض مثقفي البورجوازية الضغيرة الذين يقولون أن كل الأحزاب لم يكن لديها مشروع وطني بعد الاستقلال، وطور الحزب برنامجه الوطني الديمقراطي في برامجه المجازة في المؤتمرات: الثالث 1956، والرابع 1967، والخامس 2009، والسادس 2016..

رغم أن الحزب الشيوعي كان الحزب الوحيد الذي نظر لاتفاقية فبراير 1953م نظرة ناقدة وكشف عيوبها للشعب السوداني مثل: السلطات المطلقة للحاكم العام، وتأجيل الاستقلال لمدة ثلاث سنوات، ولكنه انتقد موقفه الخاطئ منها من زاوية أنه لم ينظر لجوانبها الايجابية باعتبارها كانت نتاجا لنضال الشعب السوداني، وأن المستعمرين تحت ضغط الحركة الجماهيرية تراجعوا، وبعد ذلك واصلت الحركة الجماهيرية نضالها حتى تحقيق الاستقلال في أول يناير 1956.

alsirbabo@yahoo.co.uk

الوسومأم درمان الاتحاديين الحزب الشيوعي السوداني السودان الشفيع أحمد الشيخ بورتسودان تاج السر عثمان بابو عبد الخالق محجوب عطبرة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أم درمان الاتحاديين الحزب الشيوعي السوداني السودان بورتسودان عبد الخالق محجوب عطبرة الحزب الشیوعی السودانی عبد الخالق محجوب زین العابدین تأسیس الحزب عبد الرحمن فیما بعد

إقرأ أيضاً:

دبلوماسيون وخبراء يكشفون للجزيرة نت تحديات رئيس الوزراء السوداني الجديد

الخرطوم- أثار تعيين كامل إدريس، رئيسا لوزراء السودان، أمس الثلاثاء، ردود فعل متباينة بعد أن ظل هذا المنصب الرفيع شاغرا لأكثر من 3 سنوات. وفيما راهن الكثيرون على نجاحه في إحداث اختراق بالملفات الشائكة التي تنتظره داخليا وخارجيا، جزم آخرون بفشله بسبب الواقع المتأزم جراء الحرب.

ويتكئ إدريس على خبرة دولية واسعة بحكم عمله ورئاسته لعدد من المنظمات والهيئات الدولية مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية ومحكمة التحكيم والوساطة الدولية، وغير ذلك من التجارب التي رفعت من سقف توقعات البعض بمقدرته على إحداث اختراق في علاقات السودان مع المجتمع الدولي.

خطاب قوي

من جانبه، قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي عثمان ميرغني للجزيرة نت، إن السياسة الخارجية هي الملعب المفضل لقدرات وخبرات كامل إدريس. ويمكنه تحقيق اختراق مؤثر في وقت وجيز لكن بشرط أن يتغلب على الأجسام المضادة الداخلية التي لها هواجس مزمنة تجاه العلاقات الدولية.

وأضاف ميرغني أن المجتمع الدولي منفتح وراغب في الانخراط الإيجابي مع السودان وشعبه، لكن دائما هناك قلق من ضعف الإرادة السياسية السودانية تجاه علاقات دولية مثمرة والتركيز على المساعدات المباشرة فقط.

إعلان

وأشار إلى أن تعزيز صورة البلاد الخارجية يحتاج ربما لخطاب داخلي قوي يرسم ملامح سودان مختلف في فهمه وتطلعاته للتعاون الدولي.

من جهته، قال السفير عبد المحمود عبد الحليم، مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة بنيويورك، إن الأستاذ كامل شخصية مقتدرة ودبلوماسي محنك يملك الرؤية المستبصرة لقراءة الملعب السياسي واللاعبين وأدوارهم، ويملك الرؤية العارفة والفلسفة المدركة وخطة اللعب المفضية لإنجاح الحراك في هذه الفترة المفصلية والحرجة في تاريخ السودان.

وفي حديث للجزيرة نت، قال إن على رئيس الوزراء الجديد إدراك أن تجربة الحرب وبشاعتها قد أوجبتا -ليس فقط ضرورات تطبيع وإعادة الحياة، وإنما- إعادة التأهيل العاطفي والسيكولوجي للمواطن جنبا إلى جنب. وعليه تبعا لذلك الاهتمام بالرسائل التي تبعث بها تحركاته واستجماع فضيلتي الصبر وقوة العزيمة، كما أن عليه، و"هو الدبلوماسي الحاذق"، إدراك أن التوافق الذي يحتاجه العمل في إطار المنظمات الدولية ضرورة في السياق الوطني.

وحول أبرز التحديات التي تواجهه، قال السفير عبد المحمود إن الحرب أحدثت دمارا غير مسبوق جعل كافة متطلبات استعادة الحياة أبرز العقبات، "كأن تقذف بمريض إلى غرفة العناية المركزة لإعادة عمل أعضاء جسده المتعطلة".

ودعا رئيسَ الوزراء للتركيز على المشاورات التي ستجرى ويجريها مع قيادة الدولة، وذلك قبل أداء القسم على الصلاحيات التي ينبغي أن تكون واضحة وكاملة، ليتفرغ بعدها لاختيار وزراء أكْفاء وبقوام وزاري غير مترهل وبآجال زمنية دقيقة لإدارة الحكومة، وخاصة قطاعات الخدمات والأمن والصحة والتعليم، وإيلاء الاهتمام الضروري للمؤسسية والتنسيق.

تحديات

وجاء قرار عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني بتعيين شخصية مدنية رئيسا للوزراء بصلاحيات كاملة كخطوة طال انتظارها منذ شغور المنصب باستقالة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في يناير/كانون الثاني 2022.

إعلان

وقال عثمان ميرغني إن إدريس يواجه تحديات أساسية تتمثل في القدرة على مواجهة مقاومة داخلية متعددة من الأطراف الرسمية والسياسية، خاصة التي تتركز في محاولة إعاقة مشروعاته وإفشالها لتأكيد عدم الحاجة لوجود رئيس وزراء.

ووفقا له، فإن من وصفهم بأمراء الحرب سيجتهدون في محاولات منع إدريس من التواصل الخارجي الفعال لإنهاء الحرب خاصة في مسار التفاوض وإصلاح العلاقات الثنائية مع الدول المؤثرة على الملف السوداني.

ومن التحديات الأساسية، حسب ميرغني، التعامل مع ملعب سياسي سوداني يعاني من استقطاب حاد جدا مما قد يعقّد جهوده لتقوية الصف الداخلي برفع سقف القواسم المشتركة بين المؤثرين السياسيين، أفرادا وأحزابا وتحالفات.

من ناحيته، قال الأمين العام الأسبق لمجلس الوزراء السوداني عمر محمد صالح، للجزيرة نت، إن هناك تحديات "جساما" داخليا وخارجيا يواجهها إدريس، أبرزها كيفية المحافظة على وحدة الصف الوطني التي تحققت جراء "حرب الكرامة" التي وحدت وجدان الشعب خلف قواته المسلحة، وذلك بالوقوف على مسافة واحدة من كافة القوى السياسية الوطنية التي ساندت الجيش.

ومن التحديات أيضا -حسب صالح-:

استكمال هياكل الحكم وتشكيل مجلس وزراء من تكنوقراط غير حزبيين للعمل وفق برنامج وطني متفق عليه بعيدا عن أي مؤثرات خارجية. وتحقيق أحلام المواطن السوداني في العودة العاجلة لدياره ببسط الأمن وإصلاح ما دمرته "المليشيا" (يقصد قوات الدعم السريع). وترتيب أولويات إعادة الإعمار في ظل ميزانية موجّهة لدعم المجهود الحربي. أولويات

أما عن الصعوبات الخارجية التي تواجه رئيس الوزراء الجديد، فأشار صالح إلى:

إعادة دور السودان الفاعل في المنظمات الدولية والإقليمية دون تفريط في السيادة الوطنية. واستقطاب الدعم الخارجي من "الأشقاء والأصدقاء" لدعم جهود إعادة الإعمار. إلى جانب ضبط وتقييد الوجود الأجنبي بالبلاد "بعد أن ثبتت مشاركة كثير من اللاجئين كمرتزقة في الحرب". إعلان

ويرى مقربون من رئيس الوزراء السوداني -تحدثوا للجزيرة نت- أن أولوياته ستكون تشكيل حكومة "رشيقة" تعمل على تحسين الوضع المعيشي للمواطنين واستعادة الخدمات العامة المتدهورة، إضافة إلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب.

وحسب محللين سياسيين ودبلوماسيين تحدثوا للجزيرة نت، فإنه من المبكر الحكم بنجاح إدريس في التعاطي الإيجابي مع التحديات الداخلية والخارجية، ورهنوا ذلك بالتزام القيادات العسكرية في مجلس السيادة بعدم التدخل في إدارة الجهاز التنفيذي، حيث عزا كثيرون حالة الشلل وعدم الاستقرار التي أصابت الأداء الحكومي "لتدخلاتهم المزاجية".

وأشار السفير عبد المحمود إلى أن نجاح رئيس الوزراء خارجيا يعتمد على جودة السياسات وأداء الواجبات والمهام والمسؤوليات الداخلية. ودعاه للعمل مع مجلس وزرائه للتوصل إلى خطة وطنية مترابطة الحلقات لإعادة التأهيل، لتشكّل أساسا لطلب العون الخارجي بما في ذلك إمكانيات عقد مؤتمرات تعهدية للمانحين شاملة التغطية أو قطاعية.

وقال إنه بحكم شبكة علاقاته الخارجية وموقعه، يُتوقع أن يكون له دور كبير ومهم إزاء النشاطات والتحركات الدبلوماسية التي ستشهدها الفترة القادمة، بما في ذلك إنجاح خارطة الطريق وإيلاء الاهتمام للانخراط الإيجابي في استعادة نشاطات السودان في الاتحاد الأفريقي.

واعتبر السفير عبد المحمود أن قضية مشاركة المجتمع الدولي في إعادة البناء والإعمار تعدّ تحديا رئيسيا على الجبهة الخارجية في الفترة المقبلة.

مقالات مشابهة

  • دبلوماسيون وخبراء يكشفون للجزيرة نت تحديات رئيس الوزراء السوداني الجديد
  • الذكرى الـ 56 لانقلاب 25 مايو 1969
  • بت اقرب الان لقول المسؤولة الأمريكية التي قالت قبل أشهر ان السودان فاشل في عرض قضيته
  • كامل إدريس الطيب رئيس الوزراء السوداني
  • نبيل بنعبد الله في ضيافة الحزب الشيوعي الكوبي والحزب الاشتراكي العمالي في فنزويلا
  • محمد ثروت يحيى الذكرى الرابعة لرحيل سمير غانم بهذه الطريقة
  • احتجاجات في لندن تُندد ب استخدام الجيش السوداني للأسلحة الكيميائية
  • من هو رئيس الوزراء السوداني الجديد الدكتور كامل إدريس؟
  • فصل الجيش عن الحزب والحركة
  • شاهد بالفيديو.. “كيكل” يتعهد بإنهاء الأزمة والذهاب للمناطق التي تنطلق منها “مسيرات” المليشيا