في عام 2018، كان الطالب «محمد»- اسم مستعار- ينتظر نتيجة الثانوية العامة، يُمني نفسه بالقبول في إحدى كليات الطب، لكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال، لم يصل إلى الدرجات اللازمة لقبوله في إحدى كليات الطب الحكومية، فكان الاختيار المتاح الجامعات الخاصة، لكن أسعارها كانت فوق طاقة ميزانية العائلة، في النهاية كان الاختيار الامثل هو السفر إلى السودان حيث التعليم أقل كلفة عن مثيله في الدول العربية أو أوروبا.

التحق «محمد» بجامعة «قاردن سيتي» بالعاصمة السودانية الخرطوم، التزم بالحضور من السنة الأولى للدراسة، حتى عام 2020 لتدخل جائحة كورونا وتأكل الاخضر واليابس ويتوقف العالم عن الحركة، التزم «محمد» ورفاقه من الطلبة بالحضور وتنفيذ التعليمات التي تصدر من الجامعة بشكل دوري، يقول «محمد»: «عندما جاءت جائحة كورونا عدنا جميعا إلى مصر، وتوقفت الدراسة لحين انتهاء الجائحة، بعد فترة عدنا مرة أخرى إلى السودان واستمر الوضع كما هو معتاد حتى بداية عام 2023، لكن الأحداث الحالية دفعتنا جميعا لأن نترك السودان ونعود إلى مصر من جديد».

في أبريل الماضي، اندلع قتال في العاصمة السودانية الخرطوم وفي مواقع أخرى في أنحاء البلاد حيث تتناحر الفصائل العسكرية المتنافسة القوية من أجل السيطرة، مما يزيد من خطر اندلاع حرب أهلية في جميع أنحاء البلاد، وهو ما حدث لاحقا.

عاد «محمد» والطلاب المصريين كافة، وأعلنت وزارة التعليم العالي قبولها الطلاب المصريين العائدون من السودان، بضوبط محددة وواضحة، وهو ما حدث لكن كانت الأزمة الأكبر هو الحصول على الأوراق الخاصة بالطلبة من جامعاتهم في السودان، يقول «محمد»: «لظروف الحرب وزارة التعليم فتحت أبواب الجامعات لاستقبالنا ولكن بالتأكيد كان يجب تقديم ما يثبت أننا طلاب بالجامعات السودانية، وهنا كانت الأزمة، حاولنا على مدار شهور الوصول إلى أوراقنا في الجامعة لكن دائما ما كان يتم تجاهلنا، بداية من المسؤولين الإداريين وصولا إلى مالك الجامعة نفسها، لكن ما حدث بعد ذلك كانت مفاجأة كبيرة، أعلنت الجامعة فتح فرع جديد لها في مصر».

جاءت نسخة إعلان الجامعة بعودة الدراسة مفاجأة للجميع، حيث استقبل الطلاب نسخة ممهورة من أحد المسؤولين بالجامعة تفيد بافتتاح فرع جديد للجامعة في مصر، يقول: «ظننا أن الامر انتهى وفقط علينا أن ننتظر لحين وصول الأوراق الثبوتية إلينا لكن أن يتم افتتاح فرع للجامعة هنا، كان الأمر مفاجئ لنا جميعا، وكانت المفاجأة الأكبر أن تكون الدراسة في إحدى المستشفيات الخاصة وليس مستشفى جامعي معترف بها».
جامعة وهمية وتخوفات من مصير الأوراق الثبوتية

اضطر «محمد» وعدد من الطلاب للانصياع لقرارات الجامعة، وذهبوا إلى مقر الدراسة الجديد، في البداية كانت الدراسة في الدور الأرضي للجامعة، ومن ثم عدلت المستشفى والجامعة الأمر بأن حولته للدور الرابع في مستشفى فاطمة الزهراء بمدينة نصر، يقول «محمد»: «الأمر كان في غاية العشوائية، مجرد كراس وسبورة فقط، الشكل العام لا يوحي بأن تلك الفصول هي مقر لجامعة خاصة فهي أشبه بمراكز الدروس الخصوصية ليس أكثر، حاولنا أن نضغط على أنفسنا في محاولة للوصول إلى بر الأمان، ولكن كان لدينا العديد من التساؤلات على رأسها هل هذه الجامعة معتمدة من وزارة التعليم العالي؟، وهل هي جامعة معتمدة ومعترف بها؟ وهل سوف نحصل على شهادة معتمدة؟، كانت الإجابات التي تمنح لنا غير مكتملة، شعرنا أن الأمر برمته غير حقيقي والجامعة وهمية ولا تمت للواقع بصلة».

تبلغ قيمة رسوم الدراسة بجامعة قاردن سيتي بفرعها داخل مصر 2300 دولار، هو ما يوزاي طبقا لسعر الصرف قرابة الـ 70 ألف جنيه مصري، إذ ابلغ المسؤول عن الجامعة الوهمية في مصر الطلاب بأن الدراسة من الممكن أن تكون أون لاين أو بالحضور، في حالة «الأون لاين» تكون التكلفة أقل، لكن في حال أراد الطالب الحضور إلى المقر يجب عليه دفع 2300 دولار، قبل بدء الدراسة.
التعليم العالي: هناك ضوابط لمنح التصاريح لفروع الجامعات

أكد الدكتور عادل عبدالغفار، المتحدث باسم وزارة التعليم العالي، على أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم الموافقة على تدشين فرع لجامعة من خارج مصر بشكل عشوائي دون قيود وضوابط محددة، والوزارة والهيئات المختلفة بالفعل لديها ضوابط محددة لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال.

وعن حالة مزاعم فتح أفرع لجامعات سودانية، يقول «عبدالغفار»: «على هؤلاء الطلاب سرعة التوجه ببلاغات ضد هذا الكيان الوهمي، وهنا يأتي دور الوزارة في التحرك من خلال الضبطية القضائية، لأنها جامعة وهمية ولا وجود لها، هناك ضوابط لا يمكن تجاوزها، وأدعوا الجميع لتقديم البلاغات لتتحرك الوزارة من خلال الضبطية القضائية والعمل على إغلاق الجامعة الوهمية التي تستهدف أموال المصريين».

وأضاف المتحدث باسم وزارة التعليم العالي: «وجود جامعات وهمية وعدم الإبلاغ عنها يعد أزمة كبيرة للغاية، خاصة أن القانون المصري المنظم للأمر يشترط أن يتم موافقة مجلس الجامعات الخاصة والأهلية، وفي حال تخرج الطالب المصري من جامعة غير معتمدة من قبل الهيئة المنوط بها فأنه بالتأكيد لن يكون معترف بشهادته بأي حال من الأحوال».
الجامعات السودانية المعتمدة في مصر
الخوف من مصير مجهول

لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة إلى «حسن»- اسم مستعار – مصري الجنسية، التحق في عام 2019 بجامعة قاردن سيتي السودانية، وكان الوضع يسير بالشكل المعتاد، لكن ما حدث أن العالم من حوله تغير فجأة يقول «حسن»: «مرة وأحدة كده صحينا على صوت طيارات وضرب صواريخ، حاولنا أن إحنا ننزل مصر كان في مشكلة كبيرة مفيش باصات واللي موجود معدي الـ ٥٠٠ دولار للكرسي مع العلم انه قبل الحرب كان بأقل من ٥٠ دولار، في النهاية الحكومة المصرية نجحت توفرلنا أتوبيسات ترجعنا بلدنا تاني، ورجعنا الحمدلله كلنا».

عاد «حسن» وعدد ليس بالقليل إلى مصر، كانت الاجواء العامة مضطربة، الحياة وسط الحرب صعبة وتكاد تكون مستحيلة، وبعد فترة من الوقت بدأ الجميع في محاولة ترتيب أوراقه والبحث عن بديل للجامعة، لكن في منتصف شهر يوليو فوجئ الجميع بإنضمامهم إلى جروب على واتساب، والقائم على الجروب يخبرهم بأنه من المتوقع أن تعود الدراسة إلى طبيعتها «اون لاين فقط»، وهو ما اعتبره الطلاب دربا من الخيال، إذ لا يمكن دراسة الطب أون لاين يجب أن تكون حاضرا للتعلم، يقول حسن: «اللي حصل أن قاردن كانت اشتغلت اونلاين بس محدش اداهم اهتمام جه من أسبوعين، وأعلنوا أنهم فتحوا فرع هنا بالتحديد في مستشفى فاطمه الزهراء في مدينه نصر وعاوزين فلوس تسجيل، واللي كانت بـ 2300 دولار أمريكي، المفاجأة الأكبر عندما بدأنا بالبحث أكثر وراء ذلك الفرع واكتشفنا أنها غير وهمية بشكل كامل، إذ لا تعلم وزارة التربية والتعليم أو المجلس الأعلى للجامعات شيئا عنها».

يستكمل «حسن» حديثه: «رفضنا الانضمام إلى الجامعة وقررنا أن نتحرك لجامعات أخرى معتمدة ومعترف بها، لكن الأزمة التي واجهتنا هي الأوراق الخاصة بنا، وعندما طالبناهم باستعادة الأوراق، أبلغونا أن الظرف الحالي لا يسمح، وتوجهنا إلى وزارة التعليم العالي والتي تغاضت عن الأمر بأن يكون البديل عن الأوراق هو خوض اختبارات وهو ما حدث بالفعل».
المجلس الأعلى للجامعات: كيان وهمي

من جانبه، قال الدكتور مصطفى رفعت، القائم بأعمال أمين المجلس الأعلى للجامعات، إن المجلس لديه ضوابط محددة وواضحة لا يمكن الخروج عنها، وجامعة قاردن سيتي لم تخاطب المجلس بشكل رسمي من أجل تسجيل فرع لها في مصر، فضلا عن أن المستشفى موقع الفرع المزعوم والوهمي غير مؤهلة لدراسة الطب أو غيره من المواد العملية.

وأضاف «رفعت» في تصريح لـ«المصري اليوم»: أن المجلس لا يقف أمام تلك التجاوزات، وهناك إجراءات سريعة يتم اتخاذها بعد التاكد من صحة الامر بشكل كامل، لافتا إلى أنه يجب على الطلاب المصريين العائ\ون من السودان عليهم تقديم الشكاوي والبلاغات لوقف أي عملية نصب من قبل كيانات وهمية.

المصري اليوم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: وزارة التعلیم العالی لا یمکن وهو ما ما حدث فی مصر

إقرأ أيضاً:

قرار رسمي بـ صرف 2000 جنيه مكافأة لجميع العاملين بـ جامعة القاهرة

قرر مجلس جامعة القاهرة صرف مكافأة مالية قدرها 2000 جنيه لجميع العاملين والهيئة المعاونة بالجامعة الموجودين على رأس العمل، تقديرًا لجهودهم غير المعتادة وأدائهم المتميز طوال الفصل الدراسي الثاني، فضلاً عن أدائهم الطيب الذي انعكس على الارتقاء بمكانة الجامعة إقليميًا ودوليًا وتقدمها في التصنيفات الدولية، مشددًا على سرعة الانتهاء من إجراءات الصرف وفق توقيتات الرفع المالي.

قومي المرأة يهنئ الدكتورة رشا علي الدين لاختيارها عضوا بالمؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجياخلال ساعات| صرف معاشات يونيو لـ13 مليون مستفيد.. والزيادة في هذا الموعد

ودعا رئيس الجامعة جموع العاملين ومنتسبى الجامعة لتطوير هذا الأداء المتميز والمساهمة بفاعلية في تحقيق رؤية جامعة القاهرة في مختلف القطاعات، مؤكدا أن المكافأة المقررة تأتي في إطار سعي الجامعة لتشجيع وتقدير منتسبيها، وتعتبر جزءًا من استراتيجية جامعة القاهرة لتعزيز روح العمل والتحفيز على بذل المزيد من الجهد والتفاني والإخلاص في العطاء وتحقيق أعلى مستويات التميز الإداري.

طباعة شارك مجلس جامعة القاهرة مكافأة مالية طوال الفصل الدراسي الثاني

مقالات مشابهة

  • الحكومة تستعرض إنجازات تطوير التعليم الجامعي: 12 جامعة أهلية جديدة تبدأ الدراسة العام المقبل
  • جامعة القاهرة تتحمل مصروفات طالب الديلفري دعماً لمستقبله.. خاص
  • ناشطة مصرية: أول زيارة لي كانت إلى جنوب السودان أثناء الأزمة قبل 10 سنوات
  • برئاسة وزير التعليم العالي المجلس الأعلى للجامعات يعقد إجتماعه الدوري في رحاب جامعة المنوفية
  • سلطان بن أحمد القاسمي يثمن حصول جامعة الشارقة على “بلاتيني التعليم والأبحاث”
  • جامعة القاهرة: 10 منح لطلاب مدارس STEM
  • مواعيد وشروط الإقامة في مدن الطلبة بجامعة القاهرة
  • الدكتور أحمد رجب: جامعة القاهرة حافظت على رسالتها العلمية والوطنية عبر قرن كامل
  • قرار رسمي بـ صرف 2000 جنيه مكافأة لجميع العاملين بـ جامعة القاهرة
  • الدكتوراه بامتياز للباحث إبراهيم زايد من جامعة صنعاء