فيلم «مدينة الهلال».. دراما متشعبة عن سلسلة جرائم بطلها محقق
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
معالجة درامية مشوقة في سياق بوليسي تنتهي خارج التوقّعات
في أفلام الجريمة والعنف يتكامل عنصران رئيسيان وهما الشخصية والمكان ومن خلالهما سوف ننطلق في تقصي الأحداث التي تقع في مدينة ما فيما تكون الشخصيات منتظمة في سلسلة إما من المحققين أو مرتكبي الجرائم ومن هنا تنطلق مهارات كاتب السيناريو والمخرج في بناء الحبكة الرئيسية والحبكات الثانوية التي تدفع المشاهد إلى المتابعة والمشاركة في تصاعد الأحداث ورسم التوقعات وخاصة في ذلك النوع من أفلام الجريمة والعنف المبنية على الغموض والشخصيات الإجرامية التي تلف نفسها بمساحة من الحذر والمكر في التنكر والاختفاء.
وفي موازاة ذلك سوف ينتج هذا النوع من الأفلام ثنائيتين للصراع تتمثلان في قوة إنفاذ القانون ومنه توصلنا سواء في الرواية أو السينما إلى شخصية المحقق سواء السري أو العلني من جهة والمجرم أو عدد من المجرمين من جهة أخرى، وما بينهما يتسع البناء السردي لإثبات مهارة كل طرف للوصول إلى غايته سواء المحقق في الوصول إلى المجرم أو شبكة المجرمين أو المطلوب للقضاء في براعة التخفي وإخفاء الأدلة وما إلى ذلك.
وفي هذا الفيلم للمخرج راجا كولينز هنالك الكثير مما أشرنا إليه، فمن جهة المكان فإن مدينة الهلال هي في الواقع هي اسم آخر يطلق على مدينة نيو أورليانز في ولاية لويزيانا الأمريكية بينما في الحقيقة أن الأحداث الفيلمية تقع في مدينة ملتبسة وغامضة وهي مدينة ليتل روك في ولاية آركنساس الأمريكية أما من جهة الشخصيات فإن هنالك مجموعة من الضباط والمحققين الذين يلاحقون قاتلا متسلسلا يواصل ارتكاب جرائمه من دون القدرة على الإمساك به أو إيجاد خيط يمكن أن يقود إليه.
ها نحن مع ضابطي الشرطة برايان – يقوم بالدور الممثل تيرينس هوارد، والضابط لوك – يقوم بالدور الممثل ايساي موراليس وهما زميلان قديمان في سلك الشرطة وها هما يحاولان اقتفاء أثر قاتل متسلسل غامض يترك آثارا غريبة حول ضحاياه ممثلة في تلك الدمى التي يتم بواسطتها عرض الأزياء في المحلات أو المنيكان، والضابطان كانت لهما تجارب في تلك الملاحقات ولكن في هذه المرة كل شيء مبعثر ومشتت ومن الصعب جمع ذلك الشعث من الوقائع لغرض الوصول إلى الحقيقة.
فمن جهة هنالك شبهات تتعلق بالكنيسة وراعيها الشاب الذي يتكفل شابا مختلا مشتبها به ولكن من دون العثور على أدلة دامغة ومن جهة أخرى هنالك أشخاص يختفون فجأة مما يثير بلبلة وحيرة في أوساط أجهزة الشرطة مما يستدعي تدخل رئيس الشرطة الكابتن هاويل – الممثل اليك بالدوين الذي يزج بالمحققة جاكلين – الممثلة نوكي ويلان وبذلك يتكامل هذا المثلث الذي يربط المحققين الثلاثة.
يعمل كاتب السيناريو والمخرج على إضفاء قدر من الغموض على الأحداث ومن بين ذلك أن المحقق برايان يرتبط بعلاقة صداقة متينة مع جاكلين وأنهما يلتقيان سرا بعيدا عن الأنظار لكن المفاجأة أن المكان الذي يلتقيان فيه يصبح هدفا للشرطة وصولا إلى اتهام برايان نفسه بأنه هو الذي يرتكب تلك الجرائم وتتم إزاحته من عمله لكن ذلك التحول لن يكتمل إلا باتهام جاكلين نفسها بتلك التهمة نفسها.
هذا البناء السردي في هذا النوع من أفلام الجريمة ليس جديدا ولا غريبا على هذا النوع الفيلمي فقد عرفت السينما إنتاج مئات من أفلام الغموض والتحري ومن بينها سلسلة الأفلام المأخوذة عن روايات الكاتبة الأشهر على الإطلاق على مستوى العالم في هذا النوع وهي الكاتبة اجاثا كريستي حيث نموذج التحري التقليدي الذي تتشابك من حوله خطوط الجريمة ولكن مع تصاعد أحداث هذا الفيلم سوف يتم التشويش على البوصلة التي من الممكن أن تؤدي إلى المجرم الحقيقي.
وفي هذا الصدد يقول الناقد كيث جارلينجتون في موقع كيث وموفيز: «أحداث هذا الفيلم تحيلنا إلى نوع من الإثارة والجريمة المعقدة وحيث تدور الأحداث في مدينة ليتل روك في ولاية أركنساس وما حولها، وهو فيلم مليء بالأحداث والتعقيدات بالإضافة إلى شرارة القاتل المتسلسل المثقل بجرائمه الذي يتم زجه في نطاق حبكة مركبة. يبذل كاتب السيناريو ريتش رونات قصارى جهده، في إيجاد مزيد من التحولات المفاجئة».
أما الناقد جاري زوتولي في موقع بانج كريتيكس فإنه على خلاف غيره من النقاد الذين كتبوا عن الفيلم يرى أن الفيلم بسبب تشعب أحداثه يكون قد أدخلنا في نوع من الفوضى في كثرة الأحداث وتعدد مساراتها، إنه نوع من المحاكاة الساخرة لهذا النوع من أفلام التحري والأفلام البوليسية التي تراكمت على امتداد تاريخ السينما.
هذه الآراء المتضادة بالطبع لا يمكن ان تجعل من الفيلم مجرد عرض مرئي لسلسة من الأحداث المتشعبة المرتبطة بقاتل متسلسل بل إن المخرج ومعه كاتب السيناريو سعيا إلى إغراق الفيلم بخليط من الأحداث فقد أسس لمسارات سردية متداخلة وذلك في معالجة سينمائية أراد من خلالها تعزيز جانب الغموض والمفاجأة.
من هنا كان هنالك مسار عاطفي في السرد الفيلمي من خلال علاقة المحقق برايان مع جاكلين وهي علاقة ملتبسة اتضح من خلالها انها جاءت للتحقيق في جريمة قتل مراهق من طرف برايان لكن هذه المهمة سرعان ما اختلطت بجانب عاطفي ثم ما لبثت ان تعقدت اكثر بالتزامن مع اكتشاف لوك لتلك العلاقة واستغلالها لضرب الاثنين معا.
على أن الجانب النفسي الذي تم التركيز عليه في بعض المشاهد فهو الذي يتمثل في عجز برايان عن القيام بدوره عندما تحضر أمامه حادثة قتل ذلك المراهق برصاصة منه وهو يحاول أن يوقفه بسبب اتهامه بالمتاجرة بالمخدرات ووضع اليد على مبلغ مالي كبير ما لبث لوك أن وضع اليد عليه وهو ما سوف يعترف به برايان لاحقا لكن رئيسه الكابتن هاويل لن يأخذ الأمر على محمل الجد ويعيد برايان إلى الخدمة.
ها نحن في المشاهد الأخيرة عندما يقع برايان تحت قبضة صديقه المحقق لوك الذي سوف نكتشف انه ليس إلا ذلك القاتل المتسلسل الذي ورث تلك الطبيعة الإجرامية من والده، هذه المفاجأة غير المتوقعة لم تكون واردة في المسار الدرامي ولم تكن استثنائية بقدر ما هو حل لجأ إليه كاتب السيناريو والمخرج لغرض قلب مسار الأحداث برمتها وإيجاد خط درامي بديل جعل من ذلك الفيلم البوليسي يندرج في خانة النمطية وما هو معتاد وليس استثنائيا في اكتشاف حقيقة الجريمة ومن الذي ارتكبها.
إخراج / راجا كولينز
تمثيل/ إليك بالدوين – الكابتن هاويل، تيرينس هوارد – برايان، ايساي موراليس- لوك، نوكي ويلان – جاكلين
سيناريو / ريك رونات
«مدير التصوير: اليكس صلاحي»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کاتب السیناریو هذا النوع النوع من من أفلام من جهة فی هذا
إقرأ أيضاً:
نعم الوضع في السودان ليس ذلك الوضع الذي يصل حد الرفاهية
نعم الوضع في السودان ليس ذلك الوضع الذي يصل حد الرفاهية ولا هو بذلك الوضع الذي هو فوق الكفاف،لا نقول ذلك ولا ندعي ذلك،وإن قلنا ذلك فسيكون كذبا منا ولن يصدقنا عاقل،فالحقيقة أن هناك تحديات في صور متعددة تواجه الشعب السوداني، لكن بالمقابل هناك آلة إعلامية مأجورة تضخم لك الوضع على أنه وضع لا يطاق و أن الحياة في السودان تكاد تكون منعدمة،وأنه ليس في السودان إلا قلة قليلة هي على أعتاب الهلاك،والحقيقة غير ذلك، فالسودان ممتليء بأهله،و الناس يعيشون ويكابدون ومع ذلك هم فرحون غاية الفرح بعودة بلدهم إليهم ومتمسكون بها حد الموت،تلك الحياة البسيطة التي يعيشونها الآن، هي عندهم أجمل وأحلى من حياة أمراء يعيشون في قصورهم،فقد عرفوا نعمة المأوى بعد فقدها حتى و إن كان هذا المأوى بلا وسائل الترفيه بل حتى و إن كام بلا مقومات الحياة الأساسية،دعك من ضوضاء الإعلام وتغبيشه،
وهاتف الناس في أي ولاية يسيطر عليها الجيش واسأله كيف الحياة وكيف الناس، وستدرك بإجابته لك أن هناك من يتعمد تخويف الناس أنا كنت في الخرطوم قبل شهور وما كان محررا منها وقتها لا يتعدى الثلث من مساحتها الكلية، ولكن مع ذلك كانت الحياة على الواقع فوق ما كنت أتصور،والناس يزعمون أني متفائل وأرى بمثالية زائدة ولكن مع ذلك كان الواقع فوق تصوراتي تلك؛فكأنما البلاد ليست بها حرب و كأن الناس ما تعرضوا لأكبر مؤامرة إفقار وتجويع رأيت شعبا يخلق من العدم حياة و من الموت أملا.
نحن الآن وضعنا أشبه برجل كان في عملية جراحية عصيبة واستغرقت ساعات طوال وقد خرج منها وقد نجحت العملية،هل يا ترى سيخرج هذا الرجل مباشرة ويباشر حياته الطبيعية أم أنه سيمر بمراحل تعافي متدرجة ومتنوعة إلى أن يبلغ كمال عافيته؟،هذا أشبه بواقعنا في السودان فإننا والله قد خرجنا من عملية عسيرة جدا وما زلنا في بداية طور العافية وما زالت آثار العملية باقية،فلا مجال للشكوى و لا للنقد،المجال للعمل قدم لبلدك ما يمكنك أن تقدمه،فليس الناس في حاجة إلى كلامك أكثر من حاجتهم إلى فعالك ومبادراتك.
نصر من الله وفتح قريب
مصطفى ميرغني
إنضم لقناة النيلين على واتساب