من راشيل إلى عائشة نور: شهداء التضامن مع فلسطين
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
وإذن، عائشة نور لم يكن لها من اسمها المركب إلا الجزء الثاني، النور الذي يسطع من وجوه الشهداء. بيولوجيا لم تعد عائشة الآن، منذ أن صوّب قنّاص إسرائيلي رصاصة على رأسها يوم الجمعة، لكنها ستظل مع ذلك عائشة في وجدان الفلسطينيين الذين ضحت بحياتها من أجلهم، وفي قلوب كل الضمائر الحرة التي لا ترضى بالظلم والطغيان، مثلما عاشت قبلها راشيل كوري، وتوم هرندل، وعشرات الشهداء المتضامنين مع القضية الفلسطينية.
لكن «عائشة نور إزجي إيجي» ليست قطة، بل إنسانة تحمل في داخلها كل معاني النبل والإنسانية، يكفي أنها تركتْ بلدها وأهلها لتتضامن مع شعب محتلّ منذ ستة وسبعين عاما. استُشهِدتْ خلال مشاركتها في مسيرة احتجاجية في نابلس في الضفة الغربية المحتلة وهي في عمر الزهور، إذ لم يتجاوز عمرها ستة وعشرين عاما. وكانت قد وصلت إلى الضفة الغربية قبل أيام قليلة فقط من استشهادها؛ تحديدا يوم الثلاثاء الماضي. جاءت متطوعة في حركة التضامن الدولية التي تُعرف اختصارا (ISM)، لحماية المزارعين الفلسطينيين الذين يواجهون يوميا اعتداءات المستوطنين والجنود الإسرائيليين.
وما دمتُ ذكرتُ حركة الـ(ISM) فيجدر بي أن أُذَكِّر أن عائشة نور هي شهيدتُها الثالثة منذ تأسيسها عام 2001 لدعم المقاومة الشعبية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاصب، وتركز هذه الحركة على التضامن الدولي والمقاومة السلمية كأدوات للتغيير، من خلال تنظيم احتجاجات سلمية، ومرافقة المتضامِنين للفلسطينيين في حياتهم اليومية، والوقوف كدروع بشرية لحمايتهم من الاعتداءات، كما فعلتْ عائشة نور بمشاركتها في حملة «فزعة» لدعم وحماية المزارعين الفلسطينيين، ولَكَم نجحتْ ISM في تسليط الضوء على الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في فلسطين، وجَذبتْ انتباه الإعلام الدولي لتلك الانتهاكات.
مَنْ يَنسى مثلًا راشيل كوري؛ أولى شهيدات حركة التضامن الدولية، وإحدى أبرز الناشطات فيها. كانت راشيل طالبة في الجامعة عندما انضمت إلى ISM لدعم المقاومة السلمية الفلسطينية. في مارس من عام 2003، توجهت راشيل، الشابة البالغة من العمر أربعًا وعشرين سنة، إلى قطاع غزة، بهدف المشاركة في جهود الحماية المدنية للمنازل الفلسطينية التي كانت تتعرض للهدم اليومي من قبل جيش الاحتلال. في السادس عشر من مارس 2003 تحديدا، وقفت راشيل كوري أمام جرافة إسرائيلية كبيرة كانت تحاول هدم منزل مواطن فلسطيني في مدينة رفح. ورغم ارتدائها سترة برتقالية واضحة للعيان، إلا أن الجرافة تعمّدتْ دهسها مرتين، مما أدى إلى إصابتها بجروح قاتلة واستشهادها على الفور. ما يهمني أن أذكر في هذه العجالة ما قالته راشيل في رسالتِها الأخيرة إلى أهلها عن معاناة الفلسطينيين: «أعتقد أن أي عمل أكاديمي، أو أي قراءة، أو أي مشاركة في مؤتمرات، أو مشاهدة أفلام وثائقية، أو سماع قصص وروايات، لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيل ذلك إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي».
أثار استشهاد راشيل في ذلك الوقت صدمة عالمية، وأصبحت رمزًا للتضامن الدولي مع القضية الفلسطينية. وكعادته؛ أجرى الجيش الإسرائيلي تحقيقًا داخليًّا صوريًّا، ذرًّا للرماد في العيون، ادعى فيه أن سائق الجرافة لم يستطع رؤيتها، على النقيض مما شهد به الصحفيون الأجانب الذي كانوا يغطّون عملية هدم منازل الفلسطينيين في اليوم ذاته، وتوصل «التحقيق» في نهايته -وكما كان متوقّعًا- إلى تبرئة ساحة الجندي الذي قتلها، معتبرًا أن الحادث كان «غير مقصود»!
في الفترة نفسها التي استُشْهِدتْ فيها راشيل كان أحد الموجودين في غزة متضامنا بريطانيا شابا اسمه توم هرندل، كان هو الآخر عضوًا في حركة التضامن الدولية (ISM). عبر هرندل عن استيائه من تغطية الإعلام العالمي لاستشهاد راشيل، وكتب في مذكراته: «أتساءل كم من الناس سمع عن مقتل راشيل كوري، وكم منهم عَدَّ ذلك مجرد حادثة أخرى، مجرد رقم آخر»! في 11 أبريل 2003، وأثناء وجوده مع متضامنين آخرين من حركة ISM، لاحظ هرندل ثلاثة أطفال فلسطينيين في مرمى إطلاق النار من قبل قناصة إسرائيليين، فهبّ من فوره محاولا إنقاذهم، وخلال احتضانِه طفلة فلسطينية وهو يركض، أطلق قناص إسرائيلي عليه رصاصة في الرأس، (تماما كما سيحدث بعد واحد وعشرين عاما مع عائشة نور)، رغم أن هرندل كان مدنيًّا يرتدي -كما راشيل- سترة برتقالية تشير إلى أنه متطوع دولي غير مسلح. وبسبب إصابته البليغة، دخل توم هرندل في غيبوبة نُقِل على إثرها إلى أحد مستشفيات لندن، إلا أنه ظل في غيبوبته تلك أكثر من تسعة أشهر، حتى توفاه الله في 13 يناير 2004، عن عمر ناهز 22 عاما.
استشهاد هرندل أثار أيضا غضبا دوليا، ورغم محاولات إسرائيل نفي المسؤولية في البداية، إلا أن ضغط عائلة هرندل ومنظمات حقوق الإنسان أدى إلى فتح تحقيق في الجريمة، وحُكِم على الجندي الإسرائيلي بالسجن لمدة أحد عشر عامًا ونصف، قضى منها في الحبس ستّ سنوات ونصف فقط بسبب «حسن السلوك»!
واقع الحال يؤكد إذن أنه رغم التضحيات الكبيرة التي يبذلها المتضامنون مع قضية فلسطين العادلة إلا أن التضامن مع الشعوب المظلومة لن يتوقف، واستشهاد عائشة نور يوم الجمعة الماضي، مثله مثل استشهاد راشيل كوري وتوم هرندل قبل أكثر من عشرين عاما، يذكرنا بأن النضال من أجل الحرية والعدالة لغةٌ عالمية، يتحدثها كل ضمير حرّ، ويفقهها كل إنسان نبيل، وأن رفض الظلم هو فطرة متأصلة داخل الإنسان لا يُمكن كبتُها أبدا.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عائشة نور ا راشیل إلا أن
إقرأ أيضاً:
7 شهداء في قصف إسرائيلي متواصل على غزة منذ فجر اليوم
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي قصفها العنيف على مناطق متفرقة من قطاع غزة، ما أسفر عن سقوط 7 شهداء فلسطينيين منذ فجر اليوم السبت، وفق ما أفادت به مصادر طبية فلسطينية لقناة "القاهرة الإخبارية" في خبر عاجل.
يأتي هذا التصعيد ضمن سلسلة الهجمات المتكررة التي تشنها قوات الاحتلال على القطاع، وسط تحذيرات متزايدة من تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كارثي.
الدولية لحقوق الشعب الفلسطيني: نتنياهو يماطل لتمديد الحرب ورفض وقف إطلاق النار في غزة دبلوماسي أمريكي سابق: غزة باتت مصدر إزعاج لترامب وويتكوف مفاوض جيد الأمم المتحدة: خطة واسعة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزةوفي سياق متصل، أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن هناك خطة شاملة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مشيرًا إلى أن "الظروف صعبة، لكننا نعرف كيف ننفذ خطة إيصال المساعدات".
وأوضح المسؤول الأممي أن الوضع الإنساني في القطاع يزداد سوءًا مع استمرار القصف، مما يستدعي تحركًا عاجلًا من قبل المجتمع الدولي لضمان وصول الإمدادات الغذائية والطبية والإنسانية إلى السكان المحاصرين.
بلدية خزاعة تعلنها منطقة منكوبة بسبب حجم الدمارمن جهتها، أعلنت بلدية خزاعة الواقعة جنوبي قطاع غزة، أنها أصبحت رسميًا منطقة منكوبة نتيجة الهجمات الإسرائيلية المتواصلة، مؤكدة أن حجم الدمار يفوق كل التقديرات، وأن ما يتعرض له السكان يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
وطالبت البلدية المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بسرعة التدخل لإنقاذ المدنيين المحاصرين في ظل تدمير البنية التحتية والمنازل والمنشآت الحيوية في المدينة.
الأوضاع الميدانية مرشحة لمزيد من التصعيديأتي هذا التصعيد العسكري في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في استهداف منازل المدنيين والمنشآت الخدمية والمراكز الصحية في غزة، ما ينذر بمزيد من الضحايا والمآسي الإنسانية.
وتتزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية، إلا أن الاحتلال يواصل تصعيده العسكري وسط حالة من الغضب الشعبي والمطالبات بضرورة التحرك العاجل لوقف العدوان.
المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياتهتتواصل المناشدات الموجهة إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بضرورة التدخل السريع لحماية المدنيين في غزة وتوفير الدعم اللازم للمتضررين، خاصة مع تزايد أعداد الضحايا والمصابين، وتدمير مئات المنازل والمنشآت الحيوية، في وقت يعاني فيه القطاع من أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة.