تغيُر مواقف ترامب حول أوكرانيا يُثقل كاهل أوروبا
تاريخ النشر: 30th, July 2025 GMT
كل الكلام الذي نسمعه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليس في محلّ الثقة، ويرجع ذلك ببساطة لأنه دائما ما يتكلم كثيرا، فهو الذي نجح في الوصول إلى منصبه السياسي من خلال اللعب بالصورة والأحاسيس، وجعل ذلك أولويته، بعيدا عن الجوهر.
لذلك، حينما نريد قياس مدى الجدية في الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا، ومدى تراجع الدعم الأمريكي عن تلك القضية، فلا يجب علينا الاستماع إلى حكومة ترامب، بل من يستحق الاستماع إليهم هم الأوكرانيون بأنفسهم، وكذلك الاستماع إلى خصومهم الروس، وكلاهما لم يتفاجأ بهذا التراجع في الموقف الأمريكي.
ومع ذلك، رحّب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بوعود ترامب بتزويد بلاده بالأسلحة وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، رغم التناقض في موقف وزارة الدفاع الأمريكية الذي أُعلن عنه بشكل صريح قبل أسبوع واحد فقط من وعود ترامب. ولمزيد من الدعم، خاطب الرئيس الأوكراني زعماء أوروبا طالبا منهم تزويد بلاده وبشكل عاجل بمزيد من الأسلحة.
ما تعيشه أوكرانيا في الوضع الراهن هو حرب من أجل البقاء الوطني، وفي هذه الحالة فإنها لا تملك إلا السلاح، الذي يُعتبر القيمة الحقيقية والقوة التي تعزز مقاومة الجنود وتقوّي كفتهم.
وحتى تصل الأسلحة إلى أوكرانيا، والتي لا يُعرف مدى حقيقتها ولا توجد معلومات دقيقة حولها، لا بد أن تخوض البلاد حربا إعلامية، لذلك قد يكون للوعود الأمريكية بعض التأثير في هذه الحرب، فهي بمثابة رسائل يرسلها ترامب إلى فلاديمير بوتين، رئيس روسيا، وإن وصلت تلك الرسائل وسببت قليلا من القلق لروسيا، إلا أنها مؤقتة ورهينة قرارات البيت الأبيض. تلك الرسائل، مهما كثرت، فلن تستطيع إنقاذ الأرواح بشكل مباشر.
وفي تلك الأثناء، يواصل فلاديمير بوتين ما يُعرف بـ «الهجوم الصيفي» الذي يخوضه جيشه في الأراضي الأوكرانية، محاولا الاستيلاء على مزيد من المساحة الجغرافية في أوكرانيا، كما واصل قصف بعض المدن، رافضا أي تعهّد بوقف إطلاق النار قبل الموافقة على شروط صارمة.
وهناك جانب مهم آخر يتعلق بوعود ترامب، التي لا يُعرف مدى تنفيذها، فقد تكون تلك الوعود سببا في تخفيف الضغط على فلاديمير بوتين بشأن وقف القتال، ولكن للجانب الأمريكي تأثير آخر بعيدا عن الأسلحة، متمثّلا بالمهلة التي حددها ترامب لروسيا بشأن وقف النار، والتي حُدّدت بـ 50 يوما، وإلا سوف تفرض أمريكا عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا، وهذا أمر مهم للغاية ويلعب دورا في مجريات الحرب.
وهذا الأمر قد يدفع فلاديمير بوتين إلى محاولة تحقيق أكبر قدر من المكاسب من بداية المهلة حتى نهايتها، وبعد ذلك من المرجّح جدا أن يلجأ بوتين إلى نقطة استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل السعي إلى إعفاء بلاده من العقوبات لفترة طويلة.
ويمثل هذا الوضع الخطة الأمثل بالنسبة لبوتين، الذي يأمل في تحقيق تقدم في «الهجوم الصيفي»، والذي يُعتبر وفق المعطيات بطيئا ولا يسير كما هو مخطط، ولكنه من الممكن أن يحقق التقدم، وهذا الأمر مرهون بتقديم الأسلحة من الدول الأوروبية في أقرب وقت ممكن لتعزيز موقف الجيش الأوكراني.
وبحسب السيناريو المطروح بالوقت الحالي من قبل ترامب، لا يبدو أن بوتين في حاجة للتفكير العميق في مستقبل حربه حتى ما بعد انتهاء الصيف، فبحلول ذلك الوقت، كما يتصور بوتين، ربما يكون ترامب قد غيّر رأيه مرارا وتكرارا.
وربما رأى بوتين أن الجدل السياسي الدائر داخل أوكرانيا مؤخرا، بشأن التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس زيلينسكي، والادعاءات المتعلقة بالفساد، هي إشارات مشجعة على أن الحكومة الأوكرانية بدأت تفقد صلابتها أمام الضغوط السياسية والانتقادات الداخلية.
وبناء على هذه المعطيات، فإن التغير الأخير في موقف ترامب لا يغيّر من حقيقة أن زمام المبادرة الفعلية ما يزال بيد الحكومات الأوروبية.
إن قرار ترامب باستئناف تسليم الأسلحة مشروط بأن تتكفل الدول الأوروبية بدفع تكاليف تلك الأسلحة، لذا فإن كان هناك أمل بوصولها قريبا، فإن على الأوروبيين الإسراع في إقرار هذه المدفوعات وتحويلها، وعلاوة على ذلك، فإن جميع المفاوضات المتعلقة بصفقات التسلح هذه، ستجري في ظل خلفية شائكة تتمثل في المحادثات التجارية الجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية، وهو ما يمنح الأمريكيين ورقة تفاوض إضافية طوال فترة استمرار تلك المحادثات.
وقد تمتد هذه الفترة حتى الأول من أغسطس، كما هو محدد مؤخرا، أو حتى الأول من سبتمبر، كما لمح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت.
هذه الأجواء المشحونة قد تُعقّد جهود التوصل إلى اتفاقات بشأن صفقات الأسلحة وتسريع إيصالها، خاصة أن مفاوضي الاتحاد الأوروبي التجاريين بدأوا هذا الأسبوع بإطلاع وسائل الإعلام على نيتهم فرض رسوم جمركية مضادة وقيود على صادرات الخدمات الأمريكية إلى أوروبا، وبالأخص تلك التي تقدمها شركات التكنولوجيا الكبرى، في حال أقدمت واشنطن فعلا على تنفيذ تهديد ترامب بفرض رسوم بنسبة 30 بالمائة على السلع الأوروبية.
إن نشوب حرب تجارية عابرة للأطلسي لن يكون ظرفا مناسبا أو مساعدا في إنجاز المهمة العاجلة المتمثلة بدعم أوكرانيا في مواجهة الحرب الحقيقية التي تشنها روسيا عليها.
ينبغي الآن على الدول الأوروبية الأربع التي تقود جهود الدفاع الأوروبي، وهي ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وبولندا، أن تحافظ على تركيز صارم على الاحتياجات اليومية لأوكرانيا، وألا تنخدع بانعكاسات التغير الظاهري في موقف ترامب، فالدول التي تملك مخزونات الأسلحة وخطوط الإنتاج القادرة فعليا على دعم أوكرانيا للخروج من صيف 2025 وهي أكثر قوة، هي الدول الأوروبية، التي قد يثقل كاهلها موقف ترامب المتقلب.
وعلى المدى البعيد، تطمح أوروبا إلى الاعتماد على شركاتها المحلية في مجال الدفاع، بدلا من اللجوء إلى الولايات المتحدة. ولا يعني هذا الامتناع عن الشراء من أمريكا على المدى القصير، إذا توفرت الإمدادات، لكنه يؤكد ضرورة الإسراع في توقيع الطلبات بعيدة المدى مع الموردين الأوروبيين، لإعطائهم الوقت الكافي للاستثمار والتخطيط والإنتاج.
كما يعني هذا أيضا أن صناعة الدفاع الأوكرانية، التي باتت كبيرة ومبتكرة وتنافسية من حيث التكلفة، قد تصبح في المستقبل موردا استراتيجيا مهما لأوروبا، مما يجعل من الضروري حماية هذه الصناعة من الهجمات الروسية.
وفي الأجواء المتوترة لهذا الصيف الرابع من حرب روسيا على أوكرانيا، على الحكومات الأوروبية الرائدة أن تتحمل المخاطر اللازمة للحيلولة دون تدهور الوضع الأمني في عموم القارة الأوروبية.
قد توفر الوعود الأمريكية الأخيرة بعض الطمأنينة بشأن توفّر الأسلحة خلال الأشهر القادمة، وربما خلال عام 2026، ما يسهّل على الدول الأوروبية اتخاذ قرار تسليم أنظمة الدفاع الجوي الحرجة لأوكرانيا خلال الأسابيع القادمة، بل وحتى الصواريخ بعيدة المدى التي تحتاجها كييف لردع روسيا وإلحاق الخسائر بها.
لقد فات وقت القلق من تصعيد الصراع مع روسيا، فالرئيس بوتين هو من يقود وتيرة التصعيد، وإن أرادت أوروبا أن تردعه، بل وتدفعه إلى التراجع، فعليها أن ترسل رسائلها الخاصة، لا بالكلمات، بل بالأفعال.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدول الأوروبیة فلادیمیر بوتین الذی ی
إقرأ أيضاً:
بوتين يعلن دخول الصاروخ الروسي أوريشنيك الأسرع من الصوت الخدمة.. ماذا نعرف عنه؟
(CNN)-- قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، إن بلاده بدأت إنتاج أحدث صواريخها الأسرع من الصوت، وأكد مجددًا خططها لنشرها في بيلاروسيا الحليفة في وقت لاحق من هذا العام.
وأثناء جلوسه إلى جانب رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو في جزيرة فالام بالقرب من سانت بطرسبرغ، قال بوتين إن الجيش قد اختار بالفعل مواقع نشر صاروخ أوريشنيك الباليستي متوسط المدى في بيلاروسيا، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس" للأنباء.
وقال بوتين: "الأعمال التحضيرية جارية، وعلى الأرجح سننتهي منها قبل نهاية العام"، مضيفًا أن السلسلة الأولى من صواريخ أوريشنيك وأنظمتها قد تم إنتاجها ودخلت الخدمة العسكرية.
واستخدمت روسيا لأول مرة صاروخ أوريشنيك، الذي يعني بالروسية "شجرة البندق"، ضد أوكرانيا في نوفمبر/تشرين الثاني، عندما أطلقت السلاح التجريبي على مصنع في دنيبرو كان يُنتج الصواريخ عندما كانت أوكرانيا جزءًا من الاتحاد السوفيتي.
وأشاد بوتين بقدرات صاروخ أوريشنيك، قائلاً إن رؤوسه الحربية المتعددة التي تنطلق نحو هدفها بسرعات تصل إلى 10 ماخ محصنة ضد الاعتراض، وهي قوية لدرجة أن استخدام العديد منها في ضربة تقليدية واحدة قد يكون مدمراً كهجوم نووي.
وحذر الغرب من أن موسكو قد تستخدمه ضد حلفاء أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذين سمحوا لكييف باستخدام صواريخهم بعيدة المدى لضرب الأراضي الروسية.
وأعلن قائد القوات الصاروخية الروسية أن صاروخ أوريشنيك، القادر على حمل رؤوس حربية تقليدية أو نووية، يتمتع بمدى يسمح له بالوصول إلى أوروبا بأكملها.
ويمكن للصواريخ متوسطة المدى أن تحلق لمسافة تتراوح بين 500 و5500 كيلومتر (310 إلى 3400 ميل).
وحُظرت هذه الأسلحة بموجب معاهدة تعود إلى الحقبة السوفيتية، والتي تخلت عنها واشنطن وموسكو في 2019.
وفي الخريف الماضي، وقّع بوتين ولوكاشينكو معاهدة تمنح بيلاروسيا ضمانات أمنية، بما في ذلك إمكانية استخدام الأسلحة النووية الروسية للمساعدة في صد أي عدوان.
ويأتي هذا الاتفاق في أعقاب مراجعة الكرملين لعقيدته النووية، والتي وضعت بيلاروسيا لأول مرة تحت المظلة النووية الروسية وسط توترات مع الغرب بشأن الصراع في أوكرانيا.
وسمح لوكاشينكو، الذي حكم بيلاروسيا بقبضة من حديد لأكثر من 30 عامًا واعتمد على إعانات ودعم الكرملين، لروسيا باستخدام أراضي بلاده لإرسال قوات إلى أوكرانيا في 2022، ولإيواء بعض أسلحتها النووية التكتيكية.
ولم تكشف روسيا عن عدد هذه الأسلحة المنشورة، لكن لوكاشينكو صرّح في ديسمبر/كانون الأول أن بلاده تمتلك حاليًا العشرات منها.
وسيسمح نشر الأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروسيا، التي يبلغ طول حدودها مع أوكرانيا 1084 كيلومترًا (673 ميلًا)، للطائرات والصواريخ الروسية بالوصول إلى أهداف محتملة هناك بسهولة وسرعة أكبر إذا قررت موسكو استخدامها، كما أنه يعزز قدرة روسيا على استهداف العديد من حلفاء "الناتو" في شرق ووسط أوروبا.
وخفّضت العقيدة النووية المُعدّلة التي وقّعها بوتين خريف العام الماضي رسميًا الحدّ الأقصى لاستخدام روسيا لأسلحتها النووية.
وتنص الوثيقة على أن موسكو يُمكنها استخدام الأسلحة النووية "ردًا على استخدام الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل" ضد روسيا أو حلفائها، وكذلك "في حال العدوان" على روسيا وبيلاروسيا بأسلحة تقليدية تُهدّد "سيادتهما و/أو سلامة أراضيهما".