حكاية بائع عقود من حجارة جبال الأطلس
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
الرحى- نجا من الزلزال لكنه لم ينج من تداعياته، تبدو هذه حالة البائع الجائل سي محمد، الرجل الستيني الذي يضطر إلى النزول كل يوم من مسكنه بالجبل إلى منطقة "الرحى" على الطريق لبيع عقود زينة مكونة من أحجار جبلية مزركشة.
دلفنا إلى أحد مقاهي "الرحى" التي تقع بين بلدتي تحناوت وأسني (جنوبي مراكش) لنرتاح من تعب الرحلة الطويلة بجبال الحوز، فلحق بنا سي محمد يعرض بضاعته، مستعملا كل أساليب الإقناع الهادئة التي تعلمها في مدرسة الجبل المناقضة لتلك التي تدرّس في أحدث معاهد الدعاية الاستهلاكية.
قبل زلزال العام الماضي، كانت منطقة "الرحى" تغصّ بالسياح الآتين من داخل المغرب ومن خارجه، لوقوعها على الطريق الصغير الذي يربط مراكش بقرى جبال الحوز الشاهقة وبلداتها التي تجذب مئات آلاف السياح، أما الآن فتتكون "الرحى" من 9 مطاعم فقط كلها تقدم طواجن اللحم والشاي.
وبازدهار تجارة "الرحى"، تزدهر تجارة سي محمد وأمثاله من الباعة الجائلين، فقد كان السياح والزوار يقبلون على شراء تلك العقود الحجرية التي لم تختلط بحضارة الكيمياء بعد، وبأسعار ترضي المشتري وكذلك البائع الذي يفوز بدراهم ينفقها على أهله.
أما الآن، فأوضاع "الرحى" ليست على ما يرام، ونسبة السياح وزوار المنطقة ما زالت ترتفع ببطء، وسينتظر أصحاب مطاعم "الرحى" -ومعهم سي محمد ومن معه- بعض الوقت قبل أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل زلزال الثامن من سبتمبر/أيلول 2023.
كان صوت سي محمد وهو يعرض علينا بضاعته هادئا خافتا بعكس ما يعتاده المرء في مثل هذه المواقف من الباعة اللحوحين ذوي الأصوات العالية، وبدا وجهه متعبا قد ارتسمت على جبهته تجاعيد العمر ومشاقّ الحياة الجبلية.
كان هذا البائع يتحرك بهدوء وبطء مفضلا الوقوف خلال حديثه إلينا قبل أن نجبره على الجلوس إجبارا، خاصة عندما علمنا أن يعاني من مرض بكليته.
تحدث عن هذه المهنة التي يمارسها والتي تبدو كأنها مجرد نوع من الهرب من البطالة، ووسيلة ضرورية للمساعدة على مواجهة متطلبات الحياة خاصة بعد أن دُمّر كل شيء على إثر الزلزال.
وكان يغرق في أحاديث متنوعة ثم ينتفض كأنه انتبه إلى أن عليه أن يقنع من يستمع إليه بشراء ما تيسّر من بضاعته، فلا تنقضي الجلسة بمجرد أحاديث لا تسمن ولا تغني من جوع.
"إنها عقود صحية"، يبتدرنا محدثنا مشيرا إلى تلك العقود والأساور الحجرية المرصوصة على ساعده بأحجام مختلفة، مضيفا أنها عقود "صديقة" لجسم الإنسان، فلا تصيبه بأي ضرر بعكس العقود المصنوعة من البلاستيك التي تتسبب في تهيج الجلد من الحساسية.
ويزيد سي محمد أن قطع الأحجار الصغيرة تلك هي حجارة "طاقية مهدئة"، ووضعها على العنق أو في المعصم له فوائد، ولا أضرار جانبية لها.
لم يبد على سي محمد أنه مقتنع بكل ما قاله، وخاصة موضوع الطاقة الذي فضل أن يمر عليه مرور الكرام، لكن ما العمل ومهمة إقناع الزبائن بالشراء مهمة عسيرة خاصة في هذه الظروف، ولا بد من اللجوء إلى أي فكرة للترويج للبضاعة.
وسرعان ما انطلق البائع الهادئ يحدثنا عن ثمن كل عقد، فهذا بـ80 درهما فقط (8 دولارات)، وذلك بـ60 درهما (6 دولارات)، وتلك الأساور يراوح ثمنها بين 10 دراهم (دولار واحد) و50 درهما (5 دولارات).
وبعد أن يجادله أحد الجالسين في أسعار تبدو بعض المغالاة فيها، يشدد سي محمد على أن الظروف التي نشأت بعد الزلزال جعلته يخفض من أثمان عقوده الحجرية إلى تلك المبالغ بها التي تحدث عنها، مفصحا عن سر فضّل ألا يكشفه في البداية، ومضمونه أنه قد يصل بثمن العقد إلى نحو النصف فقط ليستطيع بيعه فلا يضيع تجوال اليوم هباء ويرجع إلى قريته بخفي حنين.
ويتابع أن قصة تلك العقود والأساور الحجرية تبدأ مع تفتيت الحجارة ذات الحجم الكبير إلى قطع صغيرة بواسطة آلة خاصة، ثم يجلبها الحرفيون -وهو أحدهم- ويضعونها بأشكال متنوعة متناسقة على شكل عقود وأساور، ثم يبيعونها للسياح والزوار.
وبعض تلك الحجارة يجلب من جبل توبقال القريب -أعلى قمة في المغرب وسابع أعلى قمة في أفريقيا- وبعضها يجلب من جبال قريبة من الدار البيضاء، وأخرى من منطقة الريصاني (جنوب شرقي المغرب).
وعندما كان سي محمد يتحدث عن أماكن جلب تلك الحجارة، ارتسمت في أذهان السامعين لوحة جميلة لفكرة التزين بعقود من حجارة "عاشت" قرونا وهي مشتتة في أعالي جبال مختلفة متباعدة، ثم جاء هؤلاء الحرفيون البسطاء فجمعوها وصنعوا منها عقودا تختزل أزمنة وعصورا.
هي إذن صناعة صغيرة، تجمع بين من يبحثون عن الحجارة المميزة في الجبال المختلفة، ومن يقسمونها إلى قطع صغيرة، ومن يجلبونها ويصنعون منها عقودا وأساور ويتجولون بين المناطق السياحية لبيعها.
وإذا كانت الحكومة تصرف منذ عام تقريبا دفعات دعم للأهالي وأصحاب المتاجر ومراكز الإيواء المتضررين من الزلزال، فإن هؤلاء الباعة الجائلين يأملون أن يُلتفت إليهم، حتى لا تتوقف هذه الصناعة البسيطة غير المؤطرة قانونيا والتي تشكل مصدر رزق لكثيرين منهم.
وبينهم أحد أقارب سي محمد، الذي بمجرد أن رأى أحد الجالسين يشتري بعضا من بضاعة محدثنا، حتى اقترب وبدأ يعرض بضاعته التي لا تختلف كثيرا عن بضاعة سي محمد، إلا أنه أضاف إليها أساور من فضة.
لم يجد البائع الجديد لبضاعته زبونا، فذهب وعاد ببضاعة أخرى هي عبارة عن أحجار بركانية غريبة الشكل، وحاول الإقناع بشتى الطرق وأقواها وآخرها تخفيض الثمن إلى النصف تقريبا، لكنه سرعان ما قفل راجعا وقد ارتسمت على وجهه علامات خيبة الأمل، بعد أن فشل في بيع ما كان بين يديه.
هؤلاء الباعة البسطاء يعيشون على بيع تلك العقود الحجرية، وتكاد تشكل مصدر دخلهم الوحيد، ولهذا ما لبث أن أخبرنا سي محمد، وقد رأى إلحاح رفيقه علينا في الشراء، أنهم يعيشون "بالبركة"، وأنهم مضطرون إلى استخدام كل وسائل الإقناع للترويج لبضاعتهم البسيطة، ولو بخفض السعر إلى النصف.
"المهم أن نبيع لنعيش"، كما يؤكد سي محمد الذي غادر المكان متوجها إلى ناصية الشارع وعينه إلى القادمين من كلا الاتجاهين لعله يظفر بزبون جديد يشتري منه عقدا من حجارة عاشت في قمم جبال الأطلس قرونًا لا يعلم عددها إلا الله.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تلک العقود سی محمد
إقرأ أيضاً:
هاني رمزي: خلاف مع محمد رمضان سبب رحيلي عن الأهلي.. ومتحفظ على الطريقة التي رحلت بها
أكد هاني رمزي نجم النادي الأهلي السابق، أن تجربة عمله في لجنة الاسكاوتنج بالنادي الأهلي كانت جيدة للغاية، كما أن بداية عمل اللجنة بالكامل كانت من "الصفر"، وتم وضع قاعدة بيانات جيدة في الوقت الحالي تضم العديد من اللاعبين، مشيرًا إلى أن اللجنة كانت تضم عناصر جيدة، وأي تجربة يكون فيها ايجابيات وسلبيات، لكنه سعيد بوضع أساس جيد للاسكاوتنج داخل القلعة الحمراء.
هاني رمزي: "خلاف في وجهات النظر" مع محمد رمضان سبب رحيلي عن الأهلي.. ومتحفظ على الطريقة التي رحلت بهاوقال رمزي في تصريحات عبر برنامج بلس 90 مع أمير هشام: النادي الأهلي أصبح لديه مخططات جيدة بشأن استراتيجية المستقبل، خصوصا أن الأهلي لديه اكاديميات وهناك نادي "دلفي" في دوري الدرجة الأولى، وفرق الشباب والناشئين، وقمنا بوضع قاعدة بيانات لعدد من الدوريات التي نستطيع شراء عقود لاعبين منها مثل السويدي والدنماركي والبلجيكي والتركي، وقمنا بعمل علاقات جيدة.
وأضاف: خلال رحلة غانا ونيجيريا وساحل العاج، اكتسبنا علاقات جيدة رغم الانتقادات التي تعرضنا لها، ومنها وكيل جراديشار الذي يرتبط بعلاقات جيدة أيضا مع الأندية التركية، وتم الاتفاق معه على امكانية إقامة بروتوكولات تعاون.
وأكمل: اسم النادي الأهلي خلال رحلات الاسكاوتنج كان موجود وبقوة، واكتسبنا علاقات مع فرق ومسئولين في تلك الدول الافريقية، وتم تقديم مقترحات على إقامة اكاديميات للأهلي في غانا ونيجيريا.
وزاد: قمنا بتقديم أسماء معينة مثل صامويل اوبونج وريندوف، وقدمنا لهم رؤية بأن هؤلاء اللاعبين يحتاجون لتجارب معينة للتطور، وتم عرضهم على مدربي القطاع وخضعوا للمعايشة لمدة 10 أيام، تحت قيادة بدر رجب ومحمد شوقي ووليد سليمان، والثلاثي المسؤول وافقوا على التعاقد معهم. والجزء الذي ينقص معظم الأندية هي عملية التطوير لهؤلاء العناصر، والأهلي ينقصه برنامج تطوير في قطاع الناشئين بالكامل، ولذلك تصعيد اللاعبين يكون صعب للفريق الأول.
وتابع: حتى بالنسبة لاعارة اللاعبين، لا بد من انتقالهم لأندية تساعدهم على المشاركة المستمرة، لاكتساب الخبرات والتطور، وكان من ضمن الأسماء المعروضة أيضا، كان عبدالعزيز عيسي لاعب دريمز الغاني، وتم تأجيل البت في موقفه، لكنه ذهب لاحقا لنادي برشلونة الذي ارسله لفريق الشباب.
وأضاف: اتمنى أن تأخذ إدارة النادي الأهلي خطوة لإقامة اكاديميات في إفريقيا، وخلال رحلتي في غانا شاهدنا اكاديمية خاصة لنادي يوفنتوس الإيطالي، ولا بد من وضع استراتيجية لاكتشاف المواهب عن طريق تلك الاكاديميات.
أكمل: قمت بعقد اجتماعات مع بعض الأشخاص التي تم ترشيحها للعمل في لجنة الاسكاوتنج، لم نكن سوى 4 أفراد، ورحلت عن اللجنة بسبب خلاف في وجهات النظر مع محمد رمضان المدير الرياضي السابق، ولن أذكر الأسباب، كان هناك تحفظ على (سيستم العمل) والرؤية كانت مختلفة بيننا.
وأشار إلى أنه فوجئ بأنه خارج إدارة الاسكاوتنج، ولم يكن هناك تمهيد لهذا الأمر مطلقا، وكنت أعمل جيد في ملف بعض اللاعبين، ولكن فوجئت بانقطاع الاتصال مع محمد رمضان، ثم أبلغني لاحقًا أنني خارج الاسكاوتنج، موضحًا: "التمست العذر لـ رمضان أيضا، لأنه جاء في ظروف صعبة، ولدي تحفظ على طريقة رحيلي بشكل أو بآخر، كان المفترض أن يكون رحيلي بشكل أكثر احتراما".
وأتم: محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي لديه ضغوط كثيرة، وكان يتصل بي كثيرا للسؤال حول بعض الأمور، منها لاعبين مميزين كي ينضموا للأهلي، وأنا واحد من أبناء الأهلي الذي وقف بجانبي كثيرًا.. وقدمت العديد من الأفكار وعرضت رؤيتي على بعض الأمور، منها ما تم تنفيذه بالفعل.
Ali