بعد انهيار قواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله.. هل من مخرج دبلوماسي؟
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
تدحرجت كرة النار بين حزب الله وإسرائيل لتحرق معها كل قواعد الاشتباك التي كانت سائدة بين الطرفين. فقد أصبح جنوب لبنان وبقاعه تحت مرمى الغارات الجوية الإسرائيلية الكثيفة، في حين وسّع حزب الله نطاق ضرباته الصاروخية إلى حيفا وصفد وعكا، وصولاً إلى تل ابيب.
وتتزايد المخاوف من أن التصعيد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل قد يكون مجرد بداية لـ"حلبات" صراع أشد عنفاً، حيث تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية بفصل جبهة لبنان عن غزة، وإبعاد حزب الله عن الحدود الجنوبية إلى ما وراء نهر الليطاني، وذلك لضمان عودة سكان المناطق الشمالية الإسرائيلية بأمان، وفي المقابل، يتمسك حزب الله بقراره عدم فصل جبهة جنوب لبنان عن غزة.
وفي ظل التصعيد الميداني المستمر، برز صوت دبلوماسي في محاولة لاحتواء الأزمة، تزامناً مع انعقاد الدورة العادية للأمم المتحدة في نيويورك. ومع ذلك، يطرح السؤال فيما إن كان لا تزال هناك فرصة أمام الجهود الدبلوماسية الدولية لكبح انزلاق الوضع نحو صدام أكبر، أم أن الأمور بين حزب الله وإسرائيل بلغت نقطة اللاعودة؟
مزيد من الانفجار؟في ظل تصاعد التوتر العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، تشهد كواليس الأمم المتحدة سباقاً ضد الزمن، حيث يسعى المجتمع الدولي إلى تهدئة الأوضاع بين حزب الله وإسرائيل.
لكن يبدو واضحاً، كما يقول الباحث السياسي نضال السبع، أنه "لا توجد حلول سلمية في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أنه "بعد أن انتظر اللبنانيون زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، معتقدين أنه يحمل رسالة من المجتمع الدولي أو الولايات المتحدة أو إسرائيل لطرح حلول معينة، تبين أنه جاء خالي الوفاض، ولم يطرح أي جديد، بل عبّر عن هواجس باريس بشأن تفاقم الأوضاع وإطالة أمد النزاع، مؤكداً استعداد فرنسا للانخراط في الحراك الدبلوماسي".
ويرى السبع في حديث لموقع "الحرة" أن الوضع في لبنان يتجه نحو مزيد من الانزلاق، مؤكداً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو "أعدم قواعد الاشتباك وخطوطها الحمراء"، متوقعاً "تصعيداً إسرائيلياً كبيراً، خاصة بعد قيام حزب الله باستهداف مقر قيادة الموساد في ضواحي تل أبيب بصاروخ باليستي، وهو المقر المسؤول عن اغتيال قادة الحزب وعن تفجيرات البايجر وأجهزة اللاسلكي، وذلك في رسالة واضحة للإسرائيليين بأن الحزب لا يزال قادراً على توجيه ضربات تطال العمق الإسرائيلي رغم الضغوط والغارات".
انزلق لبنان إلى حرب مع إسرائيل، كما يشدد السبع، قائلاً "هذه الحرب قد تطول، وربما تستمر لمدة تتراوح بين 40 إلى 50 يوماً، في انتظار انتهاء الانتخابات الأميركية، فاليوم، لا يوجد أي طرف قادر على ممارسة الضغوط على نتانياهو لوقفها، مما يجعله يشعر بأنه يمتلك ضوءاً أخضر دولياً".
كما يرى الباحث والكاتب السياسي اللبناني، الدكتور مكرم رباح خلال حديث مع موقع "الحرة" أنه ليس هناك من فرصة لنجاح أي مساعي دبلوماسية، مشيراً إلى "فشل الجهود الفرنسية والقطرية والتركية نتيجة تصلب أمين عام حزب الله، حسن نصر الله وإيران، اللذين يعتبران أن أي مساومة منهما في هذه المرحلة تعد هزيمة سياسية لهما في الداخل اللبناني".
ورغم التصعيد العسكري المستمر، واصل الموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، جولته في بيروت، حيث التقى، أمس الثلاثاء، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وخلال اللقاء، أكد لودريان على دعم فرنسا الدائم للبنان، مشيداً بقرار ميقاتي التوجه إلى نيويورك في ظل الأوضاع الحالية، كما أعرب عن أمله أن تسفر الجهود الدبلوماسية عن إنهاء دائرة العنف.
ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الإيراني مسعود بيزشكيان خلال اجتماع عقد في نيويورك، الثلاثاء، إلى استخدام طهران نفوذها لإرساء "تهدئة عامة" في الشرق الأوسط.
وأعلنت سلوفينيا، التي تتولى الرئاسة الحالية لمجلس الأمن، أن المجلس سيعقد اجتماعاً بطلب من فرنسا، في الساعة العاشرة بتوقيت غرينتش، الأربعاء، لبحث تصاعد القتال بين لبنان وإسرائيل.
وفي ذات السياق، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، أن واشنطن عازمة على منع نشوب حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط "تبتلع المنطقة بأكملها".
وفي كلمته أمام المناقشة العامة للجمعية العامة، الثلاثاء، قال بايدن إن "الحرب الشاملة ليست في مصلحة أحد. وحتى مع تصاعد الوضع، لا يزال الحل الدبلوماسي ممكناً"، وهو "السبيل الوحيد للأمن الدائم وللسماح لسكان البلدين بالعودة إلى ديارهم على الحدود بأمان".
لكن رباح يشدد على أن "أي حديث عن وقف إطلاق النار، أو مقترحات دبلوماسية من الأطراف الغربية مجرد مناورة سيستغلها حزب الله الذي يعتبر أن استمرار القتال ومقتل المدنيين يخدم مصالحه".
"كابوس غزة""حديث المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة عن انفتاح إسرائيل على الحوار والمناقشة مع الأطراف المعنية، وأن هناك قوى مهمة تسعى للتوصل إلى أفكار جديدة لمعالجة الوضع، هو مجرد تضليل"، كما يعتبر السبع، مشيراً إلى أنه "في الوقت الذي كان يتحدث فيه المندوب الاسرائيلي، كان نتانياهو يعقد اجتماعاً مع مجلس الأمن المصغر. وبعد انتهاء الاجتماع، نشر صورة على موقعه الشخصي على منصة "إكس" تجمعه مع رئيس الأركان هرتسي هاليفي يشير فيها الأخير إلى إحدى المواقع في جنوب لبنان".
واليوم، قام الإسرائيليون كما يقول السبع "بتطبيق المشهد الذي ورد في الصورة من خلال استهداف المنشآت النفطية في الزهراني. وهذا يترجم أيضاً تحميل الإسرائيليين سابقاً الدولة اللبنانية مسؤولية ما يقوم به حزب الله كون يشن عملياته انطلاقاً من الأراضي اللبنانية. وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على أن الإسرائيليين فتحوا باباً لاستهداف المنشآت اللبنانية الحيوية الرسمية".
https://x.com/netanyahu/status/1838639286654022054?t=eBG7gjaTKBjCMRZ-wN1qFQ&s=08
وأطلق حزب الله المدعوم من إيران مئات الصواريخ والقذائف والمسيرات على إسرائيل في الأيام الأخيرة مع تصاعد الصراع المستمر منذ شهور عبر الحدود.
ونفذ الجيش الإسرائيلي أعنف غاراته الجوية في الحرب هذا الأسبوع مستهدفا قادة بحزب الله، وضرب مئات الأهداف في عمق لبنان مما أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص وإصابة نحو 1800.
ويعبّر السبع عن خشيته أن "ينقل الإسرائيليون المشهد التدميري من قطاع غزة إلى جنوب لبنان"، لافتاً إلى أنه لا يستبعد أن "يتم استهداف المنشآت المدنية، مثل المدارس ومراكز الإيواء والمستشفيات" ويشدد على أنه "لا يوجد حديث الآن عن تسوية سياسية، والأمور تتجه نحو مزيد من الانفجار".
وتتصاعد مخاوف اللبنانيين من تكرار "كابوس" غزة في بلادهم، في وقت ظهرت أزمة نزوح مئات آلاف الأشخاص من المناطق المستهدفة، مما دفع السلطات اللبنانية إلى فتح مراكز إيواء لاستقبالهم، وسط الخشية من ارتفاع أعداد النازحين وصعوبة استيعاب المزيد في ظل استمرار التوترات.
وفي السياق، عبّرت الناطقة باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان رافينا شمداساني عن القلق البالغ إزاء التصعيد المفاجئ للأعمال الحربية بين حزب الله وإسرائيل، داعية كل الأطراف إلى الوقف الفوري للعنف، وضمان حماية المدنيين.
كما دعت اليونيسيف "بشكل عاجل إلى وقف التصعيد الفوري"، وإلى احترام جميع الأطراف التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي لضمان حماية البنى التحتية المدنية والمدنيين، بما يشمل الأطفال وعمال الإغاثة والعاملين في المجال الطبي.
وفي هذا السياق، يرى رباح أن "نصر الله سيلجأ مجدداً إلى الاختباء وراء الشعب اللبناني، وعند خروجه من نفقه، سيعلن عن الانتصار الإلهي مرة أخرى"، لكنه يشير إلى أن "الوضع مختلف الآن، حيث لن يكون هناك دعم دولي لإعادة إعمار لبنان كما حدث بعد حرب 2006".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: بین حزب الله وإسرائیل جنوب لبنان إلى أن
إقرأ أيضاً:
الخيال في حضرة الواقع.. سينما بلا مخرج أو ممثلين!
علي عبدالرحمن (القاهرة)
لم تكن السينما يوماً مجرد فن، بل مرآة للذات البشرية، تلتقط ارتعاشاتها الخفية وتُعيد تشكيلها على هيئة نور وظلال.
لكنها اليوم تقف على عتبة زمن غريب، حيث لا يُشترط أن يكون خلف الكاميرا مخرجٌ، ولا وراء السيناريو كاتبٌ ينهكه السهر والإبداع، فهناك عقل جديد يتسلل في صمت، لا يشعر ولا يحلم، لكنه يصنع الحلم.
إنه الذكاء الاصطناعي، الذي تواصل السينما العربية رحلتها في استكشاف عوالمه لتُعيد تعريف مفاهيم الإنتاج الفني، ففي الخليج العربي، تشهد المنطقة تجربة «الممثل الرقمي»، وفي مصر استخدمت استوديوهات السينما التقنيات الجديدة لتحسين جودة الصوت واستعادة لقطات أرشيفية قديمة، لتعيد الحياة إلى كنوز بصرية مهددة بالزوال، أما في لبنان وتونس، فقد تم البدء في دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات التصميم الصوتي وتصحيح الألوان، وفي المهرجانات العربية، تستخدم التقنيات الجديدة في برمجة الفعاليات، وتقديم الترجمة اللحظية، وتعزيز تفاعل الجمهور، أما في قطاع الإعلانات، فهناك الشخصيات الاصطناعية التي تؤدي أدواراً كاملة من دون الحاجة لممثل بشري. وفي إحدى الحملات الرمضانية الأخيرة، أُعيد إحياء وجه ممثل راحل بدقة مذهلة، الأمر الذي أربك حتى أقرب الناس إليه.
ورغم أن السينما العربية لم تُنتج بعد فيلماً كاملاً بالذكاء الاصطناعي، إلا أن التحدي يطرح سؤالاً جوهرياً حول قدرته على إعادة تشكيل الفن العربي.
الفنان عصام عمر، يرى أن الذكاء الجديد قد يحول الفن لمنتج تقني يفتقر إلى روح الإبداع البشري، فمهما تقدمت التقنية، لا يمكنها محاكاة التجربة الحية للفنان.
ويقول المؤلف مدحت العدل، إنه يبحث عن التوازن بين التطور التكنولوجي والحفاظ على جوهر الفن، ورغم إقراره بمساهمة الذكاء الاصطناعي في تحسين جوانب الإنتاج، إلا أنه يصر على أن «الفكرة والرسالة» تبقيان العنصرين الأساسيين، لا يمكن للآلة أن تتفوق في ترجمة الواقع الاجتماعي والإنساني إلى أعمال فنية ذات طابع ثقافي عميق.
أما الفنانة منى زكي، فقد قررت أن تتخذ موقفاً حذراً، لكن متفائلاً، فهي ترى في الذكاء الاصطناعي أداة لتطوير وتحسين الجوانب التقنية، خاصة في المؤثرات البصرية، ومع ذلك، تؤكد أن جوهر الفن يظل في العلاقة الإنسانية العميقة بين الممثل وجمهوره. لكن من جهتها، المخرجة نادين لبكي، ترى أن التقنيات الجديدة يمكن أن تكون مفيدة في تحسين جودة الصورة والصوت، لكنها تبدي حذراً شديداً من الإفراط في استخدامها، فالفن، في نظرها، يتولد من الحياة نفسها وتفاصيلها الصغيرة، وهي أمور يصعب على الخوارزميات التقاطها. من الناحية القانونية، يشير الخبير عاصم قنديل، إلى أن حقوق الصور والأصوات المستنسخة بالذكاء الاصطناعي تشكل تحديات قانونية جديدة، ففي ظل غياب التشريعات الواضحة، يبرز السؤال حول ملكية هذه الحقوق، مما يستدعي تطوير قوانين أكثر تحديداً لحماية الأفراد من استغلال صورهم وأصواتهم دون إذن.
في كل الأحوال، يتقدم الذكاء الجديد الصفوف، وقد تصبح وظيفة المخرج أشبه بـ«المشرف التقني» بدلاً من «صانع» العمل الفني، أما الكتاب والمصممون والمونتيرون، فهم أيضاً مهددون بالتقنيات الذكية التي تولد سيناريوهات وصوراً وتعديلات فنية متقدمة.