خيارات لحسم مشكلة الحدود البحرية بين العراق والكويت
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
عادت الخلافات الحدودية بين العراق والكويت إلى دائرة الضوء بعد أن أصدر الطرفان خلال الأسابيع الماضية بيانات أشارت إلى أهمية حسم الملفات العالقة والالتزام بالاتفاقات المشتركة، في حين وصف سياسيون ومراقبون لموقع الحرة بعض القرارات التي فرضت على العراق بـ"المجحفة" وذكروا أن حل الموضوع مرهون بالتزام الطرفين بالدساتير والقانون الدولي.
ففي العراق، أعلن وزير الخارجية، فؤاد حسين، قرب انطلاق المفاوضات بين البلدين لحل "الملفات العالقة".
وجاء ذلك، خلال لقائه في واشنطن، الخميس، مع مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، إذ أشار حسين إلى أن "الحوارات هي السبيل الصحيح لحل المشاكل" بحسب بيان لوزارة الخارجية العراقية.
وفي الطرف الآخر، أكد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة أهمية "التزام العراق بسيادة الكويت وسلامة أراضيها واحترام الاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، سيما قرار مجلس الأمن رقم 833 في شأن ترسيم الحدود بين الكويت والعراق".
وفي بيان صدر عقب اجتماعهم في نيويورك، في 25 من سبتمبر الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا الوزراء الحكومة العراقية "إلى ضمان بقاء اتفاقية الكويت والعراق لتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله سارية المفعول".
في يناير عام 2013 أقر مجلس الوزراء العراقي، اتفاقية مع الكويت تتعلق بتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله المطل على مياه الخليج. وصادق مجلس النواب العراقي على الاتفاقية في وقت لاحق من العام ذاته لتدخل رسميا حيز التنفيذ.
وبعد مضي عقد من الزمن، قررت المحكمة الاتحادية في العراق عدم دستورية الإتفاقية وبررت قرارها "لمخالفة أحكام المادة (61/ رابعا) من دستور جمهورية العراق التي نصت على أن عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية تنظم بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".
قرار المحكمة العراقية أعاد إلى الواجهة المشاكل الحدودية بين بغداد والكويت، التي تعهد البلدان على تجاوزها مؤخرا، بعد التحسن التدريجي في العلاقات خلال السنوات الماضية.
عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي النائب مثنى أمين لخص في حديث لموقع الحرة أبرز الملفات العالقة بين العراق والكويت منها إعادة رفات الأسرى الكويتين وإرجاع الآثار والمقتنيات التي "أُخذت من الكويت" أثناء غزو العراق للدولة الخليجية، بحسب تعبيره.
وكان رئيس جمعية "أهالي الشهداء الأسرى والمفقودين الكويتية"، فايز العنزي، قد أوضح في حديث لصحيفة "الأنباء" المحلية في أغسطس الماضي، أن الكويت تمكنت من إعادة رفات 294 شخصا من العراق، فيما لا يزال 311 شخصا في عداد المفقودين، بينهم أشخاص من جنسيات غير كويتية.
الملاحة البحرية .. ملف "معقد" بين الكويت والعراقالملف الأهم بالنسبة لعضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي النائب مثنى أمين، هو موضوع تنظيم الملاحة البحرية، ويقول إن هذا الملف معقد وفيه إشكالات سيما بسبب رفض أطراف عراقية لبعض الشروط التي فُرضت على بلدهم جراء خضوعه لعقوبات الفصل السابع اثر غزوه للكويت عام 1990، بحسب تعبيره.
أمين قال إن ملف المياه الأقليمية وحرية الحركة فيها مهم جدا بالنسبة للعراق، ودعا إلى ضرورة "إعادة النظر باتفاقيات الملاحة بين البلدين بحيث لا تؤثر سلبا على موانئ العراق وتحجم من دورها" بحسب تعبيره.
عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي أشار أيضا إلى أن العديد من العراقيين يرون أن بلدهم فرضت عليه قرارات وصفها بـ"المجحفة" وأنهم يطالبون بإعادة النظر فيها. مشيرا إلى أن "حل مشكلة تنظيم الملاحة البحرية وترسيم الحدود بين البلدين يحتاج إلى مرونة بين الطرفين".
أمين قال أيضا لموقع الحرة إن العلاقات العراقية الكويتية شهدت تحسنا ملحوظا في الفترة الأخيرة بالأخص بعد أن أغلق مجلس الأمن رسميا، في فبراير عام 2022، ملف تعويضات الكويت بعد تسديد العراق مبلغ 52.4 مليار دولار، بحسب تعبيره
وأوضح أمين أن العراق خرج من طائلة إجراءات الفصل السابع لمجلس الأمن الدولي بعد دفع تعويضات الكويت، وأن العراق نُقل من الفصل السابع إلى الفصل السادس لحل بقية الملفات العالقة مع الكويت.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن الفصل السادس معني بـ"التسوية السلمية للنزاعات" ويتناول "ممارسات مجلس الأمن الرامية إلى ترويج وتنفيذ التوصيات أو الطرائق أو الإجراءات التي تروم التسوية السلمية للمنازعات في إطار المواد 33-38 من الفصل السادس والمادتين 11 و99 من ميثاق الأمم المتحدة. وإجمالاً، يحتوي الفصل السادس على شتى الأحكام التي يجوز لمجلس الأمن أن يقدم بمقتضاها توصيات إلى الأطراف المتنازعة أو الأطراف في حالة ما".
تنص الاتفاقية على تقسيم مياه خور عبد الله بالمناصفة بين البلدين، انطلاقا من قرار مجلس الأمن الدولي التابعة للأمم المتحدة "833" الصادر عام 1993 الذي أعاد ترسيم الحدود في أعقاب الغزو العراقي على الكويت.
ويعترض عراقيون على هذه الاتفاقية لأنهم يعتبرون أنها تمنح الكويت أحقية في مياه إقليمية داخل العمق العراقي، مما يعيق حركة التجارة البحرية أمام الموانئ المحدودة للبلاد.
يقول الخبير القانوني الدكتور عدنان الشريفي لموقع الحرة إن جميع قرارات المحكمة الاتحادية في العراق ملزمة بحسب مبدأ "سمو الدساتير الدولي" وإن المحكمة استندت إلى المادة 61 من الدستور العراقي عندما قررت عدم دستورية هذه الاتفاقية، مشيرا إلى أن هذه الخطوة هي جزء من "عرف دولي" يخص دور الجهات القضائية في الرقابة على القوانين والمعاهدات.
يضيف الشريفي أن الدستور العراقي اشترط عند التصديق على المعاهدات والاتفاقات، بوجود ثلثي أعضاء البرلمان العراقي، "وهذا لم يحدث في جلسة التصويت على الاتفاقية عام 2013".
أمام العراق والكويت الآن مساران، كما يقول الخبير القانوني، الأول هو أن يعيد البرلمان العراقي التصويت على الاتفاقية بأغلبية ثلثي الأصوات لتكون نافذة ومُلزمة، أما إذا رفض البرلمان التصويت على الاتفاقية، وهو السيناريو الثاني، فبإمكان الكويت في هذه الحالة اللجوء إلى المحكمة الدولية لقانون البحار.
وأوضح الشريفي أن اتفاقية عام 2013 "جرت دون مشاورة جميع الأطراف العراقية وأن العديد منها ترى أن الاتفاقية بصيغتها الحالية لا تحمي مصالح العراق" مضيفا أن الخيار أمام الكويت الآن هو أن تعيد التفاوض للتوصل إلى اتفاقية جديدة ترضي الطرفين وتحمي حقوقهم وفقا للمعايير والقوانين الدولية.
الخبير القانوني نفى إمكانية تعرض العراق لأي إجراءات ضده بسبب رفضه الاتفاقية الحالية، لكنه أشار إلى تبعات سيتعرض لها البلد في حال رفعت الكويت قضية في المحكمة الدولية وربحتها لكن العراق رفض الالتزام بها، "في هذه الحالة فقط سيتعرض العراق إلى عقوبات دولية".
ويشرح الشريفي المادة 14 من اتفاقية خور عبد الله والتي نصت بوضوح على أنه "يستوجب على الطرفين أولا حل الخلاف ودياً، وفي حال فشل التوافق، يحال الخلاف إلى المحكمة الدولية لقانون البحار التي ستكون قراراتها ملزمة للطرفين".
ويضيف أنه بناء على بنود الاتفاقية الحالية، فعلى الكويت أولا أن تحل هذا الإشكال عن طريق التفاوض والحل الودي، لكن "لجوء الكويت إلى بيانات الاستنكار والشجب والتصعيد هي مخالفة واضحة لبنود الاتفاقية" بحسب تعبيره.
وفي لقاء خاص مع موقع الحرة، قال وزير الاعلام الكويتي الأسبق، سامي النصف، أن "الكويت أكدت أكثر من مرة أن القضية "عراقية-عراقية"، وليس لديها أي اعتراض إذا أعادت الحكومة العراقية هذه الاتفاقية إلى البرلمان للمصادقة عليها من جديد".
وأشار النصف إلى أن "أي تحرك أو إجراء آخر سيكون دليلا عن وجود جهات تحاول 'زرع الألغام' في العلاقات بين البلدين، والعراق سيكون هو المتضرر الكبير في حال تم رفض هذه الاتفاقية، لأن الكويت تقع ضمن منظومة خليجية متكاملة ومن مصلحة العراق أن يعزز علاقاته مع هذه الدول".
وبشان اعتراض أطراف عراقية على الاتفاقية التي قالوا إنها تغبن حق العراق في الملاحة، أضاف الوزير الكويتي السابق أن هذا الأمر غير صحيح "بدليل أن العراق يبني الآن واحدا من أكبر الموانئ في المنطقة، ميناء الفاو العراقي أكبر من جميع موانئ الكويت مجتمعة، وبالتالي لا يوجد أي 'خنق' للعراق في الملاحة البحرية. العراق يمتلك أيضا موانئ أخرى على الخليج مثلا ميناء أم قصر والزبير".
وذكر أن "الكويت تاريخيا ساعدت العراق في الملاحة البحرية، فالموانئ الكويتية هي التي دعمت العراق خلال الحرب مع إيران والتي أجبرت العراق آنذاك على غلق جميع موانئه"، على حد قوله.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: اتفاقیة خور عبد الله بین العراق والکویت البرلمان العراقی الملفات العالقة الملاحة البحریة على الاتفاقیة هذه الاتفاقیة وزیر الخارجیة الفصل السادس مجلس التعاون بحسب تعبیره لموقع الحرة بین البلدین مجلس الأمن إلى أن
إقرأ أيضاً:
من لبنان إلى سوريا.. تفاصيل أكبر العصابات التي تطوّق الحدود
رغم سقوط النظام السوري السابق أواخر العام الماضي، لم تتراجع وتيرة تجارة الكبتاغون على الحدود اللبنانية–السورية. فخلافًا لتوقعات بعض الجهات الأمنية والدولية، لم يؤدِ غياب القيادة المركزية القديمة في دمشق إلى تفكيك الشبكات المنظمة أو الحد من تدفق الحبوب المخدّرة، بل على العكس، تشير معطيات ميدانية إلى أن أنماط التهريب أصبحت أكثر مرونة وتكيّفًا مع التغيرات السياسية في سوريا، خاصة في المناطق التي لم تستطيع الإدارة الجديدة السورية وضع يدها عليها، إذ تنشط فيها شبكات ضخمة جدًا متصلة بشبكات لبنانية، تحاول القوى الأمنية في لبنان التضييق عليها، من خلال عمليات استيباقية، تؤتي ثمارها في معظم الأحيان.وبحسب مصدر أمني لبناني قال لـ"لبنان24" أن "الحدود لا تزال تشهد حركة تهريب نشطة ومنظمة، بمعدل لا يقل عن أربع محاولات تهريب أسبوعيًا، معظمها يُكتشف بعد دخولها الأراضي اللبنانية". ويُضيف المصدر أن ما تبقى من عناصر الأمن العسكري والمخابرات السورية السابقة ما زالوا يوفّرون الغطاء اللوجستي للشحنات، مقابل حصص مالية مباشرة، تُسلَّم نقدًا عبر سماسرة يرتبطون بشبكات تتواجد في الشمال السوري.
ما يثير القلق، بحسب المصدر، ليس فقط استمرار عمليات التهريب رغم انهيار القيادة المركزية السابقة، التي تتهمها دول الغرب وأميركا بأنّها هي التي كانت تمول هذه الشبكات، بل القلق من تحوّل هذا الانهيار إلى محفّز لتوسّع الشبكات القديمة، ومحاولة حصر عملها في منطقة واحدة بغية الاستفادة من الغطاء الأمني، الذي يوفره فلول النظام السابق.
في المقلب اللبناني، لا يبدو أن الأجهزة قادرة على فرض رقابة دائمة على الشريط الحدودي، لا بسبب قلة الموارد فحسب، بل لأن أساليب التهريب تطورت بشكل لافت. ويوضح المصدر أن "الشحنات لم تعد تمرّ فقط عبر الطرق الجبلية التقليدية، بل باتت تُنقَل باستخدام دراجات كهربائية صغيرة مموّهة، وحتى عبر أنفاق ترابية قصيرة تم حفرها خلال السنوات الماضية، أو من خلال شحنات أدوات كهربائية".
وكشفت معلومات حصل عليها "لبنان24"، أن بعض المزارع المهجورة على الجانب اللبناني تُستخدم كمستودعات لتخزين الحبوب قبل توزيعها داخليًا أو شحنها إلى سوريا. وقد تمكنت الأجهزة الامنية، خاصة في الجانب السوري، من ضبط أجهزة تغليف حراري ومولّدات كهربائية تعمل على الطاقة الشمسية، ما يشير إلى وجود بنية صناعية شبه مكتملة لعمليات التحضير والتوضيب. ورغم التصعيد الواضح في وتيرة التهريب، لا تزال السلطات سواء في لبنان أو سوريا تعمل على عدم الكشف عن الحجم الحقيقي لعمليات التهريب. لكن المصدر الأمني أكّد لـ"لبنان24" أنّه في حال استمرار الوضع على حاله فإن ذلك "يُنذر بتحوّل بعض المناطق الحدودية إلى مساحات خارجة عن السيطرة الفعلية، ما يهدد بظهور بيئات أمنية رمادية تُدار فيها الأمور بقواعد موازية، يصعب على الدولة ضبطها لاحقًا".
المسألة لم تعد تقتصر على شحنات عابرة، بل تتجاوزها إلى ما يُشبه تشكّل بنية اقتصادية غير رسمية، تنمو على هامش الدولة، وتتمدّد بفعل غياب الرقابة. هذه البنية، التي يؤمنها التمويل السريع وسهولة التحرك، باتت تؤثر على الواقع الاقتصادي المحلي، وتجذب شرائح اجتماعية باتت ترى في الكبتاغون موردًا "واقعياً" أكثر من أي مشروع إنتاجي آخر.
تشير تقديرات متقاطعة إلى أن سوريا باتت اليوم بؤرة رئيسية لإنتاج الكبتاغون في المنطقة، مع مصانع قادرة على إنتاج ملايين الحبوب يومياً، وتجارة تتجاوز قيمتها السنوية خمسة مليارات دولار. هذا الواقع ينعكس بوضوح على لبنان، حيث تنشط عمليات التهريب عبر الحدود غير المضبوطة، وتنتشر معامل التصنيع في مناطق محاذية لسوريا. وخلال عام 2024 وحده، تمكنت القوى الأمنية اللبنانية من ضبط وإتلاف أكثر من 42 مليون حبة كبتاغون، إلى جانب شحنات منفصلة فاقت 9 ملايين حبة في عمليات نوعية متفرقة. ورغم هذه الجهود، تبقى الأرقام الرسمية مجرد جزء من الصورة الكاملة، إذ إن معظم الشحنات تمر عبر طرق تهريب معقدة يصعب رصدها بالكامل، ما يجعل من لبنان وسوريا محوراً أساسياً في شبكة إقليمية متنامية لإنتاج وتهريب الكبتاغون.
في هذا الواقع المفتوح، يبدو التحدي الحقيقي أبعد من مجرد إقفال ممرات التهريب. ما يُبنى اليوم على أطراف الدولتين هو نمط اقتصادي موازٍ، بدأ يفرض منطقه الخاص، ويُهدد بإعادة رسم المشهد الأمني على إيقاعه. ولذلك، فإن أي خطة جدية لمكافحة التهريب لا بد أن تخرج من إطار الحواجز الأمنية التقليدية، لتتضمن تنسيقًا استخباراتيًا، مراقبة تقنية متطورة، واستحداث بنية رقابية متحركة. فالمعركة ليست ضد المهرّبين فحسب، بل ضد فراغ بدأ يُملأ بمنطق لا يعترف بحدود، ولا بقوانين دول.
المصدر: خاص لبنان24 مواضيع ذات صلة عصابات تطوّق الضاحية.. معركة إنهائها "مطروحة"! Lebanon 24 عصابات تطوّق الضاحية.. معركة إنهائها "مطروحة"!