انكماش وحرب مكلفة.. هذه تأثيرات حرب غزة والتصعيد الأخير على دول المنطقة
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرًا تناولت فيه التأثيرات الاقتصادية للحرب التي اشتعلت عقب هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وأسفرت عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص.
وفي حين امتدت الحرب إلى ما هو أبعد من إسرائيل وغزة ليشمل لبنان والآن إيران، إلا أن الآثار الاقتصادية ظلت محدودة إلى حد كبير على المشاركين المباشرين في الحرب، فحتى أسعار النفط ظلت مستقرة إلى حد كبير، على عكس ما حدث خلال الحروب الأخيرة في الشرق الأوسط.
واستعرضت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، هذه الآثار من خلال حوار أجرته مع الكاتب آدم توز، والذي أرجع عدم اتساع دائرة التأثير الاقتصادي لهذه الحرب على المستوى الإقليمي إلى حصار غزة الذي دام لسنوات طويلة والضرر الذي خلفه هذا الحصار؛ حيث كانت غزة لا تمتلك أهمية اقتصادية طويلة.
وكذلك الضفة الغربية، على الرغم أنها أكثر تكاملاً مع اقتصاد جيرانها، وخاصة إسرائيل، لكنها أيضًا منطقة صغيرة، مشيرًا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي قبل اندلاع الأزمة كان يبلغ أقل من 18 مليار دولار، ثم انخفض لاحقًا بنسبة 20 إلى 25 بالمائة، على الأرجح.
وأضاف توز أن هذه الضربة الهائلة يمكن مقارنتها بأسوأ فترات إغلاق كوفيد؛ حيث تعتبر صدمة وكسادًا مدمرًا حقًا، لكن كلا الاقتصادين صغير وغير قادر على زعزعة استقرار الاقتصادات الكبرى المحيطة بهما. ولا ترقى هذه الاقتصاديات الصغيرة لهذه الكيانات - حتى إذا أضفنا إليه إقتصاد سوريا المدمرة منذ خمسة عشر سنة، والأزمة في لبنان ــ إلى مستوى تلك الاقتصاديات التي تستطيع إحداث هزات ضخمة.
وبحسب توز، يرجع هذا إلى التفاوت في العوائد، فدول الخليج، أو مجلس التعاون الخليجي يبلغ الناتج المحلي الإجمالي فيها 2.3 تريليون دولار. وإذا أضفنا قطر، فإن الناتج المحلي الإجمالي يقترب من 2.5 تريليون دولار. بينما تعتبر إيران معزولة إلى حد كبير عن جيرانها بسبب مجموعة متنوعة من آليات العقوبات المفروضة عليها. وتمر العراق في دوامة أزمات متكررة، وتعتمد بشكل غير صحي على صادراتها النفطية.
وأوضح توز أن الحديث هنا عن منطقة مفككة وغير متماسكة تمامًا وليس عن اقتصاد إقليمي متكامل حقًا حيث تواصل دول الخليج توليد عائدات ضخمة من صادرات الوقود الأحفوري، والتي يتم توجيهها إلى حد كبير نحو الأسواق الآسيوية، ولكن المنطقة ككل غير متماسكة تماما؛ حيث إن أكثر منطقة متورطة في الأزمة معزولة، بينما الدول الكبيرة جدًا، والتي لا يمكن السماح لها بالإفلاس مثل مصر، مدعومة بشكل أساسي بالدعم الخارجي من صندوق النقد الدولي والمساعدات الكبيرة جدًا من الأموال الخليجية، سواء من الإمارات أو السعودية.
وبسؤاله عن نوع الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها إسرائيل، أفاد توز بأن الاقتصاد السياسي الحالي لإسرائيل تم بناؤه لهذا الغرض؛ حيث لم تعد إسرائيل في الوضع الذي كانت عليه في السبعينيات والثمانينيات عندما كانت تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية.
واعتبر أن اقتصاد إسرائيل غنيٌّ للغاية؛ حيث كان يفوق نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي من نظيره في ألمانيا. إنها مختلفة تمامًا عن مشروع الاستعمار الاستيطاني الفقير نسبيًا في الخمسينيات والستينيات، لكنها تراهن على حرب متصاعدة.
وأوضح توز أن هذه الحرب لا تشبه ما حدث في سنة 1973 عندما واجه الإسرائيليون تهديدًا وجوديًا، بل إن إسرائيل تعمل بشكل متعمد على تصعيد الدمار في غزة والجهود المبذولة للتعامل مع حزب الله في لبنان، وهو الأمر الذي يعتبر مكلفا للغاية.
ووفقاً للبنك المركزي الإسرائيلي، فإن الفاتورة الحالية التي يعتقدون أنها ستصل إلى 66 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 11 بالمائة أو 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي قبل الحرب. ويتم إنفاق هذا المبلغ على مدى عدة سنوات، لذا فإن التكلفة لا يتحملها الاقتصاد دفعة واحدة. وحتى مع المساعدات الأمريكية، التي تصل إلى نحو 14 مليار دولار إلى 15 مليار دولار ـ أي ما بين 20 بالمائة و25 بالمائة من هذا الإجمالي ـ فإن هذا يشكل عبئاً ثقيلاً.
وأضاف توز أن السياحة إلى إسرائيل قد انخفضت بنسبة 75 بالمائة وهو ما يُعتبر أمرًا ضارًا للأعمال. كما أنهم اضطروا إلى تعبئة مئات الآلاف من الجنود، وذلك من أجل تحقيق هدف الحكومة الإسرائيلية بتوسيع نطاق الحرب وشن حملة متزامنة في غزة ولبنان.
ومن الواضح أن هذا من شأنه أن يعطل إسرائيل التي يبلغ تعداد سكانها عشرة ملايين نسمة، هذا إلى جانب فرض حظر على العمال القادمين من الضفة الغربية لأسباب أمنية وسياسية؛ حيث فقد ما بين 80 ألفاً و150 ألف عامل تصاريحهم.
وذكر توز أن هناك انعدام للأمان في الأسواق العالمية فيما يتصل بإسرائيل، وذلك بعد أن كانت لفترة طويلة تعد رهانًا آمنًا للغاية بالنسبة للمستثمرين الماليين، إلا أنها أصبحت تفقد هذه المكانة إلى حد ما. فلم تعد إسرائيل مركز التكنولوجيا الجذاب الذي كانت عليه سابقًا.
وليس من المستغرب إذن أن تتراجع تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي من انتعاش سريع نسبيًا من كوفيد-19 بنسبة 3 أو 4 بالمائة إلى ما يقرب من الصِفر أو ربما نصف نقطة مئوية في المستقبل القريب.
لذا فإن إسرائيل تنمو ببطء، وتواجه زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي، مع إضافة عدة نقاط مئوية، ربما تصل إلى 10 نقاط مئوية، من الناتج المحلي الإجمالي. ولهذا السبب خفضت وكالتا التصنيف ستاندرد آند بورز وموديز تصنيف إسرائيل بعدة درجات هذه السنة، وفقا للمجلة.
وأشار توز إلى أن إسرائيل رغم كل ذلك تبقى بمستوى ديون إلى الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 60 بالمائة، وهو نصف مستوى ديون الولايات المتحدة، ولا تزال تكاليف اقتراضها قريبة من تكاليف الاقتراض الأمريكية، مما يعني أنها ليست في خطر كبير من أن تصبح ديونها كبيرة.
وبسؤاله عن تأثير التصعيد الأخير على إيران من الناحية الاقتصادية؛ قال توز إن الناتج المحلي الإجمالي لإيران يبلغ 380 مليار دولار، مقابل أكثر من 500 مليار دولار لإسرائيل التي يبلغ سكانها 10 ملايين نسمة.
وهذا يعتبر تباينًا غير معقول. فلا يتوقع أن يكون لدى إيران ناتج محلي إجمالي للفرد أعلى من إسرائيل، لكن من المتوقع ألا يكون الفارق بهذا الحجم. وهذا يعكس المشاكل التنموية للنظام الإيراني منذ الثورة وما قبلها، وأيضًا تأثير العقوبات التي تعرضت لها إيران عبر الزمن، وخاصة بعد انهيار الاتفاق النووي في إدارة ترامب.
ومع هذا النوع من الناتج المحلي الإجمالي، فإن إيران لديها الموارد الكافية لتقديم مليارات الدولارات لحزب الله ودعم حماس، مما يمكنها من القيام بتدخلات منخفضة التقنية والتكلفة بحسب توز.
وأضاف توز أن بمثل هذا القدر من المال تستطيع إيران تمويل تصنبع صزاريخ كروز منخفضة التقنية وبرنامج تطوير نووي مكلف ذلك أن مبلغ 380 مليار دولار يكفي لتمويل هذا البرنامج. ولكن يظل الإنفاق العسكري الإسرائيلي في الوقت الحالي أكبر بنحو أربعة أمثال الإنفاق العسكري الإيراني، وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وشدد توز على أن عواقب التصعيد بالنسبة لإيران ستكون أكثر قسوة مما هي عليه بالنسبة لإسرائيل، لأن إيران تواجه هامشًا أصغر من الفائض الاقتصادي مقارنةً بالاقتصاد الإسرائيلي الثرى. ويمكن القول إن إيران قد تكيفت مع العقوبات، لكن أي موجة ضغط جديدة ستكون مدمرة بالنسبة لها.
وبين أن ذلك يظهر بوضوح في انخفاض قيمة عملتها؛ حيث تراجع الريال من 32,000 إلى 580,000 مقابل الدولار منذ انهيار الاتفاق النووي. وهذا يوضح مدى الانخفاض في القوة الشرائية في إيران، فالمجتمع الإيراني لا يستطيع تحمل ضغوط إضافية بسهولة، حيث تدور السياسة الإيرانية حول القضايا الاقتصادية، مما يجعل الحرب مكلفة للغاية.
وتعد إيران موردًا رئيسيًا في سوق النفط حاليًا؛ حيث تمثل حوالي 4 بالمائة من الإنتاج العالمي. وعلى الرغم من أن إدارة بايدن لم تكن متساهلة مع إيران، إلا أنها تجاهلت إلى حد كبير صادرات النفط الإيرانية، بهدف تخفيف الضغط على الأسواق العالمية، حيث تعتبر إيران موردًا غير معترف به لكن مهمًا للصين.
وقد تعطيها هذه النسبة - من وجهة نظرها- نفوذًا ضئيلًا، حيث يعتمد الأمر بشكل كبير على مدى استعداد السعودية لتعويض أي نقص في الإمدادات الإيرانية في حالة حدوث أزمة. ولا يمكن لطهران الاعتماد على موقف ودود من الجانب السعودي.
وبسؤاله عن إذا كانت غزة ستتعافى من هذه الأزمة، فقد أشار توز إلى الحسابات الصادمة التي قامت بها الأمم المتحدة حول الوقت الذي سيستغرقه إزالة الأنقاض، والتي تقدرها بـ40 مليون طن، لكن هذه الأنقاض تحتوي على آلاف القطع غير المنفجرة من الذخائر الإسرائيلية، الكثير منها تم توريده ودفع ثمنه من قبل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى آلاف الجثث التي لم تُنتشل بعد وتحتاج إلى دفن لائق.
واختتم توز حديثه مؤكدًا أنه من الواضح أن إسرائيل كانت تسعى لجعل غزة غير صالحة للعيش، وهو الهدف الذي أصبح الآن هدفًا واضحًا للحرب، حيث يسعى لتغيير ظروف الحياة والتنظيم الاجتماعي والسياسي في المنطقة بشكل دائم. لذلك فإن التعافي في هذه الظروف لا يمكن أن يحدث إلا من خلال اتفاق ما أو صفقة إقليمية، وهو ما لم يتم التخطيط له حتى الآن.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الاقتصادية لبنان إيران غزة إيران اقتصاد لبنان غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الناتج المحلی الإجمالی ملیار دولار إلى حد کبیر
إقرأ أيضاً:
النقد الدولي: اليمن يواجه أزمة إنسانية حادة ولابد من تحصيل الإيرادات كاملة وتعديل الدولار الجمركي
أكد صندوق النقد الدولي، أن اليمن يواجه أزمة إنسانية حادة، مشددا على ضرورة تفعيل تحصيل الإيرادات بشكل كلي وترشيد النفقات الحكومية وتعديل سعر الدولار الجمركي، لتجنب الإنهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد الغارقة بالحرب منذ أكثر من 10 سنوات.
جاء ذلك في البيان الختامي الصادر عن بعثة الصندوق بشأن مشاورات المادة الرابعة لعام 2025م، مع الحكومة اليمنية، بعد توقف دام 11 عاما، جراء الصراع في البلاد.
وقال البيان: "تركت سنوات من الحرب الأهلية اليمن واحدا من أكثر بلدان العالم هشاشة، حيث يواجه أزمة إنسانية حادة وضعف كبير في الاقتصاد الكلي. وعلى مدار العقد الماضي، انكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنحو 27%، وتراجع متوسط دخل الفرد، وأدى انخفاض قيمة العملة والتضخم إلى كبح الدخول الحقيقية. وبعد أن أوقفت هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية صادرات النفط في عام 2022، أصبح اليمن مستوردا للنفط. وتُصنف الأزمة الإنسانية في اليمن من بين أسوأ الأزمات في العالم، حيث يحتاج أكثر من نصف السكان إلى مساعدات إنسانية عاجلة".
وأوضح أن النزاع الدائر في البلاد، أدى إلى "انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع، ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة، وتفشي الأمراض، ونزوح جماعي للأسر، مما ترك الأطفال على وجه الخصوص معرضين للخطر. وعلى الرغم من تقديم المنظمات الدولية والشركاء الثنائيين للمساعدات، إلا أن حجم الأزمة يفوق الموارد المتاحة".
وأشار إلى أن تدهور الأوضاع المالية للحكومة أدت لانخفاض الإيرادات الحكومية من 22.5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014 إلى أقل من 12% في عام 2024، بينما ارتفع الدين العام إلى أكثر من نسبة 100% من إجمالي الناتج المحلي للمناطق المحررة، وتراكمت المتأخرات المستحقة لمعظم الدائنين الخارجيين.
ولفت البيان، لتوسع عجز الحساب الجاري من 2.1% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014 إلى ما يقرب من 11% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2024، وانخفاض تغطية الاحتياطيات الدولية بشكل كبير إلى أقل من شهر واحد من الواردات - على الرغم من الدعم المالي الكبير المقدم من المملكة العربية السعودية والذي بلغ مجموعه حوالي 2 مليار دولار خلال الفترة 2023-2024.
وقال البيان، بأنه وفي عام 2024، انكمش اقتصاد اليمن للعام الثالث على التوالي، حيث انكمش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1.5% بسبب انخفاض إنتاج النفط والغاز المسال، والصادرات، والاستهلاك المحلي في ظل احتواء الأجور العامة وارتفاع التضخم. وبلغ التضخم 27% في عام 2024، وارتفع إلى أكثر من 35% على أساس سنوي مقارن بحلول يوليو 2025، بسبب تراجع قيمة الريال اليمني بنسبة 30% منذ بداية العام، نتيجة لتدفقات النقد الأجنبي المحدودة وانخفاض الثقة، مما دفع الحكومة المعترف بها دوليا إلى اتخاذ إجراءات لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف في أغسطس الماضي.
ونوه لتحسن عجز الحساب الجاري من 40.6% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022 إلى 14.5% في المتوسط خلال الفترة 2023-2024، بفضل ضغط الواردات، وتحويلات العاملين القوية، والمنح الثنائية.
ويتوقع الخبراء حدوث انكماش معتدل في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 0.5% في عام 2025، نتيجة انخفاض الإنفاق الحكومي وانخفاض الإنفاق على خدمات الكهرباء في ظل محدودية التمويل المتاح، حيث من المتوقع أن يتراجع التضخم في وقت لاحق من هذا العام، مع ارتفاع قيمة الريال اليمني واستقراره استجابة للتدابير المتعلقة بسعر الصرف التي اتُخذت في أغسطس الماضي، على الرغم من أنه من المرجح أن يظل الاستهلاك الخاص ضعيفا رغم تحويلات العاملين القوية.
ودفع توقف الإيرادات النفطية، الحكومة اليمنية إلى تشديد السياسات، بالإضافة للدعم المالي المقدم من الشركاء الإقليميين خفف من التأثير الاقتصادي لتوقف صادرات النفط
وأرجع البيان، أسباب انخفاض إيرادات الحكومة منذ عام 2022 بأكثر من 8 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي بسبب توقف صادرات النفط، وتحول التجارة إلى الموانئ الشمالية، وتزايد التهريب، واستقطاع المحافظات لإيرادات الحكومة المركزية دون وجه حق.
وأشار البيان، إلى أن من بين الأسباب لضعف إيرادات الحكومة التنافس بين المحافظات على حركة الموانئ إلى اختلاف معدلات الضرائب، وتفاوت التعريفات الجمركية، وانخفاض الإيرادات الكلية الممكنة للحكومة، الأمر الذي أدى لانخفاض الإنفاق الحكومي بنسبة 5.4 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي.
وأكد أن الدعم القوي المقدم في شكل منح من المملكة العربية السعودية، ساهم في خفض العجز بأكثر من 10 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2022، ليصل إلى 1.9% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2024م، حيث اعتمد التمويل الحكومي في الأساس على السحب على المكشوف من الخزانة، والذي قام البنك المركزي اليمني بتعقيمه بشكل أساسي باستخدام الودائع السعودية لبيع احتياطيات النقد الأجنبي والتحكم في نمو المعروض النقدي والتضخم.
ونوه الصندوق، بإنشاء الحكومة اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات في يوليو لتعزيز شفافية الواردات وتوجيه النقد الأجنبي إلى القطاع المصرفي الرسمي مع انخفاض المعروض من النقد الأجنبي وتزايد المضاربة على العملة في عام 2025م، حيث شملت التدابير المؤقتة الإضافية قيودا على مبادلات العملات الأجنبية، وحظر استخدام العملات الأجنبية لإجراء المعاملات المحلية، وإلغاء تراخيص محلات الصرافة المشتبه في تلاعبها بالعملة، وقد لاقت هذه التدابير ترحيبا من القطاع الخاص والمنظمات الإنسانية، في الوقت الذي أدت إلى ارتفاع ملحوظ في قيمة الريال اليمني واستقراره، وساعدت في خفض التضخم.
ووفقا للبيان، يُتوقع تعافي الاقتصاد اليمني إلى حد ما على المدى المتوسط، حيث تشير التوقعات إلى ارتفاع النمو تدريجيا من 0,5% في عام 2026 إلى نحو 2,5% بحلول عام 2030، بدعم من تزايد الصادرات غير النفطية، وتحويلات العاملين في الخارج، وإنتاج المنتجات النفطية المكررة لأغراض توليد الكهرباء والاستهلاك، في الوقت الذي تعد الخطة الزراعية للسلطات والتوقعات بتعجيل تنفيذ المشروعات الإنمائية الجارية من العوامل الأساسية الداعمة للحد من الاعتماد على الواردات، حيث من المتوقع استمرار تراجع التضخم بفضل انخفاض أسعار الغذاء والنفط العالمية والحدود الصارمة على التمويل النقدي.
وتحدث الصندوق عن مخاطر محلية وخارجية تؤثر على الآفاق الاقتصادية لليمن، فعلى الصعيد المحلي، يمكن أن يؤدي تجدد الصراعات الداخلية والتوترات الاجتماعية المحتملة جراء عدم اليقين الاقتصادي إلى فرض معوقات أمام الإصلاحات وزعزعة الاستقرار الاقتصادي.
وأوضح أنه على الجانب الإيجابي، من شأن نجاح جهود السلام أن تمهد الطريق لاستئناف تصدير النفط، مؤكدا أن أهم المخاطر الخارجية تتمثل في تزايد أسعار السلع الأساسية العالمية الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع قيمة العملة وارتفاع التضخم وبالتالي زيادة تآكل الدخول الحقيقية، أو تراجع المنح وبالتالي قصور موارد الميزانية والمزيد من التراجع في حجم الواردات وتدهور الأوضاع الإنسانية.
وعن التصدي لمواطن الضعف والتحديات الهيكلية الملحة، فقد أشار الصندوق الدولي، إلى إطلاق الحكومة خطة التعافي الاقتصادي في مطلع العام الجاري، حيث رحبت بعثة الصندوق بتركيز الخطة على تعزيز استدامة الموارد العامة، وكبح التضخم، وتقوية الحوكمة والمؤسسات، مشيرا إلى أن الالتزام بتنفيذ تلك الركائز يساعد في دعم استقرار الاقتصاد الكلي، منوها إلى أن الدعم المالي الخارجي الإضافي يظل أساسيًا بينما يمرّ اليمن بهذه المرحلة الحرجة.
وشدد الصندوق على استعادة سلامة الإيرادات وزيادة المتحصلات، حيث أدى احتجاز المحافظات للإيرادات الضريبية والجمركية إلى زيادة هائلة في حجم الإيرادات تحت التسوية خلال الفترة 2023-2024، مما أثر على الخدمات العامة الأساسية عبر المناطق الخاضعة للحكومة وأثار مخاوف بشأن الشفافية الضريبية والجمركية والمساءلة.
وقال بأنه من بداية العام 2026، ينبغي للسلطات أن تربط اعتمادات الصرف بالتحويل الفوري للإيرادات من المحافظات، في الوقت الذي شدد على تحسين الرقابة على الموانئ، وتوحيد وتوريد الرسوم الضريبية والجمركية من المحافظات، ودمج مؤسسات الإيرادات، بالإضافة لاتخاذ تدابير بالغة التأثير على مستوى السياسة الضريبية، ولا سيما التقييم الجمركي بأسعار الصرف السوقية، وتحديث الرسوم الجمركية، وتحسين الامتثال.
ودعا الصندوق، الحكومة للتركيز على ترشيد الإنفاق عبر إجراء مشاورات مسبقة خلال مرحلة تخطيط الميزانية، وعلى إعادة توزيع الموارد المالية على المجالات ذات الأولوية، والحد من أوجه عدم الكفاءة، وحماية الخدمات الأساسية.
وأضاف: "يمكن خفض دعم الكهرباء من خلال مواءمة التعريفات تدريجيا مع التكاليف، مع ضمان توفير الحماية الاجتماعية للمستخدمين المستحقين للتعريفات المخفضة، وتحسين عملية تحصيل الفواتير، وإلغاء اتفاقيات شراء الكهرباء غير المواتية، والتصدي للفساد".
وقال البيان، بالرغم من جهود الضبط المالي، يظل اليمن غير قادر على تحمل ديونه العامة التي فاقت نسبة 100% من إجمالي الناتج المحلي حتى منتصف عام 2025. حيث تؤكد أعباء الدين الهائلة على ضرورة إجراء مفاوضات شاملة مع الدائنين لاستعادة استدامة القدرة على تحمل أعباء الدين، داعيا البنك المركزي اليمني لمواصلة التركيز على كبح التضخم وتطبيق أسعار الصرف السوقية وضمان النزاهة المالية.